بوابة الفجر:
2025-05-24@19:35:42 GMT

ربيع جودة يكتب: علمونا بالألغاز

تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT

كنت سأختار الجلوس معه.. حتى مع فقداني لرفاهيه الوقت في تلك الليله.. وقد كنت على عجله من أمري.. لكني وجدت فيه من رسوخ الرأي.. ورجاحة العقل.. ما يجبرني على اطاله الحديث معه.. وقليل ما تجد في هذه الايام من يحنو عليك بخبره السنين. وكان حديثنا عن التربيه.. فقال بابتسامه تحمل الحنين إلى الماضي.. لقد علمني والدي بالالغاز!!.

. فتغيرت ملامحي إلى نظره تعجب كيف رباك والدك بالالغاز!!؟.. فقال الرجل كان والدي قليل الكلام.. يخبرني عن مقصده بجمله أو جملتين على الاكثر.. ثم يتركني مع الايام والمواقف هي التي تخبرني عن مراده.. فقلت له كيف ذلك سيدي.. قال حينما اشتد عودي إلى طور المراهقه دار بيني وبين أبي حديث.. اخبرته فيه بانني صرت رجلا.. فاجاب باستنكار.. لا انت لست برجل.. ستصبح رجلا عندما تستخرج البطاقه.. فصرت اعد الايام والليالي حتى صار سني ستة عشر عاما.. وجريت مسرعا استخرج تلك البطاقه واستوفي اوراقها ثم اتيته احملها في يدي.. واقول له لقد صرت رجلا يا ابي.. فقال دون ان ينظر حتي مجرد النظر..وهو يقرأ جريدته.. لم تعد رجلا بعد حتى تدخل إلى الجيش.. فأتممت دراستي وتقدمت إلى الجيش.. احمل على كتفي السلاح وارتدي الزي العسكري المهيب.. كنت اشعر بفرحه كبيره.. لكنه ابدا لم يحاول زيارتي في الوحدة كباقي الزملاء... زارتني امي واختي الكبيره وخالتي التي تحمل الطعام الشهي.. ولا ارى والدي من بينهم.. وأنا كلي شغف.. ان يراني على هذه الصوره حتى يتيقن له اني صرت رجلا.. مرت الايام وذات يوم اخبروني في الوحده ان لديك زياره.. خرجت محبطا وانا اعلم إنه ا ربما تكون خالتي أو امي.. وزملائي يهرولون من خلفي لما يعلمون ما تحضره امي من شهي الطعام.. لكنني وجدت في ساحه الانتظار والدي ياتي من بعيد يحمل في يده كيسا من اللب ياكل منه الواحده بعد الاخرى.. وقد احضره لنفسه حتى إنه لم يقم بإعطائي منه شيئا.. فقط نظر إلي من خلف نظارته العريضة.. وتساءل عن احوالي.. فقلت له يا والدي أرأيت.. لقد اصبحت رجلا.. انظر.. هذا زي الرجال.. فابتسم وهو ينتقل بنظره إلى زملائي.. من السهل ان تدخل الجيش لكن من الرجوله ان تكمل أيامه ولياليه.. لن تصير رجلا حتى تنتهي من جيشك.. حينها ادركت مراد والدي من هذا كله.. ومن الطبيعي ألا أسأله حين أنتهي من جيشي.. هل صرت رجلا في نظره ام لا.. لأني اعلم وقتها إنه سيقول لي بذات الابتسامه ستصبح رجلا عندما تفتح بيتا وتكون لك زوجة..وحين اصل إلى هذه المرحله سيقول ساخرا.. وهل كل من تزوج صار رجلا.. ستكون رجلا حين تستر بيتك وتكون كالخيمة لعيالك.. أدركت أنه يريد أن يعلمني مفهوم كلمة (مسؤولية).. ربما لو اخبرني بهذه الكلمه مجردة لم اكن لأفهمها.. بل إنه لم يحاول ابدأ أن يتحدث عنها.. وعلمت مع مرور الايام أن لديه كل الحق فكيف تستطيع ان تأمر أحدا أن يكون مسؤولا.. دون أن يعرف اولا مفهوم تلك الكلمة.. وهل بكل ما تملكه من لباقة.. تستطيع شرح كلمات كالمسؤوليه والخير والحق والخلق والجمال.. وكلها قيم مطلقه.. لا تحويها المفردات ولن تعبر عنها المعاني.. لكن حتما ستخبرك عنها المواقف.. وستحكيها لك الأيام.. انتهى الرجل من كلامه وانا انظر اليه في صمت رهيب كيف لهذا الرجل البسيط أن تكون لديه كل تلك الفلسفه.. وتعلمت منه في دقائق أن التربيه حرفه.. يجيدها فقط من تربى على يد مثل هؤلاء.. ودعني الرجل بعد أن ترك بداخلي لغزا آخر.. هل تربيتي لأولادي علي هذا النحو.. ستخرج منهم تلك الفصاحة.. أم أنني بحاجة إلي تربيتهم بالالغاز.. تماما كما يفعل هذا الحكيم

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: ربيع جودة

إقرأ أيضاً:

د. عبدالله الغذامي يكتب: المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

المثقف العضوي الذي كان يحيل إليه قرامشي لم يعُد هو نفسه اليوم، فنحن اليوم نعيش زمناً زالت معه الحدود بين النخبة والجمهور، وتساوت المهارات في استخدام الوسائل العمومية، وفي تمكن كل فردٍ من وسيلة تعبيرٍ سهلة وميّسرة له ولها، ومن ثمّ أصبح الكل يرى ويسمع ما يراه ويسمعه الكل، ولم يعُد هناك كائن بشري يعتمد على طبقة تعبّر عنه أو يعبّر عنها، وإنما أصبح الفرد يتكلم ويكتب ويتواصل ويظهر رأيه وموقفه باعتماد ذاتي وثقة باذخة، وكذلك فالسياسة اليوم أصبحت عموميةً على الشاشات بأنواعها الكبيرة والصغيرة، ودخلنا فيما سماه «ديسيرتو» بإمبراطورية النمل، أي أن الكل والجموع في معترك تتقاطع فيه الأصوات والآراء والأفكار، بل إن من كنّا نسميهم بالمثقفين في أزمنة مضت أصبحوا غرباء ويتعرضون لسهام الجماهير كلما ظهر أحدهم في وسيلة ما، ولم يعد هناك وسيلةٌ خاصة، فكل الوسائل عامة.
ويكفي أن محطة كبرى وجبارة مثل محطة CNN سمت تويتر بالطائر الثري، إشارةً إلى صورة العصفور الذي يعتلي وجه المنصة، وأن تويتر تغلبت على مراسلي الصحف والفضائيات بل وأيضاً على عملاء المخابرات السرية مذ أصبحت مجرد تغريدة في بقعة ما من المعمورة تصل لكل البشر وتنشر صورة وحكاية أي حادثة في أي بقعة من العالم وتحولها لقصة عالمية، وهذا لم يكُ متاحاً في زمن قرامشي، مما يعني تغير مفهوم المثقف تغيراً بنيوياً مذ تغيّرت وسائل التعبير وتحولت من النخبوي إلى الشعبي، ومن ثم أصبحت تفاعليةً ولم يعُد بيد أحد أن يكون طبقياً حتى وإن اشتهى ذلك، وتبعاً لهذا تغيّرت المفاهيم والمعاني واندمج الحق بالباطل والصحيح بالزائف، وهذا عقٌد المشهد وإن كان قرامشي يصدر عن مرجعية حزبية تشترط على كل أفراد المجتمع أن يتماهوا معها في معتقدها وفي مفاهيمها، واحتاجت المؤسسة تلك في ذلك الحين أن تخترع المثقف الذي سماه قرامشي بالمثقف العضوي، ومنه جاءت أفكارٌ حول المثقف المنتمي لعصبة معينة، وهي عصبة تحتاج لتجنيد ذهني لحماية قوتها واستدامة تأثيرها، وهذا ما يستحيل اليوم تصوره حيث سقطت النخبة وبرزت الشعبية (ولست أقصد الشعبوية سيئة الصيت)، وهذه الشعبية كما نلحظ تتحد وقت الأزمات الحادة كلما حدث تهديد وجودي لما تؤمن به وتراه جذراً عميقاً لوجودها أو لذاكرتها. وهذا تشكيل ذهني تلقائي بمعنى أنه ليس موجهاً وهو يكشف عن حقيقة معتقدات أي شعب في الوجود حيث لا تظهر الهويات العميقة إلا حينما يحدث أمرٌ يهدد الهوية، وكلما تعمقت الهوية فإنها تمعن في تخفية نفسها ولكنها تنفجر حين يجري تهديدها، وهذا ما نلحظه في وسائل التواصل العام التي صنعت لنا مثقفاً تفاعلياً وحراً، يتحرك حيناً ويركد حيناً تبعاً لدرجة حساسية أو حيادية أي حدث يحدث فيسبب هبةً عاطفيةً وعقلية عامةً أو يمر مرار الكرام حسب نوعية ودرجة الحدث، هذه هي حال المثقف العام العصري، والذي يشترك فيه العموم وتتبعهم النخب، لأن الذي يبدو اليوم هو تحرك العموم أولاً ثم لحاق النخب بهم، وهذا هو المشهد الواصف لحال المثقف المعاصر.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: من المكتبة إلى تويتر د. عبدالله الغذامي يكتب: هل للفكر جنسية أو عرقية؟

مقالات مشابهة

  • مصطفى الشيمي يكتب: أحمد من غزة
  • الفريق أسامة ربيع: قناة السويس تطور أسطولها البحري وتعزز قدرتها الاستيعابية
  • هل يجوز الحج عن والدي المتوفى؟.. دار الإفتاء تجيب
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: المثقف من قرامشي إلى «تويتر»
  • محمد أبوزيد كروم يكتب: كيف ينهض السودان المعطوب؟
  • د.حماد عبدالله يكتب: " العشوائيــــــات " فى عقول المصريين
  • مؤسسة فرقة هواة الفلكلورية: والدي الموسيقار عمرو سليم مؤمن بيا وعملي شغل
  • ألمانيا تعتقل رجلا يشتبه في قتاله مع الحوثيين
  • المانيا تعتقل رجلا قالت بانه قاتل مع الحوثيين في مارب
  • شرطة عجمان تكرم سائق أجرة لإنقاذه رجلاً مسناً من حادث دعس