المثقف العضوي الذي كان يحيل إليه قرامشي لم يعُد هو نفسه اليوم، فنحن اليوم نعيش زمناً زالت معه الحدود بين النخبة والجمهور، وتساوت المهارات في استخدام الوسائل العمومية، وفي تمكن كل فردٍ من وسيلة تعبيرٍ سهلة وميّسرة له ولها، ومن ثمّ أصبح الكل يرى ويسمع ما يراه ويسمعه الكل، ولم يعُد هناك كائن بشري يعتمد على طبقة تعبّر عنه أو يعبّر عنها، وإنما أصبح الفرد يتكلم ويكتب ويتواصل ويظهر رأيه وموقفه باعتماد ذاتي وثقة باذخة، وكذلك فالسياسة اليوم أصبحت عموميةً على الشاشات بأنواعها الكبيرة والصغيرة، ودخلنا فيما سماه «ديسيرتو» بإمبراطورية النمل، أي أن الكل والجموع في معترك تتقاطع فيه الأصوات والآراء والأفكار، بل إن من كنّا نسميهم بالمثقفين في أزمنة مضت أصبحوا غرباء ويتعرضون لسهام الجماهير كلما ظهر أحدهم في وسيلة ما، ولم يعد هناك وسيلةٌ خاصة، فكل الوسائل عامة.


ويكفي أن محطة كبرى وجبارة مثل محطة CNN سمت تويتر بالطائر الثري، إشارةً إلى صورة العصفور الذي يعتلي وجه المنصة، وأن تويتر تغلبت على مراسلي الصحف والفضائيات بل وأيضاً على عملاء المخابرات السرية مذ أصبحت مجرد تغريدة في بقعة ما من المعمورة تصل لكل البشر وتنشر صورة وحكاية أي حادثة في أي بقعة من العالم وتحولها لقصة عالمية، وهذا لم يكُ متاحاً في زمن قرامشي، مما يعني تغير مفهوم المثقف تغيراً بنيوياً مذ تغيّرت وسائل التعبير وتحولت من النخبوي إلى الشعبي، ومن ثم أصبحت تفاعليةً ولم يعُد بيد أحد أن يكون طبقياً حتى وإن اشتهى ذلك، وتبعاً لهذا تغيّرت المفاهيم والمعاني واندمج الحق بالباطل والصحيح بالزائف، وهذا عقٌد المشهد وإن كان قرامشي يصدر عن مرجعية حزبية تشترط على كل أفراد المجتمع أن يتماهوا معها في معتقدها وفي مفاهيمها، واحتاجت المؤسسة تلك في ذلك الحين أن تخترع المثقف الذي سماه قرامشي بالمثقف العضوي، ومنه جاءت أفكارٌ حول المثقف المنتمي لعصبة معينة، وهي عصبة تحتاج لتجنيد ذهني لحماية قوتها واستدامة تأثيرها، وهذا ما يستحيل اليوم تصوره حيث سقطت النخبة وبرزت الشعبية (ولست أقصد الشعبوية سيئة الصيت)، وهذه الشعبية كما نلحظ تتحد وقت الأزمات الحادة كلما حدث تهديد وجودي لما تؤمن به وتراه جذراً عميقاً لوجودها أو لذاكرتها. وهذا تشكيل ذهني تلقائي بمعنى أنه ليس موجهاً وهو يكشف عن حقيقة معتقدات أي شعب في الوجود حيث لا تظهر الهويات العميقة إلا حينما يحدث أمرٌ يهدد الهوية، وكلما تعمقت الهوية فإنها تمعن في تخفية نفسها ولكنها تنفجر حين يجري تهديدها، وهذا ما نلحظه في وسائل التواصل العام التي صنعت لنا مثقفاً تفاعلياً وحراً، يتحرك حيناً ويركد حيناً تبعاً لدرجة حساسية أو حيادية أي حدث يحدث فيسبب هبةً عاطفيةً وعقلية عامةً أو يمر مرار الكرام حسب نوعية ودرجة الحدث، هذه هي حال المثقف العام العصري، والذي يشترك فيه العموم وتتبعهم النخب، لأن الذي يبدو اليوم هو تحرك العموم أولاً ثم لحاق النخب بهم، وهذا هو المشهد الواصف لحال المثقف المعاصر.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: من المكتبة إلى تويتر د. عبدالله الغذامي يكتب: هل للفكر جنسية أو عرقية؟

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

اليوم.. انطلاق منافسات الأسبوع التاسع من موسم سباقات الرياض

ينظّم نادي سباقات الخيل في ميدان الملك عبدالعزيز للفروسية بالرياض منافسات الأسبوع التاسع من موسم سباقات الرياض، خلال الأيام 11 و12 و13 ديسمبر، بواقع 12 شوطًا في كل حفل.

وتشهد المنافسات تنوّعًا في الدرجات والتصنيفات والأعمار لخيل الثوروبريد والخيل العربية الأصيلة، إضافةً إلى أشواط قوية ومواجهات مرتقبة بين نخبة الجياد.

وخصص خامس أشواط يوم الجمعة لـ كأس نادي سباقات الخيل على مسافة (1200) متر وبجائزة قدرها (150) ألف ريال، ويبرز من بين المشاركين الجواد سيبوط للمالك طلال سعد مطلق بن سعد، وكذلك الجواد سودد للأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز.

وفي تاسع الأشواط، خُصّص الشوط التحضيري لكأس الملك سعود على مسافة (2000) متر، ويشارك فيه الجواد ماي فرانكل للأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز، وكذلك الجواد مبلّش للشيخ عبدالله حمود المالك الصباح.

وخُصّص عاشر الأشواط لـ كأس وزارة الحرس الوطني (الفئة الثالثة – محلي) لأعمار السنتين على مسافة (1600) متر وبجائزة قدرها (165) ألف ريال، ويتنافس فيه نخبة من أمهار السنتين؛ حيث يشارك الهشام والضرب بشعار أبناء الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ويلتهم والعقيق بشعار الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز، والهرم وتويجري بشعار الشيخ عبدالله حمود المالك الصباح.

ويشهد عاشر أشواط يوم السبت إقامة كأس مجلس إدارة نادي سباقات الخيل (الفئة الثالثة – محلي) على مسافة (2000) متر وبجائزة قدرها (165) ألف ريال، ويشارك فيه الجواد تحزيم للأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز، والجواد ابن طولون للمالك عبدالرحمن عبدالله عبدالعزيز المخضوب.

الرياضسباقات الخيلنادي سباقات الخيلقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: الاستثمار هو الحل !!!
  • تفاصيل اليوم الذي غيرت فيه القبائل اليمنية كل شيء
  • متعاقدو الأساسي لم يلتزموا الإضراب اليوم.. وهذا ما طلبوه من الوزيرة
  • د.حماد عبدالله يكتب: " بلطجة " التعليم الخاص !!
  • اليوم.. انطلاق منافسات الأسبوع التاسع من موسم سباقات الرياض
  • منصة تواصل اجتماعي جديدة تسعى لاستخدام اسم تويتر.. هل يعود الطائر الأزرق؟
  • د.حماد عبدالله يكتب: المشروعات " الوطنية " الكبري !!
  • الغندور: كالعادة بعد الخروج الكل وحش وأنا مظلوم
  • د. محمد يحاضر عن: “الجغرافيا الثقافية لمنطقة نجد” مساء اليوم
  • كواليس لقاء برّي - لودريان... ما الذي جرى بحثه؟