د. عبدالله الغذامي يكتب: المثقف من قرامشي إلى «تويتر»
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
المثقف العضوي الذي كان يحيل إليه قرامشي لم يعُد هو نفسه اليوم، فنحن اليوم نعيش زمناً زالت معه الحدود بين النخبة والجمهور، وتساوت المهارات في استخدام الوسائل العمومية، وفي تمكن كل فردٍ من وسيلة تعبيرٍ سهلة وميّسرة له ولها، ومن ثمّ أصبح الكل يرى ويسمع ما يراه ويسمعه الكل، ولم يعُد هناك كائن بشري يعتمد على طبقة تعبّر عنه أو يعبّر عنها، وإنما أصبح الفرد يتكلم ويكتب ويتواصل ويظهر رأيه وموقفه باعتماد ذاتي وثقة باذخة، وكذلك فالسياسة اليوم أصبحت عموميةً على الشاشات بأنواعها الكبيرة والصغيرة، ودخلنا فيما سماه «ديسيرتو» بإمبراطورية النمل، أي أن الكل والجموع في معترك تتقاطع فيه الأصوات والآراء والأفكار، بل إن من كنّا نسميهم بالمثقفين في أزمنة مضت أصبحوا غرباء ويتعرضون لسهام الجماهير كلما ظهر أحدهم في وسيلة ما، ولم يعد هناك وسيلةٌ خاصة، فكل الوسائل عامة.
ويكفي أن محطة كبرى وجبارة مثل محطة CNN سمت تويتر بالطائر الثري، إشارةً إلى صورة العصفور الذي يعتلي وجه المنصة، وأن تويتر تغلبت على مراسلي الصحف والفضائيات بل وأيضاً على عملاء المخابرات السرية مذ أصبحت مجرد تغريدة في بقعة ما من المعمورة تصل لكل البشر وتنشر صورة وحكاية أي حادثة في أي بقعة من العالم وتحولها لقصة عالمية، وهذا لم يكُ متاحاً في زمن قرامشي، مما يعني تغير مفهوم المثقف تغيراً بنيوياً مذ تغيّرت وسائل التعبير وتحولت من النخبوي إلى الشعبي، ومن ثم أصبحت تفاعليةً ولم يعُد بيد أحد أن يكون طبقياً حتى وإن اشتهى ذلك، وتبعاً لهذا تغيّرت المفاهيم والمعاني واندمج الحق بالباطل والصحيح بالزائف، وهذا عقٌد المشهد وإن كان قرامشي يصدر عن مرجعية حزبية تشترط على كل أفراد المجتمع أن يتماهوا معها في معتقدها وفي مفاهيمها، واحتاجت المؤسسة تلك في ذلك الحين أن تخترع المثقف الذي سماه قرامشي بالمثقف العضوي، ومنه جاءت أفكارٌ حول المثقف المنتمي لعصبة معينة، وهي عصبة تحتاج لتجنيد ذهني لحماية قوتها واستدامة تأثيرها، وهذا ما يستحيل اليوم تصوره حيث سقطت النخبة وبرزت الشعبية (ولست أقصد الشعبوية سيئة الصيت)، وهذه الشعبية كما نلحظ تتحد وقت الأزمات الحادة كلما حدث تهديد وجودي لما تؤمن به وتراه جذراً عميقاً لوجودها أو لذاكرتها. وهذا تشكيل ذهني تلقائي بمعنى أنه ليس موجهاً وهو يكشف عن حقيقة معتقدات أي شعب في الوجود حيث لا تظهر الهويات العميقة إلا حينما يحدث أمرٌ يهدد الهوية، وكلما تعمقت الهوية فإنها تمعن في تخفية نفسها ولكنها تنفجر حين يجري تهديدها، وهذا ما نلحظه في وسائل التواصل العام التي صنعت لنا مثقفاً تفاعلياً وحراً، يتحرك حيناً ويركد حيناً تبعاً لدرجة حساسية أو حيادية أي حدث يحدث فيسبب هبةً عاطفيةً وعقلية عامةً أو يمر مرار الكرام حسب نوعية ودرجة الحدث، هذه هي حال المثقف العام العصري، والذي يشترك فيه العموم وتتبعهم النخب، لأن الذي يبدو اليوم هو تحرك العموم أولاً ثم لحاق النخب بهم، وهذا هو المشهد الواصف لحال المثقف المعاصر.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي
إقرأ أيضاً:
جيش العدو الصهيوني يعترف بوصول العشرات من الصواريخ ’’الفرط صوتية’’ خلال أسابيع فاقمت أزمته الداخلية وهذا ما حدث اليوم
يمانيون /
وسعت اليمن ، الخميس، وتيرة الازمة الداخلية للاحتلال الإسرائيلي ..
وشن وزير الدفاع السابق للعدو الصهيوني ليبرمان هجوم غير مسبوق على حكومة المجرم ’’نتنياهو’’ وذلك عقب هجمات القوات المسلحة اليمنية الجديدة.
واتهم ليبرمان من وصفها بحكومة السابع من أكتوبر بالقضاء على الردع الإسرائيلي وانها باتت غير قادرة على إعادة الأمن للإسرائيليين، موضحاً بأن المستوطنين باتوا يهرعون للملاجئ ليلا ونهارا وبشكل يومي.
وجاءت تصريحات ليبرمان عشية اعلان القوات المسلحة اليمنية سلسلة هجمات ضد العدو الصهيوني.
وطالت العمليات التي نفذت بصواريخ بالستية وفرط صوتية إلى جانب طائرات مسيرة أهدافاً في عاصمة العدو يافا “تل ابيب” وحيفا أيضا.
وأبرز تلك الأهداف مطار بن غوريون الذي تعرض لهجومين خلال الساعات الأخيرة.
واظهرت مقاطع فيديو تداوله ناشطون صهاينة هروب لملايين المستوطنين للملاجئ مع دوي صفارات الإنذار في غالبية المستوطنة وبنحو 110 بدة ومستوطنة إسرائيلية.
في السياق، نشر جيش العدو الإسرائيلي إحصائية جديدة حول الهجمات اليمنية منذ استئناف اسناد غزة قبل شهرين.
ونقلت إذاعة جيش العدو عن مصادر عسكرية قولها ان من وصفتهم بـ “الحوثيين” اطلقوا نحو 37 صاروخاً “فرط صوتي” خلال الأسابيع الأخيرة مؤكدة تحقيق 25 صاروخا منها لأهدافه بينما زعمت اعتراض البقية.
وما كشفته هيئة البث الإسرائيلية لا يشمل الهجمات الأخرى بما في ذلك الطائرات المسيرة.