جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-19@09:41:24 GMT

حرية التعبير في عالم يُصادر الفكر

تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT

حرية التعبير في عالم يُصادر الفكر

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

حريةُ التعبير من أجمل وأفضل النعم التي خصَّ بها الله البشر عن غيرهم من المخلوقات في هذا العالم، الذي تزعم فيه كل الأنظمة الاستبدادية أنها تحرص على حرية مواطنيها في الكتابة والنقد البنّاء والتظاهر بلا قيود، وأنه لا سقف يحِد من تلك الحرية.

ولتحقيق هذا المبدأ المزعوم، يحتفل العالم سنويًا، بيوم حرية الصحافة، الذي حددته منظمة "اليونسكو" بالثالث من مايو من كل عام؛ إذ يتم في هذا اليوم استعراض المخالفات الفظيعة- كالسجن والقتل والرقابة والأذى- التي يتعرض لها من يعمل في "مهنة المتاعب"؛ وهي الصحافة الحُرّة التي تحمل شعلة الفكر وتتولى مسؤولية تنوير الأجيال بالحقائق الدامغة، والتي في العادة عبارة عن جرائم القتل والإقصاء، ونهب المال العام، والسطو على المناصب العليا دون وجه حق؛ وذلك بوضع الشخص غير المناسب في المكان الذي لا يستحقه.

وبالطبع ذلك من الأعمال المعروفة التي ارتبطت بالساسة والمُتنفِّذين من حولنا. من هنا، تأتي صيحات الفقراء والضعفاء ومن لا نصير له غير الكلمة الصادقة التي تمثلها ما يُعرف بـ"السُلطة الرابعة". ولا شك أن عالمنا تضيق فيه الحرية يومًا بعد يوم، وتختفي فيه أفق حرية التعبير وقيم التسامح. ومن المؤسف حقًا أن تسقط وتنزلق دولة- تزعم أنها القائد الأوحد والضمير الحُر للإنسانية في الدفاع عن حرية التعبير، وحماية الصحافة- في مستقنع القمع الوحشي لأبنائها من طلبة العلم في الجامعات الأمريكية، وخاصة في جامعات النخب مثل: هارفارد، وتكساس، وجورج واشنطن، وغيرها من الجامعات التي انتشرت فيها المظاهرات والانتفاضات المباركة كالنار في الهشيم؛ وذلك لكشف الوجه القبيح للصهيونية العالمية وصناع القرار في واشنطن؛ إذ تعرضت إحرامات هذه الجامعات للهجوم الهمجي من قوات الأمن على الطلبة المعتصمين المعبرين عن وجهات نظرهم، وتعرضوا للضرب والسحل والسجن والإهانات؛ لمجرد مطالبتهم حكومتهم الفاشية بوقف تصدير السلاح للكيان الصهيوني الذي ارتكب أفظع إبادة جماعية في التاريخ المعاصر.

إنها بالفعل محرقة القرن الحادي والعشرين في فلسطين، وذلك بالطائرات والمدافع والقنابل الأمريكية الفتاكة. وكان الحدث الأبرز هنا هو رمزية اعتصام الطلبة في أكبر قاعة في جامعة كولومبيا، ورفعهم عليها لوحة تحمل اسم الشهيدة الفلسطينة "هند رجب" والتي استُشهِدَت برصاص الجيش الصهيوني بدمٍ باردٍ في عمر الطفولة؛ إذ لم تتجاوز الست سنوات، كما إن العالم تابع المجازر التي ارتكبتها الدولة المارقة التي تسمى "إسرائيل" بحق الإعلاميين الذين يغطون الجرائم التي تُرتكب بحق الإنسانية في غزة؛ إذ ارتفعت حصيلة الشهداء من الصحفيين في قطاع غزة فقط إلى أكثر من 143 شهيدًا منذ "طوفان الأقصى".

يبدو لي أن زمن المزاعم الكاذبة بأن الولايات المتحدة الأمريكية في العالم هي جُزر للحريات المدنية وحماية حرية التعبير، قد ذهب بلا رجعة، فلعل ما ارتكبته الولايات المتحدة من جرائم بحق الإنسانية عبر تاريخها الأسود، ليس في فلسطين المحتلة فحسب؛ بل في فيتنام وسجن أبو غريب في العراق إبان الاحتلال الأمريكي لهذا البلد وكذلك معتقل جوانتانامو سيء السمعة، والسجون السرية التي أقامتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) في العديد من دول العالم خارج القانون الأمريكي، ثم كشفتها صحيفة "واشنطن بوست" قد جرَّد أمريكا وقيّد يدها عن الوصاية على الحكومات الوطنية في مختلف دول العالم.

التقرير السنوي للحريات الذي تُصدره وزارة الخارجية الأمريكية لترهيب الحكومات في العالم الثالث وابتزازها باسم حقوق الإنسان، ويعتمد على مكاتب وكالة الإعلام الأمريكية في سفارات الولايات المتحدة، أصبح يفتقد للمصداقية، ولا يساوي حتى قيمة الحبر الذي كتب بها تلك التقارير.

عمانيًا.. تابعنا خلال الأسابيع الماضية الأخبار الإيجابية التي يجب ذكرها ونحن نحتفل في اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي صادف يوم الجمعة؛ إذ اعتمد مجلس الشورى قانون الإعلام الجديد المحال إليه من مجلس الوزراء، وعدّل أصحاب السعادة ممثلو الشعب في هذا المجلس المبارك العديد من المواد التي تُشكِّل قلقًا بالغًا على الصحفيين وحرية الإعلام في هذا البلد العزيز، حيث أضافوا 13 مادة جديدة لمشروع القانون الذي يتكون في الأساس من 61 مادة. وخلصت الحوارات بين الأعضاء التي تقودها اللجان ذات العلاقة إلى حذف كافة العقوبات السالبة لحرية الإعلامي؛ ومنها إلغاء عقوبة السجن، والإبقاء على الغرامات مع تخفيفها إلى الحدود الدنيا. والأهم من ذلك كله تأكيد القانون الجديد على حق الصحفي في الحصول على المعلومة دون فرض قيود عليه من أي جهة كانت.

في الختام.. لا شك أن هذا المشروع القانوني الجديد، قد انطلق بنجاح في محطته الأولى، لكن الأصعب هو الغرفة الأخرى من مجلس عمان: مجلس الدولة؛ حيث بدأ أعضاؤه في نقاش المشروع الذي تم تحويله لهم من مجلس الشورى، وأملنا كبير هذه المرة أن مجلس الدولة لا يتسبب في تعطيل التعديلات التي قام بها مجلس الشورى؛ فعمان في نهضتها المتجددة تستأهل الأفضل. ويجب على هذا البلد العريق بأي حال من الأحوال أن يكون واحة لحرية الفكر والتعبير التي من خلالهما تزهر الأوطان، وينتشر الفكر الرشيد، وتعانق الإبدعات عنان السماء.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مسئول عراقي: ملفات غزة وسوريا واليمن والمفاوضات الإيرانية الأمريكية على طاولة قمة بغداد

أوضح الدكتور مخلد حازم، مستشار رئيس مجلس النواب العراقي، أن قمة بغداد العربية تركز على ملفات إقليمية حساسة ومصيرية تشمل قضايا غزة ولبنان وسوريا واليمن، إضافة إلى المفاوضات الإيرانية الأمريكية التي تحظى بأهمية كبيرة في المنطقة. 

وأكد أن هذه الملفات تمهد لفتح آفاق جديدة لاتخاذ قرارات عربية موحدة وجامعة، يمكن أن يكون لها تأثير إقليمي ودولي واسع.

السيسي: يجب تأمين وصول المساعدات الإنسانية والحفاظ على وحدة الأراضى السودانيةالرئيس السيسي: آلة الحرب الإسرائيلية لم تترك حجرا على حجر أو طفلا أو شيخا إلا واستهدفته

وقال حازم، خلال لقاء خاص على شاشة "القاهرة الإخبارية"،  إن رؤية النظام العالمي الجديد تسير باتجاه تعزيز الاقتصاد، وأن ذلك يتطلب وجود أرضية أمنية مستقرة وقوية، مما يستدعي تذويب الخلافات العربية والعمل المشترك عبر غرف عمليات مشتركة لتبادل المعلومات، وملاحقة الإرهاب والجرائم المنظمة، وتطوير الأمن السيبراني.

قرارات استثنائية

وأضاف أن وجود الوفود العربية في بغداد يبعث برسالة قوية تعكس عودة العراق كبوابة مهمة وفاعلة في المنطقة، مؤكداً أن القمة ستتخذ قرارات استثنائية قابلة للتطبيق، من شأنها تعزيز الإجماع العربي وإرساء قواعد استقرار إقليمي يعزز التنمية والازدهار.

طباعة شارك مخلد حازم مجلس النواب العراقي قمة بغداد غزة لبنان

مقالات مشابهة

  • منح الأهلي حرية قيد أي عدد من اللاعبين الأجانب في كأس العالم
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • مجلس الصحوة الثوري: الإعتداءات المؤسفة التي نفذتها الإمارات على بورتسودان
  • حماد يكرم فريق الأطباء الإيطالي الذي أجرى عمليات الشفة الأرنبية
  • «معلوف»: ترامب يريد الظهور بمظهر الرجل القوي الذي يدير شؤون العالم
  • تهديد لمقاتلة F-35 الأمريكية التي تكلّف مليارات الدولارات! صواريخ اثارت ذعر واشنطن
  • انقلاب إعلامي.. حكومة نتنياهو تفرض قانونا جديدا لتكميم الصحافة
  • نور الشربيني تهزم الأمريكية أوليفيا ويفر وتصعد لنهائي بطولة العالم للإسكواش
  • مسئول عراقي: ملفات غزة وسوريا واليمن والمفاوضات الإيرانية الأمريكية على طاولة قمة بغداد
  • من أعماق الأناضول إلى صروح العالم.. الحجر الذي أذهل ترامب!