ماذا ستقدم طائرات الدرون للإمداد والتموين مستقبلا؟ .. منتدى قطر الاقتصادي يجيب
تاريخ النشر: 17th, May 2024 GMT
تقول بيث فليبو، خلال جلسة في منتدى قطر الاقتصادي بالتعاون مع بلومبيرغ، إنها وشركتها أصبحتا من الرائدين في مجال إيصال الطلبات إلى المنازل عبر "الدرون"، مؤكدة دخول ملايين الدولارات شهريا لحسابها البنكي من تقديم هذه الخدمة التي كانت مجرد حلم يراودها منذ أكثر من 10 سنوات.
لم تخفِ فليبو طمعها في مزيد من الدولارات من جيبك إذا كنت من سكان قطر أو الخليج ومنطقة الشرق الأوسط عموما، في حال نجاحها بالحصول على ترخيص لشركتها في هذه المناطق، مؤكدة وصولها لاتفاقات مبدئية خلال منتدى قطر الاقتصادي على توقيع مذكرة تمنحها أحقية إيصال الطلبات لعدد من الدول العربية والسعودية وقطر والإمارات وتركيا في مقدمتها.
تفسر فليبو آلية عمل إيصال الطلبات بالطائرات دون طيار، وتقول: هي عملية معقدة وسهلة في الوقت ذاته، فالطائرة الواحدة يمكنها أن تسير لمدة يومين دون انقطاع وبسرعة تصل إلى 80 كيلومترا في الساعة، وهذا يعني على حد وصفها أن العميل يمكنه أن يتسلم "طرده" خلال أقل من ساعتين في أبعد نقطة من الرياض في دولة كالسعودية مثلا، أو أقل من نصف ساعة في دولة كقطر.
وتشير فليبو إلى أن هذه الطائرات مزودة بأنظمة تحديد المواقع بواسطة "جي بي إس" (GPS) وكاميرات مراقبة إضافة لأجهزة استشعار متطورة ويمكنها حمل الطرود وتسليمها عبر إحداثيات محددة، فهي لا تتعثر بزحام الشوارع، ولا تحتاج إلى تعبئة الوقود وتحافظ على البيئة، فضلا عن تقليل الوقت والتكلفة المرتبطين بطرق التوصيل التقليدية مثل الشاحنات أو شركات التوصيل.
تهديد مباشر وجّهته فليبو للمتاجر التقليدية، حاملة بشائر مالية وربحية لأصحاب التجارة الإلكترونية، التي وصفتهم بأكبر الرابحين من خلال اعتماد إيصال الطرود عبر الطائرات دون طيار، فهي أي "الدرون" توفر إمكانية التوصيل في نفس اليوم، أو حتى في نفس الساعة الأمر الذي سيجعل التسوق عبر الإنترنت هو الخيار المفضل للعملاء، بحسب رأيها.
انتهاك الخصوصية
مارك ميلر المحرر في بلومبيرغ ومدير الجلسة، وجّه سؤالا اعتبرته الرئيسة التنفيذية لشركة درون إكسبريس أنه محرج نوعا ما، فقد سألها عن أخلاقيات استخدام الطائرات دون طيار، وتعديها على حرية وخصوصية المجتمعات، خاصة أن هذه الطائرات مزودة بكاميرات مراقبة تطير محلقة فوق المنازل وبيوت الناس والممتلكات الخاصة.
ردت فليبو بتحريك رأسها أعلى وأسفل مع ابتسامة خجولة، في إشارة مؤيدة لملاحظة مارك ميلر، وقالت: صحيح ميلر هذا أمر ربما يعتبره كثيرون تعديا على الحريات الشخصية، خاصة في مجتمعات محافظة كدول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وحتى أميركا، فالناس لا تحب شعورا بأنه شيء ما يراقبها ويصورها.
وتابعت "لكن أضمن لك بكل ما تعنيه أخلاقيات المهنة بأن الكاميرات المعلقة على هذه الطائرات ما هي إلا أداة مهمة لمنع اصطدام المسيّرات ببعضها، أو الخروج عن مسارها، أو الارتطام بالأبراج العالية، فهي وسيلة للأمان وليست وسيلة للمراقبة".
وقالت إن شركتها تعتمد بروتوكولات وصفتها بالحاسمة، وإن التراخيص التي تسعى للحصول عليها متضمنة شروطا صارمة بعدم التعدي على الحريات الشخصية أو الممتلكات الخاصة، وفي حال خرق هذه الشروط فإن الأمر ربما يصل إلى بطلان الترخيص وحتى الغرامات المالية الضخمة التي تحددها كل دولة.
وحاولت فليبو الخروج من حرج هذه القضية موجهة حديثها للحضور قائلة: كل شيء جيد له بعض العيوب ولكن هذا لا يعني منعه أو تحطيمه وإلغاءه، منصات التواصل لها مساوئها ومميزاتها، هل نلغيها؟ وكذلك الأمر مع ما أقدمه.. "لا أطلب سوى الثقة".
البحث عن الدول المتطورة
كشفت فيليبو عن بحثها الآن على تراخيص للعمل في عدد من الدول، وقالت إنها لا تقدم عروض عمل إلا للدول المتطورة تكنولوجيا، معبرة عن أملها في أن تحصل على الاعتماد في دول مثل قطر والسعودية والإمارات، معتبرة أن هذه الدول أكثر قابلية لفكرة إيصال الطرود عبر "الدرون" خاصة أنها تملك بنية تحتية متطورة تسمح بتقديم هذه الخدمة.
وترى أن الأجيال الجديدة في هذه الدول أكثر انفتاحا ورغبة في التعامل مع التحول الرقمي والابتكار مع الحفاظ على الخصوصية، والتقاليد المجتمعية التي نسعى لتفهمها جيدا، إضافة للتعامل الأمثل مع إدارة المخاطر، بما يضمن تنفيذ أفضل خدمة بأفضل جودة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: انتهاك الخصوصية منتدى قطر الاقتصادي بلومبيرغ
إقرأ أيضاً:
منها إف بي في.. كيف تمكنت المسيرات من إسقاط هيبة السماء في إيران وروسيا؟
قال المنظّر العسكري جولييو دوهيه: "السيطرة على السماء تعني النصر؛ والهزيمة في السماء تعني الهزيمة الكاملة". وقد ترجمت هذه الفكرة ميدانيًا في الخامس من يونيو/حزيران 1967، حين استيقظت مصر على وقع ضربات جوية إسرائيلية حاسمة دمّرت أكثر من 300 طائرة وهي لا تزال جاثمة على مدارجها. خلال ساعات، انهار سلاح الجو المصري، وحُسمت الحرب في الجو قبل أن تبدأ على الأرض. كان الدرس قاسيًا: من يملك السماء، يملك زمام المعركة.
لكن وبعد أكثر من 5 عقود وبالتحديد في 13 يونيو/حزيران 2025، انطلقت مسيرات إسرائيلية صغيرة الحجم من داخل إيران نفسها. هذه المرة لم يكن الهدف مدرجات المطارات الإيرانية وإنما مواقع عسكرية حساسة في العاصمة طهران. لم تكن هذه الطائرات من طراز ميراج أو حتى "إف- 35" (F-35)، ولم تُطلق من مدرجات ضخمة، بل كانت طائرات مسيّرة صغيرة من نوع هاروب (Harop) وبمساعدة الموساد.
ما جرى في طهران لم يكن فقط ضربة دقيقة، بل إعلانًا عن تحول جذري في موازين القوة الجوية: السماء لم تعد حكرًا على الجيوش وسلاح الجو.
قبل ذلك بأسبوعين قامت القوات الأوكرانية عن طريق أسراب مسيرات صغيرة انطلقت من أسقف شاحنات زرعت داخل روسيا لتضرب طائرات روسية وهي جاثمة على مدرجات المطار في محاكاة واضحة لضربة إسرائيل في 67 وتسبب خسائر كبيرة للدب الروسي سميت العملية (بشبكة العنكبوت)، برغم الشبه الكبير بين المشهدين في تأثيره إلا أن التكتيك والأسلوب اختلف بعد عقد من الزمان يظهر أن كلمة السر فيه هي تكنولوجيا المسيرات وخصوصا مسيرات "إف بي في" (FPV).
إعلان طائرات الإف بي في (FPV): من لعبة هوائية إلى رأس حربي ذكيتُعرف طائرات الإف بي في (FPV) وهي اختصار لمشهد من منظور الشخص الأول (First Person View) بأنها طائرات مسيّرة صغيرة تُوجّه عبر بث حي يُنقل إلى الطيار بواسطة نظارات واقع افتراضي، ما يمنحه تحكمًا مباشرًا وكأنه داخل الطائرة. وقد كانت تُستخدم أساسًا في سباقات الطيران والمغامرات الجوية ولدى هواة التصوير، لكن التطورات التقنية الأخيرة حولتها إلى أداة حرب.
المكونات الأساسية لطائرات الإف بي في الهيكل (Frame) مادة الصنع في العادة كربون فايبر لخفتها ومتانتها، ولا يتعدى حجمها غالبًا 3 إلى 7 إنشات (قياس الأذرع والمحركات) كما تتميز بتصميم مفتوح وقابل للتعديل والإصلاح بسرعة. المحركات (Motors) عادة من نوع برشليس (Brushless Motors) الذي يوفر سرعة بين 2200KV إلى 2800KV وهو ما يمنح الطائرة قدرة عالية على المناورة والانقضاض بسرعة. المتحكم الإلكتروني في السرعة (ESC) وهو يتحكم بتوزيع الكهرباء للمحركات. ومزود عادة بتقنيات تحمي من الحرارة الزائدة أو فقدان الاتصال. وحدة التحكم بالطيران (Flight Controller) وهي عقل الطائرة ومزودة بجيروسكوب (Gyro) ومستشعرات لتوازن الحركة. أنظمة التشغيل الشائعة: آردو بايلوت (Ardupilot) آي ناف (iNav) و بيتا فلايت (Betaflight). البطارية (Battery) نوع ليبو LiPo (ليثيوم بوليمر) والتي تمنح بين 3 إلى 8 ساعات طيران بحسب الحمولة. كاميرا تركّب في مقدمة الطائرة تنقل بثًا مباشرًا للطيران عبر ترددات خاصة (2.4GHz أو 5.8GHz) بدقة تتراوح بين إس دي (SD وإتش دي (HD). جهاز إرسال الفيديو (VTX) يبث إشارة الكاميرا إلى نظارات الطيار. قابل لتعديل قوة الإشارة (25mW إلى 800mW عادةً). جهاز استقبال التحكم (Receiver) يلتقط أوامر الطيار من وحدة التحكم الأرضية (RC) ويعمل ضمن بروتوكولات شهيرة. نظارات الواقع الافتراضي (FPV Goggles) يتابع بها الطيار الرحلة وكأنه داخل الطائرة مزودة بجهاز استقبال فيديو، وبعض النماذج تدعم الواقع المعزز أو بث عال الجودة. أما الطائرات الحربية منها فتزود بحمولة هجومية (رأس حربي) وهو عبوة صغيرة تُركّب يدويًا في المقدمة تُصمم غالبًا للتفجير الذاتي عند الاصطدام (أسلوب الكاماكازي kamikaze). إعلانالمثير في هذا النوع من المسيّرات أنه يمكن صناعتها وتجهيزها في المنازل باستخدام أدوات متوفرة في الأسواق، وبعضها لا يتجاوز سعره 300 إلى 800 دولار. مواقع مثل يوتيوب وغت إف بي في (getfpv) وأوسكار لانغ (oscarliang) تحتوي على آلاف الشروحات والدروس حول كيفية بنائها وتحسين أدائها. وتنتشر منتديات حيث يتبادل المستخدمون التصاميم والبرمجيات والأفكار.
ربما من أبرز الشركات المنتجة للمكوّنات الأساسية لطائرات "إف بي في" هي تي- موتور (T-Motor) آي فلايت (iFlight). ومن الطائرات المشهورة في السوق: جي إيه بي آر سي (GEPRC) دياتون روما (DiATone Roma) سينبوت 30 (Cinebot30)، والتي تُستخدم كنماذج طائرات يمكن تعديلها لمهام متعددة.
أما المشغّلون، فالكثير منهم ليسوا جنودًا، بل هواة طيران، ففي أوكرانيا، نشأت مدارس غير رسمية لتدريب المقاتلين على قيادة هذه الطائرات، وتحولت إلى حجر أساس في الدفاع والهجوم.
حرب العصابات 2.0: حين تصنع الطائرات في المرائب وتُطلق من الأزقةلم تعد طائرات "إف بي في" مقتصرة على الهواة أو المهتمين بالتصوير الجوي. في حروب اليوم، أصبحت هذه الطائرات ركيزة أساسية في تكتيكات حروب العصابات، حيث تُستخدم لضرب أهداف حساسة، وتوجيه رسائل إستراتيجية، بكلفة لا تقارن بأسلحة الجيوش التقليدية.
توحي عملية "شبكة العنكبوت" التي نفذتها أوكرانيا داخل روسيا باستخدام شبكات واسعة من طائرات "إف بي في" محلية الصنع بمقدار العمل الذي كان ينسج للوصول لهذه العملية، فالمقاتلون الأوكرانيون وهم جواسيس داخل مناطق روسية أنشؤوا ما يشبه خلايا إنتاج صغيرة في المرائب والمنازل، حيث تُجهّز الطائرات وتُبرمج باستخدام تقنيات مفتوحة المصدر، ثم تُرسل إلى الخطوط الأمامية مزودة بكاميرات وأحيانًا برؤوس متفجرة.
الميزة القاتلة لهذه الطائرات أنها لا تحتاج إلى أقمار صناعية أو بنية تحتية معقدة، وإنما تحتاج طيارًا متمرّسًا، وجهاز تحكّم بسيطا، وإشارة بث مستقرة. وهي قادرة على المناورة داخل الأزقة، والطيران بارتفاعات منخفضة لتجنب الرادارات، وتفجير نفسها عند الاصطدام بالهدف.
إعلان نهاية السيادة الجوية: لماذا تقوّض "إف بي في" فلسفة سلاح الجو التقليدي؟لأكثر من قرن، ارتبط مفهوم القوة الجوية بالطائرات النفاثة، والمدارج الضخمة، والبنية اللوجستية المعقدة. وكان بناء سلاح جو قوي يعني إنفاق مليارات الدولارات، وتدريب آلاف الطيارين، وصيانة طائرات متطورة. لكن مع دخول طائرات إف بي في إلى المعادلة، بدأت فلسفة السيطرة الجوية تتصدّع.
في الحروب التقليدية، السيطرة على السماء تتطلب تدمير دفاعات العدو، وقواعده الجوية، ثم فرض هيمنة جوية عبر طائرات بعيدة المدى. أما في الحروب الحديثة، فتكفي حقيبة صغيرة بداخلها طائرة إف بي في، وبرمجية مفتوحة المصدر، وطالب جامعي خبير بالإلكترونيات، لإسقاط دبابة أو ضرب مقر قيادة.
وهو أيضا الفرق بينها وبين المسيّرات التقليدية التي لا تزال بحاجة إلى قواعد متقدمة، ومسارات طيران واضحة، ودعم استخباراتي كبير. أما إف بي في، فتعتمد على لامركزية كاملة. كل طيار يصبح وحدة مستقلة. كل بيت يمكن أن يكون مصنعًا. كل شارع قد يخفي مطارًا افتراضيًا.
ولعل أخطر ما في هذه التكنولوجيا هو قدرتها على دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمتها. فقد طوّرت بعض الجماعات خوارزميات لتعقّب الأهداف تلقائيًا، أو تنفيذ مسارات هجومية ذاتية حتى في حال فقد الاتصال المباشر.
محمد الزواري: وحلم كسر احتكار السماءربما في عالمنا العربي يعتبر المهندس التونسي محمد الزواري احد الرموز لهذا التمرّد التكنولوجي. فبعد سنوات من العمل في مجال الطيران، أدرك الزواري أن القوة الجوية لم تعد حكرًا على الدول، بل يمكن أن تُصنع في الظل، وتُسيّر من دون ضوء.
ولهذا انضم الزواري إلى كتائب القسام، وبدأ تطوير طائرات مسيّرة محلية، كانت نواة لما أصبح لاحقًا برنامجًا جويًا غير تقليدي لحماس. لم تكن هذه الطائرات متقدمة تقنيًا، لكنها كانت فعّالة، وحققت اختراقًا رمزيًا كبيرًا في مشهد الصراع غير المتكافئ، قبل أن يغتال الزواري من قبل الموساد الإسرائيلي عام 2016.
اليوم ومع استشهاده تحيا أفكاره أكثر ويتبناها العديد من المستضعفين وحتى الدول لمواجهة عمالقة السماء. فطائرات "إف بي في" التي تُجهّز في منازل أوكرانية أو غزية أو لبنانية، أصبحت رأس الحربة في معارك تُخاض بعيدًا عن مدارج الطائرات، ولكنها تُغيّر خريطة الصراع.
إعلان من منظومة دولة إلى أداة فردلقد انتقلت السماء من حصرية الجيوش إلى انفتاح جديد للأفراد والمجموعات غير النظامية. ما كان يومًا حكرًا على طيارين في بزّات رسمية داخل طائرات بمليارات الدولارات، بات الآن متاحًا لشباب في مقتبل العمر، يستخدمون أدوات رقمية ومعرفة تشاركية لصناعة سلاح جوٍّ من نوع جديد.
هذه ليست مجرد ثورة تكنولوجية، بل ثورة فلسفية تحاول الإجابة على السؤال الرئيسي من يملك السماء الآن؟ بعد ظهور طائرات "إف بي في"، قد تكون الإجابة: من يملك الإبداع، ولا يملك المدرجات التي يمكن قصفها.