قبل سنوات زرت مقر المحكمة الجنائية الدولية قبل الافتتاح الرسمي لها، حينها كان الأمل يحدو المنظمين والمؤسسين بعالم أكثر عدلا يخلو من إفلات المجرمين ضد الإنسانية من العقاب. فلم يكن العالم يعرف مثل هذه المحاكم من قبل سوى عدد من المحاكم الدولية المؤقتة التي تنصب بعد أن تقع المصيبة ويموت الضحايا بالآلاف، مثل المحكمة الخاصة بجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة.
ولم تفلح المحكمة الجنائية الدولية في أن تقوض نظام الإفلات من العقاب، وظلت الجرائم ترتكب في أماكن مختلفة من العالم. ربما كان إنشاء المحكمة هو الكاشف للغطرسة الأمريكية مع العدالة الدولية وكشف تحيّزها بشكل أكثر سفورا، وهو ما استمر كلما فتحت المحكمة الجنائية الدولية ملف فلسطين.
الأمر نفسه ينطبق على قرارات محكمة العدل الدولية، إذ لا تحظى كلا المحكمين بأية مصداقية أو سمعة طيبة بين الشعوب العربية التي لم تنصفها هذا المحاكم. ظلت هذه السمعة قائمة حتى قرعت جنوب أفريقيا باب العدالة بقوة وأقحمت الملف الفلسطيني وفرضته على محكمة العدل الدولية. المنظومة القضائية الدولية هي منظومة معيبة في شكلها ومضمونها لأنها تأسست في ظل هيمنة غربية واضحة، ورغم ذلك فإنها منظومة غير تابعة بشكل كامل للحكومات الغربية. ومرد ذلك أولا إلى أن نظام الفصل بين السلطات هو نظام معمول به في معظم الدول الغربية، وبالتالي من الصعب تدجين منظومة قضائية دولية بشكل كامل. وهذا لا ينفي الضغوط التي تمارس على المحاكم الدوليةوظلت القرارات تتوالى منذ ذلك الحين، ودول تنضم للدعوى وأخرى تستنكر، الأمر الذي أحدث حراكا قانونيا دوليا غير مسبوق بمثل هذا المستوى، بعد أن تحولت القضية الفلسطينية على المستوى القانوني الدولي من قضية شعب أو شعوب عربية إلى قضية إنسانية عالمية.
من الإنصاف القول إن المنظومة القضائية الدولية هي منظومة معيبة في شكلها ومضمونها لأنها تأسست في ظل هيمنة غربية واضحة، ورغم ذلك فإنها منظومة غير تابعة بشكل كامل للحكومات الغربية. ومرد ذلك أولا إلى أن نظام الفصل بين السلطات هو نظام معمول به في معظم الدول الغربية، وبالتالي من الصعب تدجين منظومة قضائية دولية بشكل كامل. وهذا لا ينفي الضغوط التي تمارس على المحاكم الدولية، ولكنها تظل في الأغلب الأعم ضغوطا وليس تحريكا كاملا وتحكما في الملفات القضائية.
وبالتالي يمكن القول إن كثيرا من الأفراد النافذين والدول الكبرى يمكن أن تتجاهل قرارات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، لكن من المؤكد أن هذه قرارات هذه المحاكم ليست حبرا على ورق لأنه تدخل للمنظومة الدولية. وبالتالي سيكون على الأفراد الصادرة بحقهم أحكام أو مذكرات اعتقال أن يكونوا على حذر شديد من السفر، بالإضافة لذلك فإن الدول تقوم وتسقط باستخدام مثل هذه القرارات التي لا غنى عنها من أجل الشرعية الدولية ولو من الناحية الشكلية.
الحراك القانوني الدولي الأخير الخاص بفلسطين وفّر مادة خصبة وملفا متخما ليس ضد إسرائيل وجرائمها فحسب، ولكن قرار اعتراف بمظلومية شعب عانى الأمرّين. ولا ننسى أن المعركة القانونية لا تزال قائمة في الدول الغربية لتجريم كل ما هو مناهض للسياسات الإسرائيلية، وهذه القرارات تشكل سوابق قضائية دولية هامة
كان الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل يقول بأن إعلان أو رسالة بلفور المعروف باسم وعد بلفور هو مجرد خطاب من وزير خارجية ليست له أية حجية قانونية بأي شكل من الأشكال، لكن المجهود الذي بُذل من أجل شرعنته وإدخاله إلى النظام الدولي هو مجهود غير عادي. وكان يعقّب على القرارات الدولية الخاصة بفلسطين؛ وأنها وإن بدت عاجزة عن التطبيق إلا أنها مادة خام للضغط من أجل تطبيقها واستخدامها في كافة المحافل.
أعتقد أن الحراك القانوني الدولي الأخير الخاص بفلسطين وفّر مادة خصبة وملفا متخما ليس ضد إسرائيل وجرائمها فحسب، ولكن قرار اعتراف بمظلومية شعب عانى الأمرّين. ولا ننسى أن المعركة القانونية لا تزال قائمة في الدول الغربية لتجريم كل ما هو مناهض للسياسات الإسرائيلية، وهذه القرارات تشكل سوابق قضائية دولية هامة، وقد تكون الخطوة القادمة هي أن تنفذ إلى داخل التشريعات المحلية لمنع ارتكاب مزيد من هذه الجرائم.
x.com/HanyBeshr
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجنائية الدولية الجرائم العدالة فلسطين العدل الدولية فلسطين جرائم الجنائية الدولية العدالة العدل الدولية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحکمة الجنائیة الدولیة الدول الغربیة قضائیة دولیة بشکل کامل
إقرأ أيضاً:
هل تسهم الاعترافات العالمية بـ “دولة فلسطين” في إنهاء الحرب على غزة؟
#سواليف
قلّل عدد من الكتّاب والمحللين من تأثير قرارات بعض #الدول_الغربية بالاعتراف بـ ” #دولة_فلسطين” على #مسار_الحرب في قطاع #غزة، مشيرين إلى تجاهل #حكومة_الاحتلال للقوانين الدولية، واستمرارها في ارتكاب #الجرائم بدعم مطلق من الولايات المتحدة الأمريكية.
في هذا السياق، يرى المحاضر والكاتب السياسي الفلسطيني فريد أبو ظهير أن هذه الاعترافات الدولية جاءت نتيجة عوامل عدة، من أبرزها وجود دول لا تخضع لمجاملات الاحتلال الإسرائيلي، واتخذت مواقف واضحة في دعم القضية الفلسطينية، مثل البرازيل وإسبانيا وإيرلندا، وغيرها، وذلك استجابةً للضغط الشعبي في الغرب، الذي تجاوز كل التوقعات في تضامنه مع #غزة.
ويعتقد أبو ظهير أن هذه الاعترافات تأتي أيضاً في إطار ما وصفه بـ “محاولة إنقاذ ماء الوجه أمام الرأي العام”، قائلاً: “كثير من هذه الدول تمارس النفاق، فهي من جهة تدعم الاحتلال بالسلاح، ومن جهة أخرى تستنكر قتل المدنيين”.
مقالات ذات صلة “هيومن رايتس ووتش”: نظام توزيع المساعدات في غزة تحول إلى حمّامات دم 2025/08/01كما عبّر عن اعتقاده بأن هذه الاعترافات لن تُقصّر أمد العدوان على غزة، مضيفاً: “بل قد تمنح الاحتلال الإسرائيلي وسيلة لابتزاز هذه الدول… كما هو الحال في العرض الذي قدمه الاتحاد الأوروبي، والذي يقضي بعدم فرض أي عقوبات على إسرائيل مقابل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، ورفع الحواجز في الضفة، والإفراج عن أموال المقاصة الخاصة بالسلطة الفلسطينية”.
وأشار أبو ظهير، في حديث مع “قدس برس”، إلى أن الدول الأوروبية “تأخذ في حساباتها موقف الاحتلال الإسرائيلي، وتخشى السياسات الأمريكية، وهي في النهاية تتحرك تحت هذا السقف. لذلك، فإن تحركاتها تجاه القضية الفلسطينية تقتصر على الشعارات والبيانات الجوفاء، دون اتخاذ خطوات عملية، رغم إدراكها بأنها غير قادرة على إحداث تغيير حقيقي”.
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن الاعترافات الأوروبية والدولية بـ “دولة فلسطينية” جاءت بعد أن أدركت تلك الحكومات أن الحرب على غزة كشفت عن حقيقة الاحتلال الإسرائيلي، ولم يعد مقبولاً في المجتمعات الغربية تقديم دعم مطلق له.
ويضيف بشارات أن هذه الاعترافات تأتي “كمحاولة لامتصاص غضب الشارع الأوروبي من المجازر في غزة، واستجابةً لحراك مجتمعي، لا تعبيراً عن قناعة راسخة بضرورة التصدي لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي”، وفق تعبيره.
وفي حديثه لـ “قدس برس”، يوضح بشارات أن هذا الحراك “سيضع إسرائيل فقط تحت دائرة الانتقاد، دون أن يشكل ضغطاً حقيقياً يدفعها إلى وقف انتهاكاتها أو يجبرها على إنهاء المذبحة في غزة”.
ويُنبّه بشارات إلى أن استمرار الدعم الأمريكي غير المشروط لدولة الاحتلال “يعني أنها ما تزال ضمن المنطقة الآمنة، لأن واشنطن هي التي تتحكم فعلياً في قرار الحرب على القطاع”.
ويؤكد بشارات أن هذه المواقف لا تمثل نقطة تحول جوهرية في مسار الحرب، مشدداً على أن إنهاء العدوان يتطلب أولاً قراراً أمريكياً، بالإضافة إلى تحوّل مواقف الدول الأوروبية من مجرد تصريحات سياسية إلى خطوات عملية وسياسات تُنفّذ على الأرض.
ويرى بشارات أن عدم لجوء الدول الأوروبية إلى تفعيل أدواتها، مثل سحب الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي، وقطع العلاقات الكاملة معه، وتطبيق نظام العقوبات، يعني أن كل ما يصدر عن الاتحاد الأوروبي يدخل ضمن “أنشطة العلاقات العامة” بين الحكومات الأوروبية وشعوبها من جهة، وبين أوروبا والعالم العربي من جهة أخرى، بحسب تقديره.
وكانت 15 دولة غربية، من بينها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا، قد أعلنت الأربعاء الماضي أنها تدرس بشكل إيجابي الاعتراف الرسمي بـ “دولة فلسطين” قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول/سبتمبر المقبل.
واعتبرت هذه الدول، في بيان مشترك، أن الاعتراف بـ “دولة فلسطين” يُعد “خطوة أساسية نحو تحقيق حل الدولتين”، داعية بقية دول العالم إلى الانضمام لهذا التوجه.