مصر تشارك في الاجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية الإفريقي في كينيا
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
شارك وفد جمهورية مصر العربية، برئاسة حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي المصري، ومحافظ مصر لدى مجموعة بنك التنمية الإفريقي، ومشاركة الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي والمحافظ المناوب لمصر لدى بنك التنمية الإفريقي، وطارق الخولي، نائب محافظ البنك المركزي، في الدورة 59 من الاجتماعات السنوية للمجموعة التي تنعقد في العاصمة الكينية نيروبي خلال الفترة من 27 إلى 31 مايو الجاري، تحت شعار "تحول إفريقيا، مجموعة بنك التنمية الإفريقي، وإصلاح الهيكل المالي العالمي"، والتي تواكب مرور ستين عامًا على تأسيس البنك في عام1964.
وتأتي مشاركة وفد جمهورية مصر العربية، في إطار الحرص على تعزيز أواصر التعاون مع الدول الإفريقية الشقيقة وكذلك العلاقات المشتركة مع شركاء التنمية الرئيسيين، حيث تمثل اجتماعات مجموعة بنك التنمية الإفريقي فرصة جيدة للمشاركين لمناقشة القضايا الاقتصادية الراهنة، وتبادل الخبرات واقتراح حلول تمويلية مبتكرة تعزز جهود التنمية بالقارة الأفريقية.
وتنعقد اجتماعات مجموعة البنك بمشاركة محافظي البنوك المركزية ووزراء المالية للدول الأعضاء الإقليميين وغير الإقليميين، والبالغ عددهم 81 دولة، وذلك بهدف مناقشة وتبادل الرؤى حول العديد من القضايا والبنود المتعلقة بأنشطة بنك التنمية الإفريقي وحوكمته وسبل تطوير أدائه. هذا، وتُعقد على هامش هذه الاجتماعات بعض الفعاليات والندوات، بحضور ومشاركة ُممثلين عن شركاء التنمية، ونخبة من الأكاديميين والمستثمرين من القطاع الخاص، المهتمين بالشأن الأفريقي والقضايا التنموية في القارة.
وبهذه المناسبة، حرص السيد/ حسن عبد الله - محافظ البنك المركزي المصري، على تقديم التهنئة لمجلس محافظي مجموعة البنك التنمية الأفريقي بمناسبة مرور 60 عامًا على إنشاء المجموعة، مشيدًا بالدور المحوري الذي يضطلع به البنك في خدمة الأولويات التنموية للقارة السمراء.
وفي سياق متصل، أثنى السيد المحافظ على موضوع اجتماعات هذا العام: "تحول إفريقيا، مجموعة بنك التنمية الإفريقي، وإصلاح الهيكل المالي"، مُعربًا عن تطلعه للنتائج والقرارات التي ستصدر عنها، خاصة فيما يتعلق بآليات التعامل مع معوقات التنمية، وعلى رأسها التغير المناخي، ومشكلات عدم المساواة، داعيًا إلى العمل على حشد التمويل المُستدام طويل الأجل لمجابهة هذه التحديات. ولقد أعرب سيادته عن أهمية جذب المزيد من رأس المال الخاص، مشيرًا إلى أنه من ضمن الأدوات التي يُمكن لبنك التنمية الأفريقي أن يلجأ إليها لحشد تمويل القطاع الخاص هو الاتجاه إلى تنويع أدواته نحو الضمانات واتفاقيات المشاركة في المخاطر، من أجل تقليل مخاطر الاقتصادات الإفريقية.
من جانبها أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي والمحافظ المناوب لمصر لدى مجموعة بنك التنمية الأفريقي، أهمية هذه النسخة من الاجتماعات، والخطوات التي يقوم بها البنك باعتباره واحدًا من بنوك التنمية متعددة الأطراف، لزيادة رأس المال، مع التركيز على تعدد الأدوات التي يتيحها للحكومات وأيضًا توسيع مظلة التعاون مع القطاع الخاص من خلال أدوات هامة وفاعلة لضمان المخاطر وتقليل تكلفة الائتمان.
وتعد مصر ثالث أكبر المساهمين في رأس مال بنك التنمية الإفريقي على مستوى كافة الدول الأعضاء والبالغ عددهم 81 دولة، وواحدة من ست دول إفريقية فقط مانحة لصندوق التنمية الأفريقي. وتبلغ محفظة التعاون بين مصر وبنك التنمية الأفريقي نحو 7 مليارات دولار منذ عام 1974، والتي تضمنت تمويل العديد من المشروعات الإنمائية الهامة في العديد من المجالات للقطاعين العام والخاص بمصر من بينها الطاقة والنقل والزراعة والمياه والري والصرف الصحي وريادة الأعمال. وتأتي هذه الاجتماعات لتأتي على النسخة السابقة التي نظمها البنك المركزي المصري واستضافتها مدينة شرم الشيخ.
وجدير بالذكر أن بنك التنمية الإفريقي يعد بمثابة المؤسسة الإقليمية الرائدة في دعم جهود حكومات الدول الإفريقية لتعزيز أولويات العمل التنموي والارتقاء بمستوى معيشة مواطني القارة، وذلك بالتركيز على خمسة محاور رئيسية، التي تتضمن إضاءة إفريقيا وإمدادها بالطاقة وتحسين قدراتها التصنيعية وكذلك تحقيق التكامل بين دول القارة وتحسين جودة حياة شعوبها. إضافة إلى ذلك، فإن البنك يضطلع بالعديد من المبادرات التي تتواءم وتتسق مع أهداف التنمية المستدامة وأجندة الاتحاد الإفريقي.2063.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: البنك المركزي التعاون الدولي بنک التنمیة الأفریقی البنک المرکزی
إقرأ أيضاً:
«واثيونجو» روائي ما بعد الاستعمار «الإفريقي»!
(1)
من قلب القارة السوداء «إفريقيا أرض الحكايا والأساطير»، خرج روائيون عظام أصّلوا لفن الرواية في التربة الإفريقية، وقدموا رواياتٍ عُدت من أعظم وأهم الروايات في العالم، خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، ورسخوا لتيارٍ كامل وأصيل في الرواية العالمية يناهض المركزية الأوروبية، وسيطرة الرجل الأبيض، ويعيد الاعتبار للثقافات المحلية التي دمرها الاحتلال الأجنبي والاستعمار الأوروبي.
وتضم قائمة الروائيين الإفريقيين أسماء ضخمة ولامعة بما قدمته من رواياتٍ احتلت مكانها ضمن أهم روايات القرن العشرين والربع الأول أيضا من القرن الحادي والعشرين، وظهرت أسماء جديدة في عوالم الكتابة، مقترنة بحركات التحرر الوطني، والرغبة المحمومة في الإبداع الذاتي. وسرعان ما فرضت هذه الأسماء بإبداعاتها الروائية حضورها خارج حدودها الإقليمية، خصوصًا في سنوات الستينيات من القرن الماضي التي رفعت شعارات التحرر في كل مكان من العالم.
(2)
ولا يكاد يقترب من مكانة الكاتب والروائي النيجيري شينوا أتشيبي -في ريادته للرواية الإفريقية- سوى زميله الكاتب الكِيني نجوجي واثيونجو Ngugi Wa Thiongo الذي غادر عالمنا مؤخرا عن 87 عامًا.
نجوجي واثيونجو الكاتب الروائي والمسرحي وأستاذ الأدب واللغة المولود بكينيا شرق إفريقيا سنة 1938 بعد أتشيبي بثماني سنوات، ويعد واثيونجو رائد الكتابة الروائية في شرق إفريقيا منذ أن أصدر روايته الأولى «لا تبكِ يا ولدي» سنة 1964. ومقالاته ودراساته في الموضوعات الأدبية والثقافية تكشف عن نزعته المعادية للاستعمار والمناقضة لنزعاته المركزية، الأمر الذي انتهى به إلى ضرورة التخلي عن الكتابة بالإنجليزية، والعودة إلى لغته المحلية الأم «الجيكويو» التي يفهمها أبناء شعبه، وكذلك غيرها من اللغات المهمشة والمحلية.
«نجوجي واثيونجو» هو الاسم الإفريقي الذي اختاره «جميس نجوجي» لنفسه.. ولد في كينيا بشرق إفريقيا، كما ذكرنا، عام 1938، وأتم تعليمه بجامعة «ماكيريري» بأوغندا، وهو كاتب معروف عالميا بإبداعاته في مجال الرواية والمسرح والقصة والقصيرة.. ومن أشهر أعماله الروائية:
(weep not child) و(The rivar berween) و(A Grain of wheat) و(petals of blood) ثم من آخر رواياته في العقد الأخير من حياته (Devil on the cross).. وأهم أعماله المسرحية (The black hernit)
كما اشتهر بمجموعته القصصية (Secret lives) بالإضافة إلى كتاباته الكثيرة في مجال النقد الأدبي.
هاجر «واثيونجو» إلى الولايات المتحدة بعد تعرضه للسجن في بلاده ما يربو على عام، حيث عمل بالتدريس في جامعة (ييل) بضع سنين، ثم عمل أستاذًا للأدب المقارن وأستاذا لدراسات الأداء في جامعة نيويورك، وأستاذا بجامعة كاليفورنيا في «إرفاين» ومديرا للمركز الدولي للكتابة والترجمة بالجامعة.
(3)
في حوار مهم أجري معه بمناسبة حصوله على جائزة الإنجاز الإبداعي السنوية المقدمة من مجلة لوس أنجلوس بوك رفيو وUCR، وترجمه إلى اللغة العربية الصديق العزيز أحمد شافعي يكشف واثيونجو عن بداياته المبكرة مع الكتابة والإبداع، خصوصا أنه بدأ رحلته مع النشر وهو ما زال طالبا جامعيا؛ فقد كتب مسرحيته الأولى «الناسك الأسود» سنة 1962 ونشرت سنة 1963. وكذلك كتب روايتيه الأوليين: «لا تبك يا ولدي» (1964)، و«النهر الفاصل» (1965)، وقد حققتا نجاحا مدويا، وقد كان نجوجي واثيونجو في مرحلته الجامعية الثانية فقط. يقول واثيونجو عن تلك المرحلة:
«في الواقع، ولسنواتٍ كثيرة، فكرت في روايتي الأوليين باعتبارهما تدريبًا. فبرغم الروايتين والمسرحية التي ذكرتها (يقصد السؤال الموجه إليه من قِبل المحاور)، وكذلك ثماني قصص قصيرة أو نحو ذلك، وأكثر من ستين عملا صحفيا، كان يصعب عليَّ أن أقول: إنني «كاتب». كنت أرى أنني لم أكتب بعد الرواية التي أردت أن أكتبها لأنال الحق في القول بأنني كاتب.
كانت «حبة قمح» (1967) و«بتلات الدم» (1975) محاولتين لكتابة رواية. لكن بحلول الوقت الذي أنهيت فيه ذينك العملين، كنت قد غيرت موقفي من اللغة الإنجليزية بوصفها لغتي الإبداعية الأساسية، وتبنيت لغة «الجيكووايو». ولكن حتى مع الكتابة بلغة الجيكووايو، أحاول كتابة الرواية التي كافحت من أجل كتابتها ولم أكتبها. كتبت «الشيطان على الصليب» (1980) و«ساحر الغراب» (2006)، وكانتا نتيجة لالتزامي الجديد. الآن بت أدرك أنه ليس في الكتابة ما يعرف بلحظة الوصول، أو أن لحظة الوصول هي بالأحرى بداية مرحلة جديدة في الرحلة، التحدي مستمر.
(4)
اتسمت التجربة الإبداعية لواثيونجو بحس إنساني عال، ونبرة احتجاج غير مسبوقة ضد الإمبريالية والمركزية الأوروبية، والعنصرية، واستباحة ثروات الشعوب... كان واثيونجو بالإضافة إلى كونه مبدعا وروائيا ومسرحيا من طراز فريد، كان أيضا مفكرا وناقدا وصوتا عاليا جدا من الأصوات المناهضة للاستعمار؛ أو للكولونيالية وكذلك كان من أبرز أسماء ما عرف في تيارات الفكر والنقد الأدبي والدراسات الثقافية بتيار (ما بعد الاستعمار)، يقول واثيونجو في خاتمة مقدمته لكتابه المناهض لاستعمار العقول والثقافات، الذي اكتسب شهرة واسعة وترجم إلى أغلب لغات العالم:
«موضوع هذا الكتاب بسيط. هو مأخوذ عن قصيدة كتبها الشاعر الغويياني مارتن كارتر Martin Carter يرى فيها رجالًا ونساء عاديين يتضوّرون جوعا، ويعيشون في غرف بلا أضواء؛ كل هؤلاء الرجال والنساء في جنوب إفريقيا، وناميبيا، وكينيا، وزائير، وساحل العاج، والسلفادور، وشيلي، والفلبين، وكوريا الجنوبية، وأندونيسيا، وجرانادا، «معذّبو الأرض» لفانون (فرانز)، الذين أعلنوا بصوتٍ مدوٍّ وبشكل واضح أنهم لا ينامون لكي يحلموا، وإنما «يحلمون لكي يغيّروا العالم».
اتخذ نجوجي واثيونجو من دعوته إلى التحرر من سطوة الكتابة باللغة الإنجليزية (لغة المستعمر) والعودة إلى الكتابة باللغات المحلية واللغات المهمشة، والاعتراف بلغته الأم المعروفة بالجيكووايو، منطلقا إلى صياغة أفكاره في هذا الكتاب الذي يمكن أن نعده بصورةٍ ما امتدادًا لتراث كتب ما بعد الاستعمار (فرانز فانون، وإعجاز أحمد، وإدوارد سعيد.. إلخ).
وقد صاغ «نجوجي واثيونجو» أفكاره هذه في كتابه الشهير «نقض استعمار العقل» (Decolonizing the Mind) الذي صدر سنة 1986، وهو كتاب يركِّز على الجوانب السياسية للغة في الأدب الإفريقي.
في هذا الكتاب (يترجم أحمد شافعي عنوانه إلى اللغة العربية بـ «تحرير العقل من الاستعمار») يحكي نجوجي حكايات دالة عن تلقينه الإمبريالية اللغوية في طفولته. فيحكي أن رفض الحديث بالإنجليزية أو العجز عنه كان يُقابَل بعقابٍ بدني ونفسي: بضربات من العصا على المؤخرة، وبتعليق صفيحة حول العنق مكتوب عليها «أنا غبي أو أنا حمار». فكلما كان تلميذ يتكلم بلغته الأم، كان يحصل على الزر، فإذا سمع غيره يرتكب مثل ذنبه يسلمه الزر، وفي نهاية اليوم الدراسي يعلن كل مذنب اسم من أعطاه الزر، وينزل العقاب على جميع المذنبين. وبهذه الطريقة ينغرس العار الثقافي في النفس، ويصبح في الوقت نفسه وسيلة تنظيم ذاتي. (راجع الحوار المشار إليه.. ترجمة أحمد شافعي).
(5)
موجاتٍ عالية من التحرر الإبداعي الرائدة التي سعَت إلى إزاحة المركزية الأوروبية الإبداعية، وتحطيم القالب المفروض لنزعة العالمية. كان واثيونجو من شرق إفريقيا، مع أتشيبي من غربها، أبرز أسماء هذه الموجة التي استمرت في التنامي والاتساع منذ منتصف القرن الماضي وحتى وقتنا هذا.
وكل هؤلاء، وغيرهم من الأجيال الجديدة، قد أخذوا على عاتقهم «تفكيك» الخطاب الثقافي للاستعمار القديم والجديد والأجدّ، وتعريته من النزعات والمفاهيم الملتبسة به، مثل مفهوم «العالمية» ونزعتها، مؤكدين دور الكاتب الإفريقي الذي صاغ بمقاومته تحرره الفكري وأصالته الإبداعية، منطلقًا في ذلك؛ من وعيه العميق بالشروط الاجتماعية الثقافية الخاصة به، ومن استلهامه الواعي لميراثه الخاص.