حزم الحماية الاجتماعية.. انحياز استباقي للمواطن في ظل قرارات اقتصادية حادة
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
استمرار وتوالي الازمات الاقتصادية والجيوسياسية الخارجية، بدء من جائحة كورونا مرورًا بالأزمة الروسية الأوكرانية وصولًا إلى تصاعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما أعقبه من تصاعد واتساع لرقعة الصراع، أدى لتفاقم حالة عدم اليقين التي انتابت الاقتصاد العالمي، مع توقعات بمزيد من ارتفاع معدلات التضخم بالعالم أجمع خاصة مع ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية.
وعلى المستوى المحلي، تأثر الاقتصاد المصري بالتداعيات الخارجية الناجمة عن الضغوط التضخمية العالمية في التراكم كجزء من العالم لم يكن بمنأى عن هذه التداعيات، وانعكس هذا التأثر في صورة نقص الموارد من العملات الأجنبية مما أدى إلى ظهور سوق موازية لسعر الصرف وتباطؤ النمو الاقتصادي، وتزايد الضغوط التضخمية.
وهو ما دفع الدولة لإجراء تدخلات جذرية للعمل على تحسين الهيكل الاقتصادي المصري بتعزيز الاستثمار المباشر وتحسين بيئة الاعمال واستثمار مشروعات البنية التحتية العملاقة التي تم تنفيذها على مدى العقد الماضي وتم ترجمة ذلك في نجاح الدولة في جذب أكبر صفقة استثمار مباشر بقيمة 35 مليار دولار، إلى جانب لتطبيق عدة أليات ضمن سياسة تقييدية؛ للعمل على القضاء السوق الموازية للصرف الأجنبي واستهداف التضخم، أبرزها الرفع المتتالي لمعدلات الفائدة، أخرها اليوم 6 مارس الجاري برفع الفائدة 6% لتصل في مصر إلى 27.25%، مع قرار آخر بإخضاع سعر صرف العملة لآليات السوق.
إلا أنَّ سبل العلاج هذه يتوقع أن يكون لها بعض الآثار الجانبية البالغة على بعض المواطنين، وهو ما دفع القيادة السياسية والحكومة لاتخاذ بعض الإجراءات الاستباقية والمبادرات التي من شأنها تعزيز القدرات المالية لقطاع واسع من المواطنين وتخفيف العبء عن كاهلهم.
تداعيات متشابكةواجهت معظم دول العالم صدمات مالية واقتصادية عنيفة إثر جائحة كورونا، وفرض حالة الإغلاق التام بمعظم دول العالم إثر تفشي الجائحة بجميع دول العالم، لتكون الجائحة بمثابة الإنذار الأول لأثر الأزمات العالمية الكبرى، والتي انكشف فيها هشاشة الأنظمة الصحية لأكثر الدول تقدمًا، ولم تكن الجائحة كاشفة لمتانة القطاع الصحي فقط، بل للأنظمة الاقتصادية أيضًا.
وأثناء الجائحة تهاوت عدة أنظمة اقتصادية كانت توصف بأنها -كبرى- لتعلن تأثرها بحالة الإغلاق التام التي فرضتها الجائحة، ليتراجع على إثر الجائحة معدلات النمو الاقتصادي، والاستثمار المباشر بكافة دول العالم، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم، واضطراب سلاسل التوريد والإمداد بين كافة دول العالم.
إلا أنَّ مصر كان لها تجربة فريدة في التعامل مع هذه الأزمة، مكنتها من عبور هذه الأزمة العالمية بأقل الخسائر الممكنة، وأثبت الاقتصاد المصري قدرته على الصمود النسبي أمام هذه الجائحة، رغم التوقف شبه التام للسياحة، واستطاع تحقيق معدلات نمو إيجابية رغم الصدمات الاقتصادية العالمية.
ولم يلبث العالم يتعافى من أثار الجائحة، حتى اندلعت الأزمة الروسية الأوكرانية، فبراير 2022، لتفرض حالة من انعدام الأمن الغذائي، كما أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم العالمي، حيث سجلت أعلى مستوياتها في العديد من دول العالم مما استلزم توجه البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة إلى رفع أسعار الفائدة العالمية أكثر من مرة، لاحتواء الضغوطات التضخمية، وهو ما أدى إلى تفاقم أزمات المديونية وتراجع قيمة عملات أغلب الدول مقابل الدولار الأمريكي.
ومازال الاقتصاد العالمي بمختلف روافده، ومكوناته يواجه تحديات غير مسبوقة، تتمثل في ارتفاع أسعار السلع والخدمات وزيادة تكاليف التمويل والتنمية الذي جعلت المالية العامة بشتى الدول أمام ضغوط متصاعدة تتشابك فيها الآثار السلبية لجائحة كورونا وتوترات جيوسياسية تزايدت تعقيداتها على مستوى منطقة الشرق الأوسط وفي أوروبا أيضًا، في ظل الأعباء التمويلية المطلوب تحملها للوفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتكاليف الحزم الاجتماعية للحد من الموجات التضخمية، أو في تراجع الإيرادات العامة نتيجة لانحسار النشاط الاقتصادي حول العالم.
وعلى خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية، وتحركات الفيدرالي الأمريكي لرفع معدلات الفائدة لعدة مرات، أدت إلى انخفاض معدلات الاستثمار المباشر حول العالم، ولم تكن مصر بمعزل عن هذه الأزمة الاقتصادية العالمية، باعتبارها جزء لا يتجزأ من العالم يؤثر ويتأثر بكل مجرياته، خاصة أن دولتي الصراع أحد المصدرين الرئيسيين للحبوب لمصر، كذلك من أهم موردي السياحة الشاطئية لمصر.
وعلى المستوى المحلي، أدت سياسة الفيدرالي الأمريكي إلى خروج ما يزيد عن 20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2022، فضلاً عن ارتفاع لمعدلات التضخم الأساسي ليسجل 38.7% في عام 2023، وتراجع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي بما يزيد عن 60%، إلى جانب تصاعد حجم المديونية الخارجية، واتساع الفجوة الدولارية بين المطلوب والمعروض من الدولار.
وفي ظل استمرار هذه الضغوط الاقتصادية، تندلع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر الماضي، في عدوان يوصف بأنَّه الأطول والأكثر ضراوة على الإطلاق في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومع تصاعد حدة الأزمة، واتساع رقعة الصراع لتشمل بعض الضربات الحوثية للمصالح الإسرائيلية بالبحر الأحمر، وتضرر عدد من السفن العملاقة، الأمر الذي دفع عدد من السفن لتغيير وجهتها بالمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما مثل تهديد مباشر لعوائد قناة السويس من النقد الأجنبي، إذ يتوقع انخفاض إيرادات القناة إلى 7.5 مليار دولار لهذا العام، ووفق تصريحات رئيس هيئة قناة السويس، انخفضت إيرادات قناة السويس بنسبة 44% في يناير 2024 مقارنة بشهر يناير 2023 البالغة 802 مليون دولار، إلى جانب احتمالية تأثيرها على عوائد السياحة لمصر حال استمرار الصراع وتعطل حركة السفن.
كل هذه الضغوط على مصادر النقد الأجنبي لمصر واتساع وانكشاف الفجوة الدولارية كان لها بالغ الأثر في خلق سوق موازية لصرف الجنيه تجاوز فيها سعر الدولار في بعض الأحيان حاجز الـ 70 جنيهًا للدولار، في حين ثبات السعر الرسمي في البنوك عند قرابة 31 جنيه فقط.
كل هذه التحديات المتوالية والمجتمعة خلقت موجة تضخمية هي الأعنف خلال العقد الأخير، انعكست في ارتفاع أسعار السلع والخدمات وتكاليف التمويل؛ فأثر زيادة معدلات التضخم طال جميع السلع والخدمات الأساسية منها والترفيهية على حد سواء وهو ما ترك أثر بالغ على كل المواطنين –وما فاقم الوضع سوءًا استغلال بعض تجار الأزمات للأوضاع الراهنة لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة على حساب المواطن- باختلاف مستوياتهم.
كل هذا في ظل اختلالات مزمنة بهيكل الاقتصاد المصري، تتمثل في تزايد الاعتماد على الاستثمار الأجنبي غير المباشر، وتزايد نسب الناتج المحلي عن القطاعات الاستثمارية الخدمية عنها من القطاعات الإنتاجية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الحماية الاجتماعية الدولار روسيا أوكرانيا غزة الاحتلال كورونا معدلات التضخم دول العالم إلى جانب وهو ما
إقرأ أيضاً:
الهند بين إيران وإسرائيل.. حياد محسوب أم انحياز مقنّع؟
يفتح التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران وما تخلله من تهديدات بتقويض النظام في طهران الباب أمام سيناريوهات خطيرة لا تقتصر تداعياتها على طرفي النزاع فقط، بل تمتد إلى الدول المجاورة، وفي مقدمتها الهند بوصفها دولة محورية في جنوب آسيا تمتلك موقعا جيوسياسيا حساسا وتاريخا مركبا من العلاقات مع طهران وتل أبيب.
ويضع هذا التصعيد العسكري غير المسبوق الهند أمام اختبار دبلوماسي معقّد وفي موقع بالغ الحساسية، فمن جهة تربطها شراكة أمنية وإستراتيجية عميقة مع إسرائيل تشمل صفقات تسليح ضخمة وتعاونا استخباراتيا وتكنولوجيا كبيرا، ومن جهة أخرى تحرص على الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع إيران التي طالما كانت موردا مهما للطاقة وشريكا في مشاريع الربط الإقليمي مثل ميناء تشابهار.
الهند -التي لطالما درجت على تبني سياسة خارجية قائمة على موازنة علاقاتها مع الدول المتنافسة خلال الأزمات وفق مقال تحليلي لمجلة فورين بوليسي الأميركية- باتت أمام استحقاق الدور الذي ستلعبه في الأزمة الراهنة، وسط تساؤلات عما إذا كانت ستبقى في مربع الحياد الحذر؟ أم تقدم دعما غير مباشر لإسرائيل؟ وكيف سيؤثر هذا الدور على مكانتها الإقليمية والدولية، خصوصا في ظل سعيها للظهور كقوة آسيوية متوازنة في بيئة مشحونة بالاستقطاب؟
منذ مطلع التسعينيات شهدت العلاقات الهندية الإسرائيلية تحولا نوعيا تجاوز التعاون السري في الشأن الأمني ليصبح شراكة علنية ومتعددة الأوجه في مجالات الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة والأمن السيبراني والزراعة.
وتحولت تل أبيب إلى أحد أبرز موردي الأسلحة للهند، حيث وقّع الجانبان صفقات دفاعية بمليارات الدولارات خلال العقد الماضي.
ومع صعود رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى السلطة اكتسب هذا التحالف طابعا سياسيا أوضح، إذ كان أول زعيم هندي يزور إسرائيل رسميا عام 2017، واصفا العلاقة بين البلدين بأنها "خاصة" ومرتكزة على "مواجهة تهديدات مشتركة"، في إشارة إلى التحديات الأمنية والإرهابية كما تراها نيودلهي وتل أبيب.
إعلاناتخذت الهند منذ بداية عملية طوفان الأقصى موقفا مؤيدا لما سمته الرد الإسرائيلي على لسان وزير خارجيتها جاي شنكر، وأكد رئيس وزرائها مودي أن "الإرهاب ليس له مكان في عالمنا"، في حين طالب سفير إيران في الهند إعراج إلهي نيودلهي بإدانة جرائم الاحتلال في غزة واستخدام علاقاتها مع إسرائيل لإيقاف الإبادة، وهو ما يعكس تناقضا واضحا في المواقف بين الطرفين.
ورغم ذلك فإن الموقف الهندي أوضح أنه ضد توسيع الصراع في المنطقة، وعبر وزير الخارجية الهندي عن رغبة إيران بلعب دور الوسيط بين إسرائيل وإيران عقب المواجهة العسكرية التي حدثت بينهما العام الفائت.
وتحتل الهند موقعا متقدما ضمن قائمة مستوردي الأسلحة الإسرائيلية، إذ تستحوذ على نحو 42% من صادرات تل أبيب العسكرية، وتشمل أنظمة متطورة مثل طائرات "هيرون" و"هيرمس 900″ المسيّرة، ومنظومات الدفاع الجوي "باراك"، وأنظمة الإنذار المبكر، إلى جانب تدريبات عسكرية مشتركة وتبادل استخباراتي في ملفات "مكافحة الإرهاب".
على الرغم من تعاظم علاقاتها مع إسرائيل فإن نيودلهي حافظت على علاقات نشطة مع طهران أساسها المصالح في مجال الطاقة والنقل الإقليمي، حيث ظلت إيران لسنوات المورد الرئيسي للنفط الخام للهند، ومُشارِكة في تطوير ميناء تشابهار الإيراني الإستراتيجي الذي يعد مدخلا إلى أفغانستان وآسيا الوسطى دون المرور عبر باكستان.
لكن منذ 2019 أجبرت العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيرانية الهند على التراجع في التعاون مع طهران بشكل كبير، وفي فبراير/شباط 2025 طالت العقوبات 4 شركات هندية لاستيرادها النفط الإيراني.
وواجه مشروع تشابهار أيضا ضغوطا من واشنطن رغم أهميته الإستراتيجية المتزايدة، مما ساهم في تراجع صادرات الهند إلى إيران من الأرز والأدوية، وسط استمرار التعاون في مجالات مثل الأمن البحري والطاقة، ورغم انحسار واردات النفط فإن قنوات الاتصال بقيت مفتوحة، فقد شددت نيودلهي على توسيع حضورها في ميناء تشابهار، كما اتسعت مجالات التعاون في الملف الأفغاني، خاصة بعد الانسحاب الأميركي.
لكن العلاقة بين البلدين لا تخلو من التوتر، إذ لم تخفِ إيران في أكثر من مناسبة استياءها من أن الهند تضحي بها تحت ضغط الغرب أو إرضاء لإسرائيل، الأمر الذي عبرت عنه من خلال دعم المرشد الأعلى علي خامنئي لنضال الشعب الكشميري ومطالبة مسلمي العالم بدعمهم للتخلص من الاحتلال.
وكان خامنئي قد وصف الوضع الراهن في كشمير بأنه نتيجة الإجراءات الخبيثة لبريطانيا قبل خروجها من شبه القارة الهندية، وأن البريطانيين تركوا هذا الجرح في هذه المنطقة بشكل متعمد من أجل استمرار الصراع في كشمير، وهي تصريحات لم تلق ترحيبا في نيودلهي بالطبع، ومع ذلك فإن نيودلهي تحرص على إبقاء إيران ضمن دائرة النفوذ الناعم دون الانخراط في تحالف مباشر معها، خشية الإضرار بعلاقاتها الخليجية والأميركية.
موقف الهند من التصعيد الأخير
منذ بدء الهجمات الإسرائيلية في 13 يونيو/حزيران الجاري على إيران اتخذت الهند موقفا متحفظا، ويأتي ذلك متسقا مع ما شهدناه خلال العامين الفائتين، فبعد امتناعها عن التصويت على قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة رفضت الهند الانضمام إلى بيان منظمة شنغهاي الذي أدان الهجمات الإسرائيلية على إيران واعتبرها انتهاكا للسيادة الإيرانية.
إعلانوبدلا عن ذلك أصدرت وزارة الخارجية الهندية بيانا مقتضبا دعت فيه جميع الأطراف إلى "ضبط النفس والعودة إلى الحوار"، دون الإشارة إلى أي طرف بعينه ضمن محاولتها الحفاظ على إستراتيجية "الظهور كقوة عاقلة في عالم مضطرب"، فهي لم تُدن إسرائيل، لكنها لم تبارك هجماتها أيضا.
وأشار مايكل كوغيلمان كاتب الموجز الأسبوعي في مجلة فورين بوليسي -والذي يتناول الأحداث في منطقة جنوب آسيا- إلى أن قرار نيودلهي يعكس مدى الصعوبات الدبلوماسية التي ستواجهها في التعامل مع صراع جديد خطير في الشرق الأوسط.
هذا الحياد أثار جدلا داخليا في الهند، حيث اتهمت المعارضة حكومة مودي بالتخلي عن سياسة "عدم الانحياز" التاريخية والتقرب من إسرائيل، خاصة من حزب المؤتمر الذي وصف ذلك بأنه "تقرب مفرط من إسرائيل على حساب مكانة الهند الأخلاقية".
في المقابل، بررت الخارجية الهندية هذه المواقف بكونها "دبلوماسية متوازنة"، واعتبرت أن صياغة بعض البيانات الدولية "تميل إلى الإدانة الأحادية لإسرائيل دون مراعاة تعقيدات الواقع".
كما أعربت الوزارة عن "قلق عميق" من التوتر القائم، ودعت جميع الأطراف إلى "الكف عن التصعيد والعودة إلى مسار الحوار والدبلوماسية"، مشددة على أن "المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للهند تحتم عدم تحول العلاقات مع طهران إلى محور استقطابي".
وترى طهران أن امتناع الهند عن تأييد المواقف الداعمة لها في المحافل الدولية قد لا يكون مجرد تحفظ دبلوماسي، بل انحياز ضمني إلى إسرائيل، مما يزيد المخاوف الإيرانية من أن تُستخدم شراكات الهند مع تل أبيب في تبادل معلومات استخباراتية أو في مراقبة النفوذ الإيراني بمناطق مثل أفغانستان أو بحر العرب.
وفي خلفية هذه العلاقة المزدوجة تقف دول الخليج العربي كعامل ضغط مهم، فالهند ترتبط بشراكات اقتصادية كبرى مع السعودية والإمارات، وتعد ملايين العمال من الجالية الهندية المقيمة هناك عنصرا حيويا في اقتصادها، وهذا ما يجعل نيودلهي تحرص على عدم إثارة استياء العواصم الخليجية، سواء من خلال التقرب الزائد من إيران أو التصعيد المبالغ فيه في دعم إسرائيل.
ولا يمكن تجاهل دور الصين الخصم الجيوسياسي للهند التي تربطها علاقات وثيقة بطهران، سواء عبر مبادرة "الحزام والطريق"، أو في التعاون العسكري والاستخباراتي.
وتخشى نيودلهي من أن تدفع أي مواجهة إيرانية إسرائيلية حادة إيران أكثر نحو بكين على حساب الشراكة المحتملة مع الهند، وقد يُضعف ذلك قدرتها على لعب دور "الجسر بين الشرق والغرب".
فوائد مقابل مخاطر عاليةويمكن القول إن دوافع الهند المحتملة في دعم غير معلن لإسرائيل "إن حصل" تعتمد على اعتبارات إستراتيجية عدة، أبرزها ضمان استمرار الحصول على تقنيات دفاعية متطورة، وتعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة في سياق مواجهة ناعمة للصين، وتقليص الاعتماد على إيران كمصدر للطاقة، إلى جانب الاستفادة من نقل التكنولوجيا في قطاعات حيوية كالمياه والزراعة.
لكن هذه الفوائد تقابلها مخاطر عالية، من بينها تصاعد التوتر مع إيران ودول الخليج، وتنامي الاحتقان الداخلي نتيجة الرفض الشعبي لأي تحالف صريح مع إسرائيل، خاصة في أوساط الأقلية المسلمة داخل الهند.
استمرار الصمت الحذر قد يمنح الهند هامشا مؤقتا للمناورة، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام ضغوط متزايدة من واشنطن وتل أبيب لتعزيز الشراكة في مجالات الأمن السيبراني والاستخبارات، خاصة إذا طال أمد المواجهة.
في المقابل، قد ترى طهران في هذا الحياد نوعا من التواطؤ، وهو ما قد يهدد مشاريع مثل "تشابهار"، ويعيد تنشيط التوتر الحدودي غير المعلن بين البلدين.
وفي هذا السياق، يُرجَح أن تسعى نيودلهي إلى لعب دور مزدوج خلال المرحلة المقبلة من خلال تقديم نفسها وسيطا يحظى بثقة الطرفين، بالتوازي مع تعزيز التعاون مع إسرائيل في ملفات محددة دون الانخراط في تحالف معلن.
إعلانوبحسب "فورين بوليسي"، فإن نهج تعامل الهند مع الصراع الإسرائيلي الإيراني يشبه موقفها من الحرب في أوكرانيا، فمن ناحية لن تدين إسرائيل وقادتها على الهجمات، ومن ناحية أخرى ستؤكد ضرورة تهدئة حدة المواجهات بين البلدين، وإفساح المجال للدبلوماسية لإنهائها.
ويبقى التحدي الأكبر أمام السياسة الهندية هو إثبات قدرتها على الحفاظ على هذا التوازن الدقيق في منطقة باتت أكثر استقطابا ومواقف أقل تسامحا مع الوقوف على الحياد.