نشرت صحيفة "بوليتيكو" مقالا خاضت في تفاصيله ما تعيشه أوروبا من حدة سياسية وعنف شديد، وصفهما الكاتب بالمثيرين للقلق.

وقال الكاتب الصحفي جيمي ديتمر في مقاله: "قبل عقود من إطلاق رصاصتين من مسدس في سراييفو انجرت القارة إلى الحرب العالمية الأولى، تنبأ أوتو فون بسمارك بأن ذلك سيكون "أمرا أحمق في البلقان" والذي من المرجح أن يشعل شرارة الحرب الكبرى التالية في أوروبا".

إقرأ المزيد "الأسوأ في التاريخ"- هكذا يصف أوربان قيادة المفوضية الأوروبية الحالية

وأضاف "أن هذا الصراع خلف ما يقدر بنحو 20 مليون قتيل ووضع أوروبا على المسار الصحيح نحو حريق هائل آخر بعد ربع قرن من الزمان".

وذكر أن محاولة اغتيال رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو لن تؤدي إلى حرب عالمية، لكنها ينبغي أن تكون بمثابة جرس إنذار للاستيقاظ لكل المهتمين بالديمقراطية ويخشون أن تنجر أوروبا إلى الماضي المعتاد حيث كان العنف السياسي أمرا شائعا.

وأردف قائلا: "مع ذلك فإن المؤرخين في السنوات المقبلة ربما يقيمون هذه المحاولة لاغتيال رئيس حكومة أوروبية الأولى منذ عام 2003، باعتبارها محطة أخرى على طول انحدار أوروبا المزعج إلى الحدة السياسية والعنف الشديدين".

وفي السياق استشهد الكاتب بوقائع حقيقة عاشتها أوروبا، حيث أفاد بأن بريطانيا شهدت بالفعل مقتل اثنين من المشرعين جو كوكس وديفيد أميس منذ عام 2016، كما أكدت الشرطة الفيدرالية الألمانية الأسبوع الماضي أنها وثقت رقما قياسيا بلغ 60 ألف جريمة جنائية ذات دوافع سياسية في عام 2023.

إقرأ المزيد ساركوزي: يمكننا ضمان أمن أوكرانيا دون انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي أو الناتو

ويوضح جيمي ديتمر: "غالبا ما يتم إحياء ذكرى ما يسمى "العصر الجميل" الذي بدأ بعد نهاية الحرب الفرنسية البروسية (الحرب الفرنسية الألـمانية 1870 - 1871) واستمر باعتباره فترة تميزت ببهجة الحياة، والثراء، والتنوير، والسلام الإقليمي، والازدهار الاقتصادي، والابتكار التكنولوجي والعلمي الملحوظ.. كل الأشياء التي احتفلنا بها بعد سقوط جدار برلين وحتى الأزمة المالية عام 2008 و"كوفيد - 19" أحداث جعلتنا نفهم أن التاريخ في الحقيقة لم ينته".

ويشير في مقاله التحليلي "لكن كما هو الحال دائما مع الذاكرة التاريخية، يعتمد الأمر كله على من يقوم بالتأريخ المستفيدون أم الخاسرون المجتمع الراقي المتوسطون أو الفقراء".

وعلى سبيل المثال، كان للعصر الذهبي أيضا جانب مظلم، حيث تغلغل العنف السياسي في أوروبا قبل وقت طويل من اندلاع الحرب، حيث أن عدد الزعماء الذين تم اغتيالهم في تلك الحقبة مذهل للغاية بما في ذلك رؤساء وزراء اليونان وبلغاريا وصربيا وإسبانيا (اثنان) ووزير العدل الفنلندي وملوك اليونان وإيطاليا والبرتغال بالإضافة إلى إمبراطورة نمساوية.

ومع تكشف هذه الاغتيالات، يقول الكاتب: "طمأن البعض أنفسهم بالقول إنها كانت من صنع المجانين والمغفلين.. واليوم من الصعب بالمثل عدم تصنيف يوراي سينتولا المتهم بمحاولة قتل رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو في 15 مايو، سينتولا البالغ من العمر 71 عاما المائع سياسيا، والشاعر أحيانا، وعامل منجم الفحم، وعامل البناء، ومن المفارقات المؤسس المشارك لحزب الحركة ضد العنف الذي لم يدم طويلا، على أنه أي شيء غير مضطرب".

إقرأ المزيد "مسألة فلسفية".. بوريل يرفض التعليق على سياسات الاتحاد الأوروبي التي تقود لحرب عالمية ثالثة

وكما هو الحال في السنوات الأخيرة في أوروبا، شهد العصر الجميل نمو الميليشيات السياسية والحركات التي تميل نحو العنف والتفكير القومي العدواني أيضاـ ولأنه كان عصرا من التفاوت المفرط والفاحش في الدخل فقد كان مشابها لما هو عليه اليوم، حيث كان يخفي اختلالا اجتماعيا واقتصاديا خطيرا ما أدى بدوره إلى إثارة استياء واسع النطاق".

و"بالنسبة للباحثين مثل كاتب المقالات الهندي بانكاج ميشرا، فإن أوجه التشابه بين ما يسمى بـ"العصر الذهبي" وعصرنا واضحة للعيان، حيث أن الكثير في تجربتنا يتردد صداه مع تجربة الناس في القرن التاسع عشر"، وفق ما نشره الكاتب.

ومع ذلك حذر ميشرا في كتابه "عصر الغضب" من أننا نشهد في الوقت الحاضر صدمات اقتصادية أعظم حجما مع مخاطر أكثر انتشارا وأقل قابلية للتنبؤ بها.

ويؤكد الكاتب في تحليله أن الهزات التي تحدث تحت أقدامنا اليوم هي بمثابة تحذيرات مسبقة من الزلازل السياسية المقبلة بما في ذلك نتيجة انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة والتي من المتوقع أن تشهد ارتفاعا في الدعم للأحزاب الشعبوية على اليمين. 

إقرأ المزيد ماكرون: لم يكن لدى أوروبا من قبل هذا العدد من الأعداء كما هو الحال الآن

ويشدد جيمي ديتمر على أنه "ومع تصاعد المخاوف بشأن التهميش والهجرة الجماعية، والظلم الاجتماعي، والتخلف عن الركب، ومع تبدد التوقعات بشأن فوائد الرفاهية المادية، يغلي الغضب ويستفيد الشعبويون ويؤججون النيران بلهفة من خلال مبدأ "الفائز يأخذ كل شيء".

ويبين أن تصورهم بأننا كنا منيعين بعد انتصار الغرب على الشيوعية، فإن ما يراه الناخبون حولهم الآن هو صناعة حرب عقيمة، وعجز مؤسسي، وحقيقة مفادها أن أطفالهم سيعيشون حياة أكثر فقرا مما يعيشونه الآن كما أنهم يشعرون بالحرمان من حقوقهم، حيث يبدو على نحو متزايد أن القرارات يتم اتخاذها من قبل هيئات عالمية وفوق وطنية لا تخضع للمساءلة بشكل مباشر أمام الناخبين.

ويفيد الكاتب في الأسطر الأخيرة من مقاله بأن ساسة المؤسسة الوسطية في أوروبا لا يساعدون في حلحلة الأمور أيضا وفي كثير من الأحيان يكونون منفصلين عن الناخبين اليائسين المنهكين بسبب أزمات تبدو دائمة، مشيرا إلى أنهم يسارعون إلى إلقاء اللوم على المعلومات المضللة والتلاعب الديماغوجي في صعود الشعبوية بدلا من أخذ التحديات غير المريحة التي تثير قلق الأسر العادية على محمل الجد.

المصدر: "بوليتيكو"

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: أوروبا الاتحاد الأوروبي المفوضية الأوروبية انتخابات بروكسل الحرب العالمية الأولى إقرأ المزید فی أوروبا

إقرأ أيضاً:

لوحاته تجوب أوروبا.. لماذا لجأ فنان من غزة للرسم على الكراتين؟

في قطاع يعتصره الحصار وتنهشه الحرب، وحيث تُغتال الألوان وتُغلق منافذ الإبداع، وقف ابن مدينة غزة الفنان التشكيلي أحمد مهنا وأمسك بما بقي من "كراتين المساعدات الإغاثية" التي كانت رمزا لما يسد الرمق في زمن انقطاع الحياة، وحولها بفرشاته إلى لوحات يضمد بها جراحه وجراح مدينته المكلومة.

ويقام حاليا في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن معرض فني متنقل للفنان مهنا ينظمه برنامج الأغذية العالمي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، والهدف تقديم تجربة فنية تنبض بالألم والإنسانية، وتوثّق حجم المأساة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2قصة الغزاوية أم حسن تختزل مآسي أفظع حرب عاشتهاlist 2 of 2خسائر تكشف حجم الفاجعة بعد عامين من العدوان على غزةend of list

وفي تصريحات للجزيرة نت، يقول مهنا إنه استطاع أن يربط بين المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة وكراتين المساعدات ليضفي على أعماله بعدا فلسفيا وفنيا، ويغلفها بلمسات إنسانية.

وبتلك الصناديق الورقية التي حملت شعار "ليس للبيع وليس للتبديل"، خاطب مهنا العالم بكل لغاته، وصاغ منها لوحات تشهد على حجم المأساة، وتفيض بأوجاع غزة وتنبض بالإنسانية والأمل الخافت، حتى غدت هذه الأعمال نافذة مفتوحة من قلب الحصار إلى فضاء أوروبا الرحب، تتجوّل بين عواصمها لتروي وجع الإنسان الفلسطيني، وتُرجع صدى الكرامة من بين الركام.

الرسم على الكراتين

ورغم أن الفنان التشكيلي ما زال يعيش وسط المعاناة في غزة حتى اليوم، فإن أعماله تخطت أسوار الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عامين، ووصلت إلى عدة عواصم أوروبية لتروي حكاية الصمود والكرامة، وتعكس صورة حيّة عن معاناة الفلسطينيين التي تتجاوز حدود المكان.

ويقول أحمد مهنا "الفكرة لم تأتِ من فراغ، بل دفعني إليها شُح المواد الخام وغياب أدوات الرسم التقليدية التي اعتدنا أن نعبر بها عن مشاعرنا، فأصبح الكرتون ملجئي الوحيد في ظل الحرب". مشيرا إلى أن هذه الكراتين عندما دخلت البيوت حاملة طعام المساعدات "كانت رمزا للمأساة وحملت معها الألم ورسائل العجز والانتظار أيضا".

إعلان

ويلفت الفنان الفلسطيني الانتباه إلى الشعارات التي حملتها كراتين برنامج الأغذية العالمي قائلا "أكثر ما لفت نظري أن الشعار المكتوب على الكراتين هو (ليس للبيع وليس للتبديل) بما لهذه العبارة من رمزية عميقة، كأنها تصف الحالة الفلسطينية كلها؛ فنحن محاصرون لا نملك حتى حرية التبادل أو القرار، ومن ثم قررت أن أحمل هذا الشعار، وأغلف به أعمالي ليصبح الفن رسالة فلسفية وإنسانية تمثلنا جميعا".

وهكذا استطاع مهنا الجمع بين معاناته اليومية وشغفه بالفن، وحوّل الصناديق الورقية المهملة من شاهد على الجوع إلى شاهد بصري على الصمود، ولم تعد لوحاته مجرد عمل فني بل صارت وثيقة إنسانية تحمل بين خطوطها دموع غزة وأحلامها.

ويختصر الفنان التشكيلي حكايته بكلمات تعكس تجربة أفراد يزيدون على مليوني فلسطيني يعيشون النزوح داخل النزوح "في زمن الحرب لم يبق للفنان سوى صوت اللوحة والفرشاة التي تسجل تاريخ الألم على كرتون الإغاثة".

معرض يجوب أوروبا

وبينما لا يزال أحمد مهنا يعيش حالة الفقد والحصار في غزة، انطلقت لوحاته خارج أسوار الحصار وصارت لها أجنحة في قلب أوروبا. ويقول "شعوري معقد؛ فأنا أعيش بين فخر بأن لوحاتي كسرت الجدران ووصلت إلى شعوب أخرى، وبين ألم لأنني لا أستطيع أن أرافقها". مضيفا بصوت يملؤه الأسى "لوحاتي تعانق الحرية التي أُحرم منها هنا في غزة".

ورحلة اللوحات "الغريبة" بين العواصم الأوروبية ترويها للجزيرة نت مستشارة الاتصال في برنامج الأغذية العالمي عالية زكي قائلة "هذه اللوحات كانت بالأمس صناديق مساعدات لأهالي غزة حيث سرقت الحرب كل شيء منهم: بيوتهم، وأحلامهم، وعائلاتهم، لكنها لم تستطع أن تسرق عزيمتهم ولا رغبتهم في الحياة".

وتضيف عالية أن الفنان الغزي أحمد مهنا لم يتوقف عن الرسم رغم كل شيء، واستطاع نقل مشاهد المجاعة والألم على الكراتين، و"اليوم هذه اللوحات واقفة في قلب أوروبا أمام الناس، ليشعروا بأنهم أقرب لما يحدث في غزة".

وتوضح مستشارة الاتصال في برنامج الأغذية العالمي أن فكرة إقامة معرض لهذه اللوحات الكرتونية بدأت "في بروكسل، ومنها إلى السويد، ونحن الآن في كوبنهاغن، وسنواصل إلى ألمانيا وهولندا وفرنسا".

وعن تأثير هذه اللوحات الفنية في مرتادي المعارض بأوروبا، تقول عالية إن "الزوار يتأثرون كثيرا، ويقف بعضهم أمام اللوحات ساعات. حيث إن الكثيرين كانوا يتابعون أخبار غزة من بعيد، لكنهم في المعرض شعروا بأن غزة أقرب إليهم".  مشددة على أن "الفن الذي صنعه أحمد يتجاوز الحدود واللغات، ويحمل وجع غزة في كل ركن من أركان أوروبا".

ويصاحب عرض اللوحات في أوروبا مقطع فيديو لأحمد مهنا وهو يمارس ما يبدع فيه من فنون، فهو لا يكتفي بالجمع بين اللوحات والكلمات، بل جمع بين الفن والصناديق التي كانت تحمل غذاء ووجعا، وأبدع أعمالا تربيط بين ما هو فني وإنساني على نحو نادر.

فهو يروي قصة شعب لم يمنعه الجوع ولا الحرب من التعبير عن ذاته، وجعل من فنّه سفيرا يحمل الوجع والكرامة إلى دول لم تعرف غزة إلا من نشرات الأخبار. الفن هنا ليس مجرد لوحة، بل طوق نجاة يصرخ في وجه العالم أن "غزة ما زالت تبني من رمادها سُلما نحو الغد".

إعلان

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يعيش قطاع غزة تحت حصار خانق فرضته إسرائيل عقب عدوان عسكري مستمر منذ عامين، مما خلف مئات آلاف الشهداء والمصابين، فضلا عن دمار واسع وموجات نزوح وأزمات إنسانية غير مسبوقة.

مقالات مشابهة

  • الأولى بالشرق الأوسط.. "كاوست" تؤكد ريادة المملكة بقمة التايمز العالمية
  • النمسا تتغلب على أطول ركود لها منذ الحرب العالمية الثانية
  • بالفيديو: ترامب يفتتح مقر حرب العالمية الثالثة
  • ترامب: ما الذي تخطط كييف لفعله بصواريخ توماهوك أمريكية الصنع؟
  • صدمة الإبادة التي تغيّر العالم.. إذا صَمَت الناس فلن يبقى أحد في أمان
  • أبرز الإنجازات العالمية التي تحققت للقضية الفلسطينية بعد عامين من الإبادة
  • أسرة تحرير الوفد تهنئ الكاتب الصحفي جهاد عبدالمنعم بخطوبة ابنة شقيقته
  • لوحاته تجوب أوروبا.. لماذا لجأ فنان من غزة للرسم على الكراتين؟
  • عُمان تستعرض في بروكسل المنظومة الوطنية المتكاملة للهيدروجين الأخضر
  • تصريحات أمريكية حول ما بعد وقف الحرب في غزة