مواويل وأشعار وقصص.. النخيل في المأثور الشعبي
تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT
يتفرّد النخيل بحضور كبير في التراث والمأثور الشعبي المصري، ويحظى باهتمام كبير من قبل الباحثين والمؤسسات المعنية بجمع وتوثيق ودراسة التراث الثقافي المادي وغير المادي، وقبل أيام خصص أطلس المأثورات الشعبية المصرية التابع للهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة؛ ملتقاه الثاني هذا العام لتدور دراساته في فلك موضوع "النخيل في التراث والمأثور الشعبي".
وفي هذه المناسبة، صدر في القاهرة كتاب حمل ذات العنوان، جمعت فيه الإدارة المركزية للدراسات والبحوث "أبحاث الملتقى الثاني لأطلس المأثورات الشعبية المصرية".
واشتمل الكتاب على 3 محاور: المحور الأول حمل عنوان "النخيل في العادات والتقاليد والممارسات الشعبية"، وتضمن 5 دراسات، والمحور الثاني جاء بعنون "النخيل في الأدب الشعبي"، وتضمن 3 دراسات، وأما المحور الثالث فكان عنوانه "الصناعات والحرف المرتبطة بالنخيل"، وتضمن 4 دراسات.
وقدم الدراسات التي احتواها الكتاب مجموعة من الأكاديميين بالجامعات المصرية، والباحثين بأطلس المأثورات الشعبية المصرية، حيث تناولوا بالدراسة والبحث جوانب مختلفة حول حضور النخيل في التراث والمأثور الشعبي بالبلاد.
وجدان الجماعة الشعبيةوتصدر الكتاب تمهيد و3 مقدمات، وفي التمهيد قال عمرو البسيوني، رئيس الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، إن للنخلة دورا بالغ الأهمية في الحضارة المصرية والعربية، وإن دور النخلة وأهميتها يبرزان على مر العصور، لافتا إلى حضورها في الثقافة وفي الاقتصاد أيضا من خلال ما ارتبط بها من حرف وصناعات وسلالات من التمور جعلت النخلة شريكا أساسيا في الحياة قديما وحديثا.
وجاء في مقدمة أولى كتبتها الدكتورة حنان موسى، رئيسة قسم الدراسات بهيئة قصور الثقافة، أن أهمية التراث الشعبي تكمن في قوة تأثيره على الواقع المعاش، وأنه لا حياة لمجتمع لم يتأصل بموروثه.
ونوّهت "موسى" إلى أن موضوع هذا الكتاب (النخيل) هو أحد رموز التراث المتجذرة في الأرض كالتراث ذاته، وأن الهدف من الدراسات الواردة على صفحات هذا الكتاب هو السعي لتقديم ما يخدم المكتبة الثقافية والواقع المعاش.
وفي مقدمة ثانية، رأى الدكتور عبد العزيز طنطاوي، رئيس جامعة الوادي الجديد، والذي ترأس الدورة الثانية من ملتقى أطلس المأثورات الشعبية المصرية، أن النخيل يُعد من رموز الهوية الثقافية، بجانب كونه موردا اقتصاديا، ويحتل مكانة مهمة في الثقافة والاقتصاد والتنمية المستدامة. وشدد على ضرورة التوعية بأهمية دور النخيل وثقافته في صون الهويّة الوطنية للشعوب.
وقالت الدكتورة الشيماء الصعيدي، مديرة أطلس المأثورات الشعبية المصرية، في ثالث المقدمات التي تصدرت الكتاب، إن النخلة تتغلغل بوجدان الجماعة الشعبية، وتمس الوجدان، وهي ميراث ثقافي عربي مشترك ومتوارث منذ بدء الخليقة.
النخلة في الغناء الشعبيوتتناول محاور ودراسات كتاب "النخيل في التراث والمأثور الشعبي"، العديد من الموضوعات بينها: مكانة النخلة باعتبارها من أقدم الأشجار التي عرفها الإنسان، ومكانتها في الأديان السماوية، ومكانتها لدى العرب كونها شجرة الحياة.
وكذلك حضورها في الحضارات القديمة، مثل الحضارة المصرية، والحضارة البابلية، والحضارة السومرية، والحضارة اليونانية والأرمينية، وكيف اتخذت تلك الحضارات من النخلة شعارات ورموز متعددة، ودور النخيل في بناء الهويّة الثقافية، وكذا استخدامات النخلة ومنتجاتها في الممارسات العلاجية الشعبية.
وترصد لنا محاور ودراسات الكتاب، حضور النخلة في الآداب الشعبية من أمثال وأشعار وقصص، وكيف تجلى ذلك الحضور في الأدب الشفاهي والمكتوب، والفصيح والعامي.
وبحسب صفحات الكتاب، فإن النخلة تمثل دربا من دروب الشعر المختلط بالموسيقى، ولأن المصريين لا يستغنون عن الغناء بكل أشكاله، واعتادوا على الغناء في الأفراح والأتراح وفي كل المناسبات، فقد كانت النخلة حاضرة في كل أشكال الغناء لديهم.
وارتبطت النخلة في الغناء المصري بالثورة مثل أغنية "يا بلح زغلول"، وبالحب والمحبين مثل أغنية "يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا"، و"يا جريد النخل العالي"، وغير ذلك من ألوان الغناء.
وكما تدلنا صفحات الكتاب، فقد تميزت الأغاني التي ارتبطت بالنخيل ببعض الصفات الفنية الخاصة، حيث تتجلى فيها آيات الشموخ مع الحب، وتُخاطب النخلة كأنثى حبيبة وليس كشجرة نباتية، كما تتميز كذلك بتدفقها اللغوي والوجداني في دلالة على قُرب النخلة من روح الشعراء.
وقد أفرد الموال -وهو لون غنائي شعبي يتم تأليفه بشكل تلقائي وارتجالي- مساحة كبيرة للنخلة، وفي كثير من المواويل تصير النخلة هي الأنيس والبديل للواقع المُر.
النخلة في شعر العاميةونتعرف من صفحات كتاب "النخيل في التراث والمأثور الشعبي"، على أن للنخلة حضورها في الشعر العامي -وهو أحد روافد الفن الشعبي- منذ بداياته.
ويُبرز لنا الكتاب كيف كانت النخلة رمزا للسمو في قصيدة الشاعر الراحل صلاح جاهين "النخل في العالي والنيل ماشي طوالي"، وفي دليل على رمزية النخلة في الحس الشعبي نجد الشاعر عادل صابر قد اختار لأحد دواوينه عنوان "مصلوب على النخل"، في حين كتب الشاعر فؤاد حداد "عرق النخيل ملا أملى وما مله" لتصير النخلة صانعة الأمل ومهدئ الروح وهي أحيانا تصير رمزا صوفيا دالا على النشوة والسكينة.
ويُحدثنا الباحث في الأدب الشعبي سفيان صلاح هلال عبر صفحات الكتاب عن الكثير من مظاهر حضور النخلة في الآداب الشعبية، ويلفت إلى أنه كان للنخلة حضورها في الأغنية والموال الشعبي بمصر، وفي شعر العامية، كان لها حضورها أيضا في القصص الشعبي المصري والعربي، حيث كانت حاضرة في الحكاية الشعبية والتراث الروحي منذ القدم باعتبارها من رعايا حتحور في الحضارة المصرية القديمة، وتم تقديسها على أرض العراق، وارتبطت أول حكاية عن خلق النخلة بالكحل، ربما للربط بين جمال العيون بالكحل، وجمال المكان بالنخل وذلك بحسب صفحات الكتاب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات النخلة فی حضورها فی
إقرأ أيضاً:
الفنون الشعبية.. هويّة وطنية وإنسانية
الشعر الشعبي هو لسان حال الشعوب، يختزن أحوال المجتمعات، ويرصد تحولاتها، ويعنى بتفاصيل الحياة اليومية، وكلما كان الشاعر لصيقا بالمجتمع، كان أكثر صدقا وحرارة في التعبير عن الواقع، وقد استطاع الشعر أن يتغلغل في الحياة العامة، واستطاع أن يقدم صورة واضحة، وكاشفة لحركات المجتمع، وسكناته، وذلك من خلال الفنون الشعبية، والأهازيج التي كان الناس يبتكرونها كلما دعت الحاجة، وهم يعبرون من خلالها عن واقعهم، ومشاعرهم، ومناسباتهم، ويتفاعلون مع الأحداث من حولهم.
ولا شك أن لكل بيئة فنونها التي تجسد هذا الواقع، فالبيئة البحرية مثلا تمتاز بالفنون ذات الرتم السريع، والكلمات المحمّسة لأبناء المجتمع، كفنون (المديمة، والدان دان، ونهمة البحر، والشوباني، وبو زلف.. وغيرها)، ومعظم هذه الفنون ذات إيقاع راقص، ومتداخل، وهو ما يحتاجه أهل البحر في حياتهم اليومية، بعد يوم عمل طويل، ويلاحظ أن كثيرا من الفنون البحرية عبارة عن فنون مستوردة من بيئات من الخارج، تظرا لارتباط أهل الساحل بالسفر، والهجرة، وقام العمانيون بتطوير هذه الفنون، وإدخال بعض التعديلات التي تناسب المجتمع المحلي.
كما أن للبادية فنونها الكثيرة، وأكثرها فنون غير إيقاعية، تعتمد على الصوت، و«الشلّة»، ولا تعتمد على الآلات الإيقاعية إلا في أضيق الحدود، كفنون (التغرود، والطارق، والهمبل، والعيالة، وغيرها)، وهي فنون تعكس روح البدوي الجادة، ورصانته المعهودة، كما أن البيئة البدوية بيئة قاسية، وصارمة، وتفتقد إلى مقومات الصخب، ولذلك جاءت هذه الفنون لتعكس صورة أهل البادية، وسلوكهم، وشخصيتهم.
وفي الجبل كذلك كان لتلك الفنون نصيب كبير، وهي فنون تعبّر عن قسوة المكان، وطبيعته الصخرية، ومحدودية الرقعة الجغرافية، مثال فنون (الهبوت أو الزامل، والنانا في محافظة ظفار، وفن الندبة في محافظة مسندم..)، وهي تقوم على القوة في الأداء، وتعبر عن الشخصية التي تسكن الجبل، من صرامة وقوة، ونشاط.
كما أن هناك فنونا لأهل المدينة، وللبيئة الزراعية، يرددها الناس في تلك المجتمعات، وهي تحفزهم على الحياة، وتبث فيهم روح النشاط، والحيوية، ويتغنون بها في مناسباتهم.
ويبقى فن «الرزحة» هو القاسم المشترك بين جميع البيئات تقريبا، فهو الفن الذي يقام على البحر، وفي البادية، وفي الجبل، وهو في كل حالاته يعبّر عن مناسبات مختلفة، وله أشكال، وأنواع، وطرائق متعددة، تختلف باختلاف المنطقة، أو البيئة، ولكنه يختزل الحالة الاجتماعية لتلك المجتمعات، ويعبر عنها، ويغوص فيها، وهو فن اجتماعي أصيل، لا خلط فيه، ويتواجد في كل المناسبات العامة، والخاصة، وفيه تظهر شخصية الرجل العماني التقليدية، من حيث «السمت»، والعزم، والقوة، والحيوية، والشجاعة، ولذلك فإن «الرزحة» بكل أشكالها صالحة لكل زمان، ومكان، وهو واسطة العقد في الفنون الشعبية العمانية.
إن المحافظة على هذه الفنون، وتعلمها، وتعليمها وتشجيع نشرها واجب وطني تُعنى به المؤسسات الرسمية المعنية، وهي جزء من الهوية الوطنية الثقافية التي تربط الأجيال بعضها ببعض، وتعمل على حفظ الشخصية التقليدية التي تسعى كل دول العالم المتحضرة للحفاظ عليها، والتمسك بها، لأنها الحلقة التي تؤكد على عراقة وحضارة الدول ومكانتها التاريخية، والثقافية، والإنسانية.