الاتحاد الدستوري:الحكومة تسير نحو ترسيخ رهان الاستدامة الاقتصادية للدولة الاجتماعية
تاريخ النشر: 11th, June 2024 GMT
زنقة20ا الرباط
قال شاوي بلعسال، رئيس الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي، إنه إذا كان العنوان البارز للمرحلة الأولى من الولاية الحكومية هو الصمود والتحدي وإرساء “أسس الدولة الاجتماعية” كمشروع ملكي ثوري هادئ؛ فإن سمة المرحلة الثانية الحالية هو “رهان الاستدامة الاقتصادية للدولة الاجتماعية وتأمين أركانها وروافدها”.
وأشار شاوي إلى أن تاريخ فاتح يونيو 2024 يمثل بداية الانطلاقة الفعلية لورش تنموي وإصلاحي تجديدي لهياكل الدولة الاقتصادية، موضحا أن هذا الورش يستهدف “خدمة الاستثمار المنتج وإنعاش الشغل وتعميق العدالة المجالية”.
شاوي الذي كان يتحدث اليوم الاثنين خلال جلسة مساءلة رئيس الحكومة بمجلس النواب، حول “تحفيز الاستثمار ودينامية التشغيل”، اعتبر الورش الجديد الذي صادق عليه المجلس الوزاري المنعقد برئاسة جلالة الملك، يوم السبت فاتح يونيو 2024 تحت عنوان ” التوجهات الإستراتيجية المساهماتية للدولة”، بمثابة مشروع استثماري تنموي مقرون بإصلاح واسع للمؤسسات والمقاولات العامة وفق خارطة طريق واضحة وأهداف إستراتيجية محددة.
وتتضمن هذه الإستراتيجية سبعة محاور كبرى تهدف إلى إصلاح هيكلي عميق لقطاع المؤسسات والمقاولات العامة بهدف تعزيز السيادة الوطنية والدفع بجهود الدولة وتركيز تدخل هذا القطاع الاقتصادي والتدبيري، فيمجموعة من القطاعات الحيوية والأولويات المرحلية التي تتمثل في: الطاقة، والصحة، والماء، والأمن الغذائي، والبيئة، والإتصال والتنقل.
وأكد شاوي أنه أصبح واضحا ما ينتظر الحكومة ومختلف أجهزة الدولة من أولويات استراتيجية، إذ أن الإطار التشريعي وآليات التدخل أصبحت جاهزة، وذلك تنزيلا للبرنامج الحكومي ومخرجات النموذج التنموي وامتثالا للخطاب الملكي السامي.
ووتابع مخاطبا أخنوش: “تجاوبا مع هذا الحدث البارز نتوقع منكم السيد رئيس الحكومة كما هو معهود فيكم التعبئة التفاعلية المناسبة لتحقيق هذا الورش الإصلاحي المكرس للتموقع المنتظر لقطاع المؤسسات والمقاولات العامة، باعتبارها محركا للإندماج القاري والدولي والتجاوب الميداني مع التحديات الجيوستراتيجية والسهر على ضمان مصالح بلدنا وأمننا الإستراتيجي”.
وأضاف أن إعادة تشكيل المحفظة العمومية وتحسين تدبيرها من شأنه أن يضمن خدمة عمومية سهلة المنال وعالية الجودة.
ولهذا الغرض، أشار شاوي إلى إحداث “الوكالة الوطنية المكلفة بالتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة والسهر على حكامة المؤسسات والمقاولات العمومية والتقائها.
وفي نفس السياق، لفت شاوي إلى إعداد ميثاق الاستثمار الجديد، كإطار شفاف ومحفز للاستثمار عبر أنظمة لدعمه وتحسين مناخه ولامركزيته، مبرزا أن هذا الميثاق الذي جاء بمجموعة الأهداف الاجتماعية والإقتصادية والمالية والتنموية بدأ يعطي ثماره الأولية مبكرا، وأشار إلى أنه منذ سنة من دخوله حيز التنفيذ، تم عقد خمس دورات للجنة الوطنية للإستثمارات تمت المصادقة خلالها على ما يناهز 100 اتفاقية استثمارية بقيمة تجاوزت العشرات مليار درهم وبآلاف من مناصب الشغل المباشرة والغير المباشرة.
واستطرد: “هذه الدينامية الإستثمارية للجنة الوطنية تشهد بفعالية وحسن تدبير المنظومة الإستثمارية الجديدة وتؤكد على المصداقية والثقة التي يتمتع بها بلدنا ومؤسساتنا ونموذجنا التنموي والإستراتيجي الذي يرعاه صاحب الجلالة وتسهر على تنفيذه الحكومة تحت الرئاسة الفعلية لرئيسها بكل تفاؤل ونجاعة”.
وشدد شاوي على أهمية مواصلة إستكمال الآليات التدبيرية وتحيين النصوص القانونية والتنظيمية، مثمنا في الوقت ذاته نتائج دورات الحوار الاجتماعي ومخرجاتها وآثارها الإيجابية على مناخ العمل والشغل والعيش الكريم، والتوافق المبدئي على ضرورة تقنين ممارسة حق الإضراب وتحيين مدونة الشغل.
واستعرض شاوي بعض المؤشرات والأرقام والتقييمات الأخيرة التي تشهد بصحة وسلامة المالية العمومية وصمودها، وقدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة الأزمات.
ومن بين هذه المؤشرات، تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الأربعة أشهر الأولى للسنة الجارية بزيادة 48 في المائة عن نفس الفترة من السنة الماضية، وتحويلات مغاربة العالم التي بلغت 36 مليار درهم عند متم شهر أبريل الماضي.
كما أشار إلى التطور والنمو الملحوظ للطلب الداخلي، الناتج عن دينامية الاستثمار وتطور الإنتاجية، والتوقيع على العديد من الاتفاقيات والشراكات المبتكرة، مثل الاتفاقية المتعلقة بإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية بالقنيطرة بقيمة استثمارية عالية وبمناصب شغل مرتفعة.
وأكد شاوي أن هذه النتائج الميدانية والإنجازات تشهد على نجاح الحكومة ونجاح المغرب الغني بمؤهلاته ورأسماله المادي واللامادي، ومصداقية نموذجه السياسي والاقتصادي والتدبيري، رغم التحديات والإكراهات.
وأعرب رئيس الفريق الدستوري الديمقراطي عن طموحه نحو مزيد من الإدماج الاقتصادي والاجتماعي والمجالي لمختلف الفعاليات والفئات والجهات وتعميم الفرص وتكافئها حتى تحقق العدالة الشاملة الاجتماعية والإقتصادية والإدارية والترابية وضمان العيش الكريم لجميع من يحمل صفة مغربي أو مغربية سواء كان مقيما داخل الوطن أو خارجه.
المصدر: زنقة 20
إقرأ أيضاً:
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
بقلم: عمر سيد أحمد – خبير مصرفي ومالي وتمويل
مايو 2025
العقوبات من واشنطن إلى الخرطوم… ما بين الحساب والعقاب
في 24 أبريل 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عزمها فرض عقوبات صارمة على السودان بموجب “قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991”، وذلك بعد تأكيد استخدام الحكومة السودانية لأسلحة كيميائية في عام 2024، في خرق صريح لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي تُعد السودان طرفًا فيها.
القرار، الذي سُلِّم إلى الكونغرس الأميركي مرفقًا بتقرير يؤكد “عدم امتثال السودان”، يُمهّد لتطبيق حزمة من التدابير العقابية، تشمل حظر الوصول إلى خطوط الائتمان الأميركية، وتقييد الصادرات، وتجميد الأصول. ومن المتوقع أن تدخل هذه العقوبات حيّز التنفيذ في أو حوالي 6 يونيو 2025، عقب نشرها في السجل الفيدرالي الأميركي.
ورغم أن هذه العقوبات تأتي ردًا على خروقات خطيرة للقانون الدولي، فإن توقيتها في ظل حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي شامل، وتوسع المجاعة والنزوح، يطرح تساؤلات أخلاقية واستراتيجية حول فاعليتها وجدواها، ومدى تأثيرها الفعلي على النخبة الحاكمة مقارنة بما تلحقه من أضرار مباشرة بحياة المواطنين واقتصاد الدولة.
تجربة السودان السابقة مع العقوبات (1997–2020)
بين عامي 1997 و2020، خضع السودان لعقوبات أميركية شاملة فرضت عليه عزلة اقتصادية ومصرفية خانقة، بتهم دعم الإرهاب واحتضان تنظيمات متطرفة. طالت العقوبات المؤسسات الحكومية والمالية، وحرمت السودان من:
• استخدام النظام المصرفي العالمي المرتبط بالدولار.
• استقبال الاستثمار الأجنبي المباشر أو التمويلات الإنمائية.
• التحديث التكنولوجي والاتصال بأسواق المال.
أدت هذه العقوبات إلى تدهور البنية الاقتصادية، وزيادة الاعتماد على التهريب والاقتصاد الموازي، وهروب الكفاءات ورؤوس الأموال. ورغم الرفع التدريجي للعقوبات في 2017، إلا أن استمرار وضع السودان على قائمة الإرهاب حتى أواخر 2020 أعاق أي تعافٍ جاد، خصوصًا مع تعاقب الأزمات السياسية والانقلابات والحرب الأخيرة.
العقوبات الجديدة – البنود والتوقيت
العقوبات الأميركية الجديدة، التي ستدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، جاءت كرد مباشر على ما وصفته واشنطن بـ”استخدام موثّق للأسلحة الكيميائية من قبل حكومة السودان”. وتشمل:
• حظر التعاملات بالدولار الأميركي.
• تجميد أصول الحكومة والشخصيات المتورطة.
• منع الشركات الأميركية من تصدير تقنيات أو منتجات للسودان.
• حرمان السودان من الوصول إلى التمويل الأميركي أو الدولي المدعوم أميركيًا، خصوصًا عبر خطوط الائتمان أو التسهيلات المالية.
ما يضاعف من أثر هذه العقوبات هو هشاشة الوضع الداخلي، حيث يخوض السودان واحدة من أسوأ حروبه الأهلية، وسط انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة المدنية.
ثالثًا: التأثيرات الاقتصادية المباشرة
1. خروج فعلي من النظام المالي العالمي
السودان اليوم شبه معزول عن النظام المالي العالمي، ومع تنفيذ هذه العقوبات، ستفقد البنوك السودانية القدرة على:
• فتح الاعتمادات المستندية لشراء السلع.
• تنفيذ التحويلات البنكية الرسمية.
• التعامل مع المؤسسات الوسيطة في التجارة الخارجية.
هذا يعني عمليًا إغلاق باب التجارة القانونية، وتوجيه كل النشاطات نحو السوق السوداء أو التهريب.
2. تهديد الأمن الغذائي والدوائي
مع صعوبة الاستيراد الرسمي، تتراجع واردات القمح، الدواء، الوقود، والأدوية المنقذة للحياة. ويؤدي ذلك إلى:
• نقص حاد في الإمدادات الأساسية.
• تضاعف الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة التأمين والنقل.
• توسّع الفجوة في الخدمات الصحية.
3. ضياع موارد الدولة من الذهب
في ظل غياب الرقابة وازدهار اقتصاد الظل، يُقدّر حجم الذهب السوداني المُهرّب بأنه يفوق 50 إلى 80% من الإنتاج السنوي. وقدرت الخسائر من التهريب خلال العقد الماضي بما بين 23 و36 مليار دولار. العقوبات الحالية تدفع بهذا المورد نحو مزيد من التهريب، وتُفقد الدولة فرصة استثمار أكبر كنز نقدي تملكه.
4. تعميق أزمة سعر الصرف
كل هذه التطورات تؤدي إلى:
• تسارع تدهور الجنيه السوداني أمام الدولار.
• تزايد التضخم المفرط.
• انهيار القدرة الشرائية للمواطنين.
رابعًا: من يدفع الثمن؟
رغم أن العقوبات تستهدف النظام السياسي والعسكري، إلا أن من يدفع الثمن فعليًا هو المواطن العادي:
• العامل الذي فقد وظيفته بسبب توقف المصنع عن الاستيراد.
• المزارع الذي لا يجد سمادًا ولا وقودًا.
• المريض الذي لا يحصل على دواء.
• التاجر الذي يُجبر على التعامل عبر السوق السوداء.
خامسًا: العقوبات كأداة سياسية – فعالة أم عقوبة جماعية؟
تاريخيًا، نادرًا ما أسقطت العقوبات الأنظمة القمعية. بل كثيرًا ما زادت من تماسكها عبر:
• خطاب “الحصار الخارجي”.
• عسكرة الاقتصاد.
• قمع المعارضة بحجة الطوارئ.
وفي السودان، حيث الاقتصاد منهار أصلًا، ستدفع العقوبات الناس نحو مزيد من الفقر واليأس، دون ضمان أن تؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك النظام.
سادسًا: أهمية وقف الحرب فورًا
العقوبات في حد ذاتها خطيرة، لكن الحرب تجعلها كارثية. فكل يوم يستمر فيه القتال:
• يُفقد السودان مزيدًا من موارده.
• ينهار الأمن الغذائي.
• يتوسع النزوح والدمار.
وقف الحرب هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحًا للخروج من هذه الدوامة. فبدون وقف إطلاق النار، لا يمكن التفاوض، ولا يمكن الإصلاح، ولا يمكن للعالم أن يستجيب لدعوات تخفيف العقوبات.
الآثار المتوقعة على إعادة الإعمار بعد الحرب
من أبرز التداعيات الخطيرة للعقوبات الأميركية المرتقبة أنها ستُقوّض بشدة فرص إعادة الإعمار بعد الحرب، حتى إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار أو تسوية سياسية. إذ أن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة – من طرق ومرافق وخدمات عامة – تتطلب تمويلات ضخمة، لا يمكن تغطيتها من الموارد المحلية وحدها، خصوصًا في ظل الانهيار الكامل للإيرادات العامة وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة. وبما أن العقوبات تشمل حظر الوصول إلى التمويل الأميركي وخطوط الائتمان، فإنها تحرم السودان من أي فرص واقعية للحصول على قروض ميسّرة، أو دعم من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أو حتى من شركات مقاولات عالمية. كما أن استمرار العقوبات يُعزّز مناخ عدم الثقة في السودان كبيئة استثمارية، ما يدفع المستثمرين للابتعاد عنه، ويطيل أمد العزلة الاقتصادية، وبالتالي يُجمّد أي مسار حقيقي نحو التعافي والتنمية بعد الحرب.
خاتمة: بين المحاسبة والإنقاذ
العقوبات الأميركية على السودان تُعبّر عن موقف دولي حازم ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، لكنها في سياق حرب داخلية وانهيار اقتصادي، تتحول إلى عقوبة جماعية تهدد بقاء الدولة ذاتها. المطلوب اليوم ليس فقط التعامل مع العقوبات، بل تغيير المسار السياسي والاقتصادي كاملاً.
وذلك يتطلب:
• وقف الحرب فورًا.
• تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية.
• إصلاح شامل للقطاع المالي والمؤسسي.
• الشروع في مفاوضات مع المجتمع الدولي لرفع العقوبات تدريجيًا مقابل التزامات واضحة بالسلام والشفافية.
فالعالم لن يستثمر في بلد يحكمه الرصاص والتهريب، ولن يخفف عقوبات ما لم يرَ إرادة حقيقية للتغيير. والسودان، برغم الجراح، لا يزال يملك فرصة – لكنها تضيق كل يوم.
o.sidahmed09@gmail.com