لوبوان: الهند تحت مودي تلهث لاستعادة عصر ذهبي هندوسي لم يوجد قط
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
تشعر القومية الهندوسية بالحنين إلى عصر ذهبي سابق على المسلمين والاستعمار البريطاني، لم يكن له وجود قط، وهي ترى أن وضع ورثة الأمة لا يستحقه إلا من يرون الهند أباهم وأمهم وأرضهم المقدسة، لا من يتذبذب ولاؤهم كالمسلمين الذين لديهم أماكن مقدسة في بلاد أخرى.
بهذه الجمل لخصت مجلة لوبوان ما رست عليه الأيديولوجية الهندوسية الحديثة، منطلقة من خطاب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في افتتاحه معبدا هندوسيا ضخما مخصصا لـ"رام لالا" في مدينة أيوديا، ليجعل بحضوره من بناء هذا المعبد لحظة تأسيسية في تاريخ الجمهورية.
كان في موقع هذا المعبد -حسب مقال الكاتب أنويش ساتباثي الذي ترجمته المجلة- مسجدا من العصور الوسطى بني في عهد الإمبراطور المغولي بابور، وهو موضع نزاع قديم بين المسلمين والهندوس، حيث أخذ المسجد في البداية مكان معبد رام، وفي نهاية الثمانينيات، جعل حزب بهاراتيا جاناتا (الحاكم الآن) منه قضية سياسية كبرى وقام بتعبئة حركة جماهيرية انتهت في عام 1992 بأعمال شغب وتدمير المسجد، لتصدر المحكمة العليا الهندية حكما يسمح بإعادة بناء المعبد.
غير أن هذا المبنى في حد ذاته لم يكن ليثير الكثير من القلق لو لم يترأس مودي حفل افتتاحه، ليجعل منه بوضوح لحظة تأسيسية في تاريخ الهند، وحتى لا ينظر إلى رام باعتباره إلها دينيا فحسب، بل ليكون تجسيدا لأسس الهند ومعبدها وضميرها الوطني.
رؤية للتاريخ والهوية
وأبرز مودي في خطابه رؤية للتاريخ والهوية الوطنية مستوحاة من أيديولوجية قومية هندوسية تعود أصولها إلى الفترة الاستعمارية، وكان رام موهان روي، الفيلسوف والمصلح الاجتماعي الذي عمل في شركة الهند الشرقية، أحد مهندسيها الرئيسيين.
في ذلك الوقت، كان المبشرون الإنجيليون، مثل الأسكتلندي كلوديوس بوكانان، يصفون الهندوسية بأنها ديانة بدائية متعطشة للدماء، وخالية من أي بوصلة أخلاقية.
وبالغ بوكانان في تصوير الأبعاد الجنسية والخرافية للمجتمع الهندوسي، وصور الهندوس كعباد لمولوخ، وهو إله كنعاني كان لا يرضيه إلا قرابين الأطفال، مشيرا إلى ممارسات بدائية أشدها تطرفا "ساتي" التي تفرض إحراق الأرامل حيات في محارق جنازات أزواجهن.
وقد سعى روي إلى التوفيق بين النصوص المقدسة الهندوسية والحداثة، وأصبحت ممارسة ساتي محظورة عام 1829، إلا أن تأثير المسيحية عليه كان بارزا، رغم أنه مجّد كتاب الفيدا، واعتبر أن الهندوسية في شكلها الأصلي كانت توحيدية وقائمة على المساواة بشكل عميق، مما دفعه إلى الدفاع عن إصلاح المجتمع الهندوسي وحرية الصحافة وحقوق المرأة.
وحث روي على العودة إلى العصر الفيدي الذهبي، وهو الوقت الذي كان فيه الدين خاليا من الخرافات، ولكن هندوسيته التي شكلت رفضا للمسيحية الإنجيلية، ظلت تفتقر إلى العنصر المركزي الذي سيحدد لاحقا القومية الهندوسية -حسب الكاتب- ألا وهو الشك العميق في المسلمين.
دور اليهود الألمان
ولم تتبلور القومية الهندوسية بالشكل الذي نعرفه اليوم إلا في بداية القرن العشرين، كرد فعل على المهاتما غاندي ورغبته في توحيد المجتمعات الهندوسية والمسلمة من خلال دعم حركة الخلافة التي عارضت السلطات البريطانية وحربها ضد الإمبراطورية العثمانية.
وكانت كتابات الهندي في. دي. سافاركار هي التي شكلت أساس القومية الهندوسية المعاصرة، وخاصة في كتيبه "أساسيات هندوتفا"، الذي اعتبر فيه أن ورثة الأمة هم فقط من ينظرون إلى الهند باعتبارها أباهم وأمهم وأرضهم المقدسة، مقصيا المسلمين والمسيحيين لأن لديهم أرضا مقدسة في أماكن أخرى.
وقد اعترف سافاركار بالمسيحيين كأقليات مدنية دون "مخططات سياسية خارج الحدود الإقليمية"، ورأى في الزرادشتيين مجتمعا مواليا للهند وقريبا من الهندوس بلغتهم وثقافتهم ودينهم، فكان هدفه الوحيد السكان المسلمين الذين رأى أن ولاءهم يتذبذب.
وقد أصبح سافاركار معاديا للمسلمين لأنه اشتبه في ولائهم المزدوج، وبإلهام من الحركات القومية الأوروبية، اعتقد أن الهند يجب أن تكون أرضا متجانسة، يتحد سكانها في عبادة البلاد مؤلّها بذلك الأمة، في تناسق مع عقيدة الفاشية عند بينيتو موسوليني، باعتبارها خلق أسطورة الأمة وإخضاع كل شيء آخر لخدمتها.
ورأى سافاركار في خطاب ألقاه عام 1937 لحزبه السياسي المهاسابها الهندوسية، أن الأمة بحاجة إلى العودة إلى أغلبيتها الديموغرافية، وقارن المسلمين الهوند باليهود الألمان، وحذر من أن المسلمين سيلعبون دور اليهود الألمان مع تعزيز الهوية الهندوسية.
وقد دعا بهاي بارماناند رفيق سافاركار المقرب، إلى جعل هذا الخطاب بمثابة "كفاحي"، والنظر إلى سافاركار على أنه "الفوهرر"، وكتب بي إس مونجي، وهو زعيم آخر من حزب سافاركار "إن فكرة الفاشية تسلط الضوء على الوحدة بين الناس. إن الهند، وخاصة الهند الهندوسية، تحتاج إلى مثل هذه المؤسسة من أجل التجديد العسكري للهندوس".
دولة الحزب الواحد
وعندما انبثقت حركة بهاراتيا جانا سانغ (سلف حزب بهاراتيا جاناتا) من منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، حاولت إعطاء شكل مختلف قليلا من القومية الهندوسية، يمكنه التعايش مع حكومة العلماني والاشتراكي جواهر لال نهرو، في وقت كان فيه الاعتدال، ولو سطحيا، ضروريا للبقاء السياسي.
واليوم، لا تستغل القومية الهندوسية كراهية الآخرين فحسب، بل إنها تشعر بالحنين إلى العصر الذهبي الأسطوري، الذي يؤكد للهندوس أن مشاكلهم الحالية تنبع من أعمال النهب التي ارتكبها الغزاة التاريخيون، المسلمون أولا ثم البريطانيون.
ميهتا: القوميون الهندوس لا يريدون دولة ثيوقراطية وإنما يريدون دولة تشبه الصين، دولة الحزب الواحد، حيث التوافق الإيديولوجي الكامل حتى لا يجادل أحد في أن الهند أمة هندوسية.
وقد اعتبر مودي أن القومية الهندوسية تتطلب من الهنود أن يتبنوا موقفا روحانيا عميقا تجاه الأمة، وقد حث في كلمته التي ألقاها خلال افتتاح معبد رام، الهنود على احتضان البلاد في وعيهم بالألوهية، وقدم المعبد كأساس للهند للسنوات الألف القادمة.
ومع ذلك، فإن القوميين الهندوس لا يريدون دولة ثيوقراطية، بل كما أشار الأكاديمي براتاب بهانو ميهتا، يريدون دولة تشبه الصين، دولة الحزب الواحد، حيث التوافق الأيديولوجي الكامل حتى لا يجادل أحد في أن الهند أمة هندوسية.
وعلى النقيض من أنصار الدولة الفاشية، الذين يسعون إلى فرض النظام من خلال إبادة أعدائهم، يريد القوميون الهندوس أن تظل الهند في حالة صراع دائم، لأنه من دون ذلك، ومن دون أعداء داخليين يشيطنونهم، تنهار أيديولوجيتهم في لحظة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات یریدون دولة أن الهند
إقرأ أيضاً:
حكماء المسلمين في إندونيسيا ينظِّم ندوة وطنيَّة لمناقشة سبل تعزيز الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي
نظَّم مكتب مجلس حكماء المسلمين في إندونيسيا ندوة وطنية بعنوان «حين يلتقي العلماء بالخوارزميات»، وذلك بالتعاون مع جامعة سونان كاليجوغا الإسلامية الحكومية بيوجياكرتا، وذلك بمشاركة نخبة من العلماء وقادة الفكر، في مقدمتهم الدكتور محمد قُريش شهاب، عضو مجلس حكماء المسلمين؛ والدكتور أمين عبد الله، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة سونان كاليجاغا، والدكتةر نورهايدي حسن، رئيس الجامعة، والدكتور محمد زين المجد، عضو المكتب التنفيذي للمجلس؛ والدكتور مرداني ريساتياوان، خبير الذكاء الاصطناعي من جامعة جاجاه مادا، وشَهِدَت الندوة حضور ما لا يقل عن 700 مشارك من الأكاديميين والباحثين وطلبة الدراسات العليا.
مجلس حكماء المسلمين يحتفي بالمرأة ضمن فعاليات معرض العراق الدولي للكتاب 2025 "الأمَّة بين وحدة المقاصد وأدب الاختلاف".. ندوة بجناح حكماء المسلمين بمعرض العراق الدولي للكتابوفي كلمته الافتتاحية، أكَّد الدكتور مخلص محمد حنفي، مدير مكتب المجلس في إندونيسيا، أنَّ التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي تفرض أسئلة جوهريَّة حول مستقبل الخطاب الديني وأشكال المرجعية، مؤكدًا أنَّ «الآلة قد تُحسن محاكاة المعرفة، لكنَّها لا تستطيع إنتاج الحكمة»، مشيرًا إلى أنَّ أهمية الندوة تكمُنُ في البحث عن السبل التي تضمن حضورًا رشيدًا للدين في عصر تتنامى فيه سلطة الخوارزميَّات، وأنَّ المجلس ينظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره ملفًا قيميًّا وأخلاقيًّا، لا تقنيًا فحسب؛ وأنَّ التحدي الأكبر هو حماية الكرامة الإنسانية وضمان بقاء التقنية في إطار الضوابط الأخلاقية.
وطرح الدكتور محمد قريش شهاب قراءةً منهجيَّةً للعلاقة بين الفقه الإسلامي والذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أنَّ التعامل مع الظواهر المستجدة ينبغي أن يجمع بين «النظر الجديد» و«القيم الموروثة الراسخة»، وأنَّ قبول المعلومة -أيًّا كان مصدرها- يجب أن يخضع لمعايير العدالة والضبط كما استقر في علم الحديث، منوِّهًا بأهمية الذكاء الروحي والذكاء الأخلاقي في ترشيد اتخاذ القرار، مع التَّذكير بأن الفتاوى في التراث تتغير بتغيُّر أحوال السائلين وظروفهم، وهو ما لا تستطيع الخوارزميات إدراكه.
من جانبه، أكَّد الدكتور محمد زين المجد أنَّ الذكاء الاصطناعي لا يشكل تهديدًا لجوهر الدين ولا لوظيفة الإنسان كخليفة، لكنَّه قد يربك منظومات السلطة الدينية. وأشار إلى أنَّ القلق من «تفوق الخوارزميات» يجب أن يُجابَه بالوعيِ بأن الإنسان يملك ما لا تملكه الآلة: الحكمة، والبصيرة، والروح. كما ذكَّر بأنَّ التاريخ الإسلامي شهد مرارًا صدمات حضارية عميقة، ومع ذلك ظلَّ العلماء قادرين على الحفاظ على ثوابتهم دون الانغلاق أمام المعارف الجديدة.
وسلط الدكتور أمين عبد الله الضَّوء على التحولات الكبرى في أنماط استهلاك المعرفة الدينية؛ حيث بات الذكاء الاصطناعي والفضاء الرقمي يصنعان «تجزئة في السلطات الدينيَّة» ويعيدان تشكيل الجمهور، محذِّرًا من تراجع القراءة الجادَّة لدى الشباب، ومن تصاعد ظاهرة «تسليع الدين» في المنصات الرقمية، داعيًا المؤسسات الأكاديمية الدينية إلى تطوير مناهجها وإستراتيجياتها لمواجهة هذا الواقع.
واستعرض رئيس جامعة سونان كاليجاغا، الدكتور نورهايدي حسن، آثار الإعلام الرقمي على البنية الدينية، مشيرًا إلى أن تشتت السلطات الدينيَّة قد يُفهم أحيانًا كمساحة لدمقرطة المعرفة، لافتًا إلى أنَّ التحدي الحقيقي أمام العلماء يكمن في فَهْمِ الجمهور الجديد الذي يبحث عن «إسلام جاهز للاستخدام» وليس منظومات معرفية مطولة، مؤكدًا ضرورة إلمام العلماء بـ«لغة الخوارزميات» ومبادئها: الارتباط بالجمهور، التخصيص، الحضور الرقمي، وملاءمة المحتوى.
وقدَّم الدكتور مرداني ريساتياوان رؤية نقدية لتعريف الذكاء الاصطناعي، مشددًا على ضرورة النظر إليه كأداة صنعها الإنسان بكل ما تحمله من محدوديَّات. وأوضح أن قوة الذكاء الاصطناعي تكمن في قدرته على «توليد بصيرة» من بيانات ضخمة يزوِّده بها المستخدمون عبر المنصات الرقمية، مشيرًا إلى عدد من المبادرات العالمية لرقمنة التراث التفسيري للأديان، مؤكدًا أهمية مشاركة الجامعات الدينية في هذه الجهود من خلال الرقمنة، والتحكيم، والتوجيه القيمي للبيانات المستخدمة.
وتأتي هذه الندوة في إطار جهود مجلس حكماء المسلمين لتأكيد أهمية الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، وضمان توجيه هذه التقنيات الحديثة لخدمة الإنسان وتعزيز قيم الحوار والتعايش والسلام، بما ينسجم مع رسالة المجلس في ترسيخ الحكمة وبناء الوعي في المجتمعات.