بين الحكمة والشدة.. سيرة النبي محمد في التعامل مع المنافقين
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
اختلف تعامل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع المنافقين بحسب الموقف، وبحسب ما يراه رسول الله مناسباً مع مراعاة المصالح والأضرار، وفيما يأتي مجموعة من المواقف التي تبين تعامله -عليه السّلام.
مواجهتهم بأفعالهم عندما يتطلب الأمر وبيان معرفته بها ذكر السُدّيّ ومقاتل أنّ عبد الله بن نبتل كان أحد المنافقين في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم، وكان هذا الرجل يأتي إلى رسول الله يجلس معه، ثمّ يذهب إلى اليهود ويخبرهم بما قاله صلى الله عليه وسلم-.
وفي ذات يوم كان رسول الله جالساً بين أصحابه فقال لهم: سيدخل الآن عليكم رجلٌ قلبه قلب جبّار، وعينيه عينيّ شيطان، وإذا بعبد الله بن أبيّ يدخل إلى المجلس، فأخبره رسول الله أنّه على علم بما يقوم به هو وأصحابه؛ من شتمٍ لرسول الله، فأنكر ذلك وحلف بالله أنّه ما فعل، لكنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذّبه وظلّ يقول له فعلت، فذهب إلى أصحابه وأتى بهم فحلفوا لرسول الله بأنّهم ما فعلوا، فأنزل الله في كتابه يقول: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ).
وعقابهم عندما يتطلب الأمر لمّا أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بالتجهّز للخروج في غزوة تبوك، تراجع المنافقون وامتنعوا من الخروج، فخرج رسول الله بأصحابه إلى الغزو، فلما رجع إلى المدينة المنورة كان أوّل أمر قام به الذهاب إلى المسجد النبويّ ليصلّي فيه ركعتين.
ثم قَدم إليه المنافقون بعد ذلك يعتذرون، ويقدّم كلٌّ منهم عذره الذي منعه من الاستجابة لأمر الله ورسوله والخروج للجهاد في سبيل الله، فقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعذارهم الظاهرة واستغفر لهم دون أن ينظر إلى باطن كلّ واحد منهم ويعلم ما بداخله، لكنّ النبي الكريم اتّخذ موقفاً مباشراً من المنافقين جزاءً لهم على ما فعلوا، فرفض الصلاة في مسجد ضرار الذي بنوه في المدينة المنورة قبل الخروج للمعركة، بل وأمر بحرقه، ترك عقابهم في بعض الأحيان تحقيقًا لمصلحة أكبر كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يعلم بنفاق عبد الله بن أبيّ وغيره من المنافقين، لكنّه لم يقاتلهم ولم يفصح عن أسمائهم، فالناس من اليهود والنصارى ومَن كان يعيش في المدينة لم يكونوا على علمٍ بنفاق هؤلاء، وكان يرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ قتال المنافقين مدعاة لقول الناس: إنّ محمداً يقتل أصحابه؛ لكونهم على غير علم بباطن المنافقين وما يخفون في صدورهم.
ويكون ذلك سبباً لامتناع الناس من الدخول في دين الله والنفور منه، فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُحقّق المنفعة الأكبر؛ وهي إقبال الناس على الإسلام وهذا أولى من قتال المنافقين. ومن الجدير بالذكر أن رسول الله لم يخبر عن أسماء هذه الفئة إلّا لحذيفة بن اليمان -رضيَ الله عنه.
كما أنّ حذيفة لم يكن على علمٍ بجميع الأسماء، يقول -سبحانه-: (وَمِمَّن حَولَكُم مِنَ الأَعرابِ مُنافِقونَ وَمِن أَهلِ المَدينَةِ مَرَدوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَينِ ثُمَّ يُرَدّونَ إِلى عَذابٍ عَظيم)، ورسول الله كذلك لم يطلعه الله -سبحانه- عليهم جميعاً، قبول أعذارهم مع تفويض أمرهم إلى الله بعدما قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعذار المنافقين الذين تخلّفوا عن الخروج معه إلى غزوة تبوك، واستغفر لهم ووكّل أمرهم إلى الله، لم يقبل لهم عذراً بعد ذلك فيما امتنعوا عنه، فقال -تعالى-: (يَعتَذِرونَ إِلَيكُم إِذا رَجَعتُم إِلَيهِم قُل لا تَعتَذِروا لَن نُؤمِنَ لَكُم قَد نَبَّأَنَا اللَّـهُ مِن أَخبارِكُم وَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ ثُمَّ تُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ)،.
الدعاء بالرحمة
وأمر الله سبحانه بتكذيبهم، وأنزل الآيات التي تنصّ على وصفهم بأنّهم رجس، فقال -تعالى-: (سَيَحلِفونَ بِاللَّـهِ لَكُم إِذَا انقَلَبتُم إِلَيهِم لِتُعرِضوا عَنهُم فَأَعرِضوا عَنهُم إِنَّهُم رِجسٌ وَمَأواهُم جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانوا يَكسِبونَ*يَحلِفونَ لَكُم لِتَرضَوا عَنهُم فَإِن تَرضَوا عَنهُم فَإِنَّ اللَّـهَ لا يَرضى عَنِ القَومِ الفاسِقينَ)، ترك الصلاة على موتاهم أمر الله -تعالى- رسوله -عليه السلام- بالامتناع عن الصلاة على المنافقين بعد موتهم، وعدم الوقوف عند قبورهم والدعاء لهم بالرّحمة والمغفرة؛ وذلك لأنّهم كانوا من الذين لم يصدّقوا الله ورسوله، وماتوا وهم على هذا الحال، بالإضافة إلى عصيانهم وتمردهم على أمر الله ورسوله، ومن كان ديدنه ذلك فلا يستحق الصلاة عليه والدعاء له، ذلك عملاً بقوله -تعالى-: (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنهُم ماتَ أَبَدًا وَلا تَقُم عَلى قَبرِهِ إِنَّهُم كَفَروا بِاللَّـهِ وَرَسولِهِ وَماتوا وَهُم فاسِقونَ).
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدعاء بالرحمة دين الله اليهود صلى الله علیه وسلم رسول الله أمر الله
إقرأ أيضاً:
علي جمعة يرد على الخلط بين التصوف وتصرفات أتباعه
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إنه في العصر الحاضر، خلط كثير من الناس بين تصرفات الصوفية وبين التصوف, كما خلط كثير من الخلق بين أفعال المسلمين وبين الإسلام، وأفعال المسلمين -في أي مكان وزمان- لم تكن أبدًا حجة على الإسلام.
وتابع علي جمعة في منشور له: بل إن النبي يحذر الناس من فساد الزمان والبعد عن السنة, وفي حديث حذيفة رضي الله عنه -الذي أخرجه البخاري ومسلم- يبين رسول الله أن الشريعة هي الأساس, وأننا سنرى فتنًا, ومخالفة, واختلافًا بين الناس. يقول حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير, وكنت أسأله عن الشر, مخافة أن يدركني, فقلت: يا رسول الله, إنا كنا في جاهلية وشر, فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي, تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم, دعاة إلى أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله, صفهم لنا. فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها, ولو أن تعض بأصل شجرة, حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.
وأشار الدكتور علي جمعة، إلى أن الحق أن المسلمين ليسوا حجة على الإسلام. ولما أمر أمير الجيوش قال له: وإن حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تُنزلهم على حكم الله, فلا تُنزلهم على حكم الله, ولكن أنزلهم على حكمك, فإنك لا تدري, أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ (أخرجه أحمد).
ولذلك, فإننا عندما نتفاوض, نتفاوض باجتهادنا؛ فليس هذا هو كلام الله ولا كلام رسوله, وإنما هو ما فهمناه من كلام الله ورسوله, ومن أجل ذلك, فإن العلماء من أهل التصوف تقيدوا بالكتاب والسنة, واجتهدوا كما اجتهد الفقهاء, وكما اجتهد أهل العقيدة والمتكلمون, لكنه اجتهاد مقيد بالكتاب والسنة.
وقد نشأت الآن ناشئة تنكر التصوف لما رأته من بعض الخلل أو البدع ممن ينتسبون إليه, ولو نظرنا إلى سيرة رسول الله لوجدنا أن هذا الذي فعلوه مخالف للمنهج النبوي؛ فلقد وجد رسول الله أصناما حول الكعبة، فلم يهدم الكعبة, وإنما أزال الأصنام وأبقى الكعبة, هذا هو المنهج النبوي, إنه منهج رباني.
وتابع: كذلك لو نظرنا إلى قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} نجد أن الصحابة كان عندهم حرج أن يفعلوا تلك الأفعال التي فعلها المشركون عندما قصدوا وحجوا إلى بيت الله, وأرادوا إلغاء السعي جملة, لكن السعي من دين إبراهيم, هذا من الحنيفية، وهو بأمر الله سبحانه وتعالى.
وأكد علي جمعة، على أنه قد خلط المشركون الوثنية بشريعة إبراهيم, فخلصها الله تعالى منها, وجعل شريعة إبراهيم صافية, نحج بها إلى يومنا هذا: من طواف, وسعي, ورمي, ومبيت, ووقوف بعرفة.. إلى آخر هذا, وخلصها من النواقص أو الزوائد التي أضافها الوثنيون المشركون, لم يلغ هذا الأمر, لأن هذا ليس من الإنصاف, وليس من العدل, ورسول الله يعلمنا الإنصاف والعدل, ولذلك خلص هذا من ذاك.
وأوضح أن المنهج واضح: إذا اختلط الأمر, لا نرمي الجميع, بل نُخلّص هذا من ذاك, ونأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، وننكر البدع والانحرافات، لكن التصوف في عصرنا الحاضر تاه بين أعدائه وأدعيائه؛ فهناك من يتمسك بمجموعة من البدع مدعيًا أنها هي التصوف, والتصوف براء من ذلك.
وأضاف أن التصوف هو حفظ مرتبة الإحسان, وهو مقيد بالكتاب والسنة. وله علماؤه عبر العصور, كتبوا فيه وعاشوا من أجله, وأوضحوه بألفاظ مختلفة في عصور مختلفة. تكلموا عن الزهد, وألف فيه أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة, تكلموا عن الورع, والتقوى, وأعمال القلوب, وكتب كل هؤلاء في هذا الباب.
وأكد علي جمعة أننا ابتلينا في عصرنا هذا بمن يريد أن يخالف المنهج النبوي في حقيقة أمره, إلا أنه تزيا -في الظاهر- بالزي النبوي؛ تراه يطلق لحيته, ويقصر ثوبه, ويضع سواكه فوق أذنه وكأنه من الجيل الأول ومن السلف الصالح, ثم تراه -في بعض الأحيان عن جهل, وفي بعض الأحيان عن غرور وكبر- يخرج على المنهج النبوي, أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام, يقولون من كلام خير البرية, لا يجاوز إيمانهم تراقيهم.