طيور الحلم الأمازونية (3)
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
مُزنة المسافر
هل أجاد ثياغو الببغاء بلع العملة هذه المرة؟
هل يمكنه أن يخبأها مطولًا أسفل لسانه؟
إنه متوتر.
وعقله مشحون بالأفكار.
إنه ببغاء لطيف.
ظريف.
خفيف الدم.
مضحك ومبهج.
أين عضلات الببغاء؟
أين عظامه القويمة؟
السليمة؟
هل يستطيع ببغاءك يا ريموندا أن يحمل الأشياء؟
هل يستطيع أن يعبر حلقات النار؟
هل هو بهلواني؟
أفعواني؟
بلونه الأقحواني.
الغريب.
هل هو طبيب؟
يشفي البشر بالسعادة.
وقد جاءت الجموع.
لتراه ينشر الريش.
البهيج.
والجميع ينادي عليه باسمه.
ثياغو الفرح.
ثياغو المرح.
ينسون أحيانًا أنه ببغاء.
يكرر الأسماء.
فيتحدثون إليه أحاديثًا شيقة.
وأحيانًا قيمة.
فيستمع ثياغو لكل ذلك.
حتى لا تنزعج ريموندا.
وتصبر صبرًا عظيمًا.
حتى ينتهي ثياغو من كل العروض.
ومن تلك الشهرة.
والبهرة.
التي قابلت نفسه المزهوة.
بالريش والخيلاء.
الذي لا يسكن أي ببغاء.
فقط قلب وعقل ثياغو.
الوسيم، الحليم.
إنه طير جميل.
يعرف أسماء المدن.
والقرى.
والأحياء.
ويعرف كل الأشياء.
وماذا يعرف ثياغو أيضًا؟
يعلم أنه محب، ومساعد.
لريموندا الصغيرة.
التي باتت كبيرة.
وهي تدخر النقود في مرطبان زجاجي.
كان يسكن قاعه العسل في الماضي.
وهي الآن ترغب في شراء نظارة لجدتها.
لترى منها الأشياء بشكل أفضل.
وترغب أن يكون لها لعبة جديدة.
وأمور كثيرة.
ذات صلة بالطفولة.
وأنها لا تود أن تكون مسؤولة.
عن أمور كثيرة.
هي تود أن تكتشف الحي.
وأن تخرج إليه في المساء.
وأن تعود لتشرب الحساء مع جدتها.
وتجد حجة لأن تغفى.
وتنام بين أحلام أمازونية.
وقد ترى ثياغو من جديد هناك.
وسط أحلامها المعدية.
وتصر ريموندا أن ينام الطير في قفص قريب.
من سريرها الخشبي.
حتى تشعر بالأمان.
والوئام.
والسلام الذي يسكن نفسيهما معًا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عبدالباسط عبدالصمد.. صوت مصر الذي أسحر القلوب
عبدالباسط عبدالصمد، ذلك الاسم الذي يسطع في سماء القرآن الكريم، ليس مجرد قارئ للقرآن، بل هو رمز للتلاوة الخاشعة، وصوت مصر الذي وصل إلى كل بقاع العالم، يحمل في طيات صوته أصالة الأمة وعذوبة روحها.
ولد عبدالباسط في قرية المراعزة بمحافظة قنا عام 1927، في أسرة اهتمت بالقرآن الكريم، فكان جده والده من الحافظين والمجودين، وتربى على حب التلاوة منذ نعومة أظافره.
لم يكن صغره مجرد مرحلة طفولية، بل كانت بداية رحلة استثنائية مع كتاب الله، فقد أتم حفظ القرآن الكريم وهو في سن العاشرة، وانطلقت موهبته إلى آفاق لم يصلها كثيرون من قبل.
لم يكن عبدالباسط قارئا عاديا، بل كان فنانا في الأداء، مدققا في مخارج الحروف وأحكام التجويد، صوتا يطرب السامع ويشد انتباهه منذ اللحظة الأولى.
مع الشيخ محمد سليم حمادة في طنطا، تعلم القراءات السبع وأتقنها، واستمرت دعوته في أصفون المطاعنة، حيث كان الجميع يلتفون حوله للاستماع إليه، ويشيدون بموهبته الفريدة، كانت شهادات أساتذته محل احترام وثقة، وهو ما مهد له الطريق نحو شهرته المستقبلية.
دخل عبدالباسط الإذاعة المصرية عام 1951، بعد أن لفتت تلاواته الأنظار في المولد الزينبي، ومن هنا بدأ صوته ينتشر في كل بيت مصري، وكان الناس يرفعون أصوات الراديو ليستمعوا إلى تلاوته، كأن القرآن نفسه يتجدد في كل مساء.
انتقلت شهرته بسرعة، فأصبح قارئ مسجد الإمام الشافعي، ثم مسجد الإمام الحسين، وترك خلفه إرثا من التسجيلات الرفيعة والمصاحف المرتلة التي لا تزال تردد صداها في أرجاء العالم الإسلامي.
لم يكن عبدالباسط محصورا داخل مصر، فقد جاب العالم سفيرا للقرآن، يقرأ في أعرق المساجد وأشهرها، من الحرم المكي والمسجد النبوي إلى المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي والمسجد الأموي، مرورا بمساجد آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا.
وكان حضوره في أي بلد مناسبة بحد ذاته، فاستقبله القادة والشعوب بحفاوة لم تعرف لها مثيلا، فقد كان صوته يحمل رسالة الإسلام والمحبة والروحانية، ويجمع القلوب على حب الله والتعلق بكتابه الكريم.
وفي كل رحلة، كان عبدالباسط يترك أثرا لا ينسى، سواء في الاحتفالات الرمضانية أو الزيارات الرسمية، وكان الناس يقفون على أقدامهم لساعات يستمعون لتلاوته، خاشعين دموعهم تنهمر من خشوعهم وإعجابهم بصوته.
لم يقتصر تأثيره على الجانب الديني فحسب، بل امتد ليكون رمزا للثقافة المصرية في العالم، وإشارة إلى قدرة مصر على أن تصنع أعظم الأصوات التي تسحر القلوب وتلامس النفوس.
ولم تخل حياته من التكريمات، فقد حصل على العديد من الأوسمة داخل مصر وخارجها، من وسام الاستحقاق السوري إلى وسام الأرز اللبناني والوسام الذهبي الماليزي، وغيرها من الأوسمة، تقديرا لدوره الكبير في خدمة القرآن الكريم ونشره، كما أسس نقابة قراء مصر، وانتخب أول نقيب لهم عام 1984، ليواصل دعمه للحفظة والقراء، ويهتم بشؤونهم بروح وطنية صادقة.
ورغم المرض الذي ألم به في أيامه الأخيرة، ظل عبدالباسط مخلصا لرسالته، محافظا على قيمه وصدقه مع القرآن والجمهور، حتى وافته المنية في 30 نوفمبر 1988.
وشهدت جنازته مشهدا وطنيا وإنسانيا استثنائيا حضره عدد كبير من الناس وسفراء الدول، تعبيرا عن حب العالم لصوت حمل رسالة القرآن إلى كل مكان.
عبدالباسط عبدالصمد لم يكن مجرد قارئ، بل كان روحا مصرية خالدة، وصوتا لا يزول من ذاكرة الإنسانية، أسطورة تضيء دروب كل من يحب القرآن ويعشق التلاوة الخاشعة.
وكلما مرت السنوات، يزداد حضوره في وجدان الأمة، ويظل مثالا للأجيال في التفاني والإخلاص والفن الذي يمزج بين الروحانية والجمال، ليبقى عبدالباسط صوت مصر، وصوت القرآن الذي يرن في القلوب كما يرن في الآذان.