سر الكتلة الرمادية.. مرشح الإصلاحيين بوجه انتقادات خامنئي
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
تنطلق الانتخابات الرئاسية الإيرانية، الجمعة، لاختيار خلفا للرئيس إبراهيم رئيسي الذي لقي مصرعه في حادث مروحية الشهر الماضي، وذلك بدعم عدد من الإصلاحيين للمرشح مسعود بازشكيان.
ورأى محللون أن فرص بازشكيان قد تكون قائمة بالفعل، حال تحركت ما توصف "بالكتلة الرمادية"، وكان هناك إقبال كبير في الانتخابات، في وقت انتقد المرشد الإيراني علي خامنئي، بشكل غير مباشر، المرشح الإصلاحي، ومن قال إنهم "يعتقدون أن كل ما هو جيد يأتي من أميركا".
وكان آخر الداعمين لبازشكيان، الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، إذ دعا إلى التصويت لصالحه معرباً عن أمله بأن يتمكن من تحسين العلاقات مع الدول الغربية.
ونقلت وكالة فرانس برس، أن روحاني قال في مقطع فيديو، الأربعاء، إن بازشكيان يتمتع بعدة "مزايا مثل النزاهة والشجاعة والوفاء تجاه الأمة"، تمكنه أن يصبح رئيساً للجمهورية، مضيفًا: "أطلب ممن يريدون إرساء علاقات بناءة مع العالم والاعتدال التصويت لصالح الدكتور مسعود بازشكيان".
ويبلغ المرشح الإصلاحي 69 عاماً، وهو أحد المرشحين الثلاثة الأوفر حظاً، في حين أن المرشحين الرئيسيين الآخرين هما رئيس البرلمان المحافظ، محمد باقر قاليباف، والآخر المتشدد سعيد جليلي، الذي قاد التفاوض مع القوى الكبرى بشأن الملف النووي.
وحصل بازشكيان، الثلاثاء، بالفعل على دعم الرئيس الأسبق الإصلاحي محمد خاتمي.
واعتبر الباحث السياسي، حسن المصطفى، في حديثه للحرة، أن دعم خاتمي لبازشكيان ترجع أهميته إلى أنه "لا يزال يحظى بشعبية كبيرة لدى التيار الإصلاحي وهذه الشعبية يسعى لأن تكون محفزا لهذا التيار لمشاركة أوسع في الانتخابات".
خامنئي.. وخلافات قديمةودعا خامنئي في خطاب، الثلاثاء، بمناسبة عيد الغدير، إلى "أقصى حد" من الإقبال على الانتخابات الرئاسية "للتغلب على العدو"، منددا بالسياسيين الذين وصفهم بأنهم يؤمنون بأن كل شيء جيد يأتي من الولايات المتحدة، وفق أسوشيتد برس.
وأضافت الوكالة أنه رغم عدم ذكر أي مرشح بعينه، يبدو أن تعليقات المرشد تقوض بشكل مباشر ترشيح الإصلاحي الوحيد في السباق، بازشكيان.
ولطالما حث الأخير، خلال خطاباته، على ضرورة عودة إيران إلى الاتفاق النووي لعام 2015 وزيادة تواصلها مع الغرب.
وقال المحلل السياسي الخبير بالشؤون الإيرانية، جعفر الهاشمي، في تصريحات لموقع "الحرة"، إن خامنئي لديه شريحة كبيرة من المجتمع الإيراني من المتشددين لديهم توجهات واضحة، مضيفًا أن خطابه "عبارة عن توجيه أو إشارة لهم بشأن من سيصوتون له".
وأضاف أنه "عادة في الانتخابات يكون المرشح الذي يشير إليه خامنئي هو الفائز".
من جانبه اعتبر المصطفى أن "هناك تباينا فكريا واضحا ما بين خامنئي وخاتمي تعود جذوره لأيام قائد الثورة الخميني، حين كان لكل واحد منهما مسارا مختلفا، وكان الخميني هو من يضبط إيقاع الاختلاف بين التيارين.
وتابع، في حديثه للحرة، أنه في غياب الخميني "لم تعد هناك شخصية قادرة على إيجاد التوازن بين هذه القوى، خصوصا مع تركز الصلاحيات التي منحها الدستور الإيراني بيد مرشح المرشد، مما يجعل خاتمي والإصلاحيين يستنجدون بالشعب الإيراني، ويوجهون له خطابات من أجل أن يكون رأي الشعب هو الميزان".
ولفت إلى أن بازشكيان أكد ضرورة إحياء الاتفاق النووي "وهو الأمر الذي لا يريد المرشد أن يتم وفق ما يعتبره تنازلا من إيران للولايات المتحدة، أو تفريطا فيما يراه حقوقا أساسية للدولة".
"إصلاح ولكن"وخلال مقطع الفيديو، الذي دعم فيه مرشح الإصلاحيين، ركز روحاني على رغبة بازشكيان في إحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015 مع الدول الكبرى، الذي مهد لتحسين العلاقات مع الغرب خلال ولايته.
وانسحبت الولايات المتحدة من هذا الاتفاق في 2018 في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي فرض عقوبات شديدة على إيران، ولاتزال المفاوضات لإحياء الاتفاق تراوح مكانها.
وقال روحاني: "يتعين علينا التصويت لصالح شخص مصمم على إلغاء أي عقوبة على الشعب الإيراني".
وعلى النقيض، خلال خطاب خامنئي (85 عاما)، كانت الهتافات لا تتوقف عن القول "الموت لأميركا. الموت لإسرائيل"، مما جعل المرشد يحث الحشود على الهدوء، وفق فرانس برس.
ويرى الهاشمي أن الإصلاحيين يحاولون "التغيير لكنهم يدركون أن المشكلات القائمة غير قابلة للعلاج في ظل المنظومة الحاكمة، ولا يسمح لهم بالتصريح بشأن الأمر لأن ذلك سيقود إلى طردهم من الساحة السياسية".
وأوضح في حديثه للحرة: "يركزون على مطالب معينة ويتوقفون عند سقف ما، وتحدث بازشكيان عن أنه لن يغير شيئا، وسنكون ضمن استراتيجية القيادة في إيران"، مضيفًا أن خامنئي يدرك ذلك وأوصل رسالته إلى المصوتين ومنهم الداعمين للإصلاحيين بأنه "حتى لو منحتم صوتكم لهم، فأن لهم أسقف معينة".
وبحسب أسوشيتد برس، فقد عبر الناخبون في جميع أنحاء طهران عن لامبالاة واسعة النطاق بشأن الانتخابات، في حين تواجه إيران وضعا اقتصاديا سحقته العقوبات الغربية واحتجاجات واسعة النطاق مناهضة للحكومة في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد وفاة مهسا أميني عام 2022، ورفض نساء ارتداء الحجاب الإلزامي في البلاد.
هل ينجح بازشكيان؟وقال محللون إن عبور بازشكيان للمرحلة الأولى من الانتخابات ودخوله في جولة ثانية، سيكون حافزا كبيرا لما يمكن وصفها بالكتلة الرمادية التي تتردد في المشاركة في الانتخابات.
وقال المحلل السياسي هاشمي: "يريد خامنئي عدم مشاركة الكتلة الرمادية، لأنها لو صوتت لصالح الإصلاحيين سيكون هناك واقع جديد في إيران، في وقت يرغب أن يكون هناك رئيس خاضع لسياساته".
ونقلت أسوشيتد برس أيضًا عن محللين، أن بازشكيان بحاجة إلى إقبال واسع على التصويت في الانتخابات "وهو أمر غير مرجح نظرا لحالة اللامبالاة السائدة في البلاد".
وأشارت الوكالة إلى أن حملة المرشح الإصلاحي ركزت، حتى الآن، على جذب أصوات الشباب والنساء والأقليات العرقية في إيران.
ويرى الهاشمي أنه إلى الآن "لا توجد مؤشرات على أن الإصلاحيين نجحوا في تحريك المياه الراكدة ودفع الكتلة الرمادية للتصويت"، مشيرًا إلى موقف فائزة هاشمي رفسنجاني، الابنة الثانية للرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني (1989-1997) التي تقبع في السجن بتهمة "تحريض مثيري الشغب على الاحتجاج في الشوارع".
وقال للحرة إن موقفها، كشخصية إصلاحية بارزة، بأنها لن تشارك في الانتخابات "يعني أن هناك نخبا إصلاحية لم تقتنع بعد بالمشاركة، وتدرك أنه لن تكون هناك مشاركة واسعة".
بدوره أوضح المصطفى أنه حال وصلت نسبة المشاركة، كما المتوقع في حدود 50 بالمئة، "فإن حظوظ المرشح الإصلاحي سوف تكون أقل من بقية المنافسين المتشددين، وتحديدا جليلي وقاليباف، لأنه في حال الذهاب لجولة ثانية فإنه على الأغلب سيكون فيها المرشح الإصلاحي مع أحد المتشددين وحينها سيصوت الأصوليون لمرشحهم بكثافة".
لكن الهاشمي أشار إلى أنه حال وصول بازشكيان "إلى جولة ثانية من الانتخابات، أعتقد أن في هذا الوقت يمكن أن تتحرك الكتلة الرمادية التي سيكون بيدها القرار النهائي حيث تشكل الأغلبية في الشارع الإيراني".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المرشح الإصلاحی فی الانتخابات فی إیران إلى أن
إقرأ أيضاً:
ما السلاح الذي قصفت به أميركا منشآت إيران النووية؟
جاء ذلك بعد تصريحات وردت في اليومين الماضيين عن أن ترامب سيتخذ قراره بشأن المنشآت النووية في غضون الأسبوعين القادمين. وتماما كما جرت الضربة الأولى التي شنتها طائرات جيش الكيان بصورة مباغته في قلب إيران، كذلك فعلت أميركا.
تتالت الأنباء لاحقا بأن الجيش الأميركي قام باستخدام القاذفة الأميركية "بي-2 سبيريت" (B-2 Spirit) التي تمتلك مواصفات تقنية تجعلها الوحيدة تقريبًا القادرة على تنفيذ مثل هذه المهمة المعقدة، فما هي هذه القاذفة؟
بي2- سبيريت
لفهم عمق الأمر، سنتعرف بداية إلى الطبيعة الخاصة جدا لهذه النوعية من الطائرات المسماة بي-2 سبيريت والتي كثر الحديث عنها مؤخرًا ورُبطت بمنشأة فوردو تحديدا.
فالقاذفات نوع من الطائرات المصممة خصيصًا لمهاجمة الأهداف البرية والبحرية بإسقاط القنابل أو إطلاق الصواريخ، وتتخصص بشكل أساسي في مهام القصف الإستراتيجي (ضمن مهام أخرى)، أي استهداف البنية التحتية، أو المراكز الصناعية، أو خطوط الإمداد، أو الأصول الأخرى ذات القيمة العالية بهدف إضعاف قوة الخصم وتقويض قدراته الأساسية.
وبشكل خاص، تمتاز "بي-2" بقدرتها على حمل أسلحة ضخمة مثل القنابل الخارقة للتحصينات (جي بي يو-57) والأسلحة النووية، وذلك ما يجعلها عنصرًا أساسيا في عمليات الردع الإستراتيجي. هذه العمليات تتطلب مهام طويلة المدى بعيدًا عن قواعد الانطلاق وبتخفٍّ تام عن رادارات الخصم.
ويفهم مما سبق أن هذه النوعية من العمليات غالبًا ما تنطوي على مهام بعيدة المدى في عمق أراضي الخصم المستهدف، ولتحقيق هذا الغرض يجب أن تكون هذه القاذفات قادرة على السفر لمسافات طويلة من دون رصدها تحت أي ظرف.
ورغم أن قاذفة إستراتيجية أخرى هي "بي ـ 52" قادرة على حمل مثل هذه القنابل الضخمة، فإنها ليست مؤهلة للقيام بالعمليات التشغيلية من هذا النوع، إذ إنها لا تتمكن من فرض التفوق الجوي والمناورة والتخفي من الرادارات، ولذلك فهي بحاجة لوجود طائرات أخرى للحماية.
في الحرب الباردة كانت القاذفات، مثل "بي-52″ الأميركية، جزءا رئيسيا من إستراتيجيات الردع النووي، إلا أن الولايات المتحدة احتاجت إلى قاذفة قادرة على اختراق الدفاعات الجوية السوفياتية من دون أن يتم كشفها بسبب التقدم الكبير في تقنيات الرادار، مما جعل القاذفات التقليدية أكثر عرضة للخطر.
بحلول منتصف السبعينيات، ابتكر مصممو الطائرات العسكرية طريقة جديدة لتجنب الصواريخ الاعتراضية، والمعروفة اليوم باسم "التخفي".
وفي عام 1974، طلبت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة "داربا" معلومات من شركات الطيران الأميركية عن أكبر مقطع عرضي لطائرة تكون غير مرئية فعليا للرادارات.
وإثر ذلك، وفي عام 1979، أطلقت القوات الجوية الأميركية برنامجا لقاذفة متطورة تكنولوجيا يتركز على قدرات التخفي، وفي عام 1981 فازت شركتا نورثروب وبوينغ بعقد تطوير القاذفة الشبحية الجديدة بموجب "مشروع سي جي سينيور"، وبحلول عام 1988 كشف النقاب رسميا عن القاذفة "بي-2 سبيريت" للجمهور.
في الأصل، خططت الولايات المتحدة للحصول على 132 قاذفة من طراز "بي 2″، ولكن بسبب التكاليف المرتفعة تم تخفيض العدد إلى 21 طائرة فقط، حيث قُدِّرت التكلفة الإجمالية لكل طائرة -بما يشمل الصيانة والتطوير- بنحو 2.1 مليار دولار، مما يجعلها واحدة من أغلى الطائرات العسكرية التي بنيت على الإطلاق.
وفي 17 يوليو/تموز 1989 قامت قاذفة "بي-2 سبيريت" بأول رحلة لها من مصنع القوات الجوية 42 في كاليفورنيا، ومنذ ذلك الحين بات ينظر إلى القاذفة الشبحية الأميركية على أنها القاذفة الإستراتيجية الأكثر تقدمًا في العالم، بسبب قدرتها الفائقة على التخفي.
وتعزى هذه القدرة بالأساس إلى تصميم جناح الطائرة القادر على الإفلات من الرصد الراداري، فضلا عن كونها مطلية بمواد تمتص أشعة الرادار، وتمتلك قدرات على قمع الأشعة تحت الحمراء (بصمتُها الحرارية منخفضة)، كما تعمل أنظمة التشويش المتقدمة الخاصة بها على تعطيل رادار الخصم وأنظمة اتصالاته.
ووفقًا لسلاح الجو الأميركي، يوجد 19 قاذفة بي-2 عاملة، يمكنها أن تحلق بسرعات دون سرعة الصوت، لكنها قادرة على التزود بالوقود جوًا، وذلك ما يسمح لها بالطيران لمسافات طويلة للغاية.
وخلال حرب كوسوفو في أواخر التسعينيات، حلّقت طائرات بي-2 ذهابًا وإيابًا من قاعدتها في قاعدة وايتمان الجوية بولاية ميسوري لضرب أهداف، وفي عام 2017 حلّقت طائرتان من طراز بي-2 لمدة 34 ساعة للوصول إلى ليبيا، ويجري ذلك أيضا على عمليات في العراق (2003)، وأفغانستان (2001-2021)، وسوريا (2017)، وصولا إلى العمليات الأميركية الأخيرة في اليمن.
وهي الطائرة التي يعود الاهتمام بها اليوم بعد استهداف منشآت إيران النووية المحصنة.
تحصينات منشأة فوردو
إذا ما تحدثنا عن استهداف منشأة "فوردو" النووية الإيرانية، والتي تعد واحدة من أكثر المنشآت تحصينًا في العالم، فهي قد صُمّمت خصيصًا لتكون قادرة على الصمود أمام الضربات الجوية وحتى بعض الهجمات النووية التكتيكية، أي تلك التي تستخدم أسلحة نووية صغيرة ذات أثر محدود.
تقع "فوردو" على بُعد نحو 95 كيلومترا جنوب غرب العاصمة طهران، وقد شُيّدت داخل مجمع أنفاق تحت جبل يبعد حوالي 32 كيلومترا شمال شرق مدينة قُم، ويقدر أن عمق المنشأة عن سطح الأرض يصل إلى 80 أو 90 مترًا، بهدف واحد وهو حماية المنشأة من القنابل الخارقة للتحصينات.
المنشأة محاطة بطبقات من الصخور الجبلية الطبيعية والخرسانة المسلحة العالية الكثافة، مع جدران فولاذية أو دروع معدنية داخلية، وتصميم داخلي يمثل "متاهة"، ليعقّد الاختراق، ويحد من تأثير الانفجارات.
كذلك فإن هناك دفاعات جوية متعددة تحيط بالمنشأة، منها بطاريات صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى وأنظمة تشويش إلكتروني لمنع استهداف دقيق، مع كاميرات حرارية، وأجهزة استشعار، وحراسة دائمة.
وتتألف المنشأة، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من قاعتين مخصصتين لتخصيب اليورانيوم، وقد صممت لاستيعاب 16 سلسلة من أجهزة الطرد المركزي الغازي من طراز "آي آر-1" (IR-1)، موزعة بالتساوي بين وحدتين، بإجمالي يبلغ نحو 3 آلاف جهاز طرد مركزي.
قنبلة واحدة فقط
وحسب المعلومات المتاحة، لا توجد سوى قنبلة واحدة يحتمل أن تصل إلى هذا العمق قد تستخدمها إسرائيل لضرب منشآت مثل فوردو ونطنز النوويتين، وهي القنبلة الأميركية "جي بي يو-57 إيه بي".
وتُعرف هذه القنبلة أيضا باسم القنبلة الخارقة للدروع الضخمة (إم أو بي)، وهي قنبلة تقليدية موجهة بدقة لتدمير الأهداف المدفونة والمحصنة على عمق كبير، مثل المنشآت والمخابئ تحت الأرض، وهي تزن نحو 13-14 طنا، ويبلغ طولها 6 أمتار.
وفق التقديرات العسكرية، فإن هذه القنبلة قادرة على اختراق ما يصل إلى 61 مترا من الخرسانة المسلحة أو ما يصل إلى 12 مترا من الصخور الصلبة، ولا يمكن حملها بواسطة الطائرات المقاتلة الأميركية العادية، بل تحتاج لقاذفة الشبح الأميركية "بي 2 سبيريت" التي تشغَّل بواسطة القوات الجوية الأميركية.
ويتطلب الأمر، لتنفيذ مهمة كهذه، أن يحلّق عدد من طائرات بي-سبيريت، لتبدأ أولا حرب إلكترونية متخصصة، مهمتها تشويش أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية على نطاق واسع، وعزل المنطقة المستهدفة عن أي اتصالات خارجية.
ومع الوصول إلى منطقة الهدف فوق جبل فوردو، تبدأ أنظمة الاستهداف العالية الدقة على متن الطائرات بتحديد الموقع الدقيق للمنشأة تحت الأرض، ثم تطلق القنابل، لكن الأمر أعقد من مجرد الحاجة لقنبلة واحدة، إذ يتطلب ضربات متتالية على النقطة نفسها، ربما تبدأ بقنابل أخرى غير جي بي يو-57 إيه بي، لإحداث صدمة أولية أو لإزالة الطبقات السطحية من الصخور التي قد تعيق الاختراق الأعمق، أو حتى لاختبار استجابة الدفاعات المتبقية التي لم يتم تشويشها بالكامل، ثم تطلق القنابل الرئيسية بعد ذلك.
عند الاصطدام، تخترق كل قنبلة طبقات صلبة من الصخور والخرسانة المسلحة، معتمدة على طاقتها الحركية الهائلة. وقد يتم إطلاق قنابل متتالية على النقطة نفسها لتعميق الاختراق، أو على نقاط مختلفة لتوسيع دائرة التدمير. وبعد اختراق عشرات الأمتار في عمق الأرض، تنفجر الشحنة المتفجرة داخل القنبلة بقوة هائلة، مُحدثة موجة صدمية تدمر البنية الداخلية للمنشأة.
وفي هذه الحالة، فالهدف الإسرائيلي ليس تدمير المنشأة في العمق (لأن إمكانية تحقيق ذلك غير مؤكدة)، بل شلّ أنظمة الدعم الحيوية المحيطة الخاصة بها.
عائق أعمق
يفسر ما سبق إلحاح إسرائيل على التدخل الأميركي المباشر في هذه المواجهة، وحاجتها الشديدة للقاذفة الأميركية وقنبلتها الضخمة.
وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن "المنشآت النووية الإيرانية لم تتعرض لأضرار لا يمكن إصلاحها في الموجتين الأوليين من الهجمات الإسرائيلية"، وبنت الصحيفة ذلك الاستنتاج على التصريحات الصادرة عن البلدين فضلًا عن مقاطع الفيديو والصور للمواقع المتضررة.
وتوضح الصحيفة أنه يبدو أن إسرائيل شنت هجومًا قرب فوردو، لكنها لم تُصب المنشأة تحت الأرض نفسها. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخبراء في مجال حظر الانتشار النووي فإن الضربات على نطنز، موقع التخصيب الرئيسي الآخر في إيران، قد دمرت منشآت عدة وألحقت أضرارًا بالنظام الكهربائي.
وأوضح المحللون الذين اطلعوا على صور الأقمار الصناعية أن معدات التخصيب تحت الأرض في نطنز لم تتضرر على الرغم من وجود آثار مباشرة على قاعات التخصيب تحت الأرض.
ورغم أن إسرائيل استطاعت عبر العقود الماضية تنفيذ ما يُعرف "بعقيدة بيغن" التي تقوم على توجيه ضربات استباقية لمنع خصومها في المنطقة من امتلاك قدرات نووية، كما حدث عند تدمير مفاعل تموز العراقي عام 1981، ومنشأة الكبر السورية عام 2007، فإن الملف الإيراني يطرح تحديات من نوع مختلف تمامًا.
فالمنشآت المستهدفة من قبل كانت منفردة وظاهرة ولا تزال في مراحل مبكرة من التشييد، مما جعل ضربها ممكنًا وفعالًا.
لذلك يمثل استهداف منشأة فوردو تحديًا مختلفًا عما واجهته إسرائيل سابقًا. فالبرنامج النووي الإيراني موزع على مواقع متعددة ومحمي جيدًا تحت الأرض، كما أنه مدعوم بخبرات تقنية وعلمية راسخة، وذلك ما يجعل القضاء عليه بالكامل من خلال ضربات جوية أمرًا معقدًا للغاية.
في النهاية، يظل الملف النووي الإيراني أكثر تعقيدًا من مجرد استهداف منشآت مادية، إذ يتعلق الأمر بمنع دولة لديها المعرفة العلمية والإرادة السياسية من استئناف نشاطاتها، وذلك ما يجعل التعامل الناجح معه بعيدًا كل البعد عن مجرد حل عسكري سريع.
وعلى إثر الهجوم الأميركي، يبدو أن حسابات المواجهة ستتغير، فالرئيس الأميركي يقول إنه حان وقت السلام، بينما تنتظر إيران حساب الأضرار، والإعلان عن موقفها الرسمي الذي ربما يشعل المنطقة برمتها أو يوصل المواجهة العسكرية إلى نهايتها كما تريد أميركا وإسرائيل.
وكالات