الأمارات تفشل في مخططاتها ضد السودان
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الزيارة التي قام بها نائب وزير الخارجية السعودي وليد بن عبد الكريم الخريجي إلي بورتسودان و التقى خلالها برئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، هي زيارة تتعلق بكيفية تنشيط "منبر جدة" حيث تضغط دولة الأمارات العربية في عدة اتجاهات البحث عن مفاوضات بين " الجيش و المليليشيا تقود لتسوية بين الجانبين.
في 18 إبريل 2024م كان قد بحث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عبر الهاتف مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان قضية الحرب في السودان و ضرورة الوصول إلي حل يوقف الحرب عبر منبر جدة.. و في نفس الوقت بدأت تتكشف بصورة أكبر دعم الأمارات للميليشيا في العديد من الصحف الأمريكية و البريطانية، الأمر الذي ادى إلي طرح القضية على نواب الكونجرس و أيضا مجلس الشيوخ لوقف هذا الدعم، هو الذي جعل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن يجري أتصالا مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، و اقترح علية تنشيط " منبر جدة" و ضرورة الوصول إلي حل يوقف الحرب فورا.
عندما فشلت السعودية في اقناع رئيس مجلس السيادة و قائد الجيش للرجوع لمنبر جدةـ أتصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 28 مايو 2024م مع رئيس مجلس السيادة، و طلب منه ضرورة الرجوع إلي منبر جدة، و فشلت الجهود بهدف تنشيط "منبر جدة" الأمر الذي أثار حفيظة الأمارات التي فشلت في ضغطها على القيادة السودانية عبر العديد من الأدوات التي تستخدمها، و بدأ الضغط على الاتحاد الإفريقي و الإيغاد أن تفتح منبرا لحوار القوى السياسية في أديس أباب، و الهدف منه هو ممارسة ضغط على القيادة في السودان.. في 19 إبريل بحث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عبر الهاتف مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان قضية الحرب في السودان و ضرورة الوصول إلي حل يوقف الحرب عبر منبر جدة، و بالفعل قد أعلن الاتحاد الأفريقي عن حوار سياسي للقوى المدنية و الحزبية لا يستثنى أحدا، و كانت مصر قبل ذلك قد أعلنت عن حوار للقوى المدنية السودانية في القاهرة في أواخر شهر يونيو 2024م، ثم أجل لينعقد في 6 يوليو 2024م، من أجل الوصول لتفاهمات بين القوى المدنية..
في 29 يونيو 2024 بحث المبعوث الأمريكي توم بيرييلو في الرياض مع نائب وزير الخارجية السعودي وليد بن عبد الكريم الخريجي قضيية الحرب في السودان، و كيفية تفعيل "منبر جدة" في هذا الاجتماع كان بيرييلو قد أقترح على الخريجي توسيع المنبر لكي يشمل ممثلين عن الأمارات و دول الإيغاد و الاتحاد الأفريقي، و يضاف إليه الحوار السياسي للقوى المدنية السودانية، هذا المقترح هو أصلا مقترح أماراتي تم طرحه على السعودية بلسان أمريكي، و تحاول الأمارات أن تكون من الدول الراعية ل " لمنبر جدة" حتى تبين للعالم أنها تعمل من أجل إيجاد حلول للمشكلة، و وقف الحرب، حتى تستطيع أن تشكك في حديث مندوب السودان الذي اتهم فيه الأمارات بدعمها الميليشيا، و تكون هي سببا في إطالة الحرب، و سبب رئيس في تشريد المواطنين السودانيين، و دمار البنية التحتية للدولة. لكن اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة مع نائب وزير الخارجية السعودي الوليد بن عبد الكريم الخريجي في بورتسوان أمس يوم 8 يوليو 2024م و الذي أكد فيه رئيس مجلس السيادة حرصه على الذهاب إلي جدة، و لكنه تحفظ على وجود أي طرف يدعم ألميليشيا .. السؤال لماذا تسعى أمريكا مشاركة الأمارات في فعلها من خلال المحاولات لحمايتها، و لماذا تعمل السعودية لتنفيذ طلب أمريكا الذي قدمه لها المبعوث الأمريكي للسودان توم بيرييلو لتوسيع "منبر جدة" حتى يشمل الأمارات..
كانت السعودية تتعامل مع القيادة السودانية عبر الهاتف، و تحسها الذهاب لمنبر جدة، و لأول مرة ترسل شخصية نائب وزير الخارجية لبورتسودان، من أجل مقابلة القيادة و إقناعها بمشاركة دولة الأمارات، و أيضا دول الإيغاد كمسهلين في عملية التفاوض بين الجيش و الميليشيا، و هذا المسعى يبين كمية الضغط الذي تمارسه دولة الأمارات على العديد من الدول لكي تخدم لها أجندتها... أن محاولات الإمارات للضغط من أجل عملية تفاوضية، تؤكد أن الإمارات قد وصلت لقناعة أن مشروعها قد فشل، و أن الميليشيا فقدت القدرة و السيطرة على عناصرها، الأمر الذي لا يؤهلها أن تقوم بإنجاز أي هدف مطلوب منها، و الإمارات تحاول أن تجد لها مخرجا لا يجعلها مسؤولة عن الدمار الذي حدث لمؤسسات الدولة و البنية التحتية لها، و أيضا لممتلكات المواطنين و هجرتهم كلاجئين.. و تعتقد أنها قادرة على شراء الكل بمالها..
أن الحرب الدائرة في السودان ضد المواطن أولا و الوطن ثانيا، و تتحمل مسؤوليتها دولة الإمارات و الذين يقفون معها، و الذين قبلوا أن يخدموا أجندتها، و أيضا أغلبية دول جوار السودان الذين دفعوا بعشرات الآلاف من المرتزقة للقتال مع الميليشيا، و أيضا فتحوا أراضيهم لاستقبال طائرات الشحن الإماراتية التي تحمل الدعم العسكري للميليشيا، و جرارات التشوين و السلاح التي تعبر من أراضيهم إلي داخل السودان، و كلها تعد مشاركة فعلية في الحرب.. إن هذه الحرب سوف تتعلق في ذاكرة الشعب السوداني طول مادام السودان دولة مستقلة أمنة، لأنها طالت المدن و القرى و كل المناطق النائية التي أصابها جرم الأمارات و أفعال قادتها، و الذين شاركوها في التنفيذ إذا كانوا سودانيين أو غيرهم من الدول التي وقفت لكي تحمى أفعل هذه الدويلة.. نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: وزیر الخارجیة الأمریکی أنتونی بلینکن وزیر الخارجیة السعودی نائب وزیر الخارجیة رئیس مجلس السیادة فی السودان منبر جدة من أجل
إقرأ أيضاً:
مدن سودانية تنهض من رماد الحرب والخرطوم تتراجع
في وقت ينهار فيه قلب السودان، تقف مدن أخرى على هامشه لتعلن عن صعود جديد يُعيد رسم الخارطة الجغرافية للنفوذ الاقتصادي والعمراني. الخرطوم، العاصمة التي كانت ترمز إلى مركز القرار والسيطرة، تشهد انحسارا مدمرا بفعل الحرب التي اندلعت قبل أكثر من عامين، تاركة خلفها فراغا سكانيا ومؤسساتيا، في حين تنمو على أطراف المشهد مدن مثل بورتسودان وعطبرة والقضارف وشندي والدبة، لتتحول إلى حواضن بديلة للدولة والاقتصاد والمجتمع.
هذا التقرير يرصد تحولات هذه المدن في ظل الانهيار المتسارع للعاصمة، ويستعرض كيف بات الهامش مركزا مؤقتا وربما دائما.
مدينة بورتسودان، المعروفة بـ"دُرّة الشرق"، تقع على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وقد شهدت تغييرات عميقة منذ اندلاع الحرب في الخرطوم. حيث تحولت المدينة إلى مركز إداري بديل للحكومة، وأصبحت ملاذا للنازحين والفارين من مناطق الصراع، ومقصدا للعابرين بحرا وجوا.
كما جذبت المدينة المستثمرين ورجال الأعمال الذين نقلوا إليها نشاطهم التجاري، وأصبحت مقرا للمنظمات الدولية والإنسانية والسفارات الأجنبية.
ويُعدّ مطار بورتسودان الدولي الآن المنفذ الجوي الوحيد الذي يربط البلاد بالعالم الخارجي، مما ضاعف من أهميته الاستراتيجية. أما الميناء البحري الوحيد في السودان، فقد اكتسب بدوره أهمية اقتصادية متزايدة منذ إنشائه في أوائل القرن الماضي، وأصبح أحد أركان الاقتصاد الوطني في ظل انقطاع العاصمة.
وفي ظل هذا الانتعاش، شهد القطاع العقاري في المدينة تضخما كبيرا في الأسعار، حيث تضاعفت إيجارات العقارات بشكل جعلها بعيدة المنال عن أصحاب الدخل المحدود، مما أدى إلى ظهور تفاوتات اقتصادية بين الوافدين الجدد والسكان الأصليين.
عطبرة وشندي والقضارف.. صعود صناعي وزراعي وعمرانيفي شمال السودان، برزت مدينة عطبرة -التي تُعرف بـ"مدينة الحديد والنار"- كواحدة من أبرز المدن التي نهضت بوتيرة متسارعة.
إعلانعطبرة التي كانت مركزا تاريخيا للسكك الحديد، استفادت من موقعها الجغرافي عند تقاطع الطرق القومية بين الخرطوم وبورتسودان وحلفا، ومن تدفق رؤوس الأموال الهاربة من مناطق النزاع، خاصة تلك العاملة في قطاع التعدين الأهلي للذهب.
وانتقل إلى المدينة عدد كبير من العمالة التي كانت تعمل في القطاعات غير المنظمة، وارتفع عدد السكان من نحو 75 ألفا إلى نحو مليوني نسمة، وفقا لما صرّح به علي عسكوري، المسؤول السابق في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، لموقع الجزيرة نت.
وقال عسكوري: "في كل مكان في عطبرة ترى العمارات ترتفع، والمراكز التجارية تنمو، والشركات والمناطق الصناعية تتسع". وقد رافق هذا التوسع نمو في سوق الذهب، حيث أصبحت ولاية نهر النيل (التي تنتمي إليها عطبرة) مع ولاية البحر الأحمر تنتج نحو 70% من الذهب في السودان، بعد انتقال مصفاة الذهب إليها وبناء برج خاص بسوق الذهب.
أما في شرق السودان، فقد جذبت ولاية القضارف -التي تُعد من كبريات مناطق الإنتاج الزراعي- رؤوس أموال ضخمة وكبريات الشركات، حيث شُغّل نحو 32 مصنعا في مجالات متنوعة، مما أسهم في تقليص الفجوة الغذائية، وتوفير فرص عمل واسعة للشباب والعمالة في المجالات الحرفية والمهنية.
وقد أدى توافد المستثمرين إلى انتعاش سوق العقارات وارتفاع أسعار الإيجارات، لا سيما في سوق القضارف والسوق العمومي والمحال التجارية، إلى جانب تحسن ملحوظ في القوة الشرائية ومعدل الدخل، رغم تصاعد البطالة والتضخم في بقية مناطق السودان.
وفي مدينة شندي الواقعة شمالي الخرطوم، استقرت عشرات المصانع التي غادرت العاصمة بعد الحرب. وقد خصصت المحلية مدينة صناعية متكاملة استوعبت هذه المصانع، بحسب ما أوضح المدير التنفيذي لمحلية شندي، خالد عبد الغفار، للجزيرة نت.
وتشمل الصناعات الجديدة في شندي إنتاج المواد الغذائية، والكراسات، والمياه المعدنية، والعصائر، والشاي، والصابون، واللحوم، بالإضافة إلى صناعات البلاستيك والعطور والأواني المنزلية، ومعدات الكهرباء، والسباكة، وتعليب الخضروات، وتجفيف البصل.
كما خصصت شندي مواقع لمعارض السيارات التي كانت تتركز سابقا في الخرطوم، وسوقا جديدا لمواد البناء، إلى جانب انتقال تجارة الأحذية والملابس والعطور من سوق سعد قشرة الشهير في بحري إلى أسواقها. وتشير بيانات محلية إلى أن عدد سكان شندي تضاعف أكثر من 5 مرات، وارتفعت إيجارات السكن والمتاجر بدرجة غير مسبوقة.
وفي شمال السودان، تحولت مدينة الدبة الواقعة على منحنى نهر النيل إلى ميناء بري ضخم، وأصبحت مركزا حيويا يربط بين الأقاليم الشمالية والغربية والشرقية.
تُستقبل في المدينة السلع والبضائع القادمة من المثلث الحدودي مع مصر وليبيا، بالإضافة إلى الواردات القادمة من مصر مباشرة.
وباتت المدينة نقطة توزيع مركزية للسلع إلى ولايات دارفور وكردفان، كما أصبحت ملتقى للنازحين الذين هربوا من تدهور الأوضاع الأمنية والخدمية في تلك الأقاليم، بحثا عن الاستقرار والتعليم والخدمات الصحية لأطفالهم.
إعلانوقد ارتفع عدد سكان الدبة من نحو 50 ألفا إلى أكثر من 500 ألف نسمة خلال عامين فقط، مما جعلها تتحول من مدينة صغيرة إلى مركز اقتصادي ناشئ. ويُعزى ذلك إلى موقعها المفتوح على الصحراء، مما سهّل تحوّلها إلى نقطة عبور لسلع التصدير من كردفان ودارفور نحو بورتسودان أو شمالا نحو معبر أرقين الحدودي مع مصر.
التحولات العميقة التي تشهدها مدن مثل بورتسودان، وعطبرة، والقضارف، وشندي، والدبة لا تمثل مجرد رد فعل ظرفي على الحرب الدائرة في الخرطوم، بل تكشف عن إعادة توزيع حقيقي للثقل السكاني والاقتصادي في البلاد.
هذه المدن أصبحت في غضون عامين فقط محاور جديدة للنمو والعمران، واستوعبت موجات النزوح والاستثمار التي كانت تتركز سابقا في العاصمة.
لكن يبقى التساؤل الجوهري: هل سيقود هذا الصعود إلى تغيير دائم في الجغرافيا السياسية والاقتصادية للسودان؟ أم أنها لحظة طارئة ستتبدد مع نهاية الحرب؟ الأكيد أن واقع ما بعد الخرطوم لن يشبه ما قبلها، وأن المدن التي كانت على الهامش باتت تمتلك الآن مفاتيح جديدة لمستقبل البلاد.