القوى الناعمة.. سفيرة مصر فى القارة العجوز
تاريخ النشر: 11th, July 2024 GMT
تلعب القوى الناعمة دورا كبيرا فى تشكيل وتعزيز العلاقات بين الدول والشعوب، لما لها تأثير على فكر وثقافة الشعوب، ومن بين تلك القوى، الأعمال الفنية والثقافية، بمختلف أنواعها، خاصة السينما والمسرح والدراما والفنون التشكيلية، ولذلك اهتمت مصر بهذا الجانب على المستوى الدولى، لتقديم ثقافة شعبها وطرح قضاياها للعالم، من خلال المهرجانات والأسواق العالمية، بما ينعكس على تعزيز العلاقات بين مصر ودول الاتحاد الأوروبى، وانفتاحها على الثقافات والمعرفة والتنمية التوعوية، ونقل الخبرات والتعرف على الحضارات بمختلف مستوياتها مع تلك الدول بل والعالم أجمع.
وقال حسين نوح، الكاتب والفنان التشكيلى، إنه يجب التركيز على الأعمال الفنية التى تقدم للعالم، نظرا لأنها تكوّن صورة ذهنية تعكس ثقافة وحضارة الشعب المصرى، على شعوب العالم، بجانب استغلال ذلك للترويج للسياحة فى مصر وحضارتها من خلال كوادر قادرة على توصيل الرسالة المطلوبة
وأضاف «نوح» أنه من ضمن الأفلام التى قدمت مصر للعالم «المصير» للنجم يوسف شاهين، وفيلم «المهاجر» الذى عرض فى مهرجان «كان» السينمائى، مؤكدا أن تلك الأعمال لها دور مهم فى تعزيز العلاقات والثقافات بين الشعوب، بجانب الفنون التشكيلية التى تعبر عن مشاكل وقضايا المجمتع.
وأشار إلى أن الأعمال الفنية التركية نجحت فى تسويق ثقافاتها لدول العالم، وعملت على جذب السائحين إليها، كما أن مصر تمتلك مقومات لذلك، من بينها الكوادر الفنية، والمتاحف الأثرية والتشكيلية، وغيرها من المعالم التى تجذب الكثيرين إليها، لافتا إلى أنه يجب تصدير الأفلام والأعمال الوطنية التى تعبر عن الانتماء ووحدة الوطن بين الشعوب، معربًا عن أنه يجب «تصالح المصريين مع جمال العالم».
ومن جانبه أكد محمد حفظى، السيناريست والمنتج السينمائى، أن الأعمال الفنية تلعب دورا مهما فى تعزيز العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى، باعتباره أحد عناصر القوى الناعمة، التى تعبر عن ثقافات الشعوب، ولكن تبادل وعرض تلك الأعمال بين مصر وأوروبا ضعيف، رغم وجود مهرجانات دولية عالمية بين الجانبين، مثل مهرجان كان، وبرلين، ومهرجان القاهرة السينمائى الدولى.
وأوضح «حفظى» أن الأعمال التى تقدم فى المهرجانات الدولية مثل فيلم «المهاجر» الذى عرض فى مهرجان «كان» السينمائى لم تكن معروفة بالنسبة للشارع المصرى ولم يحقق نجاحا باهرا، ومن بين تلك الأعمال فيلم «6.7.8» الذى عرض فى باريس، وحقق نجاحا فى شباك سينما فرنسا ما يقارب من 300 ألف تذكرة، رغم أنه عرض مشكلة أو ظاهرة صدرت صورة سلبية عن مصر وهى «قضية التحرش».
ولفت إلى أن بانوراما السينما الأوروبية تتلقى دعما كبيرا من الاتحاد الأوروبى، وهو ما نطلبه من خلال توقيع اتفاقيات على غرار الاتفاقيات الدولية فى مجال التجارة والاقتصاد والاستثمار فى المجال الفنى والسينمائى، والعمل على تعزيز التبادل الثقافى بين مصر ودول الاتحاد الأوروبى، كفرنسا وألمانيا، وبلجيكا، وبريطانيا.
واختتم حديثه قائلا: إن مصر لم تعمل على تخصيص جناح لأعمالها الفنية فى الأسواق العالمية، مثل سوق «كان»، وهذا خطأ حيث يجب الاهتمام بذلك الجانب لما له من مردود إيجابى على تعزيز العلاقات بين الدول فى الجانب الثقافى والمعرفى والفنى.
من ناحية أخرى كان سفير الاتحاد الأوروبى بالقاهرة، كريستيان بيرجر، قد أكد أن الاتحاد الأوروبى يدعم دائما التبادل الثقافى بين الدول، مشيرا إلى أن السينما أحد أهم هذه الأدوات التى تساهم فى نقل الثقافات بين الشعوب، من خلال دعم العديد من المشروعات الفنية مثل مهرجان أسوان لأفلام المرأة.
وأشار فى كلمته خلال افتتاح مهرجان الاتحاد الأوروبى للأفلام، ضمن احتفالات يوم أوروبا، إلى أنه تم عرض 24 فيلمًا من 19 دولة أوروبية فى 8 مراكز ثقافية، من بينها مكتبة الإسكندرية، وتجرى العروض الأخرى فى مختلف المراكز الثقافية الأوروبية والمحلية وهي: المعهد الفرنسى، ومؤسسة آنا ليند، ومعهد جوته، والقنصلية الفخرية لإيطاليا، والمؤسسة اليونانية للثقافة ومركز الجزويت.
ورحب بيرجر باهتمام الشباب بصناعة الأفلام والسينما، وقام معهد ثربانتس بالإسكندرية بتنسيق المهرجان، وذلك فى سياق اتفاقية مشتركة مع وفد الاتحاد الأوروبى فى مصر، كما سيقوم المعهد بعرض خمسة أفلام من برنامج المهرجان فى مقره (ثلاثة أفلام إسبانية، وفيلمين من دول أوروبية أخرى)، ويمثل هذا البرنامج السينمائى أيضا جزءا من مشروع تابع للمفوضية الأوروبية، يهدف إلى دعم المهرجانات السينمائية الأوروبية التى يتم تنظيمها من قبل وفود الاتحاد الأوروبى من أجل العمل على تطويرها من حيث الجودة والانتشار.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: يوسف شاهين تعزیز العلاقات بین الاتحاد الأوروبى الأعمال الفنیة من خلال بین مصر إلى أن
إقرأ أيضاً:
عناصر القوة الناعمة لعُمان في العمل الدبلوماسي
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com
تكمن القوة الناعمة لسلطنة عُمان في عدد من العناصر السياسية والاقتصادية منذ أن تم تفعيل هذه القوة في الأوساط العالمية، وخاصة القوة في الأعمال الدبلوماسية والاقتصادية التي يشهدها العالم. والقوة الناعمة لعُمان تتجلى في عدد من العناصر المتداخلة التي تُشكّل صورتها الإيجابية إقليميًا ودوليًا، بحيث يمكن توظيفها وتفعيلها بشكل أكبر في العديد من المجالات الأخرى.
المؤسسات العُمانية تعمل اليوم بفعالية عالية لاستغلال هذه المجالات للقوى الناعمة؛ حيث تبرز قوتها – على سبيل المثال – في الحياد السياسي والعمل بالدبلوماسية الهادئة التي عُرفت عن عُمان منذ عقود مضت. وسلطنة عُمان معروفة بمواقفها الحيادية المتزنة في النزاعات الإقليمية والدولية، وفي التعامل مع الدول في تقريب وجهات النظر ومساعدتها في إخراج بعض الذين يتم أسرهم، بجانب دورها حاليًا في القيام بدور الوسيط في العديد من الملفات العالمية المهمة (مثل الملف النووي الإيراني وعلاقة ذلك بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي) للمرة الثانية، بجانب ملف أزمة اليمن التي مضى عليها أكثر من 10 سنوات، وكذلك دورها في بعض الأزمات الأخرى التي شهدتها الدول الخليجية في الثمانينيات من القرن الماضي، مثل أزمة احتلال دولة الكويت الشقيقة في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، إضافة إلى أزمة محاصرة دولة قطر الشقيقة قبل عدة سنوات مضت، وفتح باب الحوار مع جميع دول العالم. أضف إلى ذلك، أن سياسة عُمان واضحة بشأن الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين منذ إنشاء هذا الكيان المحتل عام 1948، وقضايا أخرى تتعلق بالبيئة والمناخ والبحار وغيرها.
هذه السياسة الناعمة منحتها سمعة طيبة وثقة دولية؛ مما يفتح لها الأبواب في الوساطة السياسية والدبلوماسية على مستويات كبيرة. ويعود ذلك إلى إرثها التاريخي والثقافي؛ حيث تتمتع سلطنة عُمان بتاريخ طويل من التبادل البحري والحضاري بجانب العلاقات التجارية القديمة مع دول العالم، إضافة إلى إرثها الثقافي الغني الذي يعكس التعايش والتسامح وتقبل الآخر في الحياة. كما إن الثقافة العُمانية، بما فيها الفنون، والعمارة واللباس والأكل، والضيافة وغيرها من العناصر الثقافية الأخرى، تُعد مصدر جذب ناعمٍ ومؤثرٍ في تحسين الصورة الذهنية للبلاد.
وأصبحت عُمان – منذ السبعينيات من القرن الماضي وحتى اليوم – تتمتع بالاستقرار الداخلي والأمان، ومن أكثر الدول العربية استقرارًا من الناحية الأمنية والسياسية، وهو عنصر مهم في جذب الاستثمارات والسياحة والثقة العالمية في الأعمال الاقتصادية المرموقة. كما إن السياسة التعليمية والإعلامية المعتدلة للحكومة تُساعد في تقديم خطاب إعلامي غير عدائي ومعتدل؛ الأمر الذي يُساعد في الترويج لقيم التسامح والتعايش والمودة، وفي فتح باب الحوار لجميع أبناء المذاهب والأيديولوجيات للنقاش فيما بينهم. وجميع هذه العناصر تكتمل لدعم القوة الناعمة في وجود القيادة الحكيمة والمصداقية الدولية؛ حيث تحظى القيادة العُمانية باحترام دولي نتيجة الحنكة والبعد عن الاصطفافات المتوترة.
وعلى المستوى الاقتصادي، تتمتع القوة الناعمة بمكانةٍ في تعزيز الأعمال في المجالات والأعمال الدبلوماسية والاقتصادية، حيث تستثمر عُمان حيادها وثقة الأطراف بها؛ لتعزيز دورها كوسيط لحل النزاعات، مما يمنحها نفوذًا دوليًا دون اللجوء للقوة الصلبة. كما إن حضورها في المحافل الدولية كـ"صوت معتدل" يمكن أن يُكسبها أدوارًا أكبر في المنظمات الإقليمية والدولية في العقود المقبلة. وستعمل هذه القوة الناعمة بدعم الاستقرار الداخلي والسياسات المعتدلة لها في اطمئنان المستثمرين الأجانب، والمساهمة في تفعيل المجالات السياحية والثقافية، وفي توقيع الشراكات والاتفاقيات الاقتصادية في مختلف الشؤون، وفي تطوير قطاع السياحة كأحد ركائز رؤية "عُمان 2040"، خاصةً مع دول غير منخرطة في محاور متصارعة، عبر تعزيز الثقة المتراكمة في السلوك العُماني؛ الأمر الذي يُساعد في تعزيز دورها في السلام العالمي الذي يُعد رافعة استراتيجية لتعزيز الاقتصاد الوطني، وفي توسيع النفوذ الدولي دون تكلفة سياسية أو عسكرية باهظة، وفي العمل على الأخذ بهذه المنطقة وأبنائها إلى بر الأمان.
إلا أنه يمكن القول إن القوة الناعمة الاقتصادية تتطلب أكثر من السمعة الطيبة والسياسات الهادئة؛ فهي تحتاج إلى أدوات تمكِّن من تحويل هذه السمعة إلى علاقات اقتصادية فاعلة في دولة كبيرة مثل عُمان ذات مساحات شاسعة؛ فالاستقرار السياسي والأمني عنصر جذب مهم بالتأكيد جدًا في جذب الاستثمار، خاصة في بيئة شرق أوسطية غير مستقرة، لكن على مؤسسات الدولة أن تسعى لتنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط؛ الأمر الذي سيعطي صورة إيجابية أكبر للمستثمرين، بجانب العمل على استغلال الموقع الجغرافي الاستراتيجي كبوابة آسيا وإفريقيا وتسويق تلك الأفكار بفعالية كجزء من القوة الناعمة.
هنا يتطلب العمل القيام بجهود كبيرة في الترويج الاقتصادي الخارجي، وتسويق عُمان كمركز استثماري وسياحي عالمي، والانفتاح المالي والتقني على العالم لجذب الشركات العالمية الناشئة، إضافة إلى العمل على تحقيق البنية المالية والتقنية وتعزيز العمل بإيجاد أدوات إعلامية دولية مؤثرة كواجهاتٍ إعلاميةٍ عالميةٍ لها، تعكس قوتها الناعمة اقتصاديًا؛ أي تحويل السمعة والهدوء إلى مشاريع استثمار وشراكات استراتيجية.
رابط مختصر