آخر تطورات عطل مايكروسوفت: هل تعافى العالم من آثار الخلل التقني؟
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
شهد العالم خلال الايام القليلة الماضية اضطرابات كبيرة بسبب عطل تقني في أنظمة شركة مايكروسوفت، مما أثر على ملايين الأجهزة والخدمات التي تعتمد على نظام Windows.
وأعلنت شركة الأمن السيبراني "كراود سترايك" أن العطل ناتج عن تحديث محتوى برنامج Falcon Sensor الخاص بها، والذي تسبب في تعطل أنظمة Windows وظهور "شاشة الموت الزرقاء".
رغم إعلان "كراود سترايك" عن إصلاح العطل، إلا أن بعض الدول ما زالت تحذر من تداعيات هذا الخلل.
فعلى سبيل المثال، حذرت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة من استمرار اضطرابات الخدمات الصحية حتى الأسبوع المقبل.
وقد أثر العطل على نحو 8.5 مليون جهاز، وهو ما يعادل أقل من 1% من الأجهزة العاملة بنظام Windows حول العالم.
جهود الإصلاح والتعافيإصلاح العطل
في بيان رسمي، أكدت شركة مايكروسوفت أنها تعمل على تقديم الدعم اللازم للعملاء المتأثرين بالعطل.
كما أوضحت "كراود سترايك" أنها حددت المشكلة ونجحت في إصلاحها، وذلك بعد سحب التحديث المسبب للمشكلة وإجراء حل مؤقت بشكل علمي.
تعزيز الإجراءات الوقائية
دعت "كراود سترايك" إلى أهمية إجراء اختبارات صارمة قبل نشر تحديثات البرامج، وتعزيز بروتوكولات الاستجابة للحوادث لضمان عدم تكرار مثل هذه الأعطال في المستقبل.
كما أكدت على تعزيز قنوات الاتصال مع العملاء ومتابعة الأنظمة باستمرار لضمان استقرارها.
الرأي الفني
أوضح الدكتور مهندس محمد مغربي، استشاري التأمين والذكاء الاصطناعي، أن المشكلة التكنولوجية قد انتهت بالحل اليدوي الذي أجرته "كراود سترايك"، مشيرًا إلى أن الأنظمة قد عادت للعمل ولكن التحديات التقنية ما زالت قائمة وتتطلب متابعة دقيقة لضمان عدم تكرارها.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: عطل مايكروسوفت تحديث نظام Windows سترايك شاشة الموت الزرقاء الأمن السيبراني العطل العالمي کراود سترایک
إقرأ أيضاً:
التعليم التقني بين الواقع والطموح
#التعليم_التقني بين #الواقع و #الطموح
بقلم: الأستاذ الدكتور يحيا سلامه خريسات
لم يعد التعليم التقني في العالم خيارًا ثانويًا يُركن إليه عند غياب البدائل، بل أصبح أداة استراتيجية تعتمد عليها الدول في تعزيز الإنتاجية وبناء اقتصاد المعرفة. فبينما تتسارع التكنولوجيا في فرض نفسها على مختلف القطاعات، تتنامى الحاجة إلى قوى عاملة تمتلك مهارات تطبيقية متخصصة. وهكذا بات التعليم التقني محورًا للتنمية المستدامة، وعنصرًا حاسمًا في رسم معالم المستقبل.
في الأردن، ورغم ما تحقق من جهود في تعزيز هذا القطاع، لا يزال التعليم التقني يواجه تحديات متعددة تعيق تحقيق تطلعاته، وتجعل الفجوة بين الواقع والطموح واسعة تستدعي التفكير العميق والعمل الجماعي لسدّها.
مقالات ذات صلةأولى هذه التحديات تتمثل في ضعف البنية التحتية التي يعاني منها العديد من المعاهد والكليات التقنية. فالمختبرات المتخصصة والورش المزودة بأحدث التقنيات ما زالت غائبة أو غير كافية، ما يحدّ من قدرة الطلبة على التفاعل العملي مع المفاهيم التي يتلقونها نظريًا. وقد أظهرت دراسات محلية أن أكثر من 40% من المؤسسات التقنية لا تملك تجهيزات ملائمة لتدريب نوعي.
ولنا أن نتأمل التجربة الألمانية في التعليم التقني، حيث تعتمد ألمانيا نظامًا مزدوجًا يجمع بين التعليم النظري في المؤسسات التعليمية والتدريب العملي في أماكن العمل، مما مكّنها من خفض نسبة البطالة بين الشباب إلى أقل من 5% في بعض السنوات، وتحقيق توافق شبه كامل بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
إلى جانب ذلك، لا تزال الفجوة بين مخرجات التعليم التقني واحتياجات السوق المحلي تمثل أزمة حقيقية. فالكثير من التخصصات التي تُدرّس في المؤسسات التقنية لا تجد لها مكانًا في سوق العمل، نتيجة ضعف التواصل مع القطاع الخاص وعدم مواكبة البرامج لتغيرات السوق. ووفقًا لدائرة الإحصاءات العامة، فإن نسبة البطالة بين خريجي التعليم التقني في الأردن تصل في بعض التخصصات إلى 25%، وهو ما يعكس ضعف المواءمة والتخطيط.
وتؤكد تجربة سنغافورة أهمية التخطيط المسبق والدقيق في التعليم التقني، إذ أنشأت مؤسسات متخصصة مثل معهد التعليم التقني (ITE) والمعاهد التقنية التطبيقية التي تصمم برامجها بناءً على شراكة وثيقة مع القطاع الصناعي، مما ساعد في تحقيق نسب توظيف عالية جدًا للخريجين، وتوفير مسارات مهنية واضحة ومتقدمة.
من جانب آخر، يقف الرفض المجتمعي الصامت للتعليم التقني عائقًا كبيرًا أمام تطوير هذا النوع من التعليم. فالنظرة النمطية التي تعتبر التعليم التقني أقل شأنًا من الأكاديمي لا تزال تسيطر على تفكير العديد من الأسر والطلبة، الأمر الذي يقلل من الإقبال عليه، خصوصًا من الطلبة المتفوقين الذين يفضلون المسارات الجامعية التقليدية.
وهنا يمكن الإشارة إلى تجربة فنلندا، التي نجحت في إعادة صياغة مفهوم التعليم المهني والتقني من خلال التركيز على جودته، وإتاحة مسارات مهنية مرنة تؤدي إلى التعليم الجامعي لاحقًا، مما ساعد على تعزيز مكانة التعليم التقني في الوعي المجتمعي، وجعل الطلبة يختارونه بإرادتهم لا كخيار بديل.
غياب الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص في الأردن يعد تحديًا إضافيًا، إذ أن نجاح التعليم التقني لا يمكن أن يتحقق داخل جدران القاعات الدراسية فقط، بل يحتاج إلى دعم مباشر من سوق العمل من خلال التدريب العملي، والمشاركة في تطوير المناهج، وتوفير فرص تشغيل حقيقية للخريجين. وما تزال هذه العلاقة ضعيفة، وهو ما يؤثر على فعالية المخرجات.
أما على صعيد الموارد البشرية، فإن نقص الكوادر التدريبية المؤهلة يمثل عامل ضعف واضح في العملية التعليمية، حيث أن عدداً من المعاهد يعاني من محدودية المدربين الذين يمتلكون خبرة عملية محدثة، وقدرة على مواكبة التطورات الصناعية والتكنولوجية المتسارعة.
ورغم قتامة هذا المشهد، فإن الطموح لا يزال حاضرًا وقويًا، ويكمن في بناء منظومة تعليم تقني تطبيقي فعالة، تتسم بالمرونة والجودة والارتباط الوثيق مع الواقع. تحقيق ذلك يبدأ بتطوير المناهج لتواكب التحولات التكنولوجية، وتزويد المختبرات بالمعدات الحديثة، وضمان توفر بيئة تدريبية قادرة على محاكاة بيئة العمل الحقيقية.
وإذا أرادت المؤسسات التعليمية جذب الطلبة، فعليها المساهمة في تحسين صورة التعليم التقني داخل المجتمع، عبر حملات إعلامية توعوية تسلط الضوء على قصص نجاح لخريجين أصبحوا رواد أعمال، أو تقنيين متميزين في مؤسسات كبرى.
كما أن بناء شراكات فعالة مع القطاعين الصناعي والخدمي يشكل حجر الأساس لردم الفجوة بين التعليم وسوق العمل، بما يشمل توقيع مذكرات تفاهم، وتنفيذ برامج تدريب ميداني، وربط الطلبة منذ بداية دراستهم بواقع المؤسسات الإنتاجية.
ومن الجوانب المهمة كذلك، إدخال مفاهيم ريادة الأعمال والابتكار في صلب المناهج، لتمكين الطلبة من خلق فرص عمل بأنفسهم، عبر مشاريع صغيرة أو مبادرات تقنية ناشئة، بعيدًا عن انتظار التوظيف التقليدي، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص.
ولضمان استمرارية التحسين، لا بد من السعي إلى تحقيق الاعتماد الدولي والتصنيف العالمي لمؤسسات التعليم التقني، عبر تبني معايير الجودة، وإشراك هيئات متخصصة في مراجعة البرامج وتقييم الأداء.
أما على مستوى الإجراءات العملية، فإن طريق النهوض بالتعليم التقني في الأردن يتطلب أولًا إعادة هيكلة التخصصات لتواكب الاحتياجات الفعلية للسوق، مع إلغاء التخصصات المشبعة، واستحداث برامج جديدة تعكس التحولات في الاقتصاد الرقمي والصناعات الذكية.
كما يجب تعزيز التعاون مع مؤسسات عالمية تمتلك خبرة في التدريب التقني، وتوقيع شراكات استراتيجية توفر فرص تدريب وتبادل خبرات، وهو ما فعلته دول مثل المغرب عبر التعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) في تطوير الكليات التقنية.
ومن الضروري أيضًا توفير حوافز مادية ومعنوية للطلبة الملتحقين بالتعليم التقني، مثل المنح والقروض الميسّرة، مما يشجعهم على اختيار هذا المسار، إضافة إلى إطلاق حملة وطنية إعلامية لتغيير الصورة النمطية، وتوجيه رسائل تحفيزية لأولياء الأمور والطلبة على حد سواء.
كما لا بد من تأهيل الكوادر التدريسية بشكل مستمر عبر برامج تدريب المدربين (ToT)، وضمان حصولهم على التدريب العملي والتقني من شركات متقدمة. وينبغي كذلك تشجيع مشاريع التخرج التطبيقية التي تعالج مشاكل حقيقية في البيئة المحلية.
وفي خطوة متقدمة، فإن إنشاء حاضنات أعمال تقنية داخل الكليات والمعاهد يساهم في تحفيز ريادة الأعمال، ودعم تحويل الأفكار إلى نماذج اقتصادية، وبناء أجيال من الشباب القادر على الإبداع والإنتاج لا الاكتفاء بالوظائف.
ختاما فإن التعليم التقني ركيزة الاستقرار والتنمية وإن تطوير التعليم التقني في الأردن لم يعد ترفًا فكريًا، بل هو ضرورة وطنية تمليها التحديات الاقتصادية، والتحولات العالمية المتسارعة. وإذا أردنا أن نحقق مستقبلًا إنتاجيًا مستدامًا، فلا بد أن نعيد النظر جذريًا في هيكلة هذا القطاع، ونتعامل معه باعتباره خيارًا استراتيجيًا، لا مجرد بديل تعليمي.
ولن يتحقق ذلك إلا من خلال رؤية وطنية شاملة، يشترك في تنفيذها الجميع: الدولة، والمؤسسات التعليمية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، على أساس من التكامل والثقة والهدف المشترك.
فحين نمنح التعليم التقني المكانة التي يستحقها، نصنع كوادر ترفع الإنتاج، وتقود الريادة، وتحمل على عاتقها بناء أردن أقوى وأكثر تقدمًا.