تقسم شاشاتك إلى شاشات كثيرة وتتابع العالم. على شاشاتك المتعددة دمار شامل للبشر والحجر في غزة تجاوره شاشة كونغرس العار يستقبل نتنياهو بالقبل والعناق والتقديس. شاشة لشوارع العالم تناصر غزة وشاشة لشوارع العرب تتزاحم على حفلات فنان بلا صوت يغطي عورة فنه بكشف شعر صدره للفتيات البائسات. شاشة لمحمود عباس يطارد خلايا المقاومة وشاشة لمقاتل حمساوي يفجر المركافا من المسافة صفر.
كونغرس المظالم الأبدية
ذلك المجتمع الظالم يعرف قبل الجمهور المتفرج أنه بني واستمر على جثث الملايين من السكان الأصليين ومن العبيد المجلوبين من قارات الأرض لبناء ثروة الرجل الأبيض وقوته بلا سؤال يراجع أسس البناء. ذلك سؤال ممنوع بل تم ردمه خلف الشعارات السفيهة مثل تمثال الحرية هدية فرنسا الاستعمارية لأمريكا الإبادية. تاريخ كامل من الزيف لا يعتبر استقبال نتنياهو الجزار فيه إلا حلقة من مسلسل قهر لا تبدو له نهاية. استغراب الناس من وحشية الاستقبال وبذاءته هي التي تبدو لنا غريبة كأن المتفرج هنا يكتشف أمريكا بعد جهل بطبيعة بنيانها.
وحدها شاشة حماس كانت ترد على مشهد الكونغرس بالياسين 105. فتبدو غير مهتمة بالزيف بل تكتب قصة حريتها بدم كثير. وترسخ مقولة الحرية الأبلغ (القوة يرد عليها القوة ولو بثمن من الأرواح). وترسخ قناعة واضحة في بساطتها إن الأرواح التي لا تدفع في الحرية يمكن العبث بها بفنان بلا صوت. ويمكن تزييف إرادتها بصندوق انتخاب مضروب.
هل على العالم أن يحمل السلاح ضد كونغرس العار؟. هذه الجملة تخيف حتى من يكتبها فما بالك بمن يتخيلها تطبق على الأرض لكن منذ قرنين ترسخ في التاريخ أن الغرب الذي تجمع في كونغرس العار لا يفهم إلا لغة القوة وأن كل الحيل في التعايش معه ولو بالحد الأدنى كانت تنتهي بفرض نماذج عباس في الضفة والسيسي في مصر وما هما إلا مثالين.
وحدها شاشة حماس كانت ترد على مشهد الكونغرس بالياسين 105. فتبدو غير مهتمة بالزيف بل تكتب قصة حريتها بدم كثير. وترسخ مقولة الحرية الأبلغ (القوة يرد عليها القوة ولو بثمن من الأرواح). وترسخ قناعة واضحة في بساطتها إن الأرواح التي لا تدفع في الحرية يمكن العبث بها بفنان بلا صوت. ويمكن تزييف إرادتها بصندوق انتخاب مضروب.ذلك الكونغرس أجهز على المثال المزيف
هذه مكرمة من مكارم الشر إذ يكشف نفسه لكل ذي بصيرة. كثيرون هنا لا يتعلمون من ذلك المشهد البذيء درسا جديدا. لكن آخرين وطنوا النفس على رؤية غرب التزييف والسفه وأن مقولات العدالة وحقوق الإنسان ليست إلا ماعون احتلال وقهر لا تتجاوز أبدا الكراسات التي كتبت عليها. ولذلك فإن الاستقبال الوقح درس بليغ في فهم الغرب الإبادي لمن يريد أن يتعلم.
كم انتظر الفلسطيني أن ينصفه القانون الدولي فيعيد له أرضه السليبة لعيش فوقها مثل باقي البشر؟ كم انتظرت شعوب الأرض لتنتصف من حكامها بوسائل السياسة فتحكم نفسها بالديمقراطية فتنتهي دوما إلى حكم بيادق وعملاء مصنوعين في مخابر ذلك الكونجرس؟ إنما ذلك المشهد تذكير فكيف السبيل للنجاة؟
نعم إنها تذكرة وتعيها عقول واعية وهي قليلة فذلك الكونغرس زيف أرواح العالم وخلق جمهورا لا يستحي من رؤية الموت أمام بيته فيتخطى الجثث إلى مهرجان ويرقص. توجد هنا معضلة لا حل لها في الظاهر كيف يمكن تجميع المظلومين خلف قضية عادلة فلا ينخدعون بلهو عابر عن تحصيل حق أزلي في الحرية؟ وهل من السهل على الناس أن يكونوا مثل حماس وحاضنتها الشعبية؟ ما أسهل طرح الأسئلة وما أعسر الوصول إلى إجابات. لكن رغم ذلك فإن الإجابة تظل مطلبا ملحا.
وضع المواطن العربي خارج غزة هو وضع بشر محتل من ذلك الكونغرس وإن لم تنزل المارينز على الأرض. لنتذكر مسرحية الانتخابات العربية منذ نصف قرن. إنها منة غربية وليست إنجازا شعبيا. يتابعون مشهدا مفبركا ويزعمون عدم التدخل في أمر الأوطان احتراما لشعوبها لكن النتيجة تكون دوما حاكم عربي يخدمهم ويقهر شعبه ولو سمحوا له باستعمال جملة كاذبة عن "التطبيع خيانة عظمى". بديل ذلك ليس دعوتهم للتدخل بل منعم من التدخل وتوجيه السياسات بواسطة عملاء محليين. الوعي بالحرية بصفتها حياة لا بصفتها متعة عابرة.
الحل الحمساوي
ليس بالضرورة بالياسين 105. فقد قتل رئيس عربي على منصة لكن وضع الشعب لم يتغير بل ازداد سوءا. الحل الحمساوي هو الإيمان بالحق في الحرية والصبر على تحقيقها ولذلك وسائل غير قتالية منها المقاطعة بوعي ومنها النضال بالصندوق الانتخابي ومنها تحريك الشوارع وهذه متاحة بقليل من وعي الحرية في مقابل بذاءة الكونغرس.
أيها الغرب المزيف لم نعد نؤمن بك ولا بقانونك ولا نراك مرجعا. هذه جملة صالحة كمقدمة وعي ثم تبنى عليها جمل كثيرة ليس منها ذلك النواح المتقن عن عصر ذهبي عربي يبدأ بكانت العرب ذات يوم وكان عندهم.من أين تبدأ هذه المعركة؟ توجد نخب تفهم هذا السؤال وتتفق مع مقدماته وتنصف كاتبه لكنها لا تتقدم للفعل لأنها لم تتخط حاجز خوفها من دفع الأثمان. وكثير من هذا الخوف مزروع من قبل ذلك الكونغرس وأمثاله.
أيها الغرب المزيف لم نعد نؤمن بك ولا بقانونك ولا نراك مرجعا. هذه جملة صالحة كمقدمة وعي ثم تبنى عليها جمل كثيرة ليس منها ذلك النواح المتقن عن عصر ذهبي عربي يبدأ بكانت العرب ذات يوم وكان عندهم.
هناك جمل بديلة "كانت جنوب إفريقيا تعيش أبارتايد ونجحت في التحرر". "كانت بلدان أمريكا اللاتينية يحكمها انقلابيون عملاء لكنها حررت شعوبها بالانتخابات بعد صبر طويل". "كانت غزة محتلة لكنها بذلت مائة ألف شهيد فلم يعد يجرؤ عليها عدو أو خائن". مثل هذه الجمل يمكن تحويلها إلى مفاتيح وعي ليجد كونغرس المظالم نفسه محاصرا في قبته. إذ لم يعد متاحا له أن يبيد شعوب الأرض مثلما أباد المحليين ذات غزو.
هل هذا ممكن؟ إنها حلول مثالية تكتب تحت التكييف. من كان يظن أن جماعة بشرية صغيرة عزلاء معزولة ومحاصرة وجائعة تصمد لأقوى آلة حربية في الكون والتاريخ لمدة شهور عشرة وتركعها للتفاوض، تلك الجماعة وذلك الوعي هو الحل. إذا تأملت ذلك يمكنك البدء في الدفاع عن نفسك ضد كونغرس التزييف.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة احتلال الفلسطيني حربية احتلال فلسطين غزة رأي حرب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ذلک الکونغرس فی الحریة
إقرأ أيضاً:
بعد 43 سنة بسجون الأسد.. الطيار السوري الططري يتنفس هواء الحرية بدمشق
دمشق - بعد أكثر من أربعة عقود قضاها خلف القضبان في سجون نظام حافظ الأسد ثم ابنه بشار، خرج الطيار السوري السابق رغيد أحمد الططري (70 عامًا) إلى النور أخيرًا، ليعيش لحظة لم يكن يتخيلها يومًا، ألا وهي أن سوريا باتت وطنًا حرًا ينتمي إليه بحق، لا سجناً كبيرًا تحكمه قبضة أمنية.
جرى اعتقال الطيار الططري، في 1981 بتهمة "التحريض على عدم تنفيذ الأوامر العسكرية"، وهي تهمة كانت تكفي آنذاك لدفن أي إنسان في غياهب المعتقلات لعقود من الزمن.
وجرى الإفراج عنه في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، يوم سقوط النظام السوري وفرار بشار الأسد إلى خارج البلاد.
وفي ذلك اليوم بسطت فصائل سورية سيطرتها على دمشق بعد مدن أخرى، منهية 61 سنة من نظام حزب البعث الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وفي حديث للأناضول، روى الططري، بصوت مشوب بالعاطفة وذاكرة مثقلة بالقهر، ما عاشه طيلة تلك السنوات، وما شعر به حين دقت لحظة الحرية بعد 43 سنة في السجن.
وأضاف: "في ذلك الزمن، لم نكن نملك الوعي السياسي الكامل، لكن كنا نعرف الظلم ونتحدث عنه، حتى لو لم يكن لدينا أدوات التعبير. كان ما نراه من ظلمٍ صريح يدفعنا إلى رفضه علنًا، وهذا ما لم يكن مقبولًا لدى النظام".
وأضاف الططري بأسى: "قضيت أجمل سنوات عمري في الزنازين. السجون مثل تدمر وصيدنايا كانت مقابر للأحياء، ومع ذلك لم أتخلَّ عن ذاتي، ولا عن قناعاتي".
وتحدث عن مدينة حماة (وسط) بوصفها "رمزًا للقمع في ذاكرة السوريين"، مشيرًا إلى أن المأساة لم تكن حكرًا على مدينة بعينها.
وقال: "ما جرى في حماة عام 1982 لم يكن إلا جزءًا من مأساة وطن. نفس الألم سكن حلب (شمال) وإدلب (شمال غرب) و(العاصمة) دمشق وحمص (وسط)".
وتابع: "فقط ما ميز حماة أن المعركة هناك حُسمت بدموية كبيرة وأبيدت قوى المعارضة المسلحة آنذاك، ولهذا علِق اسمها في الذاكرة بوصفها كانت ساحة لمجزرة حماة".
وعن لحظة الإفراج عنه، استعاد الططري تفاصيل اليوم الذي غادر فيه سجن صيدنايا (محافظة ريف دمشق) وتوجه إلى مدينة طرطوس (شمال غرب)، ومنها إلى دمشق.
وقال: "خرجت من السجن ووجدت الناس ترفع أعلام الثورة وتغني للحرية. كانت الشوارع تعج بالفرح. وعندما وصلت إلى دمشق، شعرت بشيء لم أختبره من قبل. شعرت أنني في وطني. لأول مرة أحس أن هذه الأرض لي، وليست سجناً يُدار بعقلية الاحتلال".
الططري، الذي قبع لسنوات طويلة أيضًا في سجن تدمر (محافظة حمص) ذي السمعة السيئة، قبل أن يجري نقله لاحقًا إلى سجن صيدنايا المعروف باسم "المسلخ البشري"، أكد أن فرحته الشخصية لم تكن تضاهي فرحة الناس بانهيار النظام.
وقال: "كان الناس يحتفلون وكأنهم خرجوا من سجن جماعي. كانت نظراتهم تحمل من السعادة ما لم أره من قبل. ربما كان خروجي بعد 43 سنة أمرًا مؤثرًا، لكن حرية الوطن كانت أبلغ بكثير".
وفي حديثه عن مجريات عام 2024، قال الططري: "كان عامًا تحولت فيه الأحلام إلى واقع. نعم، مررنا بكثير من الإحباطات خلال الثورة، لكن الشعب نهض مجددًا".
وأردف: "عندما تم تحرير حلب لم نصدق في البداية. ظننا أن الأمر خدعة. ثم سقطت حماة، وفُتحت السجون، وهنا أدركنا أن المشهد يتغير فعلاً".
وعن الدرس الأهم الذي تعلمه خلال سنوات اعتقاله الطويلة، قال الطيار السوري: "ما خرجت به من تلك المحنة أن الإنسان لا يملك في الحياة شيئًا أثمن من نفسه. أنا لست نادمًا لأني لم أتنازل عن ذاتي رغم كل ما تعرضت له من تعذيب. حافظت على قراراتي وعلى جوهري. وهذا هو جوهر الحرية الحقيقية أن تكون سيد قرارك، وأن لا تنكسر".