شبح المجاعة والحرمان من الحق في الحياة
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
شبح المجاعة والحرمان من الحق في الحياة
هل ستلبي (جنيف) تطلعات الشعب في سلام عادل؟
_______
أحمد ضحية
_______
°ابتداءاً لشرح المقصود بكلمة (الشعب) هنا، أعني ببساطة (الشعب السوداني باختلاف أعراقه وجغرافيته، دون أي نوع من أنواع التمييز). وهو شعب مختلف عن الشعب الذي تقصده (نُخب الحركة الإسلاموية)، التي عندما تستخدم كلمة (شعب) و(إرادة الشعب)، هي باختصار تعني حصراً (الإسلامويين وإرادة الحركة الاسلاموية)، فمنسوبي الحركة الإسلاموية بالنسبة لنُخبها، هم "الشعب السوداني"، ويمكن إدراك ذلك بوضوح، في خطابات بلال والهندي والباز والمسلمي وميرغني، وغيرهم من (هوام الإعلاميين الإسلامويين).
فأي مراقب لما آل إليه حال السودان، مهما تواضعت قدراته، بإمكانه أن يُدرك دون عناء، أن السودان الآن على أعتاب "مجاعة طاحنة" و(إبادة غير مسبوقة)؛ بسبب الجوع والمرض والقصف العشوائي، فأكثر من نصف عدد السكان، يواجهون كارثة "المرض و انعدام الأمن ونقص الغذاء"، بعد أن اتسع نطاق الحرب ليشمل ١٥ ولاية من أصل ١٨ ولاية سودانية!!!
°أدت الحرب إلى فقدان مصادر الدخل والغذاء والدواء، بإخراجها (النظام الاقتصادي والإنتاجي) بكامله من الخدمة تماماً. إلى جانب (فشل الموسم الزراعي) للعام الثاني على التوالي، وسط صمت رّسمي متعمد من "حكومة الأمر الواقع في بورتسودان"، و تصريحات مسؤوليها المضللة للفضائيات، حول طبيعة الوضع الأمني والغذائي والدوائي في البلاد، واستمرارها في إنكار هذه الكارثة الإنسانية المروعة (تصريحات وزيرا المالية والزراعة الفاسدين). بل وفرضها لرسوم وضرائب واتاوات لادخال المساعدات الانسانية، وعدم إيصال هذه المساعدات، التي ظلت تصل منذ اندلاع الحرب لمحتاجيها، وبيعها في السوق السوداء!
ولذلك من الضروري الذهاب إلى (جنيف)، والاتفاق على "الوقف الفوري لإطلاق النار"، دون قيد أو شرط، والاسراع قبل كل شئ، بتوفير إغاثات الغذاء والدواء، لإنقاذ حيّاة ما تبقى من المواطنين العالقين في السودان.
ولا يتأتى ذلك إلا بفتح الممرات الآمنة، لتوصيل العون الإنساني لكل السكان، ولن يكون ذلك ممكناً بطبيعة الحال، دون وقف دائم لإطلاق النار!
°ويجب أن لا ننسى في غمرّة مصادرة الأولويات لنا، أن تطلعات أي شعب ذاق الأمرين، كما حدث لشعب السودان في هذه الحرب، أن تتأسس أي مفاوضات أو اتفاقات ل"وقف إطلاق النار وتحقيق السلام"، على (مبادئ العدالة).
فالسلام لا يكون عادلاً ما لم يتأسس على مبادئ (عدم الإفلات من العقاب). وأحد أسباب استمرار الانقلابات والحروب في السودان، هو أن الجُناة دائماً يُفلتون من العقاب، ما يُغريهم بمزيد من الانقلابات والحروب، وارتكاب المجازر والجرائم والتشريد والتجويع، وبالتالي حرمان المواطنين من (حق مقدس) هو الحق في الحيّاة!
ولذلك يجب أن ندرك، أن وقف الحرب في السودان الآن و نهائياً، يتوقف ابتداءاً على "وقف إطلاق نار شامل"، خصوصاً "الطلعات الجوية للطيران الحربي"، الذي يأتمر بأمر ميليشيات الحركة الاسلاموية، والذي يجب أن يخضع لرقابة طويلة الأمد مسنودة بضمانات (عدم خرق وقف إطلاق النار) وديمومته.
°بطبيعة الحال، هذا المقال يعبر عن وجهة نظر (شخصية بحتة) لا تتكئ على أي موقف حزبي! و كتصور يستصحب واقع تجارب الحرب في ليبيا، العراق، سوريا، الصومال ولبنان! ففي ظني أن هناك تقاطعات شبيهة في كل حالة منها بحالتنا السودانية. ولذلك لا نتمنى أن تؤول حالنا، إلى ما آل إليه حال تلك الدول، بعد الحرب الداخلية التي خاضتها!
وعلى أية حال نأمل أن تُفضي مفاوضات 14 أغسطس المزمع عقدها في (جنيف)، إلى اتفاق يكون "المقدمة لإنهاء واقع الحرب في السودان"، إلى الأبد! بمخاطبة جذور المشكلات، التي ظلت تؤدي إلى (الاحتراب الداخلي) منذ 1955، وتفادي مآلات التجارب المماثلة في الإقليم.
°من المهم في هذه المفاوضات المزمع اجراؤها في 14 أغسطس، طرح أهمية تشكيل (غرفة أمنية متخصصة، أعضائها من ذوي الخلفيات القانونية والعسكرية ومدنيين)، يتم اختيارهم من قبل القوى التي ناهضت الحرب منذ بدايتها، للعناية بتنفيذ (ترتيبات أمنية خاصة)، تكفل تأمين المناطق التي يتم إخلاؤها، من ميليشيات الجيش وحلفائه وقوات الدعم السريع.
وقبل كل ذلك يجب وقف "التصعيد الإعلامي" بين الجيش وميليشياته من طرف، وقوات الدعم السريع من طرف آخر. واستئصال خطاب الكرّاهية المتفشي بتكليف (الغرفة الأمنية) باتخاذ الإجراءات اللازمة، التي تكفل ملاحقة جادة ورادعة، لمنتجي وناشري خطابات الكرّاهية والمضللين في الداخل والخارج، الذين يبثون الشائعات لتغذية مناخ الحرب، على أن تعمل هذه الغرفة بالتنسيق مع (الحكومة المدنية) و (بعثة الأمم المتحدة ورُعاة الاتفاق)، عبر لجنة فرعية متخصصة، تنشأ لهذا الغرض: أي "متابعة (خطاب الكراهية)، ومتابعة الإجراءات القانونية اللازمة في الداخل والخارج، بحق منتجي ومروجي هذا الخطاب".
°للتأكيد على جدية أطراف الاتفاق في وقف الحرب، يتوجب الخروج من منازل المواطنين والمؤسسات المدنية فور التوقيع على "اتفاق وقف إطلاق النار".
وكذلك خروج جميع المقاتلين الذين يثبت أنهم (أجانب)، من "الأراضي السودانية"، وإغلاق حدود البلاد، إلى حين اتخاذ (الحكومة المدنية) قرارات وإجراءات، تضمن الحفاظ على (الأمن القومي)، من الاختراقات العابرة للحدود.
وأن تعمل (الغرفة الأمنية) فوراً، على حصر وتصنيف (المليشيات والكتائب المسلحة) بجميع مسمياتها في "كامل التراب السوداني"، سواءاً التي تتبع لجيش الحركة الاسلاموية، أو التي تحالفت معه في الانقلاب على الفترّة الانتقالية؛ وخاضت معه الحرب، أو التي لم تشارك في الحرب، لتحديد (قادتها، عدد أفرادها، أنواع تسليحها، أماكن تواجدها). والعمل على تفكيكها كلها دون استثناء، ووضع آلية وشروط إعادة دمج أفرادها بشكل فردي، حصراً على الذين لم يثبت عليهم ارتكاب جرائم، إلى مؤسسات الدولة؛ ممن تنطبق عليه الشروط والمواصفات المطلوبة لكل مؤسسة، وبحسب الحاجة الفعلية لتلك المؤسسات، أو إيجاد فُرص و حلول؛ لمن لا تنطبق عليه الشروط؛ أو لمن لا يرغب بهذا الدمج، من خلال (الغرفة الأمنية ولجنة فرعية مشتركة) بدعم ومشاركة الأمم المتحدة والأطراف الرّاعية للاتفاق.
وتكوين (حكومة مدنية) تشرع في تولي مهام الترتيبات والمفاوضات، فيما تبقى من قضايا عاجلة؛ ترتبط بأمن وأمان المواطنين واستقرارهم؛ كقضايا المياه والمعاش. وكذلك قضايا الصحة والتعليم والزراعة والتصريف الصحي وإصحاح البيئة، وما يتصل بكل ذلك من ترميم إسعافي عاجل للبنية التحتية الضرورية.
°من مهام (الغرفة الأمنية) كذلك، أن تساهم في الحد من الخروقات المتوقع حدوثها. ولذلك يجب على كافة الأطراف والجهات، توفير المعينات اللازمة لتشغيلها.
و الاتفاق على (إعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية) من الألف إلى الياء. باستلهام تصورات الورش المختصة، التي ظلت تنعقد في الداخل والخارج؛ في الفترّة الانتقالية المُنقلب عليها، وفترّة الانقلاب وأثناء الحرب، فيما يتعلق بالدمج والتسريح؛ على أسس تضمن "إعادة بناء الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى" على أُسس وطنية قومية، بحيث تكون هذه القوات والأجهزة (حديثة ومهنية)، ليست رّهينة أي قوى "سياسية ايديولوجية". والشيء نفسه ينطبق على (إعادة بناء الخدمة المدنية).
°إلى جانب تسليم المواقع والفرق والحاميات ومقار الشرطة والأمن والمخابرات، للجيش والقوات النظامية المعاد بناؤها؛ وفقاً لجداول زمنية محددة.
والقبض على كل أعضاء التكوينات الكرتونية، التي ظلت تقرع "نقارّة الورّل"، والعناصر، التي استغلت دور العباد لبذر الفتنة، وإشعال الحرب، والميليشيات التابعة للجيش والمتحالفة معه، والتي تم التوثيق لمشاركتها -(في)- وارتكابها جرائم نهب وقتل وتمثيل بالجثث وسطو واغتصاب وسرقة، وإعادة اعتقال كل عناصر النظام السابق، الذين كانوا سجناء وفروا، وكذلك العناصر المتحالفة مع الانقلاب، ولعبت أدواراً خطيرّة في تقويض الفترّة الانتقالية، وإشعال الحرب والمساهمة فيها؛ سواء ميدانياً أو إعلامياً ودعائياً. وتقديمهم ل(محاكمات عاجلة وعادلة) بإشراف دولي. وتسليم كل مرتكبي (جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسان) منذ 30 يونيو 1989 حتى الآن إلى المحكمة الجنائية الدولية، فور التوقيع على الاتفاق.
ahmeddhahia@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الغرفة الأمنیة إطلاق النار فی السودان وقف إطلاق التی ظلت
إقرأ أيضاً:
الما عندو حمدوك يشتريلو حمدوك!
*مرة أخرى يكرر حمدوك مرافعته عن الإمارات، وكالعادة في كل مرة جديدة ينزل مستواه أكثر، ويظهر تواطؤه أكثر. إذ لم يقدم حجة واحدة متينة، بل حيلاً هروبيةً شديد الضعف، وضعفها يأتي من ضعف موقف الإمارات، ومن ضعف الموقف الذي اختاره حمدوك من عدوانها:
١/ عبد الله حمدوك: (هناك محاولة متعمدة لشيطنة الإمارات كأنو الإمارات دي عندها قوات على الأرض في السودان)؛
* اعتبر أن إدانة العدوان “شيطنة”، واحتج على الاحتجاج على دور الإمارات في الحرب. ولم يحدد نوع ودرجة الاحتجاج الذي يقبله من الآخرين ولا يعتبره شيطنة. الأمر الذي يمكن تفسيره برضاه عن دورها.
* استخدم مغالطة ساذجة تقوم على أن الإدانة مرتبطة فقط بوجود الجنود على الأرض! وهذا يدل على ضعف موقفه. وأنه لم يجد حيلة دفاعية قوية.
٢/ يقول: (نحن عارفين كويس جداً إنو حربنا دي “ما الإمارات بس”، في دول عندها طيران عديل يضرب. ودول أرسلت سلاح، كتار ما واحدة ولا إتنين.).
* قوله “ما الإمارات بس” يعني اعترافه بوجود عدوان إماراتي. لكنه حاول إزاحة مركز النقاش من العدوان الإماراتي. حيث ساوي، كعادته، بين العدوان الإماراتي وشراء الجيش للسلاح من الخارج، ولم يذكر القانون الذي يخالفه هذا الشراء.
* حجته هذه تفتح الباب على مصراعيه لكل الدول للاعتداء على السودان، فطالما أن هناك جيش يتسلح من الخارج، فمن حق جميع الدول أن ترسل السلاح والمرتزقة لمقاتلة الجيش!
* وردد حرفياً حديث قائد التمرد عن طيران أجنبي يشارك في الحرب ضد الميليشيا. واستخدم في ذلك كلمات تحمل الاستنكار القوي على عكس حاله مع الإمارات التي استنكر انتقادها.
* الملاحظة الدالة أنه في حديثه عن دول كثيرة أخرى، لم يترك مجالاً للظن بأنه يقصد، من بين ما يقصد، الدول الأخرى التي تدعم الميليشيا بالمرتزقة وتمرير السلاح، وهذا يكشف عن انحيازه الصارخ.
٣/ (وطوالي الكلام عن إنو حمدوك قاعد في الإمارات، أنا طبعاً موجود في الإمارات من قبل الحرب.)
* حجة الوجود في الإمارات قبل الحرب حجة فارغة لمن يقدم نفسه قائداً للشعب السوداني، فببساطة كان بإمكانه الخروج بعد ثبوت عدوانها على السودان. خاصةً وأن وجوده هناك لم يسهم في وقف العدوان، بقدر ما أسهم في محاولات تبريره وتلطيفه لغوياً، وتشويه إدانته.
٤/ يقول: (الإمارات بها أكثر من ٢٥٠ ألف سوداني. فيهم أعداد كبيرة جداً من الإسلاميين.السودانيون الموجودون في الإمارات يتم التعامل معهم أحسن من أي حتة تانية في العالم. أدوهم إقامة كوارث، عفوهم من الرسوم. دا لازم نشيد به):
* حاول، مرة ثانية، إحالة مركز النقاش من العدوان إلى حسن معاملة الجالية. بينما لا يوجد قانون أو منطق يدعم فكرة أن عدم مضايقة الجالية يغطي على العدوان.
* وحديثه هذا يفتح الباب، أيضاً، على مصراعيه للدول للاعتداء على السودان. والقاعدة هي: لديك جالية سودانية ولا تسيئين معاملتها إذن من حقك أن تعتدي على السودان، ولن تستحقي سوى الإشادة!
٥/ يقول: (أنا هسي قاعد في الإمارات، وبقول رأيي: أنا في صمود، نحن عندنا رأينا الواضح جداً في الحرب، وإنو مافي حل عسكري، يوم تمنعنا الإمارات إنو نقول رأينا دا بنخليها، مافي زول تكلم معانا في المسألة دي .. “تصفيق من الحاضرين”)
* هناك سودانيون، يعلمهم حمدوك جيداً، عبروا عن آراء لا ترضي الإمارات، ودخلوا المعتقلات، ولم يتحدث عن أي مساعِ له لإطلاق سراحهم.
* تشديده على أنه يقول ( مافي حل عسكري)، ولا تمنعه الإمارات من قوله، لكي يؤدي غرضاً دفاعياً حقيقياً يجب أن يتضمن الافتراض بأن (الإمارات مع الحل العسكري)، وهذا في المحصلة يحمل إدانة للإمارات لا إشادة. ببساطة لأن الخلاصة ستكون هي: الإمارات مع الحل العسكري، لكنها لا تمنع حمدوك من أن يقول (مافي حل عسكري). أي: تحارب السودان وتتسامح مع حمدوك! ولا يوجد منطق يجعلها تخرج من هذه المعادلة بإشادة من عامة السودانيين!
* ما يثير غضب الإمارات هو توجيه تهمة العدوان إليها، وإدانتها، والوقوف ضد الميليشيا، وهو ما لا يفعله. فجملة حديثه سبب كافٍ لرضا الإمارات عنه، وتشجيعه على المزيد من الأحاديث من هذا النوع.
* هذا يذكرنا بنكتة الصحفي الأمريكي الذي قال لأحد الرؤساء السوفيتيين (أنا أستطيع أن أن أنتقد الرئيس ريغان، وإدارة ريغان، داخل البيت الأبيض) فرد عليه الرئيس السوفييتي: (ذات الشيء يحدث عندنا، إذ يمكنك أن تنتقد ريغان، وإدارة ريغان داخل الكرملين!)
*يقول مثلنا الشعبي (الما عندو كبير يشتريلو كبير) ويحق لنا أن نقول (الطامع في السيطرة على السودان وما عندو حمدوك يشتريلو حمدوك!).
إبراهيم عثمان