ينظر الآلاف السودانيين بنظرة مفعمة بالأمل نحو الدعوة التي وجهتها الإدارة الأمريكية للجيش وقوات الدعم السريع لطاولة مفاوضات جديدة في العاصمة السويسرية، جنيف، ويعول الشارع السوداني بأن يقبل الجيش السوداني الدعوة هذه المرة بعد أن أعلن الدعم السريع قبوله بالتفاوض لإنهاء الحرب التي نازهت السبعة عشر شهراً، تشرد على أثرها أكثر من عشرة مليون مواطن ما بين نازحِ داخلي ولاجئ بالخارج، وفي ظل الأزمات المتراكمة والتعقيدات التي يواجهها المواطن السوداني يعلق آماله هذه المرة بأن تنهي جنيف صراع السودانيين.

تقرير ــ التغيير

وتقدمت الخارجية الأمريكية بدعوة لطرفي الصراع في السودان للتفاوض في جنيف لإنهاء القتال ووضع حداً للكارثة الإنسانية التي تشهدها البلاد منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، التي تسبب في أكبر كارثة إنسانية يشهدها العالم بحسب الأمم المتحدة.
الدعوة التي تقدمت بها الولايات المتحدة الأمريكية أصطدمت بعقبات قديمة متجددة لكنها تحمل في طياتها فرص واعدة.
وقال وزير الخارجية الأمريكية طوني بلينكن إنه دعا الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى مفاوضات جديدة الشهر المقبل.
و أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إنه سيقود مباحثات وقف اطلاق النار بين الجيش السوداني والدعم السريع فى جنيف بنفسه.

مشاركة إقليمية ودولية

وتأتي المحادثات بمشاركة أمريكية ورعاية سعودية سويسرية ومن المقرر أن يشارك في المحادثات الاتحادين الأفريقي والأوربي، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة ومصر كمراقبين.
وفي سبيل إيجاد حلول للأزمة السودانية اختتم شركاء دوليون وإقليميون اجتماعهم التشاوري الثاني حول تعزيز مجهود مبادرات السلام في السودان بجيبوتي ورحب البيان الختامي بالمبادرة الأمريكية لرعاية مفاوضات بين طرفي القتال، كما حذر المشاركون من تداعيات الأوضاع الإنسانية والأمنية المعقدة في السودان، وشدد البيان على التزام الأطراف المشاركة بتكثيف التنسيق والتعاون بين الأطراف والأعضاء الحاضرين لاستعادة الاستقرار والسلام في البلاد.

ترحيب حميدتي

إلى ذلك، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” سارع بالترحيب بالدعوة الأمريكية وأعلن مشاركة الدعم في مفاوض سويسرا المرتقبة.
ويرى المحلل السياسي محمد تورشين، أن الدعوة التي تقدمت بها الخارجية الأمريكية تأتي من خلال محاولة الجهود الأمريكية الرامية للتدخل الإيجابي لا يجاد مقاربة من شأنها توقف الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع.
وقال إن موافقة الدعم السريع بسرعة لأنه يبحث بشكل أو آخر من خلال كل المبادرات التي تطرح للحفاظ والإبقاء على الوضعية الدستورية التي سبقت 15 أبريل.

موقف الجيش

فيما لم يعلن الجيش السوداني حتى الآن موقفه من المشاركة في مفاوضات سويسرا، وراجت أنباء عن موافقة الجيش بقبول الدعوة للمشاركة في المفاوضات المقبلة، إلا الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني نبيل عبد الله نفى موافقة الجيش على الدعوة قال حتى الآن لم يوافق الجيش على الذهاب للمفاوضات.
وأوضح تورشين في مقابلة مع «التغيير» أن الجيش ومؤسسات الدولة تدرس تلك المبادرة بشكل جاد وربما لديها تساؤلات مرتبطة بشأن النقاط التي تم الاتفاق عليها في إعلان المبادئ في مايو 2023 في جدة وكذلك مباحثات المنامة.
وتابع: «لا أعتقد أن الجيش والحكومة السودانية ترفض الدعوة من حيث المبدأ لأنها من قبل انخرطت في مباحثات جدة في عدة جولات ومباحثات المنامة، إلا إذا كانت هناك اشتراطات مرتبطة بما اتفق عليه من قبل لا سيما مبادئ منبر جدة» .
وأردف: «إذا رفض الجيش دعوة التفاوض في جنيف فإن الحرب ستستمر وربما تكون التدخلات الإقليمية والدولية بشكل أكثر قوة والأطراف الداعية للحرب ستدعم بصورة أكبر» .

مخاطبة الجيش

وفي السياق، قالت مصادر دبلوماسية لـ «التغيير»، إن الحكومة السودانية تحتج على مخاطبة الجيش السوداني للتفاوض مع الدعم السريع، ورأت المصادر أن الخارجية الأمريكية لا تعترف بحكومة الأمر الواقع التي يمثلها قائد مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الذي سبق وأن خاطب الأمم المتحدة بصفته رئيس السودان، وليس قائد للجيش.
وأوضحت المصادر أن الحكومة السودانية لديها تحفظات على الدعوة الأمريكية وتريد أن يتم دعوة البرهان بأنه رئيس مجلس السيادة حتى يتم الموافقة على الذهاب للتفاوض.

ملاحظات إجرائية

وهذا ما أكده الخبير الدبلوماسي السفير علي يوسف، بأن الحكومة السودانية على لسان وكيل وزارة الخارجية ذكرت أنها أخذت علم بالدعوة الأمريكية للاجتماع في 14 أغسطس في جنيف، وإن لديهم ملاحظات إجرائية وملاحظات وحول محتوى الرسالة.
وقال السفير يوسف في مقابلة مع «التغيير» إن الدعوة لعقد اجتماعات في جنيف هو إلتفاف حول منبر جدة للخروج من دائرته، لأسباب تخصهم، وأهمها تفادي الاتفاق الأخير الذي تم في جدة بخروج الدعم السريع من الأعيان المدنية والمرافق الصحية، بالإضافة لدعوة الإمارات للمشاركة في الاجتماعات كمراقب هي ومصر، وهذه أبرز الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة تعقد الاجتماعات في جنيف.
الحكومة السودانية غير راضية من توجيه الدعوة من الخارجية الأمريكية مباشرة للجيش السوداني، واجتماعات جدة كانت بعد الحرب مباشرة بحضور وفد من الجيش ووفد من الدعم السريع، وفي ذلك الوقت لم يتم اصدار قرار بحلها وإعلانها أنها منظمة ارهابية في السودان”، يضيف “علي يوسف”
ورأى الخبير الدبلوماسي، أن الدعوة للجيش السوداني فيها إلتفاف على الوضع القانوني والسياسي الموجود في السودان باعتبار أن الولايات المتحدة لا تعترف به، وأن هناك محاولة لتهرب الأمريكان من الأمر الواقع الآن في السودان، وأن البرهان هو رئيس مجلس السيادة ويمثل السيادة السودانية وهذا وضع تعترف به الأمم المتحدة و سبث أن حضر اجتماعات الجمعية العمومية باعتباره ممثل السودان.
واستدرك قائلاً: الولايات المتحدة غير راغبة في إعطاء الشرعية للسودان”.
وتوقع عدم استجابة السودان للدعوة بهذه الطريقة، وقال إما أن الولايات المتحدة تعمل على تغيير الدعوة وتعمل على تصحيح المتطلبات، أو أنها ترجع لاجتماعات جدة كما كانت أو يتم تجميد الموضوع، وتصبح العملية مغلقة في الوقت الحالي”.

ضغوط كبيرة

فيما يرى القيادي بتنسيقية القوى المدنية والديمقراطية «تقدم» شهاب إبراهيم، أن المجتمع الدولي والاقليمي ينظر إلى الأوضاع في السودان كقضية أصبحت تتعقد تأثيرها و تنعكس على الإقليم الذي يعيش أوضاعاً هشة سياسيا واجتماعيا تتداخل مع توسع الحرب في السودان، وقال: بالتالي ستعمل الولايات المتحدة وحلفائها في الضغط على الجيش للذهاب إلى جنيف وإذا رفض يمكن أن يتم ممارسة ضغوط أكبر عليه.
مؤكدا أن الانتخابات الأمريكية تشكل عامل في حل الحرب في السودان لذا تحاول إدارة الديمقراطيين أن تذهب بعيدا في إنهاء الحرب قبل انتصار السباق الرئاسي في أمريكا.
وقال شهاب في مقابلة مع «التغيير» إن قضية حماية المدنيين تظل قضية مهمة للجميع سوي القوي المدنية أو المجتمع الدولي والإقليمي، أيضا استخدام الفصل السابع وارد رغم تعقيدات اتخاذ مثل هذا القرار في ظل حالة الاتحاد الافريقي وتباين مواقف الدول فيه.

تقاطعات

إلا أن المحلل السياسي محمد تورشين استبعد استخدام البند السابع ضد السودان، وقال إن هذه المسألة لا اعتقد أنها مطروحة بأي حال من الأحوال، لأن الأمم المتحدة تفرض هذه الوضعية عن طريق مجلس الأمن الدولي، ومجلس الأمن الآن فيه العديد من التقاطعات والتجاذبات الدولية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.
واتفق الخبير الدبلوماسي علي يوسف مع تورشين، وقال إن رفض الحكومة السودانية للمفاوضات لن يقود للفصل السابع لأنه لا يوجد ما يبرر استخدام الفصل السابع ضد السودان، وحتى إذا طرح هذا الموضوع هناك دول لن تقبل باستخدام الفصل السابع لتوقيع عقوبات على السودان أو التدخل العسكري الدولي.

تدخل أجنبي

ولكن للسفير الصادق المقلي رأي مغاير، بأن فشل مفاوضات جنيف سيفضي إلى فتح الباب على مصراعيه لتدخل أجنبي متعذرا بحماية المدنيين، و أن لم يكن هذا التدخل من خلال مجلس الأمن، ليس من المستبعد أن يتم من خلال تحالف دولي إقليمي كما حدث في عدد من بؤر النزاع في العالم، من خلال ما عرف بمبدأ مسؤولية الحماية The responsibility to protect. وقال هذا تدخل لا تحمد عقباه في حالة تفاقم هذه الكارثة الإنسانية الوجودية.

وحول هل رفض الجيش سيؤدى إلى تجميد الملف السوداني عاما آخر؟ يقول الخبير الدبلوماسي يوسف علي، إن هذا الأمر مؤكد لأن منبر جدة هو الوحيد الذي يدرس في حالة وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وإذا لم يتم الانتقال إلى سويسرا او الرجوع لجدة لن تكون هناك مباحثات حول هذا الموضوع”.
فيما يرى السفير الصادق مقلي في مقابلة مع «التغيير»، أن مفاوضات جنيف المرتقبة وفرت فرصة أخيرة لكي يشعر المواطن السوداني بعد كل هذه المعاناة أن هناك ضوءا في آخر النفق .
وطالب الدولة بالتقاط القفاز باعتبارها المسؤول الأول عن حماية المواطن والدفاع عن الوطن والحيلولة دون انهياره”.
وأوضح أن الانتهاكات و التعدي على ممتلكات المواطن و ماله و عرضه و حياته، من قبل الدعم السريع و استهداف المواطنين والأعيان المدنية من قبل الجيش، هي نتاج طبيعي للحرب و أن استمرارها سوف يفاقم من كل هذه التداعيات الكارثية على الوطن والمواطن ويهدد الوطن، وقال “فلا مناص من أن يحتكم الكل الي صوت العقل وأن يذهبوا إلى جنيف بقلب مفتوح فالحصة وطن”.

الوسومالفصل السابع جنيف سويسرا مفاوضات

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الفصل السابع جنيف سويسرا مفاوضات

إقرأ أيضاً:

تصعيد خطير بين السودان والإمارات.. الجيش يدمر طائرة تقل مرتزقة كولومبيين في نيالا

أعلن الجيش السوداني، عبر التلفزيون الرسمي، أنه دمّر طائرة إماراتية كانت تحمل “مرتزقة كولومبيين” وأسلحة، أثناء محاولتها الهبوط في مطار نيالا بولاية جنوب دارفور، ما أسفر عن مقتل 40 شخصًا على الأقل كانوا على متنها، وسط تصاعد التوترات مع الإمارات العربية المتحدة.

وذكر مصدر عسكري سوداني – فضّل عدم الكشف عن هويته – أن الطائرة دُمّرت بالكامل خلال غارة جوية نفذها الجيش ضمن عملياته ضد قوات الدعم السريع، التي تسيطر على المطار والمنطقة المحيطة منذ أشهر.

وقال بيان التلفزيون الرسمي إن الطائرة أقلعت من قاعدة جوية خليجية، وكانت تحمل “شحنات من العتاد والسلاح إلى قوات الدعم السريع”، مضيفًا أن الغارة الجوية أسفرت عن “هلاك ما لا يقل عن 40 مرتزقًا كولومبيًا”.

ولم يصدر تعليق رسمي من جانب الإمارات أو قوات الدعم السريع حتى الآن، كما لم يرد أي تأكيد مستقل لصحة الادعاءات من جانب جهات محايدة أو أممية.

الجيش السوداني سبق أن اتهم أبوظبي مرارًا بدعم قوات الدعم السريع، لا سيما عبر تسليحها بمسيّرات وطائرات متقدمة يتم تهريبها عبر مطار نيالا. فيما نفت الإمارات تلك الاتهامات، رغم تقارير أممية أشارت إلى وجود دعم خارجي غير مشروع للقوات شبه العسكرية.

وكانت تقارير للأمم المتحدة قد أكدت في وقت سابق وجود مقاتلين كولومبيين في دارفور منذ أواخر عام 2024، يقاتلون إلى جانب قوات الدعم السريع، في حين قالت السلطات السودانية هذا الأسبوع إنها تملك “وثائق تؤكد تورط الإمارات في تجنيد وتمويل هؤلاء المرتزقة”.

وفي تطور آخر، اتهمت سلطة الطيران المدني السودانية الإمارات بمنع الطائرات السودانية من الهبوط أو الإقلاع من مطاراتها، في مؤشر واضح على تصاعد الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.

وقالت السلطات السودانية إنها فوجئت بالقرار، مؤكدة أنها تعمل على إعادة برمجة رحلات الركاب المتأثرين، في ظل غياب أي رد رسمي من جانب سلطات أبوظبي.

وكانت السودان قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات في مايو/أيار الماضي، متهمة إياها بـ”التدخل في شؤونها الداخلية عبر دعم قوات الدعم السريع بالأسلحة المتطورة”.

ويخوض الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان حربًا دامية ضد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) منذ أبريل 2023، ما تسبب في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية والأمنية التي تمر بها البلاد منذ عقود، وسط تدخلات إقليمية ودولية متزايدة.

الأمم المتحدة ترفض لقاء وفد الحكومة الموازية المدعومة من الدعم السريع

رفض خبير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر، عقد أي اجتماع مع وفد يمثل تحالف “تأسيس” الذي تقوده الحكومة الموازية المدعومة من قوات “الدعم السريع”.

وقال نويصر في تصريحات صحفية إنه لم يلتق بأي من قيادات الدعم السريع أو الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، كما رفض الاجتماع مع وفد تحالف “تأسيس”، في خطوة تُعد أول موقف دولي رسمي يرفض التعامل مع الكيان الموازي الجديد.

وحذر نويصر من “تدهور مقلق في أوضاع حقوق الإنسان والوضع الإنساني في السودان”، في ظل تصاعد الأعمال العدائية واستمرار النزاع الذي دخل عامه الثالث.

وكان تحالف “تأسيس”، المدعوم من الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال، قد أعلن في يوليو الماضي تشكيل حكومة موازية، بتعيين محمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء، وتشكيل مجلس رئاسي برئاسة محمد حمدان دقلو (حميدتي) ونائبه عبد العزيز الحلو. وقد قوبلت هذه الخطوة برفض شديد من الحكومة الرسمية التي يديرها الجيش من بورتسودان.

ويضم تحالف “تأسيس” عددًا من الكيانات العسكرية والسياسية والقبلية، وقد تأسس رسميًا في فبراير الماضي خلال اجتماع في العاصمة الكينية نيروبي.

مقالات مشابهة

  • الاعتداءات على اللاجئين السودانيين في أوغندا تتكرر.. هل الهشاشة الأمنية مقصودة؟
  • يوم تاريخي في واشنطن.. قمة سلام تنهي عقوداً من الصراع بين أرمينيا وأذربيجان
  • واشنطن ترحب بتكليف الجيش اللبنانى بحصر السلاح فى يد الدولة
  • واشنطن ترحب بتكليف الجيش اللبناني بحصر السلاح في يد الدولة
  • مسيرات الجيش السوداني تسحق متحركات “الدعم السريع” في غرب كردفان
  • تصعيد خطير بين السودان والإمارات.. الجيش يدمر طائرة تقل مرتزقة كولومبيين في نيالا
  • بث مباشر.. مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء ونظيره السوداني
  • مجددًا الدعوة لنزع السلاح من الخرطوم.. قائد الجيش السوداني يعلن شروطه لوقف القتال
  • لمتابعة الأوضاع الأمنية في ميسان.. انتشار لقوات الرد السريع بإشراف مباشر من قائد العمليات
  • الجيش السوداني يعزز دفاعاته حول الأبيض.. اتهامات لقادة «الدعم السريع» بارتكاب جرائم إبادة