الإمارات وكينيا شراكة تعزز التنمية وتفتح آفاق المستقبل
تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT
شعبان بلال، أحمد مراد (أبوظبي، القاهرة)
أخبار ذات صلةتتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة وكينيا بعلاقات قوية ومتنامية تعود إلى عقود عدة، وتعززت العلاقات منذ أواخر التسعينات بشكل ملحوظ، وتشمل الشراكة الإماراتية الكينية مجالات مختلفة اقتصادية وتكنولوجية تساهم في تعزيز أواصر العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
وتعود العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وكينيا إلى سبعينيات القرن الماضي، لكن التعاون الاقتصادي الحقيقي بدأ يأخذ منحى جاداً في التسعينيات، وكانت الإمارات أحد أبرز الشركاء التجاريين لكينيا في منطقة الخليج العربي، حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات التي تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري.
وأشاد خبراء ومسؤولون في تصريحات لـ «الاتحاد» بالدبلوماسية الإماراتية التي نجحت في بناء شراكات قوية في القارة الأفريقية، في مقدمتها كينيا كواحدة من أهم الدول وأسرعها نمواً في المنطقة.
شراكة استراتيجية
وقال رامي زهدي، الخبير في الشؤون الأفريقية، إن الإمارات تُدرك أهمية القارة الأفريقية، لا سيما أن هناك 10 دول أفريقية تُعد من الاقتصادات الناشئة، وتمثل وجهات استثمار جذابة، بينما يبقى في القارة السمراء 45 دولة أخرى تمثل فرصاً كبيرة للتعاون البناء.
وأوضح زهدي لـ «الاتحاد» أن كينيا واحدة من الدول الكبيرة والمؤثرة اقتصادياً في القارة الأفريقية، حيث يُعد الاقتصاد الكيني أحد أكثر الاقتصادات الواعدة في أفريقيا، وقد حقق نمواً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.8% في عام 2022، في حين يقدر هذا النمو بنحو 5% في 2023، بينما تشير التوقعات إلى ارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بين 4.5 و5.2% في 2024.
واستطرد زهدي: «كينيا دولة محورية تؤثر في عدد كبير من دول الجوار في شرق وجنوب القارة الأفريقية، والإمارات دولة محورية تتمتع برؤية اقتصادية جادة ومثمرة تجاه القارة السمراء، ولذلك سعى البلدين إلى تعظيم علاقات الشراكة الاقتصادية بينهما، وقد أنجزتا محادثات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بينهما، بعدما توصلتا إلى البنود النهائية للاتفاقية، تمهيداً للتوقيع عليها رسمياً، ومن ثم استكمال بقية الإجراءات ذات الصلة، قبل أن تنطلق البلدان إلى مراحل التنفيذ للاتفاقيات التجارية والاقتصادية والاستثمارية بينهما التي تعود بالنفع على الشعبين».
مكانة إماراتية مرموقة
من جانبها، أوضحت السفيرة سعاد شلبي، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية، عضو لجنة الحكماء في «الكوميسا»، أن الإمارات تحظى بمكانة مرموقة داخل أفريقيا، حيث تحرص على إقامة علاقات سياسية واقتصادية ودبلوماسية مع غالبية دول القارة قائمة على أسس ومبادئ التعاون المشترك، وتبادل المصالح، وتحقيق التنمية المستدامة.
وأشارت شلبي في حديثها لـ «الاتحاد» إلى أهمية كينيا كواحدة من أبرز الدول الأفريقية التي تجمعها بالإمارات علاقات دبلوماسية قوية وراسخة، ويعود تاريخ العلاقات الإماراتية الكينية إلى عام 1982 بافتتاح السفارة الكينية في أبوظبي، وفي مرحلة لاحقة، وتحديداً في عام 2012 افتتحت الإمارات سفارتها في العاصمة الكينية، نيروبي.
وشددت الخبيرة في الشؤون الأفريقية على اهتمام كينيا بتطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية مع الإمارات، مشيدة بحرص قيادتي البلدين على تعميق علاقاتهما المشتركة، وهو ما يظهر جلياً في تعدد الاتصالات واللقاءات المشتركة.
وأشارت الدبلوماسية المصرية إلى أن هناك فرصاً واعدة لتطوير العلاقات الإماراتية - الكينية في مختلف المجالات، وبالأخص مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة المتجددة والبنية التحتية، موضحةً أن إنجاز البلدين للمحادثات الخاصة باتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، يعكس تطور لافت وقفزة نوعية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الإماراتية الكينية، وهو ما سيؤدي إلى تعظيم حجم التعاون المشترك والمصالح المتبادلة بينهما، لا سيما في المجالات التي تمثل أولويات تنموية في البلدين.
وأشادت بالأهمية التي توليها دولة الإمارات في سبيل تعزيز وتقوية علاقاتها مع مختلف دول القارة الأفريقية، وهو ما يساهم في دفع عجلة التنمية المستدامة، ويدعم كل ما يحقق الأمن والاستقرار والسلام داخل القارة السمراء.
وفي فبراير 2024، وقعت الإمارات وكينيا اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة «CEPA»، والتي تمثل تطوراً مهماً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التجارة غير النفطية بين البلدين، وزيادة تدفقات الاستثمار.
شراكات اقتصادية
الخبير والباحث في الشأن الأفريقي، محمد تورشين، قال إن الإمارات أصبحت تدخل في شراكات اقتصادية مع العديد من الدول الأفريقية، وتأتي كينيا كواحدة من أهم الدول التي تتمتع بموقع استراتيجي وتأثير مهم في منطقة القرن الأفريقي والبحيرات العظمى. وأضاف تورشين لـ «الاتحاد» أن الإمارات تسعى لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية، وهو ما يعود بنتائج إيجابية في تعزيز العلاقات على المستوى السياسي والاقتصادي والمجتمعي.
نموذج يحتذى به
وقالت نورهان شرارة، الباحثة بالشؤون الأفريقية لـ «الاتحاد»، إن دولة الإمارات تبنت سياسة جديدة في علاقاتها الاقتصادية مع بعض الدول، خاصة الدول الأفريقية من خلال تنمية مسار التجارة البينية غير النفطية.
وأضافت شرارة في تصريح لـ «الاتحاد» أن كينيا تأتي على رأس الدول التي شهدت نمو وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الإمارات من خلال اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين البلدين، واصفةً تلك الاتفاقية بـ «الهامة» في سبيل تعزيز العلاقات.
واعتبرت أن الإمارات تفوقت على منافسيها في التواجد الإيجابي داخل القارة السمراء، واختارت نموذجاً يحتذى به من خلال تركيزها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والمنفعة المشتركة بين الدول وتطوير العنصر البشري في القارة الأفريقية مقابل وجودها في السوق الأفريقية الواعدة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الإمارات كينيا القارة السمراء التنمية المستدامة الخليج العربي أفريقيا الشراکة الاقتصادیة القارة الأفریقیة القارة السمراء بین البلدین فی القارة وهو ما
إقرأ أيضاً:
سباق القواعد والنفوذ في أفريقيا.. من يملك القرار في القارة؟
الدوحة ـ في وقت تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية عالميا، تعود القارة الأفريقية إلى صدارة المشهد الدولي، ليس فقط بوصفها فضاء غنيا بالموارد والأسواق الواعدة، بل باعتبارها ساحة مفتوحة لتنافس القوى الكبرى عسكريا واقتصاديا وإستراتيجيا.
وبين انتشار القواعد العسكرية الأجنبية، وتدفق الاستثمارات، ومحاولات تنويع الشراكات الدولية، يظل السؤال الجوهري مطروحا: هل تمتلك أفريقيا اليوم القدرة على حماية استقلال قرارها، أم أنها ما تزال أسيرة أنماط قديمة من التبعية بأدوات جديدة؟
في هذا السياق، قدم عدد من الباحثين والأكاديميين، خلال جلسة "سيادة الدول الأفريقية في مواجهة التدخلات الخارجية" على هامش مؤتمر أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة في ظل التحولات الجيوسياسية الذي ينظمه مركز الجزيرة للدراسات، في الدوحة اليوم، قراءات متقاطعة حول واقع الوجود العسكري الأجنبي، وأبعاد التنافس الدولي، ومستقبل الاستثمار في القارة، خلال نقاشات عكست تعقيدات المشهد الأفريقي وتحدياته البنيوية.
وخلال مداخلته في الجلسة، قال الشافعي أبتدون الباحث المهتم بشؤون القرن الأفريقي إن الوجود العسكري الأجنبي في أفريقيا يترك تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على استقلال القرار الأفريقي، سواء على المستوى الأمني أو السياسي.
وأوضح أن هذه القواعد تقيد في كثير من الأحيان حرية الدول المضيفة في رسم سياساتها الدفاعية، إذ يصبح جزء من أمنها الوطني مرتبطا بأجندات قوى خارجية، مضيفا أن الوجود العسكري الأجنبي لا يقتصر أثره على البعد الأمني، بل يمتد سياسيا عبر ممارسة ضغوط على صناع القرار، ما يحد من استقلالية المواقف الأفريقية في القضايا الإقليمية والدولية، ويحول القارة إلى ساحة تنافس مفتوح بين القوى الكبرى.
إعلانوأشار أبتدون إلى أن وجود القواعد العسكرية الأجنبية، أو حتى انسحابها، لا يعني بالضرورة تدهور العلاقات بين الدول، بل قد يفتح المجال أمام إعادة تشكيل علاقات جديدة بين الدول المضيفة والقوى الدولية، وفق منطق المصالح المتبادلة وإعادة التموضع الجيوسياسي.
وضرب الباحث مثالا بجيبوتي، التي تمثل نموذجا واضحا لهذا الواقع، إذ تحتضن عددا كبيرا من القواعد العسكرية الأجنبية في مساحة جغرافية وسكانية محدودة. ولفت إلى أن الهدف الأساسي لجيبوتي يتمثل في حماية هذه القواعد واستثمارها اقتصاديا.
وبين أن الولايات المتحدة تدفع ما بين 63 و75 مليون دولار سنويا مقابل قاعدتها العسكرية، تليها فرنسا بنحو 40 مليون دولار، ثم اليابان وإيطاليا، إضافة إلى الصين، موضحا أن هذه العائدات تمثل قرابة 10% من الميزانية العامة للدولة، وتسهم في دعم الاقتصاد الوطني، رغم أن الأوضاع المعيشية للسكان ما تزال متدنية مقارنة بدول الجوار.
وحذر الباحث المهتم بشؤون القرن الأفريقي من أن هذه العائدات، على أهميتها المالية، تكرس نمطا من التبعية الاقتصادية، حيث تستبدل من التنمية المستدامة إيرادات ريعية قصيرة الأجل، مشددا على أن المكاسب الأمنية التي توفرها القواعد قد تكون مؤقتة، في حين تمتد آثارها السلبية على المدى الطويل.
أشار أبتدون، في تصريح للجزيرة نت إلى تحركات إقليمية ودولية متسارعة، لاسيما في الصومال، لإعادة فتح أو تفعيل قواعد عسكرية تحت ذريعة تقديم الدعم الأمني، في ظل تنافس أميركي وإقليمي متزايد على النفوذ في منطقة القرن الأفريقي، موضحا أن لجوء الدول الأفريقية إلى تنويع شراكاتها الدولية لا يعني بالضرورة تغيير عقيدتها السياسية، بل يخضع لمنطق اقتصادي معروف يقوم على تنويع الشركاء لتقليل المخاطر وجذب الاستثمارات.
وأكد أن رأس المال تحكمه المصالح لا الاعتبارات الأخلاقية، مبينا أن قوة المؤسسات الوطنية وقدرتها التفاوضية تمثل عاملا حاسما في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب وجود ضمانات قانونية واضحة وعلاقات دبلوماسية مستقرة، مستشهدا بتجربة تركيا التي وسعت شراكاتها الاقتصادية عبر تعزيز تمثيلها الدبلوماسي، وضمان آليات التحكيم الدولي لحماية المستثمرين.
وشدد على أن أفريقيا ليست مضطرة للبقاء رهينة أنماط التبعية، غير أن ذلك يتطلب شراكات تبادلية قائمة على مبدأ الربح المتبادل، وليس على نماذج الهيمنة أو المكاسب الأحادية، مشيرا إلى أن بعض التجارب الناجحة، مثل رواندا، ما تزال بحاجة إلى مزيد من الشفافية، خصوصا في ما يتعلق بحجم الاستثمارات والصفقات غير المعلنة.
من جانبه، قال بوحنية قوي، الأكاديمي الجزائري المتخصص في قضايا الحوكمة والشؤون الأمنية والأفريقية في مداخلته أمام الجلسة، إن تعاطي القوى الكبرى مع أفريقيا لا يقوم فقط على منطق الاستثمار، بل على اعتبارها ساحة لتقاسم النفوذ، موضحا أن هذا التنافس يجري اليوم بأدوات جديدة تشمل أبعادا اقتصادية وأمنية وعسكرية واستخباراتية.
إعلانوأوضح أن القارة تشهد انتشارا واسعا للقواعد العسكرية الأجنبية، مع وجود أكثر من 40 قاعدة أميركية وأوروبية، ساهم بعضها، بحسب تعبيره، في تقويض الاستقرار داخل عدد من الدول الأفريقية بدلا من دعمه.
وأضاف بوحينة قوي، في حديث للجزيرة نت، أن لكل قوة دولية مقاربتها الخاصة، فالولايات المتحدة تعتمد منظورا أمنيا وعسكريا ذا طابع استخباراتي مغلف اقتصاديا، في حين دخلت روسيا بقوة إلى منطقة الساحل بعد الحرب في أوكرانيا، عبر دعم دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو في إعادة تأهيل قدراتها العسكرية، وإن كان ذلك ضمن رؤية قصيرة المدى.
وأشار إلى أن تركيا اختارت مسارا مختلفا قائما على التعليم وبناء القدرات المؤسساتية، في حين تواصل الصين توسيع حضورها من خلال إستراتيجيات اقتصادية وتنموية طويلة الأمد.
وشدد قوي على أن الإشكالية الأساسية لا تكمن في الصين أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، بل في غياب الأجندة الوطنية الواضحة لدى العديد من الدول الأفريقية منذ الاستقلال، موضحا أن الخلط بين المسارات الدستورية والانتخابية دون بناء مشروع تنموي علمي متكامل أدى إلى تعثر هذه الدول لعقود.
وأكد أن القوى الكبرى تعتمد ما وصفه بـ"المشي الهادئ"، القائم على التغلغل الاقتصادي أولا، ثم التمويل والدعم، قبل تثبيت النفوذ، مستشهدا باستثمارات تتجاوز مليار دولار في بعض الحالات.
بدوره، قال محمد زكريا، الباحث في الشؤون الأفريقية الاقتصادية والاجتماعية، إن المقاربة الدولية تجاه أفريقيا لا يمكن اختزالها في المساعدات الإنسانية أو الترتيبات الأمنية، مؤكدا أن الاستثمار سيظل العامل الحاسم في رسم ملامح القارة خلال العقود المقبلة.
وأوضح أن القارة تشهد تحولا لافتا نحو تنويع الشركاء الدوليين، كما في حالة النيجر، التي تسعى إلى الانفتاح على الأسواق العالمية لتحقيق توازنات اقتصادية وربما سياسية، في ظل التنافس الدولي المتصاعد على الموارد.
وأشار إلى أن الصراعات المقبلة في أفريقيا ستكون مرتبطة بشكل متزايد بالموارد الإستراتيجية، وعلى رأسها الذهب والمعادن النادرة، في سياق التحولات العالمية المرتبطة بالتكنولوجيا والعملات الرقمية، إلى جانب قطاعات الزراعة والصناعات المرتبطة بها.
وحذر من أن الاستثمار الأجنبي، رغم قفزته بنسبة 75% ليصل إلى 162 مليار دولار في 2024، قد يتحول إلى عامل تعميق للتبعية إذا لم يضبط بإطار قانوني ومؤسسي عادل، مشددا على أن أفريقيا تحتاج إلى استثمارات حقيقية ومنتجة، لا إلى استثمارات مرتبطة بحسابات نفوذ.
وختم زكريا بالتأكيد على أن استقلال القرار السياسي، وبناء السياسات الوطنية، وتعزيز العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، تشكل شروطا أساسية لتحقيق تنمية مستقلة ومستدامة، وضمان استفادة المجتمعات المحلية والأجيال القادمة من الفرص الاستثمارية.