لجريدة عمان:
2025-10-15@21:51:12 GMT

السيدة مكبث

تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT

السيدة مكبث

يبدو الأمر قديمًا قِدم الزمن. ما هو؟ الأحكام المسبقة، التحيّز، البحث عن أعذار ... من دون شك، هي أحوال دامت وتدوم في عالمنا. ناهيك عن بعض «الصيغ اللغوية» المنبثقة من بعض الحالات الاجتماعية. لنأخذ مثلا جملة «ابحث عن المرأة») على أمل ألا يثير ذلك سُخط الحركات النسوية وحفيظتها). من منّا لم يسمع بهذه العبارة، من لم يرددها ويقلها أو يقرأها في واحد من تلك الكتب التي استخدمتها (وربما تستخدمها لغاية اليوم) أو حتى تلك التي تبني عليها أحداثها بالكامل.

منذ الكتاب المقدس، وجدنا هذا الأمر، كيف يمكن إذًا تفسير «خدعة» حواء والثعبان الذي يهسهس في أذنها، ما أدّى في النهاية إلى سقوط آدم من الجنّة وبالتالي إيذاء نسله بأكمله. ومع انتقال هذه الحكاية من عصر إلى آخر، تلقف شكسبير «الجمرة»، ليكتب حولها مسرحيته الشهيرة: «مكبث»، وهو الشجاع الذي كان خارجًا من معركة منتصرًا، حين التقى بثلاث ساحرات، تعتبره الأولى «دوق جلاموس» (كان كذلك بالفعل) والثانية دوق كاودور (لم يتأخر الأمر ليعلنه الملك في منصبه الجديد هذا، مكافأة لشجاعته وإخلاصه)، والثالثة ترى فيه «الملك المستقبلي». يخبر مكبث زوجته (المعروفة باسم الليدي مكبث) بهذا اللقاء الغريب، فما كان عليها إلا أن دفعته لاغتيال الملك ليحل مكانه، لتتحقق نبوءة الساحرة الثالثة. بمعنى آخر، هي المرأة التي دفعت الرجل إلى ارتكاب الجريمة.

بعد قرون من شكسبير، «تواصلت المسرحية» هذه، ليستعير الكاتب الروسي نيقولاي ليسكوف الاسم، السيدة مكبث، ليضعه عنوانا لــ«النوفيلا» التي كتبها عام 1864 ويستوحي منها قصته «السيدة مكبث من مقاطعة متسينسك» (نقرأها اليوم بالعربية، بترجمة من يوسف نبيل، عن منشورات آفاق بالقاهرة). ومع هذه الترجمة، سيكتشف البعض صوتًا جميلًا وكبيرًا من أصوات الأدب الروسي الكلاسيكي، الذي لم يحظ بشهرة كبيرة يومها، بسبب طغيان حضور معاصره تولستوي على الساحة الأدبية في زمنه.

تختلف السيدة مكبث من متسينسك، واسمها الحقيقي كاترينا لفوفنا، عن السيدة الإسكتلندية. إنها لا تشجع على القتل بدافع الطموح بل بدافع الحب. وهي لا تُحرّض فحسب، بل تشارك في الجرائم، وتقتل بصحبة عشيقها، كما أنها تنتحر في النهاية، ولكن على الرغم من أنها رأت نفسها متروكة ومهجورة وعرضة للسخرية من قبل حبيبها إلا أنها لا تمتلئ بالندم؛ بل يأتي انتحارها ليكون بمثابة انتقام، لأنها ستأخذ معها حتى الموت المرأة التي سرقت حبيبها. يتم هذا الانتحار خلال رحلتها سيرًا على الأقدام نحو سيبيريا، حيث تم القبض عليها ومحاكمتها وإدانتها.

يخبرنا ليسكوف عن روسيا، عن ظروف التجار المعيشية في المدن الصغيرة وخدمهم، عن أخلاقهم المختلفة وعدالة كبار مسؤولي القيصر السريعة وطرق رشوة الصغار البسيطة؛ عن مسيرات المدانين القسرية إلى أعماق سيبيريا وانفجارات الرومانسية على الطراز الروسي. عن الروح الروسية! (قد تكون عبارة مبتذلة اليوم ولا تتوافق مع أي شيء) فإذا كانت هذه الروح مجرد كليشيهات، فليسكوف يتعامل معها بشكل جيد... وإذا كانت أكثر من مجرد كليشيهات، فإن الكاتب يعمل عليها بشكل مثير للإعجاب، في جمل قصيرة، بلمسات صغيرة يجمعها في خبر واحد. هي العاطفة المفرطة التي تدفع كلّ الحدود، وتبقى عمياء وصمّاء تجاه الأوامر الأخلاقية، وقوانين المجتمع، وأقاويل الناس.

كانت كاترينا لفوفنا متزوجة من أحد التجار الكبار. لم تُنجب أطفالا، وغالبا ما كانت تلام على عقمها، هي، إذ كانت التقاليد ترفض أن تتصور أو أن تفكر في أن يكون الزوج هو سبب هذا العقم، وعدم القدرة في الإنجاب. تعيش في ملل مفرط، في منزل مليء بالعمال والخدم، لكن ذلك لم يساعدها أبدا، إذ غالبا ــ وبسبب هذا الملل ــ كانت تدخل في حالات من المرارة والكآبة لكي تصاب بالدوار. لذا كان لقاؤها بسيرجي، أحد العاملين لدى زوجها (الغائب غالبا بسبب عمله)، فسحةً لها لتأخذها بعيدا عن هذا الجو القاتل، فستستلم لعاطفتها الأنثوية، كي تزيل من أمامها كلّ العقبات التي كانت تعترض طريقها. في الواقع، كان إطلاق العنان لشغفها الرومنسي هو من قادها إلى ارتكاب عدد من جرائم القتل والد زوجها (بوحشية) ومن ثم زوجها، وأخيرًا ذاك الطفل (نسيب الزوج) الذي يرث كل شيء في المرحلة الأولى، قبل أن يكتشف الجميع أنها حامل (من عشيقها)، فتؤول الثروة إليه، إذ يوضع في عهدة المربية العجوز، باعتباره ذاك الابن الشرعي للزوج المتوفي. كل هذه الجرائم قادت إلى ترحيلها إلى سيبيريا مع عشيقها الذي سيفقد الاهتمام بها، لأنها لن ترث الثروة، من أجل امرأة أخرى. وهو ما يقود في النهاية إلى هذا القدر المأساوي.

«السيدة مكبث من متسينسك»، قصة «مرعبة» عن تأثيرات العاطفة الرومانسية، وهي إن ذكرتنا، في البداية، ببعض أجواء «مدام بوفاري» رواية الفرنسي فلوبير، (أو حتى لمحات من أجواء الأخوات برونتي وتشيخوف) إلا أنها سرعان ما تغمرنا بعالم الليدي مكبث، من حيث هذه المجموعة الكاملة من الموضوعات والتفاصيل والزخارف: الجرائم المرتكبة في الليل، والحيوانات الشريرة، والهلوسة..

تبدو نوفيلا ليسكوف وكأنها كتبت يومها في سياق تحرير المرأة الروسية. كان الهدف من هذه الحركة أن تكون تقدمية، لكن المؤلف يعارض أفكار عصره. ولأن كاترينا لفوفنا خرقت الحظر الجنسي الذي يثقل كاهل المرأة الروسية، فقد أصبحت قاتلة. يجد ليسكوف أصل الشر في تحرر المرأة الجنسي، وهو باب مفتوح، حسب رأيه، لكل التجاوزات، ولاختلال الأخلاق والفوضى الاجتماعية. يمكن مقارنة هذا الفكر بفكر تولستوي. كما أقر بالحاجة إلى تحرير المرأة، لوضع حد للنفاق الذي كان يعني أن النشاط الجنسي الذكوري فقط هو الذي له الحق في التعبير عن نفسه، لكنه انتهى بإدانة كل النشاط الجنسي، حتى على حساب بقاء البشرية!

وإذا كان الجانب الأخلاقي للنص يبدو «قديمًا جدًا» بالنسبة لنا اليوم، فإن هذه الصورة للقاتلة تثير الانتباه. لا تقتل الليدي مكبث أحداً في مسرحية شكسبير، فهي راضية، إذا جاز التعبير، بأن تكون المحرض على جرائم قتل زوجها. كاترينا لفوفنا تقتل بيديها: حتى أننا نراها تمسك بيد رفيقها وهي تخنق رقبة ضحيتها البريئة! وفوق كل شيء، تكفر الليدي مكبث عن جرائمها بالجنون، وتلعن نفسها وينتهي الأمر بالانتصار عندما يموت مكبث بدوره. لا أثر للذنب عند كاترينا لفوفنا، ولا انتصار نهائيا للخير أيضًا. لا يشرح المؤلف أبدًا سلوك بطلته. لا شيء في موقفها الأولي يمكن أن يشير إلى أنها ستتصرف على هذا النحو لاحقًا. يحرص ليسكوف على عدم تقديم أي تفسير بطريقة طبيعية. بل يوضح لنا أن وجود أفراد بلا أي أخلاق، قادرين على فعل أي شيء لإشباع أهوائهم، والذين يظلون غير حساسين للوصايا الأخلاقية أو القوانين الاجتماعية، يصبح ممكنًا عندما لا يعود الحظر الديني مطبقًا، عندما لا تعود القيم الأخلاقية صالحة وتمليها سلطة عليا. وما يزيد من قوة نصه أنه يأخذ التقليد الروسي في رواية القصص: فالتناقض بين هذا الأسلوب الذي عفا عليه الزمن في الكتابة وحداثة الموضوع مذهل. صورة تقشعر لها الأبدان ولكن للأسف لا تزال حديثة للغاية!

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الغارديان: هكذا كانت ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين المحررين

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرًا سردت فيه "معاناة" أحد الأسرى الفلسطينيين الذين أُطلق سراحهم في صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل مؤخرًا، وكشفت خلاله عن تعرضهم "لسوء المعاملة والتعذيب" أثناء فترة الاحتجاز. اعلان

وذكرت الصحيفة أن السلطات الإسرائيلية "ودّعت الأسير نسيم الردي بالطريقة ذاتها التي استقبلته بها: مقيد اليدين، مُلقى على الأرض، يتعرض للضرب بلا رحمة".

ونقلت عنه قوله إن أول مشهد لغزة بعد عامين من الاعتقال بدا ضبابيًا بسبب آثار لكمة على عينيه أثرت على نظره ليومين كاملين. وأكدت الصحيفة أن مشاكل البصر رافقته طوال مدة احتجازه التي بلغت 22 شهرًا.

والردي موظف حكومي يبلغ من العمر 33 عامًا من بيت لاهيا، اعتُقل على يد القوات الإسرائيلية في مدرسة كانت قد تحولت إلى ملجأ للنازحين في غزة بتاريخ 9 ديسمبر 2023.

وقضى الردي أكثر من 22 شهرًا في السجن، منها 100 يوم في زنزانة تحت الأرض، قبل الإفراج عنه يوم الاثنين إلى غزة برفقة 1700 معتقل فلسطيني آخر.

وأوضحت "الغارديان" أن حالة الردي تشبه حال العديد من المحررين إلى غزة، حيث لم تُوجّه إليه أي تهمة رسمية، وتعرض خلال احتجازه "للتعذيب والإهمال الطبي والحرمان من الطعام على يد حراس السجون الإسرائيليين".

ظروف الاعتقال

ووصف الردي فترة احتجازه في سجن نفحة بصحراء النقب قائلًا: "كانت الظروف قاسية للغاية، بدءًا من تقييد الأيدي والأرجل ووصولًا إلى أقسى أشكال التعذيب".

وأضاف: "استخدموا الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتخويفنا، إلى جانب الإهانات والشتائم المستمرة. كان لديهم نظام صارم للقمع؛ فالبوابة الإلكترونية للقسم كانت تُفتح عند دخول الجنود، ليدخلوا مع كلابهم وهم يصرخون 'على بطنك!' ثم يبدأون بضربنا بعنف".

وقال الأسير إن الزنزانات كانت مزدحمة بشكل كبير، حيث يحتجز 14 شخصًا في غرفة صممت أساسًا لخمسة أشخاص فقط.

وأشار إلى أن هذه الظروف غير الصحية أدت إلى إصابته بأمراض جلدية وفطرية، ولم تُجدِ العلاجات الطبية المقدمة في السجن نفعًا في تخفيفها.

استقبل الفلسطينيون الأسرى المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية عند وصولهم إلى خان يونس جنوب غزة، الاثنين 13 أكتوبر 2025. Jehad Alshrafi/AP

محمد العصالية، طالب جامعي يبلغ من العمر 22 عامًا، أُفرج عنه من سجن نفحة يوم الاثنين، وقد أصيب خلال احتجازه بمرض الجرب.

وقال العصالية، الذي اعتُقل في 20 ديسمبر 2023 من مدرسة في جباليا: "لم نحصل على أي رعاية طبية. حاولنا معالجة جروحنا باستخدام مطهرات الأرضيات، لكن ذلك زاد الوضع سوءًا. كانت الفرشات متسخة، والبيئة غير صحية، ومناعتنا ضعيفة، والطعام ملوثًا".

وأضاف العصالية: "كان هناك مكان نطلق عليه اسم 'الديسكو'، حيث يشغلون الموسيقى الصاخبة بشكل متواصل ليومين كاملين. كانت هذه إحدى أسوأ وأقسى طرق التعذيب لديهم. كما كانوا يعلقوننا على الجدران، ويرشوننا بالماء والهواء البارد، وأحيانًا يرمون مسحوق الفلفل الحار على المعتقلين".

ويشير التقرير إلى أن كلا الرجلين فقدا قدرًا كبيرًا من وزنهما أثناء الاعتقال. فدخل الردي السجن بوزن 93 كيلوغرامًا وخرج بوزن 60 كيلوغرامًا. بينما كان وزن العصالية 75 كيلوغرامًا عند الاعتقال، وانخفض إلى 42 كيلوغرامًا في إحدى مراحل احتجازه.

Related الفلسطينيون يستقبلون الأسرى المحررين في صفقة تبادل مع إسرائيلالأسرى المحررون يجتمعون بعائلاتهم في تل أبيب بعد عامين من الأسرأسرى فلسطينيون يصلون قطاع غزة بعد الإفراج عنهم بموجب الاتفاق بين حماس وإسرائيل العودة إلى غزة كانت أصعب

ورغم الفرح بالحرية، يقول الردي إن العودة إلى غزة كانت أكثر قسوة من الاعتقال نفسه، فهو عندما خرج من السجن، حاول الاتصال بزوجته ليجد هاتفها خارج الخدمة. واكتشف لاحقًا أن زوجته وجميع أبنائه تقريبًا، باستثناء واحد، قُتلوا في غزة بغارات إسرائيلية أثناء فترة احتجازه.

استقبل الفلسطينيون الأسرى المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية عند وصولهم إلى خان يونس جنوب غزة، الاثنين 13 أكتوبر 2025. Abdel Kareem Hana/ AP حالة صحية سيئة

وبحسب أطباء فلسطينيين، فإن العديد من المعتقلين الذين أُطلق سراحهم يوم الاثنين وصلوا إلى غزة في حالة صحية متردية.

وقال إياد قديح، مدير العلاقات العامة في مستشفى ناصر جنوب غزة، الذي استقبل الأسرى: "كانت آثار الضرب والتعذيب واضحة على أجسادهم، مثل الكدمات والكسور والجروح وآثار السحب على الأرض وعلامات القيود على أيديهم".

وأضاف أنهم اضطروا لنقل العديد من المحررين إلى قسم الطوارئ لسوء حالتهم الصحية. كما بدا أن المعتقلين قد حُرموا من الطعام لفترات طويلة.

تزايد الاعتقالات منذ 7 أكتوبر

وتشير اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل إلى أن هناك نحو 2800 فلسطيني من غزة في السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية دون تهمة.

ومنذ هجوم 7 أكتوبر، سمحت التعديلات على القانون الإسرائيلي باحتجاز أعداد أكبر من الفلسطينيين دون تهم رسمية.

وقال تال ستاينر، المدير التنفيذي للجنة: "شهدت وتيرة التعذيب والإساءة في السجون والمخيمات العسكرية الإسرائيلية ارتفاعًا هائلًا منذ 7 أكتوبر. نرى أن هذا جزء من سياسة يقودها صناع القرار الإسرائيليون مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وآخرون".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • باحثة سياسية : جاهزية مصر كانت وراء نجاح قمة السلام في شرم الشيخ | فيديو
  • خالد أبو بكر: تضحيات الشهداء كانت الأساس في استقرار الدولة وأمنها
  • الغارديان: هكذا كانت ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين المحررين
  • خالد أبو بكر: شرم الشيخ كانت محط أنظار العالم بتغطية إعلامية غير مسبوقة
  • رئيس مجلس السيادة يصدر قراراً بإعفاء محافظ بنك السودان وتعيين السيدة آمنة التوم خلفا له
  • "ترامب" في الكنيست: على إيران أن تحدد ما إذا كانت مستعدة للسلام
  • السيدة عون تبحث مع GIZ تعزيز دور المرأة ومكافحة العنف في لبنان
  • من هي المرأة الحديدية التي غيرت بريطانيا؟
  • إمام وخطيب السيدة زينب خلال حديثة مع الوفد... حب الخير للغير هو سمة إنسانية
  • كلما قسوت على ChatGPT كانت إجاباته أفضل!