أصبح استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي (ChatGPT) من شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI) وكوبايلوت (Copilot) من مايكروسوفت (Microsoft) جزءا من الحياة اليومية في الأعمال.

وتسارُع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي يثير مخاوف من أن هذه التكنولوجيا قد تفتح الباب أمام قضايا متعددة تتعلق بالخصوصية والأمان، خاصة في أماكن العمل.

في المقابل، مع شعور قادة الأعمال بالضغط المتزايد لتنفيذ الذكاء الاصطناعي، فإن إنشاء الثقة وفهم كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على سير العمل مع الموظفين أمر بالغ الأهمية للاستفادة من إمكاناته الكاملة في الشركة.

خصوصية الموظفين في قبضة الذكاء الاصطناعي

في مايو/أيار الماضي، أطلق ناشطون -يتبنون حماية الخصوصية- على أداة "ريكول" (Recall) الجديدة من مايكروسوفت لقب "كابوس الخصوصية"، بسبب قدرتها على أخذ لقطات شاشة للحاسوب كل بضع ثوان. وقد لفتت هذه الميزة انتباه هيئة تنظيم المعلومات في المملكة المتحدة، التي تطالب شركة مايكروسوفت بالكشف عن المزيد بشأن أمان المنتج الذي سيتم إطلاقه قريبا في "كوبايلوت بلس" (+Copilot).

وعلى صعيد مواز، تزداد المخاوف من "شات جي بي تي"، الذي أظهر قدرات أخذ لقطات الشاشة في تطبيقه الجديد الذي سيتم إطلاقه على نظام "ماك أو إس" (macOS)، الذي يقول خبراء الخصوصية إنه قد يؤدي إلى التقاط بيانات حساسة.

ومن هذا المنطلق، قام مجلس النواب الأميركي بحظر استخدام كوبايلوت بين الموظفين، بعد أن عدّه مكتب الأمن السيبراني خطرا على المستخدمين بسبب "تهديد تسريب بيانات مجلس النواب إلى خدمات سحابية غير معتمدة من المجلس".

المخاوف تتمحور حول أدوات الذكاء الاصطناعي التي قد تُستخدم لمراقبة الموظفين (شترستوك)

وفي الوقت نفسه، حذرت شركة تحليل السوق غارتنر من أن استخدام كوبايلوت في "مايكروسوفت أوفيس 365" يكشف عن المخاطر المتعلقة بتسريب البيانات والمحتوى الحساس داخليا وخارجيا. والشهر الماضي، اضطرت غوغل إلى إجراء تعديلات على ميزتها الجديدة في البحث "إيه آي أوفرفيوز" (AI Overviews)، بعد انتشار لقطات شاشة لإجابات مريبة ومضللة على الاستفسارات.

وبالنسبة لأولئك الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي في العمل، فإن أحد أكبر التحديات هو خطر تعريض البيانات الحساسة للكشف عن غير قصد.

وفي هذا الصدد، يقول كامدن وولفن، رئيس مجموعة الذكاء الاصطناعي في شركة "جي آر سي إنترناشونال غروب" لإدارة المخاطر، إن معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي هي في الأساس "إسفنجات كبيرة"، تمتص كميات هائلة من المعلومات من الإنترنت لتدريب نماذج اللغة الخاصة بها.

تتمحور المخاوف حول أدوات الذكاء الاصطناعي التي قد تُستخدم لمراقبة الموظفين، مما قد ينتهك خصوصيتهم. وتُشير ميزة ريكول من مايكروسوفت إلى أن "لقطاتك الخاصة تبقى محصورة في حاسوبك" و"أنت دائما تتحكم في الخصوصية التي يمكنك الوثوق بها".

ومع ذلك، يقول ستيف إلكوك، الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة إليمنت سويت للبرمجيات، "لا يبدو أن هناك وقتا طويلا قبل أن نتمكن من استخدام هذه التكنولوجيا لمراقبة الموظفين".

الثقة هي أساس أماكن العمل الحديثة

من جهته، يشدد مايكل بوش، الرئيس التنفيذي لشركة "غريت بليس تو وورك" وهي هيئة عالمية مختصة بثقافة العمل، على الدور المحوري الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في ربط الموظفين والمنظمات معا. ويقول إن الثقة أكبر من كونها مفهوما مجردا، فهي ضرورية لبيئة يشعر فيها الجميع بالتقدير والاستماع.

ويضيف بوش: "إذا كان بإمكاني خلق خلفية للعالم في الوقت الحالي، سأكتب كلمة الثقة بأكبر حجم ممكن. هذا هو محور النقاش حول الذكاء الاصطناعي وديناميكيات مكان العمل. يجب على الموظفين أن يفهموا كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على سير عملهم ليتمكنوا من تبني إمكانياته بالكامل، ويجب أن تمتد ثقافة الثقة هذه إلى بناء الموثوقية في أنظمة الذكاء الاصطناعي".

وحسب المصدر، عندما يثق الموظفون في النية الكامنة وراء الذكاء الاصطناعي، فإنهم يكونون أكثر احتمالا لتبنيه والتعاون معه. يمكن أن تجعل التغييرات الناس يخافون من المجهول، لكنهم لن يهلعوا بشأن أمان وظائفهم وأمنهم المالي إذا كانت قاعدة الثقة موجودة بالفعل. وبدلا من ذلك، سيرغبون في معرفة المزيد.

تدابير أمان البيانات تعتبر من الاعتبارات الأساسية عند تنفيذ الذكاء الاصطناعي في مكان العمل (شترستوك) اعتبارات هامة للحفاظ على خصوصية الموظفين

رغم أن تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت شائعة في أماكن العمل، فإنها تثير مخاوف تتعلق بالخصوصية عند مشاركة معلومات حساسة. ومن المهم حماية هذه المعلومات، لأن هذه الأنظمة تتعلم من البيانات التي تتلقاها. وهنا سنذكر أهم اعتبارات رئيسية يجب على أصحاب العمل مراعاتها لتحقيق التوازن بين الذكاء الاصطناعي وخصوصية الموظفين:

تدابير أمن البيانات

تعتبر تدابير أمان البيانات من الاعتبارات الأساسية عند تنفيذ الذكاء الاصطناعي في مكان العمل، إذ تجب حماية معلومات الموظفين وخاصة البيانات الحساسة. كما ينبغي لأصحاب العمل التأكد من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تحتوي على تدابير أمان قوية، ويتضمن ذلك تشفير البيانات وضوابط الوصول والتدقيقات الأمنية الدورية.

الشفافية

تعتبر الشفافية أساسية في معالجة مخاوف الموظفين المتعلقة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فيجب على أصحاب العمل أن يكونوا منفتحين وشفافين بشأن كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي داخل المنظمة وما البيانات التي يتم جمعها وتخزينها. ومن شأن التواصل الشفاف أن يبني الثقة ويساعد الموظفين على فهم هدف استخدام الذكاء الاصطناعي، مما يقلل من مخاوف الخصوصية.

الحد من البيانات

لتقليل مخاطر الخصوصية، يجب على أصحاب العمل اتباع مبدأ الحد من جمع البيانات وجمع فقط البيانات الضرورية لمهام ووظائف الذكاء الاصطناعي. وتجنب جمع معلومات كثيرة لا تتعلق بشكل مباشر بغرض الذكاء الاصطناعي.

إن جمع البيانات غير الضرورية يفرض مخاطر الخصوصية ويزيد من تعقيد إدارة البيانات. ويمكن لأصحاب العمل الحد من نقاط الضعف المحتملة للخصوصية من خلال الحد من جمع البيانات إلى ما هو مطلوب بدقة.

التعريف المستعار أو تشفير هوية البيانات يعني استبدال المعلومات الشخصية القابلة للتحديد بأسماء مستعارة (شترستوك) التدريب والإرشادات

لضمان تفاعل الموظفين مع أنظمة الذكاء الاصطناعي بأمان ومسؤولية، يجب على أصحاب العمل توفير التدريب الكافي ووضع إرشادات واضحة لاستخدام منصات الذكاء الاصطناعي. ويشمل ذلك تثقيف الموظفين حول أفضل الممارسات لإدخال البيانات والتفاعل معها.

إخفاء هوية البيانات

يمكن أن يضيف إخفاء هوية بيانات الموظفين طبقة إضافية من حماية الخصوصية. ويتضمن إخفاء الهوية إزالة المعلومات الشخصية القابلة للتحديد من مجموعات البيانات التي يستخدمها الذكاء الاصطناعي، مما يجعل من المستحيل تحديد هوية الموظفين الأفراد.

التعريف المستعار

التعريف المستعار أو تشفير هوية البيانات يعني استبدال المعلومات الشخصية القابلة للتحديد بأسماء مستعارة، مما يضمن بقاء البيانات مفيدة للذكاء الاصطناعي من دون تحديد هوية الأفراد بشكل مباشر. يمكن أن تساعد هذه التقنيات في تحقيق التوازن بين فائدة البيانات للذكاء الاصطناعي وحماية الخصوصية.

تقييمات تأثير الخصوصية المنتظمة

يجب على أصحاب العمل إجراء تقييمات منتظمة لتأثير الخصوصية لتقييم تأثير الذكاء الاصطناعي على خصوصية الموظفين. وتتضمن تقييمات تأثير الخصوصية تحديد وتقييم المخاطر المحتملة المرتبطة بأنظمة الذكاء الاصطناعي وأنشطة معالجة البيانات الخاصة بها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أدوات الذکاء الاصطناعی أنظمة الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی الحد من

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يتنبأ بسكر الدم!

في خطوة رائدة نحو تحسين إدارة مرض السكري، أعلنت شركتا IBM وRoche عن تطوير حل ذكي مشترك يُعالج واحدة من أكثر التحديات الصحية تعقيدًا: العبء اليومي المستمر لمراقبة مستويات السكر في الدم.
جاءت النتيجة على شكل تطبيق مبتكر يحمل اسم Accu-Chek SmartGuide Predict، يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بمستويات الجلوكوز قبل حدوث التغييرات المفاجئة، ما يمنح المستخدمين فرصة استباق الأحداث واتخاذ قرارات صحية مبنية على التوقع لا رد الفعل.

تنبؤ بسكر الدم... كما تتنبأ بالأحوال الجوية
يأخذ التطبيق مفهوم مراقبة السكري إلى بُعد جديد، إذ لا يكتفي بإظهار مستوى السكر الحالي، بل يرسم خريطة لتوجهاته المستقبلية. تمامًا كما تعتمد على نشرة الطقس لتخطط ليومك، يمكنك الآن الاعتماد على هذا التطبيق للتخطيط لمستويات سكر في الدم خلال الساعات المقبلة.
ويعمل التطبيق بالتكامل مع جهاز الاستشعار المستمر للجلوكوز من Roche، حيث يعالج البيانات لحظيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي، ليمنح المستخدم رؤى دقيقة تساعده على تفادي التقلبات المفاجئة والخطيرة في مستويات الجلوكوز.

ثلاث ميزات رئيسية تحدث فرقًا حقيقيًا
يمتاز تطبيق SmartGuide Predict بثلاث وظائف رئيسية، كل منها يستهدف قلقًا شائعًا لدى مرضى السكري:
* Glucose Predict: ميزة تعرض تصورًا لمسار مستوى الجلوكوز خلال الساعتين المقبلتين، ما يمنح المستخدم وقتًا كافيًا لتعديل نظامه الغذائي أو أخذ جرعة إنسولين وقائية.
* Low Glucose Predict: بمثابة نظام إنذار مبكر، ينبّه المستخدم باحتمال حدوث انخفاض حاد في السكر قبل 30 دقيقة تقريبًا من وقوعه—وقت كافٍ لاتخاذ إجراء تصحيحي سريع.
* Night Low Predict: خاصية تُعد الأهم لكثير من المرضى، إذ تتنبأ بخطر انخفاض السكر أثناء النوم وهو أكثر الأوقات خطورة. التطبيق يقيم المخاطر قبل النوم ويقترح ما إذا كانت وجبة خفيفة ليلية ضرورية.
يقول موريتز هارتمان، رئيس قسم حلول المعلومات في شركة Roche: «من خلال تسخير قوة التكنولوجيا التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يمكن لتطبيق Accu-Chek SmartGuide Predict أن يمنح مرضى السكري قدرة أكبر على اتخاذ قرارات استباقية لإدارة حالتهم الصحية بثقة ووعي».

الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل أبحاث السكري
تتجاوز فوائد التعاون بين IBM وRoche الجانب العلاجي، لتصل إلى مجال الأبحاث السريرية. فقد طوّرت الشركتان أداة ذكية مدعومة بمنصة watsonx من IBM، تعيد تعريف كيفية تحليل البيانات في التجارب السريرية.
بدلًا من العمليات اليدوية البطيئة، تقوم الأداة الجديدة برقمنة وتصنيف وترجمة البيانات السريرية المجهولة الهوية، وربطها تلقائيًا بمعلومات أجهزة مراقبة السكر ونمط حياة المشاركين في الدراسة.
والحصيلة؟ اكتشاف أنماط وارتباطات دقيقة في وقت قياسي ما يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في فهم المرض وتطوير أساليب العلاج، وربما يكون أكثر تأثيرًا على المدى البعيد من التطبيق ذاته. 

تحالف فريد بين التكنولوجيا والصحة
يجمع هذا التعاون بين قوتين من عالمين مختلفين: خبرة IBM التقنية والذكاء الاصطناعي من جهة، وخبرة Roche في علوم الحياة والرعاية الصحية من جهة أخرى. وهو نموذج ناجح لتكامل الصناعات لخدمة احتياجات صحية حقيقية.
يقول هارتمان: «شراكتنا طويلة الأمد مع IBM تعكس الإمكانات الكبيرة للابتكار بين الصناعات في تقديم حلول فعّالة لاحتياجات صحية غير ملبّاة، وتسريع الوصول إلى نتائج علاجية أفضل».
وأضاف كريستيان كيلر، المدير العام لـIBM في سويسرا: «التعاون مع Roche يُبرهن على قوة الذكاء الاصطناعي عندما يُستخدم لهدف واضح: دعم المرضى في إدارة حالاتهم بشكل أفضل. نحن نوفر بيئة تقنية موثوقة، آمنة، ومخصصة تُعزز الابتكار في مجال الرعاية الصحية». 

دلالات الابتكار لمستقبل التكنولوجيا الصحية؟
بعد سنوات من متابعة التكنولوجيا الصحية، يمكن القول إن هذه الشراكة مختلفة. فهي لا تقدم وعودًا فضفاضة، بل تركز على حل واضح وملموس لمشكلة تؤثر على أكثر من 590 مليون شخص حول العالم يعيشون مع مرض السكري.
إنّ التحول من الإدارة التفاعلية إلى الإدارة التنبؤية لا يُعد مجرد تحسين، بل تغيير في قواعد اللعبة. فبدلًا من انتظار المشكلة، أصبح بالإمكان توقعها ومنعها. الذكاء الاصطناعي هنا لا يستبدل الإنسان، بل يزوّده بالمعلومة في الوقت المناسب ليحسن اتخاذ القرار.
التطبيق متاح حاليًا فقط في سويسرا، وهي خطوة مدروسة لاختبار فعالية النظام قبل تعميمه عالميًا. ومن المتوقع أن يتابعه قطاع الرعاية الصحية عن كثب.
إذا أثبتت هذه التجربة نجاحها، فقد تفتح الباب أمام حلول مشابهة لأمراض مزمنة أخرى، مثل أمراض القلب، الربو، أو حتى اضطرابات الجهاز العصبي كمرض باركنسون.
وفي الوقت الراهن، يبقى الهدف الأساسي هو منح مرضى السكري القدرة على عيش حياة أكثر راحة واستقرارًا حتى أثناء نومهم. وهو هدف إنساني نبيل، يستحق أن يُسخّر له الذكاء الاصطناعي بكل إمكاناته.

أخبار ذات صلة تعليم نماذج الذكاء الاصطناعي ما لا تعرفه "واتساب" يختبر ميزة إنشاء مساعد مدعوم بالذكاء الاصطناعي

مقالات مشابهة

  • هجوم حاد على راشد الماجد لاستخدامه الذكاء الاصطناعي في أغنيته الجديدة.. فيديو
  • جامعة القاهرة تتصدّر أبحاث الذكاء الاصطناعي في مصر بـ2,191 بحثًا
  • «شرطة دبي» تنظم ورشة تعريفية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي
  • خلال محاكمة.. الذكاء الاصطناعي يحيل إلى مرجع غير موجود
  • الذكاء الاصطناعي يتنبأ بسكر الدم!
  • تعليم نماذج الذكاء الاصطناعي ما لا تعرفه
  • نقابات العمال الأمريكية تبدأ معركتها ضد الذكاء الاصطناعي
  • احذر فخ الذكاء الاصطناعي: مشهد وهمي بتقنية Veo 3 يثير الجدل
  • هل يوجد الذكاء الاصطناعي جيلا مسلوب المهارات؟
  • كيف استخدمت السعودية الذكاء الاصطناعي في إدارة موسم الحج؟