"نساء بريئات وهو وحش".. كيف أخطأ التاريخ في تصوير هنري الثامن؟
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
في الفيلم الجديد Firebrand "فاير براند"، يقوم جود لو وأليشيا فيكاندر بدور هنري الثامن وزوجته السادسة، كاثرين بار، في إعادة صياغة للطريقة التي قدم بها التاريخ والثقافة هذا الملك.
ولا جدال في أن هنري الثامن هو الملك الذكر الأكثر شهرة في بريطانيا، ويمكن التعرف عليه على الفور من خلال الصورة الشهيرة التي رسمها هانز هولباين الأصغر، حيث يحدق هنري الضخم والمغطى بالجواهر في المشاهد بعينيه البنيتين الثاقبتين، ومع ذلك، كان من الصعب فك شفرة الرجل الذي يقف وراء تلك العيون، والذي تخلى عن زوجتين وأمر بإعدام اثنتين أخريين، على الرغم من أن الكتب والأفلام والتلفزيون حاولت بالتأكيد، وأحدثها هو فيلم Firebrand، بطولة جود لو في دور هنري الثامن وأليشيا فيكاندر، في دور زوجته السادسة كاثرين بار، وفق "بي بي سي".
والفيلم مبني على كتاب إليزابيث فريمانتل لعام 2013 Queen's Gambit، والذي يُروى من وجهة نظر بار، وفي الفيلم، هنري بدين، بالكاد يستطيع المشي دون مساعدة، ولديه ساق متعفنة بسبب جرح في المبارزة أصيب به قبل 10 سنوات (حقيقة تاريخية)، كما أنه يسيء جسدياً وعاطفياً لزوجته السادسة، ويضع أصابعه في أفواه النساء، ويفحصهن، كلما أراد، والفيلم - الذي يتردد صداه مع كاثرين بار - مبني بشكل فضفاض على حقيقة تاريخية أخرى: في مرحلة ما، وقع هنري على مذكرة اعتقال كاثرين بار، ولقد انعكس في التاريخ كنوع من الظلال.
ويقول المخرج البرازيلي لفيلم Firebrand، كريم عينوز، إنه أراد إلهاماً معاصراً لهذه النسخة من هنري، ويقول عينوز: "كان دونالد ترامب أحد الأوائل، لكن الأمر لا يقتصر عليه فقط، أعتقد أن هنري هو مزيج من رجل كان في السلطة لفترة طويلة، كنت أحاول تقريباً تشريح جثته، من المهم للغاية بالنسبة لي أن أفهم أن الناس لا يولدون هكذا، وأن الناس يصبحون هنري، وكانت عملية مثيرة للاهتمام لأنه لم يكن بطريركاً عظيماً فحسب، بل تم تشبيهه أيضاً بزعيم مافيا، وأعتقد أن الطريقة التي تم بها تنظيم الملكيات في تلك الحقبة من التاريخ كانت تشبه المافيا".
نساء و"رجل لكل المواسم"
وزيجاته كانت محل وجدل واستخفاف أحياناً.
وكان أقدم تصوير على الشاشة لهنري وزوجاته ينغمس أيضاً في الصور النمطية الجنسانية: زوجة هنري الرابعة، آن كليفز، تجعل نفسها تبدو غير جذابة حتى يتخلص منها، بينما تظهر الزوجة الخامسة كاثرين هوارد، التي كانت مراهقة عندما أعدمها، طموحة، وكاثرين بار، الزوجة السادسة التي عاشت بعده، تهيمن على الملك.
وقد تظهر تفسيرات أخرى معروفة لهنري الثامن على الشاشة، مثل روبرت شو في فيلم "رجل لكل المواسم" (1966) أو كيث ميتشل في مسلسل تلفزيوني على هيئة الإذاعة البريطانية في السبعينيات بعنوان "هنري الثامن وزوجاته الست"، في حالة ميتشل، كشخصية ضخمة وقاسية في وقت لاحق من حياته، ولكن بدون ذلك الشعور بالخوف الذي يصوره فيلم "فايربراند".
وفقاً لمؤلفة Queen's Gambit إليزابيث فريمانتل، فإن إعادة صياغة هنري الثامن في الثقافة ترجع إلى إعادة تقييم النساء في التاريخ. تقول لبي بي سي: "على الرغم من أننا نعرف ما حدث لبعض هؤلاء النساء، أعتقد أنه كان هناك اتفاق صامت ثقافياً على أننا سننظر إليهن على أنهن مذنبات بطريقة ما، عندما كنت أبحث عنه، نظرت إلى جميع صوره، لكن كان هناك بريق ما، وأعتقد أن هذه الصورة التي ارتبطت به قد تلاشت الآن، إذ أعتقد أننا ننظر إليه بعين مختلفة لأنه يتناسب مع الطريقة التي ننظر بها إلى معاملة الرجال للنساء، لقد تغيرت صورته مع تغير ثقافتنا".
وأضافت: "والآن يقوم العديد من المؤرخين بعمل رائع، في استكشاف تلك القصص والنظر في محاكمات آن بولين وكاثرين هوارد، ويرون أنهما واجهتا اتهامات ملفقة، كانت هاتان المرأتان بريئتان، وكان هو وحشاً".
كانت زوجة هنري الثانية، آن بولين، هي الأكثر شهرة بين الزوجات (حتى أن لديها أوبرا من القرن التاسع عشر تحمل اسمها)، وقد يعود ذلك جزئياً، إلى الاهتمام الشديد بوفاتها (أعدمها في عام 1536)، ولكن كمجموعة جماعية، أصبحت الزوجات أنفسهن رموزاً في الآونة الأخيرة، ويرجع هذا جزئياً إلى المسرحية الموسيقية الناجحة "ستة"، التي لا تظهر فيها حتى شخصية الملك هنري الثامن على المسرح، كما يتجلى أن هناك شهية جديدة لقصصهن، على النقيض من قصصه، كما في المعرض الوطني للصور في لندن بعنوان "ست حيوات"، والذي يضم تفسيرات فوتوغرافية حديثة للنساء فضلاً عن صورهن التي تعود إلى عصر تيودور.
ويمنح فايربراند الملكة كاثرين صوتاً، ويقدم نسخة جديدة من الملك هنري الثامن، ربما في ضوء سلوكه المسيء تجاه النساءـ إنه يثير الاشمئزاز، ويجعل المقربين منه ينفرون منه في رعب، وهو شيء صممه أينوز في المجموعة من خلال إنشاء رائحة مروعة ليرتديها لو لتمثيل رائحة ساق الملك المتقيحة.
ويقول لو: "إنه يتعفن حرفياً، وعاطفياً أيضاً، فهو محروم لأنه غير محبوب نوعاً ما، وهو يعلم أن الموت على وشك الحدوث".
ولكن هناك شفقة هنا أيضاً، كما يعتقد لو، وذلك لأن جزءاً من مأساة الملك الشخصية هو أنه كان يُعتبر ذات يوم رجلاً مرغوباً، ولا يزال من الممكن رؤية تلك النسخة الأصغر والأكثر جاذبية من هنري في صور مثل "Wolf Hall" على شاشة التلفزيون، حيث يلعب داميان لويس دوره، أو في مسلسل "The Tudors"، الذي جسده جوناثان رايس مايرز، أو إريك بانا في فيلم "The Other Boleyn Girl" لعام 2008، والواقع أن المؤرخين لاحظوا أن الملك الشاب الذي تولى العرش الإنجليزي في سن الثامنة عشرة كان ذكياً ورياضياً وموهوباً، ومثقفاً ومتمكناً. وكان زواجه الأول من كاثرين من أراغون سعيداً للغاية حتى أصبح مهووساً بفكرة وجود وريث ذكر للعرش.
وقول لو: "ولذلك، عندما ننظر إلى تلك الصور الأصغر سناً ونشعر بالأسف الذي لابد أنه شعر به، ذلك الشعور بكراهية الذات، عندما ينظر إلى الوراء ويفكر، (آه ما كنت عليه) أعتقد أنني أردت إخراج ذلك فيه، وجعله ثلاثي الأبعاد، ولم أكن أريد فقط أن ألعب دور الرجل الشرير الذي يحمل فخذ دجاجة في يده."
ذلك وسيصدر فيلم Firebrand في المملكة المتحدة وأيرلندا في 6 سبتمبر (أيلول) 2024.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سينما ومسرح ثقافة وفنون أعتقد أن
إقرأ أيضاً:
نساء غزة.. فقد وألم وحياة مأساوية لا تنتهي
بكاء الأطفال الذين يرغبون في الحصول على الطعام أجبر جدتهم أم محمد (54) عامًا للعودة إلى منزلها شمال قطاع غزة الذي نزحت منه قبل شهر بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل على تلك المنطقة، مشيًا على الأقدام سارت أم محمد مسافة تقدر بـ7 كيلومترات حتى وصلت منزلها الذي تحول إلى ركام، دقائق حتى حاصرتها طائرات الكوادكابتر ومنذ ذلك الحين لم تعلم عنها العائلة شيئًا.
تقول ابنتها ولاء: «اضطرت أمي للخروج من بيت لاهيا دون جلب أي شيء، خرجت بسرعة برفقة أختي التي وضعت طفلًا إلى غزة، عشنا داخل مخيم في منطقة الميناء، ما إن سمعت أمي بعودة البعض إلى الشمال حتى ذهبت معهم من أجل الحصول على ما تبقى من طعام لإطعام أحفادها الذين يعانون كغيرهم من سوء التغذية بسبب المجاعة».
على مقربة منا يجلس زوجها أبو محمد ممسكًا بهاتفه الذي كان يرن، كان هناك شخصًا يبلغه أن الشاب الذي رافق زوجته أثناء عودتها للشمال قد استشهد بسبب قنبلة أصابته بشكل مباشر فيما بقيت الأخبار مجهولة عن زوجته التي لا يُعرف مصيرها حتى اللحظة، مجموعة من النسوة من أخوات وبنات وأقارب زوجته يترقبن الأخبار بالدموع والأسى على مصيرها المجهول.
كان أبو محمد يداري دموعه عندما أخبرني قائلًا: «ناشدت كل المؤسسات والصليب الأحمر الدولي، والدفاع المدني الفلسطيني، والهلال الأحمر الفلسطيني، ومنظمة الصحة العالمية وكل المؤسسات من أجل معرفة مصير زوجتي لكن دون جدوى، لم يتمكن أحد من الوصول إلى منزلنا وأصبحت زوجتي التي عشت معها أكثر من خمسة وثلاثين عامًا في عداد المفقودين.
أصبحت الحياة في قطاع غزة مستحيلة بسبب تداعيات الحرب التي دخلت شهرها العشرين دون توقف، هذه الحرب دمرت البنية التحتية والمستشفيات والمباني والمدارس والجامعات والمرافق العامة، لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بذلك بل تعمد الاستمرار في إبادته الجماعية للبشر والمرافق الزراعية والحيوانية والبيئية فيما تفشت الأمراض بأنواعها المختلفة وغطت مياه الصرف الصحي معظم الأماكن التي بدورها تسببت في انتشار الأمراض المعدية بين النازحين الذين يعيشون حياة مأساوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
بدأت سميرة علي (34) عامًا، النازحة من مدينة بيت حانون بغزة إلى أحد مراكز الإيواء غرب مدينة غزة: «يختلف عن أقرانه من اﻷطفال، في الجري واللعب، خاصةً في الصيف، هذا الفصل الذي يؤثر عليه «كان هذا الحديث عن معاناة ، عمر (8 أعوام)، استرسلت في الحديث عن فرص نجاة طفلها المصابَ بمرض وباء الكبد نوع B منذ صغره، ورحلة مرضه وعجز العائلة النازحة عن تأمين علاج الطفل في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة.
تقول سميرة: «بدأت القصة منذ أن عانى عمر، من وهن شديد وارتفاع في درجات الحرارة وبكاء مستمر. حينها، لم يكن يتجاوز عمره الأربع سنوات، انطلقت به إلى قسم الأطفال بمشفى النصر للأطفال بغزة لطلب العلاج، وفور وصولنا طلب الطبيب بعد الكشف عليه بعض التحاليل، بعدها كانت الصدمة كبيرة عندما أخبرنا الطبيب بأن أحمد مصاب بالتهاب الكبد الوبائي نوع B نشط، وهو مرض لم أسمع به من قبل- ويلزمه مغذٍّ وطعام خاص وعلاج مستمر واستخدام أدوات خاصة وعدم المخالطة مع الأطفال خصوصًا فيما يتعلق بالأكل، بالإضافة إلى طرق عديدة للتعامل مع هذا الفايروس النشط الذي ممكن أن ينتقل من شخص لآخر، كنت أتبع التعليمات بشكل كبير حيث يتوفر العلاج المجاني داخل المستشفى».
وأردفت قائلة: «أثناء فترة العلاج عندما شاهدت الإبر تُغرز في أوردة ابني، لم أستطع التحمل أبدا، وكدت أن أنهار تماما أمام بعض المواقف، خاصةً عندما تعثّر المُمَرضون في العثور على وريد في يديه، واضطروا إلى وضع الأدوية عن طريق وريد في الساق حسبتها مرةً واحدةً وسينتهي العذاب، لكن فاجأني الطبيب بقوله: إنه يجب أن يتلقى هذا العلاج شهريا».
وتضيف سميرة: «أول سؤال وجهه إليّ الطبيب: هل أنت متزوجة من قريب لك؟ وكم عدد أولادك؟ لأجيبه بأن زوجي يكون ابن عمي، وأن لدي ثلاثة أطفال، فطلب مني إجراء تحاليل لأبنائي».
دموعها انهمرت عندما أخبرتني بالتفاصيل: «عندما أجريت التحاليل، كان ابني أحمد حاملا للمرض، أما ابنتي سلمى فقد كانت سليمة، أوضحت التحاليل بأنني مصابة والناقلة الأساسية للمرض، لكن لا يبدو أي تأثير على صحتي إلى اليوم، يطلق على نوع الكبد الوبائي الذي يصيبني بالخامل».
وبينما كانت سميرة تتحدث، كان أحمد وعمر يجلسان على كرسي يتناولان بعض الأطعمة، يتسع مقعدها لشخص واحد فقط، ولكن نظرا إلى صغر جسديهما بالنسبة إلى عمرهما، فإن الأمر سهل ليجلسا معا بسبب نقص الطعام والمجاعة المنتشرة.
تقول سميرة: «لا توجد أدوية متوفرة اليوم، أحتاج إلى أدوات نظافة وماء جار، الخيمة التي نعيش فيها صغيرة وسيئة التهوية، أصبحت مناعة أطفالي ضعيفة جدا بسبب قلة الطعام الصحي وعدم تناول الفواكه واللحوم والبيض والخضروات، أخشى أن أفقد أبنائي بسبب استمرار الحرب والتجويع، عندما أسمع عن موت الأطفال من سوء التغذية أصاب بنوبات بكاء مستمر وخوف شديد، من حق أطفالي الصغار العيش بكرامة وتناول ما يشتهونه من طعام، يارب تنتهى الحرب يارب».
ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية فإن عدد الشهداء قد وصل إلى 54,880 شهيدًا و126,227 إصابة منذ السابع من أكتوبر لعام 2023م.
أما وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة فقد أصدرت بيان تحذر فيه من خطورة وقف دخول المساعدات الإنسانية واستمرار إغلاق المعابر على قطاعي المرأة والطفل والقدرة على حمايتهم وتوفير سبل الرعاية لهم في قطاع غزة، الأمر الذي سيفاقم من معاناة الأطفال والنساء ويعرض حياتهم للخطر الشديد نتيجة نقص الاحتياجات الأساسية وأدنى متطلبات الحياة، لاسيما أن قطاعي النساء والأطفال يشكلان 70% من ضحايا العدوان وحرب الإبادة الجماعية، حيث بلغ عدد الشهيدات 12,316 من إجمالي 48,346 شهيدا حتى تاريخه.
كما أوضح البيان أن نسبة الجرحى من النساء والأطفال تشكل 69% من إجمالي الجرحى البالغ عددهم 111,759 جريحا، بالإضافة إلى أن 70% من المفقودين في قطاع غزة
نتيجة العدوان الإسرائيلي هم من النساء والأطفال، حيث بلغ عددهم 14,222 مفقودا.
أما التقارير الصادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان فقد أشارت إلى أن ما يقارب مليونَيْ شخص اضطروا للنزوح من منازلهم خلال الحرب على القطاع، نصفهم من النساء والأطفال ومن المتوقع وفقا للتقارير أن تلد ما يقدر بنحو (50) ألف امرأة حامل في غزة في ظروف مزرية على نحو متزايد في حين أنه تم استهداف الأطفال والنساء، فكان من بين الشهداء 17881 طفلا، منهم 214 رضيعا ولدوا وماتوا خلال العدوان، وتيتم أكثر من 38 ألف طفل منهم 17 ألف طفل فقدوا كلا الوالدين، فيما قتل الاحتلال 12316 امرأة في حين أشارت التقارير إلى أن هناك أكثر من 690 ألف امرأة وفتاة في فترة الحيض لا يحصلن إلا بشكل محدود على منتجات النظافة الخاصة بالدورة الشهرية.
إن ما يشهده قطاع غزة من استمرار للكارثة الإنسانية وحرب الإبادة يستدعي من كافة المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية إلى ضرورة توفير دخول الدواء والغذاء وكافة الاحتياجات الإنسانية الضرورية لأهالي قطاع غزة وأهمها احتياجات النساء والأطفال، كما أصبح هناك ضرورة وقوف المجتمع الدولي أمام مسؤولياته والخروج من دائرة الصمت والإدانة إلى دائرة القرار والالتزام بتنفيذ ما أصدره من مرجعيات دولية للقانون الدولي الإنساني في إطار الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، لوقف الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني وتوفير الحماية الدولية والضغط على الاحتلال بفتح المعابر وإدخال الاحتياجات الإنسانية.