أعلنت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، أمس، عن إنجاز تاريخي لدولة الإمارات مع التشغيل التجاري للمحطة الرابعة ضمن محطات براكة للطاقة النووية، وبذلك تكون هذه هي المرة الأولى التي تعمل فيها المحطات الأربع بشكل كامل.
أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة، مضي الإمارات في رحلتها نحو تحقيق هدف الحياد المناخي.


أمن الطاقة
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، عبر منصة «إكس»: «مع بدء العمليات التشغيلية في المحطة الرابعة من محطات براكة للطاقة النووية، تخطو دولة الإمارات خطوة مهمة أخرى في رحلتها نحو تحقيق هدف الحياد المناخي، وسنواصل إعطاء الأولوية لأمن الطاقة واستدامتها لما فيه خير الإمارات وشعبها، حاضراً ومستقبلاً».
فخر عربي
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، عبر منصة «إكس»: «أكملت اليوم بحمد الله، محطات براكة للطاقة النووية التشغيل التجاري الكامل لمحطاتها.. براكة للطاقة النووية ستوفر 25٪ من احتياجات الدولة من الكهرباء.. براكة للطاقة النووية أكبر مصدر للطاقة النظيفة في المنطقة..».
وأضاف سموه: «براكة للطاقة النووية أضافت أكبر نسبة كهرباء نظيفة للفرد في السنوات الخمس الماضية على مستوى العالم، 75% منها تنتجها محطات براكة»، لافتاً سموه إلى أن «براكة للطاقة النووية ستحد من انبعاث 22 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً، بما يعادل إزالة 4.8 مليون سيارة من الطرقات..». 
وأكد سموه أن «براكة للطاقة النووية رؤية وقرار ومشروع محمد بن زايد، حفظه الله... إنجاز إماراتي.. وفخر عربي.. وإضافة عالمية لحماية الكوكب..».
مستقبل أفضل
وأكد سمو الشيخ منصور بن زايد أن تشغيل المحطة الرابعة في براكة خطوة مهمة نحو تعزيز أمن الطاقة وحماية البيئة.
وقال سموه في تغريدة عبر منصة «إكس»: تشغيل المحطة الرابعة في براكة خطوة مهمة نحو تعزيز أمن الطاقة وحماية البيئة..هذا الإنجاز يجسد التزام دولة الإمارات بنهجها في مجال الاستدامة وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
إنجازاً استثنائياً


أكد سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي مستشار الأمن الوطني، الخميس، أن دولة الإمارات حققت إنجازاً استثنائياً في التحول نحو مصادر الطاقة الصديقة للبيئة مع بدء العمليات التشغيلية للمحطة الرابعة من محطات براكة للطاقة النووية.
وقال سموه في تغريدة على منصة «إكس»: «حققت دولة الإمارات اليوم إنجازاً استثنائياً في التحول نحو مصادر الطاقة الصديقة للبيئة مع بدء العمليات التشغيلية للمحطة الرابعة من محطات براكة للطاقة النووية».
وأضاف سموه: «يمثل مشروع براكة إحدى الركائز الأساسية للتنمية المستدامة من خلال تلبية احتياجات القطاعات المختلفة، ودعم النمو الاقتصادي المتنامي في دولة الإمارات، وتأمين مستقبل مشرق للأجيال القادمة».
إنجاز تاريخي


وقال سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، عبر منصة «إكس»: «التشغيل التجاري للمحطة الرابعة من محطات براكة للطاقة النووية هو إنجاز تاريخي لجهود دولة الإمارات، المحلية والدولية، الرامية لخفض البصمة الكربونية وتحقيق الحياد المناخي. نبارك للسواعد التي حققت هذا الإنجاز ونتطلع لمزيد من النجاحات».
إدارة المشاريع النووية
ويتصف مشروع محطات براكة، بأنه أحد أنجح مشاريع الطاقة النووية الجديدة، في السنوات الثلاثين الماضية، فهو نموذج عالمي في إدارة المشاريع النووية، كما يعد مرجعاً لجميع الدول التي تسعى لتطوير مشاريع طاقة نووية سلمية، ويؤكد مشروع محطات براكة التزام دولة الإمارات بأعلى معايير السلامة، والأمن، والشفافية.
وتنتج محطات براكة الأربع الآن 40 تيراواط في الساعة من الكهرباء سنوياً، وما يصل إلى 25% من احتياجات دولة الإمارات من الكهرباء، من دون انبعاثات كربونية، وهو ما يكفي احتياجات 16 مليون سيارة كهربائية، وبالتالي أصبحت المحطات أكبر مساهم في خفض البصمة الكربونية في الدولة والمنطقة، حيث تحد محطات براكة من 22.4 مليون طن من الانبعاثات الكربونية كل عام، ما يعادل إزالة 4.6 مليون سيارة من الطرق سنوياً.
كما توفر محطات براكة عوائد اقتصادية كبيرة ومتعددة، حيث انخفض استهلاك الغاز الطبيعي لإنتاج الطاقة في أبوظبي إلى أدنى مستوى له منذ 13 عاماً، على الرغم من الطلب المتزايد، بسبب المساهمة الكبيرة لمحطات براكة في مزيج الطاقة1 في أبوظبي.
وتقوم محطات براكة بدور رئيسي في مساعدة الشركات الإماراتية على خفض بصمتها الكربونية، لا سيما وأن 85% من الكهرباء في برنامج شهادات الطاقة النظيفة التابعة لشركة الإمارات للمياه والكهرباء تُنتجها محطات براكة، والتي تستخدمها شركات، مثل «أدنوك»، و«الإمارات العالمية للألمنيوم»، و«حديد الإمارات أركان»، لإنتاج منتجات صديقة للبيئة يمكن بيعها بأسعار تنافسية للشركات التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها.
ولقد أسهمت محطات براكة في تطوير قطاع متقدم وجديد في دولة الإمارات، وتعزيز الدراسات المحلية في العلوم النووية، إلى جانب توفير فرص تعليمية وتدريبية للشباب الإماراتي، حيث شارك في تطوير المحطات حتى الآن أكثر من 2000 من الكفاءات الإماراتية، إضافة لمنح عقود للشركات المحلية تجاوزت قيمتها 22.5 مليار درهم، ما أسهم في تعزيز القيمة المحلية المضافة.

الصورة


نهج مدروس
وبهذه المناسبة، قال خلدون خليفة المبارك، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإمارات للطاقة النووية: «في عام 2008، اتخذت القيادة الرشيدة نهجاً مدروساً من خلال إصدار سياسة شاملة لتطوير الطاقة النووية السلمية في دولة الإمارات، لتعزيز جهودها في الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة. والآن مع التشغيل التجاري للمحطة الرابعة في براكة، تحققت هذه الرؤية، حيث تنتج محطات براكة الأربع 25% من احتياجات الدولة من الكهرباء، ما يعزز المكانة الريادية للدولة في ما يتعلق بتطوير الطاقة النووية السلمية على مستوى العالم، وتعد الطاقة النووية من القطاعات الجاذبة للصناعات العالمية التي تتطلب كميات ضخمة من الكهرباء».
ومن جهته، قال محمد إبراهيم الحمادي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية: «نفخر في المؤسسة بهذا الإنجاز الكبير لدولة الإمارات، ونثمن الدعم المستمر من القيادة الرشيدة الذي مكننا من تطوير مصدر جديد للطاقة النظيفة في الدولة، والتي أضافت مزيداً من نصيب الفرد من الكهرباء النظيفة خلال السنوات الخمس الماضية، على مستوى العالم، أكثر من أي دولة أخرى. وتم إنتاج 75% من هذه الكهرباء من محطات براكة2، ما يؤكد أن إضافة الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة في الدولة إلى جانب المصادر المتجددة كان قراراً استراتيجياً، يعزز أمن الطاقة، ويرسخ الدور الريادي الإقليمي للدولة في هذا القطاع المتنامي».
وأضاف الحمادي: «أصبحت محطات براكة نموذجاً عالمياً جديداً، يؤكد أن الطاقة النووية مُجدية اقتصادياً، ويمكن تطويرها بكفاءة، حيث بدأت مرحلة التشغيل التجاري لمحطات براكة في غضون ثماني سنوات، من بداية صب الخرسانة إلى تحميل الوقود، مع تسريع الجدول الزمني في المحطة الرابعة مقارنة بالأولى منذ بدء الجاهزية التشغيلية إلى التشغيل التجاري بنسبة 40%».

الصورة


وتابع: «أود أن أشكر فريق العمل الذي عمل بشكل متواصل لتطوير المعارف النووية التي مكنتنا من تحقيق هذا الإنجاز. وبفضل الخبرات التي لدينا الآن، أصبحت المؤسسة في وضع يمكنها من المضي قدماً نحو المرحلة التالية من النمو لتحقيق أهداف البرنامج النووي السلمي الإماراتي، بما في ذلك عقد الشركات وتطوير المزيد من مشاريع الطاقة النووية الجديدة والاستثمار فيها، محلياً وخارجياً، ما يمثل نقلة نوعية لقطاع الطاقة النووية في الدولة».
بدوره، قال ناصر الناصري الرئيس التنفيذي لشركة براكة الأولى، التابعة للمؤسسة والتي تشرف على الشؤون المالية والتجارية لمحطات براكة: «تنتج محطات براكة اليوم ربع احتياجات دولة الإمارات من الكهرباء على نحو موثوق وفعّال، ما يوفر إمدادات مستقرة من الطاقة لمدة 60 عاماً، ويحد من تقلبات الأسعار، وبالتالي فإن ذلك يعد منصة مهمة لمنتجي الطاقة في دولة الإمارات لبناء خططهم المستقبلية، ما يسلط الضوء على إحدى الفوائد الرئيسية لمحطات الطاقة النووية الحديثة. وإلى جانب أحد أعلى معدلات العائد على الاستثمار في الطاقة من بين مصادر الطاقة الأخرى، تضمن محطات براكة توفير عوائد كبيرة للأجيال القادمة».

الصورة


نموذج عالمي
إلى ذلك، قال المهندس علي الحمادي، الرئيس التنفيذي لشركة نواة للطاقة، التابعة لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية، والمكلفة بتشغيل وصيانة محطات براكة بشكل آمن: «إن انضمام المحطة الرابعة في براكة إلى المحطات الثلاث الأخرى، يعد إنجازاً تاريخياً يوفر الكهرباء النظيفة والموثوقة لدولة الإمارات، ونحن ملتزمون بمواصلة الالتزام باللوائح والمعايير كأولوية قصوى، مع التركيز بالكامل على التشغيل والصيانة على نحو موثوق وآمن، سعياً لتحقيق التميز التشغيلي».
وتابع: «خضعت محطات براكة وفرق العمل ل496 عملية تفتيش من قبل الهيئة الاتحادية للرقابة النووية، و84 مراجعة من قبل المنظمة الدولية للمشغلين النوويين، و15 مهمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يدل على التزامنا بأعلى المعايير والتميز التشغيلي، وفقاً للوائح المحلية ومعايير السلامة العالمية. وقد أصبحت محطات براكة نموذجاً عالمياً في قطاع الطاقة. وأشيد بكل من ساهم في هذه المسيرة».
يأتي اكتمال التشغيل التجاري لمحطات براكة الأربع، وسط تنامي الإدراك العالمي للدور المحوري للطاقة النووية في خفض البصمة الكربونية لأنظمة الطاقة، وتحقيق الحياد المناخي، لا سيما وأن وكالة الطاقة الدولية ترجح ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء بمعدل أسرع على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وبما يصل إلى 3.4% سنوياً حتى عام 2026.
ويعزز هذا الإعلان من مكانة مؤسسة الإمارات للطاقة النووية ودولة الإمارات العربية المتحدة، في ما يخص الجهود الرامية إلى مضاعفة الطاقة النووية ثلاث مرات، ما سيكون ضرورياً لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء النظيفة، الناتج عن النمو المستمر في مجال الذكاء الاصطناعي، والبنية الأساسية لمراكز البيانات المطلوبة للذكاء الاصطناعي، إلى جانب مرافق أشباه الموصلات.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الإمارات مؤسسة الإمارات للطاقة النووية الرابعة من محطات براکة للطاقة النوویة الإمارات للطاقة النوویة السمو الشیخ محمد بن فی دولة الإمارات الرابعة فی براکة التشغیل التجاری بن زاید آل نهیان الطاقة النوویة الحیاد المناخی للمحطة الرابعة المحطة الرابعة إنجاز تاریخی مصادر الطاقة من الکهرباء هذا الإنجاز أمن الطاقة من الطاقة فی الدولة عبر منصة إلى جانب

إقرأ أيضاً:

المشاريع النووية الجديدة وإعادة تشكيل سياسات الطاقة في أفريقيا

سياسات الطاقة في أفريقيا.. قراءة في المسار النووي وصعود التجربتين الرواندية والسنغالية

في سياق تطور سياسات الطاقة في أفريقيا، يتضح أن التحول الجاري لا ينبع من أزمة انقطاع الكهرباء فحسب؛ بل من فجوة تتسع بين طموح دول تسعى إلى نمو صناعي مستقر، ومنظومات إنتاج هشة ترهقها ضغوط التحضر والتقلبات المناخية.

ومع تصاعد هذا الاختلال البنيوي، عاد الخيار النووي تدريجيا إلى المشهد، ليس بصفته بديلا مباشرا للوقود الأحفوري؛ ولكن كأحد الخيارات النادرة القادرة على توفير إمدادات مستقرة منخفضة الانبعاثات، في لحظة تعجز فيها الأدوات التقليدية وحدها عن دعم العقد المقبل من التنمية الأفريقية.

وقد ساعد صعود المفاعلات الصغيرة المعيارية (Small Modular Reactors -SMRs)، إلى جانب تنوع موردي التقنية بين الشرق والغرب، في فتح الباب أمام دول لم تكن قادرة سابقا على التفكير في البرامج النووية واسعة النطاق.

وفي هذا السياق، اكتسب إعلان رواندا والسنغال في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 عن انضمامهما إلى التعهد الدولي لمضاعفة القدرة النووية ثلاث مرات بحلول 2050 قيمة تتجاوز البعد البروتوكولي؛ فهو يشير إلى إعادة ترتيب أعمق داخل حسابات الطاقة في القارة.

وتبدو دلالة هذه اللحظة أكثر وضوحا حين نتذكر أن علاقة أفريقيا بالمجال النووي بدأت في وقت مبكر مع تشغيل الكونغو الديمقراطية أول مفاعل بحثي عام 1959، ثم تتابعت طبقات متعددة من المحاولات بين مصر، وجنوب أفريقيا، والجزائر، وليبيا، وغانا، ونيجيريا، والمغرب، وغيرها.

وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل، بقي معظم المسار النووي الأفريقي حبيس الطموح أو البحث العلمي، دون أن يتحول إلى قدرة إنتاجية واسعة باستثناء تجربتي مصر، وجنوب أفريقيا.

اليوم، ومع اتساع ضغوط الطلب الصناعي والسكاني، تبدو القارة أقرب من أي وقت مضى إلى إعادة صياغة موقع النووي داخل مزيج الطاقة، بوصفه جزءا من مشروع أوسع لإعادة بناء منظومات الإمداد لا مجرد خيار تقني منفصل.

إعلان

وعليه، يسعى هذا المقال إلى قراءة المشهد النووي الأفريقي من خلال ثلاثة محاور رئيسة، وهي: الخريطة التاريخية للمسار النووي الأفريقي، ثم تحركات رواندا، والسنغال داخل خارطة النووي المدني، وأخيرا اختبار الجاهزية المؤسسية والإجرائية لإدارة المشاريع النووية.

سياسات الطاقة في أفريقيا: الخريطة التاريخية للمسار النووي

حين يتتبع المرء جذور المسار النووي في أفريقيا، يكتشف أنه لم يبدأ كمشروع طاقة بالمعنى الضيق؛ بل كجزء من رؤية واسعة الأفق لبناء الدول الحديثة واستعادة سيادتها العلمية في حقبة ما بعد الاستعمار.

هكذا جاءت مصر في منتصف الخمسينيات لتعلن عن أول برنامج نووي وطني في القارة (1954)، وتؤسس هيئة الطاقة الذرية (1955م)، في خطوة لم تكن تقنية فقط؛ بل سياسية بامتياز؛ حيث هدفت إلى إدخال الدولة في نادي المعرفة النووي.

ومع ذلك، فإن الكونغو الديمقراطية، التي كانت آنذاك تحت الإدارة البلجيكية، سبقت الجميع في تشغيل أول مفاعل فعلي على الأراضي الأفريقية عبر مشروع TRICO-I عام 1959، وهو ما شكل منذ البداية تباينا بين أسبقية الإعلان وأسبقية التشغيل، وكشف عن تداخل الطموح الوطني بالتحكم الاستعماري في التكنولوجيا.

وفي الستينيات والسبعينيات، بدأت ملامح الخريطة النووية تتسع تدريجيا، فقد دشنت جنوب أفريقيا مفاعل الأبحاث SAFARI-1 (1965)، الذي تحول لاحقا إلى أحد أهم مصادر النظائر الطبية في العالم، فيما واصلت الكونغو تعزيز قدراتها عبر مشروع TRICO-II (1972).

ويلاحَظ في هذه المرحلة، أن المفاعلات لم تبنَ لأغراض إنتاج الكهرباء؛ ولكن كانت مؤسسات بحثية جامعية تعطي الدول الناشئة فرصا للحاق بالعصر الذري، حتى إن لم تملك بعد القدرة المؤسسية أو المالية لبرامج أكبر.

غير أن التحول الأكبر جاء مع مشروع كوبرغ (1976-1984)، أول محطة كهرباء نووية في أفريقيا، والذي رسخ موقع جنوب أفريقيا بوصفها صاحبة التجربة الأكثر اكتمالا في القارة.

وقد تزامن هذا التطور المدني مع مسار آخر ظل طي الكتمان لفترة طويلة، وهو برنامج الأسلحة النووية الذي طورته بريتوريا خلال السبعينيات والثمانينيات، وانتهى بإنتاج ست قنابل قبل أن يفَكك ويُتخلى عنه مطلع التسعينيات. وبهذا، أصبحت جنوب أفريقيا الدولة الأفريقية الوحيدة التي امتلكت سلاحا نوويا ثم تخلت عنه.

ومع اتساع الاهتمام الإقليمي، دخلت دول شمال أفريقيا على الخط، فشغلت ليبيا مفاعل IRT-1 (1981)، وبدأت لاحقا محاولات تخصيب سرية انتهت بالتخلي عنها عام 2003.

وافتتحت الجزائر مفاعلي "نور" و"السلام" اللذين أثارا نقاشا دوليا حول إمكان استخدامهما في إنتاج البلوتونيوم قبل أن يثبت خضوعهما لضمانات الوكالة الدولية. أما مصر فاستكملت بنيتها البحثية عبر مفاعل ETRR-2 عام 1997؛ لتصبح صاحبة أكثر البنى التحتية تنوعا في العالم العربي.

ومع بداية العقدين الأخيرين، انفتحت الخريطة النووية على غرب أفريقيا، فقد دشنت غانا أول مفاعل لها عام 1994، ثم تبعتها نيجيريا عام 2004، والمغرب عام 2007؛ لتصبح المعرفة النووية موزعة جغرافيا بدلا من احتكارها من ثلاث أو أربع دول فقط.

ومع دخول القرن الـ21، تغير السياق جذريا، فقد بدأت سياسات الطاقة في أفريقيا تتعامل مع المشاريع النووية كأحد الخيارات القليلة القادرة على معالجة فجوة الكهرباء، وتوفير إمدادات مستقرة للصناعة، وتقليل الانبعاثات في ظل ضغط التحول الطاقي العالمي، وليس كرمز سيادي أو مشروع بحثي منفصل.

إعلان

وهكذا، أعادت مصر إحياء مشروعها الكبير عبر محطة الضبعة التي تعد اليوم من أكبر المشاريع النووية في العالم العربي والأفريقي، فيما اتجهت دول مثل: نيجيريا، وغانا، ورواندا، وكينيا، وأوغندا، وناميبيا، إلى توقيع اتفاقيات تعاون تشمل التكنولوجيا التقليدية، والمفاعلات الصغيرة المعيارية؛ باعتبارها مسارا يخفف الأعباء المالية والتنظيمية للمحطات الضخمة.

ومن خلال هذا المسار الطويل، تتشكل الخريطة النووية الأفريقية بثلاث طبقات واضحة، وهي: طبقة أولى تضم مصر، وجنوب أفريقيا باعتبارهما التجربتين الأكثر اكتمالا؛ وطبقة ثانية تمثلها الدول ذات المفاعلات البحثية القديمة؛ وطبقة ثالثة وهي دول الموجة الجديدة التي تبحث عن موقع قدم داخل منظومة طاقة أكثر موثوقية.

وبين هذه الطبقات جميعا تكمن حقيقة أساسية، وهي: أن القارة لم تشهد يوما سباقا نوويا بالمعنى التقليدي؛ ولكن شهدت محاولات متقطعة تحكمها هشاشة التمويل، وعدم اكتمال الأطر التنظيمية، وتفاوت القدرات المؤسسية.

وهكذا، يصبح دخول رواندا، والسنغال إلى المشهد اليوم امتدادا طبيعيا لهذا التاريخ الطويل من الطموح والانقطاع، إلى لحظة جديدة في مسار لم يكتمل بعد؛ لكنه بات اليوم جزءا أصيلا من سياسات الطاقة في أفريقيا ورهاناتها المستقبلية.

رواندا والسنغال.. لماذا الآن؟ ولماذا النووي؟

حين أعلنت رواندا والسنغال في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 عن انضمامهما إلى المسار الدولي الهادف إلى مضاعفة الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول 2050، بدا الحدث، للوهلة الأولى، كخطوة تقنية محدودة في سياق التحركات العالمية لمواجهة تحولات الطاقة.

غير أن إدراج هذا التطور داخل المشهد الأوسع لسياسات الطاقة في أفريقيا يتضح أنه ليس مجرد توقيع بروتوكولي؛ بل لحظة انعطاف تعكس تحولا واضحا في طريقة تفكير بعض الدول الأفريقية في مستقبل أمنها الاقتصادي وقدرتها الإنتاجية.

وتبدو أهمية هذا التحول أكثر وضوحا عندما ندرك أن الدولتين تمضيان، وإن كان بطرق مختلفة، نحو نموذج جديد يتجاوز إدارة العجز المزمن في الكهرباء إلى بناء بنية إنتاج مستقرة وقابلة للتوسع. وهذا ما يجعل السؤال "لماذا الآن؟ ولماذا النووي؟" مفتاحا ضروريا لفهم التحركين الرواندي والسنغالي معا.

فرواندا، الواقعة عند نقطة التقاء شرق أفريقيا ووسطها، التي اعتادت رسم سياساتها عبر منظور رؤية تنموية طويلة المدى، اختارت المفاعلات الصغيرة المعيارية لأسباب تتجاوز البعد التقني الصرف.

فمع محدودية شبكات النقل، وارتفاع تكاليف البنية التحتية التقليدية، تمنح هذه المفاعلات الدولة قدرة على نشر إنتاج مركزي ومرتبط بمناطق صناعية محددة، بما ينسجم مع إستراتيجيتها القائمة على بناء اقتصاد متنوع يقوم على الابتكار والخدمات ذات القيمة المضافة.

ولا يقتصر الأمر على الجوانب التقنية فحسب؛ بل يمتد إلى التفاعلات الجيوسياسية؛ إذ يعكس تنويع كيغالي شركاءها، بين الولايات المتحدة، وكندا، وروسيا، وألمانيا، رغبة واعية في تجنب الارتهان التكنولوجي، وبناء قدرة تفاوضية أعلى، وتحقيق توازن يسمح لها بالمضي في مسار نووي منضبط يخدم أولوياتها الصناعية.

ومع ذلك، فإن البيئة السياسية الداخلية في رواندا، رغم انضباطها وقدرتها التنفيذية العالية، تضيف بعدا آخر للنقاش. فالنموذج الإداري شديد المركزية، الذي يشجع على إنجاز المشاريع المعقدة بكفاءة، قد يحد في الوقت ذاته من الحوار العام حول قضايا حساسة، مثل: إدارة النفايات النووية، أو الرقابة المستقلة، أو مستويات الشفافية المطلوبة. وهكذا، فإن قوة الجهاز التنفيذي تعد ميزة عند البدء؛ لكنها قد تتحول إلى تحدّ مؤسسي إذا لم تستكمل بآليات رقابية متوازنة.

وعلى الطرف الآخر، تتحرك السنغال، الدولة الساحلية الواقعة عند بوابة غرب أفريقيا والمفتوحة على المحيط الأطلسي ومسارات التجارة الإقليمية، ضمن بيئة سياسية أكثر تعددية وأشد حساسية للتفاعلات الداخلية. فالدولة التي تمر منذ 2024 بمرحلة انتقالية معقدة، وتوازن بين مطالب الإصلاح الشعبي والحاجة إلى استقرار اقتصادي، ترى في البرنامج النووي جزءا من إستراتيجية أوسع لرفع موثوقية الشبكة وتقليل الاعتماد الأحادي على الغاز البحري، مع تعزيز قدرة البلاد على خدمة الموانئ والمناطق الصناعية النامية.

إعلان

ولذا جاء إدراجها المشروع ضمن إطار تعاون منظم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية للفترة 2024-2029؛ حيث تسعى دكار إلى تأسيس نووي منضبط يقوم على الحوكمة والرقابة وتوزيع المخاطر.

وعلى الرغم من وجود الطابع المؤسسي لهذه الخطوة، فإن المشهد السياسي في السنغال لا ينفصل عنها. فالتوتر المتكرر، وإن ظل خافتا، بين الرئيس باسيرو جوماي فاي، ورئيس الوزراء عثمان سونكو يعبر جزئيا عن اختلافات في تصور أولويات الدولة الاقتصادية، ومنها مستقبل ملفات الطاقة والتحول الصناعي.

صحيح أن البرنامج النووي ليس محور الخلاف؛ لكنه يقع ضمن حزمة خيارات إستراتيجية تستخدم اليوم لقياس قدرة الائتلاف الحاكم على إدارة مشاريع طويلة الأمد تتطلب وضوحا في الرؤية واتساقا في اتخاذ القرار، الأمر الذي يجعل سياسات الطاقة في أفريقيا عموما، والسنغال خصوصا، جزءا لا يتجزأ من معادلة داخلية لا تقل أهمية عن المعادلة التقنية نفسها.

وبين التجربتين، تتشكل لوحة واضحة لما يمكن تسميته بـ "الجيل الجديد من خيارات الطاقة في أفريقيا". فالبرنامج النووي، سواء في رواية رواندا أو السنغال، لا يقدَم بديلا عن برامج طاقة الشمس أو الرياح أو الغاز؛ بل يطرح كمكون إستراتيجي داخل مزيج أوسع، يهدف إلى تعزيز القدرة الإنتاجية، وتحسين جودة الإمدادات، وفتح مساحة جديدة للتفاوض الدولي حول التمويل والتكنولوجيا.

ومن خلال هذا المنظور، لا تظهر رواندا، والسنغال كحالتين استثنائيتين؛ بل كجزء من تحرك تدريجي في سياسات الطاقة في أفريقيا نحو خيارات أكثر استدامة ومرونة، وأشد ارتباطا بمستقبل الاقتصاد الصناعي والتدفقات الاستثمارية العابرة للحدود.

وفي النهاية، يمكننا أن نخلص إلى أن دلالة الخطوتين لا تكمن في حجمهما الفعلي بقدر ما تنبع من معناهما السياسي، وهو: انتقال هادئ، لكنه جوهري، من إدارة الأزمات إلى بناء خيارات طاقية مستقرة، ومن انتظار حلول خارجية إلى طرح تصور أفريقي يعيد تعريف دور الطاقة داخل المشروع التنموي برمته.

اختبار الجاهزية.. هل تستطيع أفريقيا إدارة المشروعات النووية؟

إذا كان تاريخ القارة الأفريقية يفسر التردد، وتجربتا رواندا والسنغال تبرران الطموح، فإن السؤال الجوهري اليوم هو: هل ستستطيع أفريقيا إدارة المشاريع النووية؟ هنا تدخل سياسات الطاقة في أفريقيا مرحلة امتحان حقيقي، يتجاوز التكنولوجيا إلى بنية الحَوكمة، وقدرة المؤسسات، واستقرار التمويل، واتساق القرار السياسي.

فالبرنامج النووي ليس مشروعَ بناء فقط؛ بل منظومة حوكمة دقيقة، تتمثل فيها هيئات رقابية مستقلة تستطيع إيقاف المشروع عند الحاجة، وقوانين تتماشى مع معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونظم أمان فيزيائي وسيبراني، وقدرات بشرية محلية قادرة على تشغيل المفاعلات ومراقبتها، وليس مجرد استقدام فرق أجنبية تبقي الدولة رهينة لمورد واحد، فهذه عناصر تعاني القارة فيها من فجوات واضحة.

إن التمويل بدوره يشكل التحدي الأكبر؛ فمحطات القوى التقليدية تتطلب استثمارات تمتد لعقود، بينما تعاني موازنات كثير من الدول من ضيق شديد. صحيح أن المفاعلات الصغيرة المعيارية تقدَم اليوم بوصفها خيارا أقل تكلفة وأقرب إلى النموذج المتدرج؛ لكن الواقع العالمي يقول إنه لا يوجد مفاعل صغير معياري تجاري متكامل بعد، وأن نماذج التمويل ما زالت قيد التجريب.

لذا، لا بد من البحث عن صيغ مبتكرة، مثل: شراكات بين القطاعين العام والخاص، وضمانات سيادية محسوبة، وربما شبكات إقليمية مشتركة تخفف العبء عن كل دولة على حدة.

وعلى المستوى السياسي، تظل هشاشة المؤسسات، وتقلب التحالفات، وضعف النقاش العام حول الطاقة النووية، عناصر قد تجعل أي مشروع نووي مفتوحا أمام المخاطر، على غرار ما حدث في مشاريع بنى تحتية أخرى داخل القارة.

وهنا يبرز الفارق بين دول أفريقيا ومناطق أخرى كآسيا وأميركا اللاتينية؛ حيث ترتبط المشاريع النووية عادة ببيروقراطيات راسخة، ومؤسسات رقابية صلبة، وتجارب سابقة في التصنيع الثقيل.

وحسب تقديري الشخصي، أرى أن نجاح دول القارة في تجاوز هذا الامتحان سيكون مرتبطا بقدرتها على تحويل المشاريع النووية من اختبار تقني إلى مقياس نضج سياسي ومؤسسي.

فإذا ارتبطت البرامج النووية بإصلاح الحوكمة، وبناء الكفاءات، وتطوير منظومة تمويل شفافة، عندها يمكن أن تشكل إضافة حقيقية إلى سياسات الطاقة في أفريقيا. أما إذا استنسخت نماذج التبعية والارتهان التي شهدناها في قطاعات أخرى، فإن المشروع النووي قد يتحول إلى عبء مالي وسياسي يصعب تحمله.

إعلان الخلاصة

في ضوء هذا المسار المتشعب للمشروعات النووية في القارة الأفريقية، تبدو دول القارة اليوم أمام لحظة اختبار حقيقية تتجاوز حدود التقنية إلى تساؤلات دقيقة تتعلق بقدرتها على بناء منظومات طاقة مستقرة وذات رؤية طويلة المدى.

فالمسار التاريخي يوضح لماذا بقي المشروع النووي احتمالا مؤجلا، بينما تكشف تجربتا رواندا، والسنغال عن تحول هادئ نحو خيارات أكثر طموحا واستبصارا. أما التحديات المؤسسية والرقابية والتمويلية، فتضع هذا التحول في مواجهة واقعية مع متطلبات الإصلاح ومقتضيات الحوكمة.

وخلاصة هذا التحليل تدل على أن مستقبل البرنامج النووي في أفريقيا لن يقاس بحجم المشاريع قيد التنفيذ فحسب؛ بل بمدى قدرة الدول على تحويل هذه المشاريع إلى اختبار لنضجها المؤسسي واستقرار قرارها السياسي.

فإذا استطاعت الحكومات أن تربط بين أمن الطاقة والتنمية الصناعية ضمن منظومة شفافة وقابلة للمساءلة، فقد يصبح البرنامج النووي، بمختلف مساراته، أحد أعمدة الاستقرار الاقتصادي في القارة. أما إذا غلبت اعتبارات التسرع أو الارتهان الخارجي، فإن المشروع قد يعيد إنتاج أزمات قديمة بثوب جديد.

وفي الحالتين، يبقى ما نشهده اليوم مقدمة لمسار طويل، سيعيد تشكيل ملامح سياسات الطاقة في أفريقيا خلال العقود القادمة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • راشد بن عمار: قلوب مخلصة للإمارات
  • أخبار بني سويف| المحافظ يتفقد إجراءات تشغيل محطات المياه بكامل طاقتها وغلق وتشميع مركز طبي غير مُرخص وتحرير محاضر
  • المشاريع النووية الجديدة وإعادة تشكيل سياسات الطاقة في أفريقيا
  • محافظ بني سويف يتفقد إجراءات تشغيل محطات المياه بكامل طاقتها وانتظام الخدمة
  • وزير الكهرباء: انتهينا من دراسات إنشاء خط ربط كهربائي مع أوروبا لتصدير 3000 ميجاوات
  • الكهرباء : تلقي طلبات إقامة محطات الطاقة الشمسية لنهاية ديسمبر
  • استئناف ضخ الغاز من حقل كورمور الى محطات انتاج الطاقة بإقليم كوردستان
  • نادي الطيران السعودي يحقق إنجازًا تاريخيًا ويكسر رقمًا قياسيًا عالميًا في غينيس للأرقام القياسية بمعرض الطيران العام 2025 «ساند آند فن»
  • نادي الطيران السعودي يحقق إنجازًا تاريخيًا ويكسر رقمًا قياسيًا عالميًا في غينيس للأرقام القياسية في معرض الطيران العام 2025 "ساند آند فن"
  • العمل تُعلن عن 1450 وظيفة بمشروع محطة الضبعة للطاقة النووية