منظومات قياس الأداء في بيئات متغيرة
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
على مدار عامين؛ تكاد تكون منظومات قياس الأداء ــ في شقيها الفردي والمؤسسي ــ أحد انشغالات بيئات العمل الحكومية في عُمان؛ وذلك لما تحمله هذه المنظومات من (افتراض) التغيير في طبيعة العمل الحكومي بشكل عام؛ سواء فيما يتعلق بإيجاد حوكمة واضحة لأداء المؤسسات وقياس مخرجات خططها السنوية ومواءمتها مع التوجهات الوطنية، أو فيما يتعلق بمعطيات قياس الأداء الفردي والاتجاه إلى نظم قائمة على ما يُعرف بمؤشرات الأهداف والنتائج الرئيسية (OKRs).
في كل الأحوال تحمل الأدبيات جدلًا في الطريقة التي يتم من خلالها استخدام مؤشرات قياس الأداء خاصة في الأوقات المتغيرة، فقد يؤدي الموظفون ويحققون مؤشرات أداء جيدة بالنسبة لأهدافهم، وقد تنجز المؤسسة مؤشرات الأداء الخاصة بها حسب التسلسل الزمني المحدد لفترات الإنجاز، ولكن ماذا عن العملاء؟ وفي حالة الحكومات فإن منتجها يتشكل في 3 عناصر أساسية: (خدمات حكومية مرنة، رضا المجتمع، أنظمة عمل مستجيبة للتحولات). هذه المنتجات الحكومية لا يمكن عزلها اليوم عن أي منظومات لتقييم الأداء، ولذا فإن من المهم التركيز على العلاقات السببية، وهي التحقق من أن أداء الموظفين الجيد يعني خدمات حكومية جيدة. في هذا الصدد فإن أحد المآخذ على منظومات تقييم الأداء الراهنة هو مركزيتها، واعتمادها على مقاربة واحدة للتقييم، في الوقت الذي يتيح فيه تطور أدوات التقييم ومؤشرات الأداء جملة غير منتهية من الأدوات التي يمكن مواءمتها مع أنظمة وأنماط العمل، ومنها نظام تقييم 360 درجة، والذي يركز على تقييم الموظف من كافة العناصر البشرية المحيطة به، فيتم التقييم من قبل الزملاء في ذات الوحدة (التقسيم الإداري) أو الفريق بالإضافة إلى من يديرهم الموظف ومن يديرونه، ومن يتعامل معهم بما في ذلك إمكانية التقييم من قبل العملاء في بعض النظم. إن هذه المقاربة للتقييم توفر منظورًا أكثر شمولية حول أداء الموظفين، وتحقق مراجعة كاملة حول نسق التعاون والتوافق في بيئات العمل بين الموظفين والرؤساء لتقديم المنتج/ الخدمة بأفضل صورة ممكنة.
ما تحتاجه هذه المنظومات كذلك تعزيز مبدأ ما يعُرف بالمسؤولية التضامنية Solidarity liability in work units على حساب التنافسية والتحييد، وكان من الأجدر حسب تقديرنا أن يكون الانتقال سلسًا حتى لا يحصل ما يدعي البعض بأنه «مقاومة للتغيير» مع تحفظنا على استخدام المصطلح والفكرة هنا أن يكون قياس الإجادة والجدارة في الأداء تنافسيًا بين التقسيمات الإدارية داخل الوحدات الحكومية، بمعنى تجزئة مؤشرات المؤسسة على مستوى (الدوائر) كوحدة وسيطة في التقسيم الإداري، ثم تأخذ دورات التقييم وضع المؤشرات المطلوبة من كل دائرة، وتتنافس الدوائر في تحقيق المستهدفات المطلوبة منها؛ وهذا في تقديرنا من شأنه أن يجعل كافة الموظفين داخل التقسيم متضامنين بالحد الأعلى لتحقيق المؤشرات المطلوبة منهم؛ وبالتالي الحصول على مقرون ذلك من الحوافز والمكافآت. إن التقييم بوضعه الراهن يضع إشكالًا نوعيًا أمام تحقيق ما يُعرف بالتغذية الراجعة، وخاصة في قدرة المسؤول المباشر على تفنيد جوانب القوة والضعف، وفرص التحسين، وخطة التطوير الذاتي بالنسبة لموظفيه، خاصة في ظل استخدام تقنية (المنحنى) التي تسبب هي الأخرى إشكالات فنية عديدة. وهذا يقودنا إلى ضرورة تعديد مقاربات التقييم، فهناك مقاربات كذلك تقوم على قياس الكفايات في مقابل الاحتياجات، ومثل هذه المقاربة تختبر الموظف في مواقف سلوكية ومعرفية مرتبطة ببيئة عمله وبالتالي تستطيع وضعف تصنيف الجدارة له، وعلى ضوء ذلك تحدد احتياجاته من أشكال التدريب ذات الاحتياج الأقصى ليتواءم مع بيئة عمله ومع الوظيفة التي يؤديها.
مركزية النظام كذلك من الممكن أن تسبب تحديًا لبعض المؤسسات والوظائف التي تمارس أعمالًا نوعية إضافة إلى أعمالها الإدارية، ومنها الوظائف المرتبطة بالخدمات الصحية، والوظائف الأكاديمية، والوظائف المرتبطة بالتدريس. وقد تكون الحجة هنا أن النظام يتناسب مع طبيعة الأهداف الخاصة بكل نوع من هذه الوظائف، ولكن في تقديرنا فإن هذا التباين في حد ذاته يوقعنا في جدلية من يحدد (وزن وأهمية) كل هدف، وهل يمكن وضع محددات دقيقة تحدد ذلك الوزن والأهمية!
أما الأمر الأخير الذي نود الإشارة إليه فإن التحول اليوم في مختلف الحكومات وجزء من هذا التحول يجري اليوم في العمل الحكومي لدينا وهو نمط فرق العمل الحكومية، سواء كان ذلك داخل المؤسسات لإدارة مشاريع بعينها، أو على مستوى الحكومة ككل، أصبح الموظف اليوم ليس محصورًا بالاختصاصات الوظيفية المحددة في بطاقة وصف وظيفته، بل ينشط في عدة فرق ولجان لمشاريع واستراتيجيات وأنشطة ، وبذا تستفيد الحكومة من مجمل مقدرات الموارد البشرية والخبرات فيها، وعليه فإن نظم التقييم يجب أن تأخذ في الاعتبار هذا التحول وتعطيه وزنه، لتحقيق التحول المنشود ككل على مستوى أداء الجهاز الحكومي.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قیاس الأداء
إقرأ أيضاً:
إعفاء مستفيدي «الضمان الاجتماعي» من رسوم اختبارات «قياس» إلكترونيًا
أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إعفاء مستفيدي الضمان الاجتماعي من رسوم اختبارات "قياس" بشكل إلكتروني، من خلال الربط الآلي بين الوزارة، والمركز الوطني للقياس، وذلك دون الحاجة إلى أي إجراء إضافي من المستفيد.
وأوضح حساب الضمان الاجتماعي والتمكين التابع للوزارة عبر صفحته على موقع التواصل "إكس"، أن آلية الإعفاء تتضمن إنشاء المستفيد حسابًا في مركز قياس، ثم التسجيل في الاختبار المطلوب عبر الموقع الرسمي، ليتم إعفاؤه تلقائيًا عند الوصول إلى مرحلة الدفع، وذلك في حال ثبوت أهليته ضمن مستفيدي الضمان الاجتماعي.
وتأتي هذه الخطوة ضمن جهود الوزارة في تمكين المستفيدين ودعمهم للحصول على فرص تعليمية وتدريبية، بما يسهم في تحسين مستواهم العلمي والمهني، ويدعم مستهدفات رؤية المملكة 2030 في بناء مجتمع معرفي ومؤهل.
يتم إعفاء مستفيدي #الضمان_الاجتماعي من رسوم اختبارات "قياس" إلكترونيًا عبر الربط الآلي بين الوزارة ومركز قياس، دون الحاجة لأي إجراء إضافي من المستفيد pic.twitter.com/0FHWifGWaJ
— الضمان الاجتماعي والتمكين (@Hrsd_Tamkeen) August 10, 2025 الضمان الاجتماعيأخبار السعوديةوزارة الموارد البشريةاختبارات قياسحساب الضمان الاجتماعيقد يعجبك أيضاًNo stories found.