سرايا - قال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن المملكة تواصل العمل من أجل تنفيذ مشروعها الوطني لبناء أول محطة نووية.

وأضاف وزير الطاقة السعودي، خلال كلمته بالمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا اليوم الاثنين: "تتجه المملكة نحو الاستفادة من الطاقة النووية وتطبيقاتها الإشعاعية للأغراض السلمية، وتواصل تنفيذ مشروعها الوطني للطاقة النووية بجميع مكوناته، من ذلك مشروع بناء أول محطة للطاقة النووية في المملكة"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس) .



وأشار الأمير عبد العزيز بن سلمان إلى أن السعودية تريد ببنائها محطة للطاقة نووية "الإسهام في تشكيل مزيج للطاقة الوطنية وتحقيق التنمية الوطنية المستدامة وفقا للمتطلبات الوطنية في إطار الالتزامات الدولية".

وتابع: "لتحقيق ذلك، استكملت المملكة العربية السعودية مقومات الاستعداد الإداري الأساسية المتعلقة بالعمل الرقابي النووي، ومتطلبات تحقيق الالتزامات في اتفاق ضمانات الشاملة".

وقال وزير الطاقة السعودي، إن بلاده طلبت من وكالة الطاقة الذرية وقف العمل ببروتوكول الكميات الصغيرة، الذي يعفي بعض الدول من إجراءات التفتيش الموسعة على الأنشطة النووية.

وأوضح الوزير: "تقدمت إلى الوكالة في تموز 2024، بطلب إيقاف بروتوكول الكميات الصغيرة والتحول إلى التطبيق الكامل لاتفاق الضمانات، ونعمل حاليا مع الوكالة على الانتهاء من الإجراءات الفرعية للإيقاف الفعلي لبروتوكول الكميات الصغيرة لنهاية شهر كانون الأول من هذا العام 2024".

بترا


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

إقرأ أيضاً:

المشاريع النووية الجديدة وإعادة تشكيل سياسات الطاقة في أفريقيا

سياسات الطاقة في أفريقيا.. قراءة في المسار النووي وصعود التجربتين الرواندية والسنغالية

في سياق تطور سياسات الطاقة في أفريقيا، يتضح أن التحول الجاري لا ينبع من أزمة انقطاع الكهرباء فحسب؛ بل من فجوة تتسع بين طموح دول تسعى إلى نمو صناعي مستقر، ومنظومات إنتاج هشة ترهقها ضغوط التحضر والتقلبات المناخية.

ومع تصاعد هذا الاختلال البنيوي، عاد الخيار النووي تدريجيا إلى المشهد، ليس بصفته بديلا مباشرا للوقود الأحفوري؛ ولكن كأحد الخيارات النادرة القادرة على توفير إمدادات مستقرة منخفضة الانبعاثات، في لحظة تعجز فيها الأدوات التقليدية وحدها عن دعم العقد المقبل من التنمية الأفريقية.

وقد ساعد صعود المفاعلات الصغيرة المعيارية (Small Modular Reactors -SMRs)، إلى جانب تنوع موردي التقنية بين الشرق والغرب، في فتح الباب أمام دول لم تكن قادرة سابقا على التفكير في البرامج النووية واسعة النطاق.

وفي هذا السياق، اكتسب إعلان رواندا والسنغال في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 عن انضمامهما إلى التعهد الدولي لمضاعفة القدرة النووية ثلاث مرات بحلول 2050 قيمة تتجاوز البعد البروتوكولي؛ فهو يشير إلى إعادة ترتيب أعمق داخل حسابات الطاقة في القارة.

وتبدو دلالة هذه اللحظة أكثر وضوحا حين نتذكر أن علاقة أفريقيا بالمجال النووي بدأت في وقت مبكر مع تشغيل الكونغو الديمقراطية أول مفاعل بحثي عام 1959، ثم تتابعت طبقات متعددة من المحاولات بين مصر، وجنوب أفريقيا، والجزائر، وليبيا، وغانا، ونيجيريا، والمغرب، وغيرها.

وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل، بقي معظم المسار النووي الأفريقي حبيس الطموح أو البحث العلمي، دون أن يتحول إلى قدرة إنتاجية واسعة باستثناء تجربتي مصر، وجنوب أفريقيا.

اليوم، ومع اتساع ضغوط الطلب الصناعي والسكاني، تبدو القارة أقرب من أي وقت مضى إلى إعادة صياغة موقع النووي داخل مزيج الطاقة، بوصفه جزءا من مشروع أوسع لإعادة بناء منظومات الإمداد لا مجرد خيار تقني منفصل.

إعلان

وعليه، يسعى هذا المقال إلى قراءة المشهد النووي الأفريقي من خلال ثلاثة محاور رئيسة، وهي: الخريطة التاريخية للمسار النووي الأفريقي، ثم تحركات رواندا، والسنغال داخل خارطة النووي المدني، وأخيرا اختبار الجاهزية المؤسسية والإجرائية لإدارة المشاريع النووية.

سياسات الطاقة في أفريقيا: الخريطة التاريخية للمسار النووي

حين يتتبع المرء جذور المسار النووي في أفريقيا، يكتشف أنه لم يبدأ كمشروع طاقة بالمعنى الضيق؛ بل كجزء من رؤية واسعة الأفق لبناء الدول الحديثة واستعادة سيادتها العلمية في حقبة ما بعد الاستعمار.

هكذا جاءت مصر في منتصف الخمسينيات لتعلن عن أول برنامج نووي وطني في القارة (1954)، وتؤسس هيئة الطاقة الذرية (1955م)، في خطوة لم تكن تقنية فقط؛ بل سياسية بامتياز؛ حيث هدفت إلى إدخال الدولة في نادي المعرفة النووي.

ومع ذلك، فإن الكونغو الديمقراطية، التي كانت آنذاك تحت الإدارة البلجيكية، سبقت الجميع في تشغيل أول مفاعل فعلي على الأراضي الأفريقية عبر مشروع TRICO-I عام 1959، وهو ما شكل منذ البداية تباينا بين أسبقية الإعلان وأسبقية التشغيل، وكشف عن تداخل الطموح الوطني بالتحكم الاستعماري في التكنولوجيا.

وفي الستينيات والسبعينيات، بدأت ملامح الخريطة النووية تتسع تدريجيا، فقد دشنت جنوب أفريقيا مفاعل الأبحاث SAFARI-1 (1965)، الذي تحول لاحقا إلى أحد أهم مصادر النظائر الطبية في العالم، فيما واصلت الكونغو تعزيز قدراتها عبر مشروع TRICO-II (1972).

ويلاحَظ في هذه المرحلة، أن المفاعلات لم تبنَ لأغراض إنتاج الكهرباء؛ ولكن كانت مؤسسات بحثية جامعية تعطي الدول الناشئة فرصا للحاق بالعصر الذري، حتى إن لم تملك بعد القدرة المؤسسية أو المالية لبرامج أكبر.

غير أن التحول الأكبر جاء مع مشروع كوبرغ (1976-1984)، أول محطة كهرباء نووية في أفريقيا، والذي رسخ موقع جنوب أفريقيا بوصفها صاحبة التجربة الأكثر اكتمالا في القارة.

وقد تزامن هذا التطور المدني مع مسار آخر ظل طي الكتمان لفترة طويلة، وهو برنامج الأسلحة النووية الذي طورته بريتوريا خلال السبعينيات والثمانينيات، وانتهى بإنتاج ست قنابل قبل أن يفَكك ويُتخلى عنه مطلع التسعينيات. وبهذا، أصبحت جنوب أفريقيا الدولة الأفريقية الوحيدة التي امتلكت سلاحا نوويا ثم تخلت عنه.

ومع اتساع الاهتمام الإقليمي، دخلت دول شمال أفريقيا على الخط، فشغلت ليبيا مفاعل IRT-1 (1981)، وبدأت لاحقا محاولات تخصيب سرية انتهت بالتخلي عنها عام 2003.

وافتتحت الجزائر مفاعلي "نور" و"السلام" اللذين أثارا نقاشا دوليا حول إمكان استخدامهما في إنتاج البلوتونيوم قبل أن يثبت خضوعهما لضمانات الوكالة الدولية. أما مصر فاستكملت بنيتها البحثية عبر مفاعل ETRR-2 عام 1997؛ لتصبح صاحبة أكثر البنى التحتية تنوعا في العالم العربي.

ومع بداية العقدين الأخيرين، انفتحت الخريطة النووية على غرب أفريقيا، فقد دشنت غانا أول مفاعل لها عام 1994، ثم تبعتها نيجيريا عام 2004، والمغرب عام 2007؛ لتصبح المعرفة النووية موزعة جغرافيا بدلا من احتكارها من ثلاث أو أربع دول فقط.

ومع دخول القرن الـ21، تغير السياق جذريا، فقد بدأت سياسات الطاقة في أفريقيا تتعامل مع المشاريع النووية كأحد الخيارات القليلة القادرة على معالجة فجوة الكهرباء، وتوفير إمدادات مستقرة للصناعة، وتقليل الانبعاثات في ظل ضغط التحول الطاقي العالمي، وليس كرمز سيادي أو مشروع بحثي منفصل.

إعلان

وهكذا، أعادت مصر إحياء مشروعها الكبير عبر محطة الضبعة التي تعد اليوم من أكبر المشاريع النووية في العالم العربي والأفريقي، فيما اتجهت دول مثل: نيجيريا، وغانا، ورواندا، وكينيا، وأوغندا، وناميبيا، إلى توقيع اتفاقيات تعاون تشمل التكنولوجيا التقليدية، والمفاعلات الصغيرة المعيارية؛ باعتبارها مسارا يخفف الأعباء المالية والتنظيمية للمحطات الضخمة.

ومن خلال هذا المسار الطويل، تتشكل الخريطة النووية الأفريقية بثلاث طبقات واضحة، وهي: طبقة أولى تضم مصر، وجنوب أفريقيا باعتبارهما التجربتين الأكثر اكتمالا؛ وطبقة ثانية تمثلها الدول ذات المفاعلات البحثية القديمة؛ وطبقة ثالثة وهي دول الموجة الجديدة التي تبحث عن موقع قدم داخل منظومة طاقة أكثر موثوقية.

وبين هذه الطبقات جميعا تكمن حقيقة أساسية، وهي: أن القارة لم تشهد يوما سباقا نوويا بالمعنى التقليدي؛ ولكن شهدت محاولات متقطعة تحكمها هشاشة التمويل، وعدم اكتمال الأطر التنظيمية، وتفاوت القدرات المؤسسية.

وهكذا، يصبح دخول رواندا، والسنغال إلى المشهد اليوم امتدادا طبيعيا لهذا التاريخ الطويل من الطموح والانقطاع، إلى لحظة جديدة في مسار لم يكتمل بعد؛ لكنه بات اليوم جزءا أصيلا من سياسات الطاقة في أفريقيا ورهاناتها المستقبلية.

رواندا والسنغال.. لماذا الآن؟ ولماذا النووي؟

حين أعلنت رواندا والسنغال في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 عن انضمامهما إلى المسار الدولي الهادف إلى مضاعفة الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول 2050، بدا الحدث، للوهلة الأولى، كخطوة تقنية محدودة في سياق التحركات العالمية لمواجهة تحولات الطاقة.

غير أن إدراج هذا التطور داخل المشهد الأوسع لسياسات الطاقة في أفريقيا يتضح أنه ليس مجرد توقيع بروتوكولي؛ بل لحظة انعطاف تعكس تحولا واضحا في طريقة تفكير بعض الدول الأفريقية في مستقبل أمنها الاقتصادي وقدرتها الإنتاجية.

وتبدو أهمية هذا التحول أكثر وضوحا عندما ندرك أن الدولتين تمضيان، وإن كان بطرق مختلفة، نحو نموذج جديد يتجاوز إدارة العجز المزمن في الكهرباء إلى بناء بنية إنتاج مستقرة وقابلة للتوسع. وهذا ما يجعل السؤال "لماذا الآن؟ ولماذا النووي؟" مفتاحا ضروريا لفهم التحركين الرواندي والسنغالي معا.

فرواندا، الواقعة عند نقطة التقاء شرق أفريقيا ووسطها، التي اعتادت رسم سياساتها عبر منظور رؤية تنموية طويلة المدى، اختارت المفاعلات الصغيرة المعيارية لأسباب تتجاوز البعد التقني الصرف.

فمع محدودية شبكات النقل، وارتفاع تكاليف البنية التحتية التقليدية، تمنح هذه المفاعلات الدولة قدرة على نشر إنتاج مركزي ومرتبط بمناطق صناعية محددة، بما ينسجم مع إستراتيجيتها القائمة على بناء اقتصاد متنوع يقوم على الابتكار والخدمات ذات القيمة المضافة.

ولا يقتصر الأمر على الجوانب التقنية فحسب؛ بل يمتد إلى التفاعلات الجيوسياسية؛ إذ يعكس تنويع كيغالي شركاءها، بين الولايات المتحدة، وكندا، وروسيا، وألمانيا، رغبة واعية في تجنب الارتهان التكنولوجي، وبناء قدرة تفاوضية أعلى، وتحقيق توازن يسمح لها بالمضي في مسار نووي منضبط يخدم أولوياتها الصناعية.

ومع ذلك، فإن البيئة السياسية الداخلية في رواندا، رغم انضباطها وقدرتها التنفيذية العالية، تضيف بعدا آخر للنقاش. فالنموذج الإداري شديد المركزية، الذي يشجع على إنجاز المشاريع المعقدة بكفاءة، قد يحد في الوقت ذاته من الحوار العام حول قضايا حساسة، مثل: إدارة النفايات النووية، أو الرقابة المستقلة، أو مستويات الشفافية المطلوبة. وهكذا، فإن قوة الجهاز التنفيذي تعد ميزة عند البدء؛ لكنها قد تتحول إلى تحدّ مؤسسي إذا لم تستكمل بآليات رقابية متوازنة.

وعلى الطرف الآخر، تتحرك السنغال، الدولة الساحلية الواقعة عند بوابة غرب أفريقيا والمفتوحة على المحيط الأطلسي ومسارات التجارة الإقليمية، ضمن بيئة سياسية أكثر تعددية وأشد حساسية للتفاعلات الداخلية. فالدولة التي تمر منذ 2024 بمرحلة انتقالية معقدة، وتوازن بين مطالب الإصلاح الشعبي والحاجة إلى استقرار اقتصادي، ترى في البرنامج النووي جزءا من إستراتيجية أوسع لرفع موثوقية الشبكة وتقليل الاعتماد الأحادي على الغاز البحري، مع تعزيز قدرة البلاد على خدمة الموانئ والمناطق الصناعية النامية.

إعلان

ولذا جاء إدراجها المشروع ضمن إطار تعاون منظم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية للفترة 2024-2029؛ حيث تسعى دكار إلى تأسيس نووي منضبط يقوم على الحوكمة والرقابة وتوزيع المخاطر.

وعلى الرغم من وجود الطابع المؤسسي لهذه الخطوة، فإن المشهد السياسي في السنغال لا ينفصل عنها. فالتوتر المتكرر، وإن ظل خافتا، بين الرئيس باسيرو جوماي فاي، ورئيس الوزراء عثمان سونكو يعبر جزئيا عن اختلافات في تصور أولويات الدولة الاقتصادية، ومنها مستقبل ملفات الطاقة والتحول الصناعي.

صحيح أن البرنامج النووي ليس محور الخلاف؛ لكنه يقع ضمن حزمة خيارات إستراتيجية تستخدم اليوم لقياس قدرة الائتلاف الحاكم على إدارة مشاريع طويلة الأمد تتطلب وضوحا في الرؤية واتساقا في اتخاذ القرار، الأمر الذي يجعل سياسات الطاقة في أفريقيا عموما، والسنغال خصوصا، جزءا لا يتجزأ من معادلة داخلية لا تقل أهمية عن المعادلة التقنية نفسها.

وبين التجربتين، تتشكل لوحة واضحة لما يمكن تسميته بـ "الجيل الجديد من خيارات الطاقة في أفريقيا". فالبرنامج النووي، سواء في رواية رواندا أو السنغال، لا يقدَم بديلا عن برامج طاقة الشمس أو الرياح أو الغاز؛ بل يطرح كمكون إستراتيجي داخل مزيج أوسع، يهدف إلى تعزيز القدرة الإنتاجية، وتحسين جودة الإمدادات، وفتح مساحة جديدة للتفاوض الدولي حول التمويل والتكنولوجيا.

ومن خلال هذا المنظور، لا تظهر رواندا، والسنغال كحالتين استثنائيتين؛ بل كجزء من تحرك تدريجي في سياسات الطاقة في أفريقيا نحو خيارات أكثر استدامة ومرونة، وأشد ارتباطا بمستقبل الاقتصاد الصناعي والتدفقات الاستثمارية العابرة للحدود.

وفي النهاية، يمكننا أن نخلص إلى أن دلالة الخطوتين لا تكمن في حجمهما الفعلي بقدر ما تنبع من معناهما السياسي، وهو: انتقال هادئ، لكنه جوهري، من إدارة الأزمات إلى بناء خيارات طاقية مستقرة، ومن انتظار حلول خارجية إلى طرح تصور أفريقي يعيد تعريف دور الطاقة داخل المشروع التنموي برمته.

اختبار الجاهزية.. هل تستطيع أفريقيا إدارة المشروعات النووية؟

إذا كان تاريخ القارة الأفريقية يفسر التردد، وتجربتا رواندا والسنغال تبرران الطموح، فإن السؤال الجوهري اليوم هو: هل ستستطيع أفريقيا إدارة المشاريع النووية؟ هنا تدخل سياسات الطاقة في أفريقيا مرحلة امتحان حقيقي، يتجاوز التكنولوجيا إلى بنية الحَوكمة، وقدرة المؤسسات، واستقرار التمويل، واتساق القرار السياسي.

فالبرنامج النووي ليس مشروعَ بناء فقط؛ بل منظومة حوكمة دقيقة، تتمثل فيها هيئات رقابية مستقلة تستطيع إيقاف المشروع عند الحاجة، وقوانين تتماشى مع معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونظم أمان فيزيائي وسيبراني، وقدرات بشرية محلية قادرة على تشغيل المفاعلات ومراقبتها، وليس مجرد استقدام فرق أجنبية تبقي الدولة رهينة لمورد واحد، فهذه عناصر تعاني القارة فيها من فجوات واضحة.

إن التمويل بدوره يشكل التحدي الأكبر؛ فمحطات القوى التقليدية تتطلب استثمارات تمتد لعقود، بينما تعاني موازنات كثير من الدول من ضيق شديد. صحيح أن المفاعلات الصغيرة المعيارية تقدَم اليوم بوصفها خيارا أقل تكلفة وأقرب إلى النموذج المتدرج؛ لكن الواقع العالمي يقول إنه لا يوجد مفاعل صغير معياري تجاري متكامل بعد، وأن نماذج التمويل ما زالت قيد التجريب.

لذا، لا بد من البحث عن صيغ مبتكرة، مثل: شراكات بين القطاعين العام والخاص، وضمانات سيادية محسوبة، وربما شبكات إقليمية مشتركة تخفف العبء عن كل دولة على حدة.

وعلى المستوى السياسي، تظل هشاشة المؤسسات، وتقلب التحالفات، وضعف النقاش العام حول الطاقة النووية، عناصر قد تجعل أي مشروع نووي مفتوحا أمام المخاطر، على غرار ما حدث في مشاريع بنى تحتية أخرى داخل القارة.

وهنا يبرز الفارق بين دول أفريقيا ومناطق أخرى كآسيا وأميركا اللاتينية؛ حيث ترتبط المشاريع النووية عادة ببيروقراطيات راسخة، ومؤسسات رقابية صلبة، وتجارب سابقة في التصنيع الثقيل.

وحسب تقديري الشخصي، أرى أن نجاح دول القارة في تجاوز هذا الامتحان سيكون مرتبطا بقدرتها على تحويل المشاريع النووية من اختبار تقني إلى مقياس نضج سياسي ومؤسسي.

فإذا ارتبطت البرامج النووية بإصلاح الحوكمة، وبناء الكفاءات، وتطوير منظومة تمويل شفافة، عندها يمكن أن تشكل إضافة حقيقية إلى سياسات الطاقة في أفريقيا. أما إذا استنسخت نماذج التبعية والارتهان التي شهدناها في قطاعات أخرى، فإن المشروع النووي قد يتحول إلى عبء مالي وسياسي يصعب تحمله.

إعلان الخلاصة

في ضوء هذا المسار المتشعب للمشروعات النووية في القارة الأفريقية، تبدو دول القارة اليوم أمام لحظة اختبار حقيقية تتجاوز حدود التقنية إلى تساؤلات دقيقة تتعلق بقدرتها على بناء منظومات طاقة مستقرة وذات رؤية طويلة المدى.

فالمسار التاريخي يوضح لماذا بقي المشروع النووي احتمالا مؤجلا، بينما تكشف تجربتا رواندا، والسنغال عن تحول هادئ نحو خيارات أكثر طموحا واستبصارا. أما التحديات المؤسسية والرقابية والتمويلية، فتضع هذا التحول في مواجهة واقعية مع متطلبات الإصلاح ومقتضيات الحوكمة.

وخلاصة هذا التحليل تدل على أن مستقبل البرنامج النووي في أفريقيا لن يقاس بحجم المشاريع قيد التنفيذ فحسب؛ بل بمدى قدرة الدول على تحويل هذه المشاريع إلى اختبار لنضجها المؤسسي واستقرار قرارها السياسي.

فإذا استطاعت الحكومات أن تربط بين أمن الطاقة والتنمية الصناعية ضمن منظومة شفافة وقابلة للمساءلة، فقد يصبح البرنامج النووي، بمختلف مساراته، أحد أعمدة الاستقرار الاقتصادي في القارة. أما إذا غلبت اعتبارات التسرع أو الارتهان الخارجي، فإن المشروع قد يعيد إنتاج أزمات قديمة بثوب جديد.

وفي الحالتين، يبقى ما نشهده اليوم مقدمة لمسار طويل، سيعيد تشكيل ملامح سياسات الطاقة في أفريقيا خلال العقود القادمة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • وزيرتا التنمية المحلية والتضامن ومحافظ الغربية يتفقدون محطة طنطا لإنتاج البيض
  • وزيرتا التضامن والتنمية المحلية ومحافظ الغربية يتفقدون محطة طنطا لإنتاج البيض
  • التنمية المحلية: محطة لإنتاج البيض بطنطا على 14فداناً لإنتاج 70 مليون بيضة سنوياً
  • المشاريع النووية الجديدة وإعادة تشكيل سياسات الطاقة في أفريقيا
  • وزير الكهرباء: انتهينا من دراسات إنشاء خط ربط كهربائي مع أوروبا لتصدير 3000 ميجاوات
  • وزير الكهرباء: انضمام مصر لبرنامج "أفق أوروبا" محطة فارقة في مسيرة التعاون الاستراتيجي
  • الكهرباء : تلقي طلبات إقامة محطات الطاقة الشمسية لنهاية ديسمبر
  • برواتب تبدأ من 10 آلاف.. فرص عمل للشباب بمشروع محطة الضبعة النووية
  • وزير الطاقة: السعودية الجديدة لا تعرف إلا الجدارة والكفاءات
  • العمل تُعلن عن 1450 وظيفة بمشروع محطة الضبعة للطاقة النووية