عندما تشاهد صورة أو مشهدا من محاكمة في بعض الدول الغربية يلفت نظرك شيء مشترك في زي القضاة، وهو ارتداؤهم العباءات السوداء والشعر المستعار الأبيض. لكن ما السر وراء ذلك؟

يعود استخدام الشعر المستعار الأبيض للقضاة إلى القرون الوسطى في أوروبا، إذ كان رمزا للحكمة والمكانة العليا في ذلك الوقت، ويعتبر اللون الأبيض رمزا للشيخوخة والحكمة والاحترام في المجتمعات الغربية، وكان يُعتقد أن ارتداء الشعر المستعار الأبيض يمنح القضاة مظهرا أكثر جدية واحتراما.

وعلى مر العصور استمر هذا التقليد، وازدادت تلك العادة شيوعا في النظام القضائي، حتى بات اليوم جزءا من الزي الرسمي للقضاة في بعض الدول والمحاكم حول العالم، ويُعتقد أنه يرمز إلى الاستقلالية والنزاهة والعدل في القضاء.

وشرح موقع جامعة القانون البريطانية أن العباءات السوداء والشعر المستعار الأبيض الذي يتم ارتداؤه في قاعات المحاكم في جميع أنحاء المملكة المتحدة؛ هما رموز أيقونية للقانون.

وأشار الموقع إلى أنه قبل انتشار صيحة الشعر المستعار، كان الشرط الوحيد للمحامين هو قص الشعر واللحية بدقة، ونشأت فكرة الشعر المستعار في أوروبا، ثم انتقل إلى المملكة المتحدة حيث أصبح عنصرا شائعا في الموضة في عهد الملك تشارلز الثاني (1660-1685)، وخاصة بين الطبقات العليا والأرستقراطية في ذلك الوقت.

رمز للسلطة والمكانة

وكان ينظر إلى الشعر المستعار على أنه رمز للسلطة والمكانة، وكان المحامون والقضاة يرتدون شعرا مستعارا في قاعة المحكمة وخارجها لإظهار مكانتهم، ورغم أن شعبيته تضاءلت بعد نحو قرن من الزمان إلا أن الشعر المستعار بقي تقليدا في قاعات المحاكم، بل وأصبح شرطا رسميا، وفق التقرير المنشور على موقع الجامعة البريطانية.

وأشارت صحيفة "غارديان" البريطانية إلى أنه جرى إضفاء الطابع الرسمي على استخدام الشعر المستعار في القانون العام الإنجليزي في أربعينيات القرن الـ19، بعد أن اعتاد المحامون والقضاة عبر مختلف الولايات القضائية في المملكة المتحدة ارتداءه مع العباءات منذ القرن الـ17 تقريبا.

وأشار تقرير "غارديان" المنشور عام 2021 إلى أن المحامي جيمس مولهولاند صاحب الخبرة التي تجاوزت 30 عاما في مجال المحاماة، والذي ترأس نقابة المحامين الجنائيين لسنوات، يعتبر الشعر المستعار جزءا من نظام العدالة الجنائية لسبب آخر، وهو "أن المحامين مستقلون يقاتلون من أجل موكليهم ويطرحون قضيتهم من دون أن يكون لهم مصلحة شخصية في القضية، وأن وجود شعر مستعار يخفي هويتهم بشكل ما يؤكد مجهوليتهم وانفصالهم وابتعادهم عن القضية".

وجود شعر مستعار يخفي هوية العاملين في مجال المحاماة، يشير إلى عدم وجود مصلحة شخصية في القضية التي يدافعون عنها (بلومبيرغ) الجانب الآخر لصيحة الشعر المستعار

وأشار موقع "هاو ستاف وركس" الأميركي إلى قصة أخرى حول بداية انتشار صيحة الشعر المستعار، وأوضح أنها تعود إلى أواخر القرن الـ16 في أوروبا حينما انتشرت معاناة بعض الرجال مع مرض الزهري (مرض جنسي) قبل اكتشاف علاج له، والذي كان تساقط الشعر أحد أعراضه، وهو ما سبب حرجا اجتماعيا للبعض، لذلك بدأت صيحة استخدام شعر مستعار، وكان مفيدا أيضا لمن يعانون من القمل ويضطرون لحلق شعرهم كاملا خلال فترة العلاج.

ويؤكد الموقع أن الصيحة لاقت انتشارا بين أبناء الطبقة الاجتماعية العليا، ففي فرنسا ارتدى لويس الرابع عشر (1643-1715) شعرا مستعارا لإخفاء الصلع المبكر، كما فعل ذلك ابن عمه تشارلز الثاني ملك إنجلترا.

ولم يعد الشعر المستعار موضة المجتمع بحلول عهد الملك جورج الثالث في إنجلترا (1760 – 1820)، وتراجع ارتداؤه واقتصر على الأساقفة وأولئك الذين يعملون في مهنة المحاماة والقضاء، وتوقف الأساقفة عن ارتداء الشعر المستعار في ثلاثينيات القرن الـ19، وظلت المحاكم محتفظة به لمئات السنين.

ومنذ عام 2007، لم يعد المحامون بحاجة إلى ارتداء شعر مستعار أثناء المحاكم المدنية ومحاكم قانون الأسرة، كما أنه لم يعد مظهرا مطلوبا في المحكمة العليا في المملكة المتحدة، لكنه ظل شرطا للمحاكمات الجنائية.

وانتشر بوصفه مظهرا دارجا في المستعمرات الإنجليزية السابقة لبعض الوقت قبل أن يتم التخلي عنه تدريجيا، ففي جامايكا تم التخلي عن الشعر المستعار عام 2013، واقتصر ظهوره بعدها على الاحتفالات فقط. وفي أيرلندا استمر القضاة في ارتدائه حتى عام 2011.

شكل وسعر الشعر المستعار

يختلف الرداء القضائي للمحامين والقضاة والعاملين في السلك القانوني المتعلق بالتقاضي وفق وضعهم ونوع المحكمة، كما أشار موقع "ذي لوير بورتال" التعليمي الذي يهدف إلى توفير الموارد والمعلومات للطلاب والمهتمين بمجال القانون. وغالبا ما يستخدم الشعر المستعار القصير في نطاق العمل، بينما يحتفظ بالأطول للمناسبات الاحتفالية الرسمية.

وعموما؛ خضعت صناعة الشعر المستعار لبعض التغييرات. ففي الأصل، كان الشعر المستعار الذي يُلبَس في قاعات المحكمة ذا قاع كامل ويمتد عادة إلى أسفل العنق في الخلف والجانبين وبطول يصل إلى فوق الكتفين، لكنه أصبح الآن أقصر ومجعدا من الجوانب ويتميز بذيل أطول من الخلف.

يشار إلى أن بعض أنواع الشعر المستعار تصنع يدويا من شعر الخيل بتكلفة تتراوح بين 600 دولار و3 آلاف دولار، وفق كثافة الشعر وطوله.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المملکة المتحدة إلى أن

إقرأ أيضاً:

السنيورة رحب بقرار وقف النار في غزة: على الدول الغربية الضغط الجدي لتطبيقه

أشار الرئيس فؤاد السنيورة إلى أن "الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية عدة، وبعد مماطلة دامت ثمانية أشهر طويلة كانت دامية ومدمرة حالت فيها تلك الدول دون صدور أي قرار لوقف إطلاق النار عن مجلس الأمن، وحرصت خلالها على إعطاء إسرائيل الترخيص بالقتل والتدمير بذريعة حق الدفاع عن النفس بعد اقتحام حماس لمنطقة غلاف غزة، وكأن التاريخ بدأ فقط بيوم السابع من 2023، بينما الحقيقة أن ما حصل ذلك النهار لم يكن بالفعل إلاّ امتداد لتاريخ قاسٍ ودامٍ ومدمرٍ تعاقبت فيه سلسلة طويلة من المآسي والحروب والإخلال بالوعود والتنكر للقرارات الدولية. وذلك ما أكّده الأمين العام للأمم المتحدة في خطابه في مجلس الأمن في ذلك اليوم بأن ما جرى لم يأتِ من فراغ"   ولفت إلى أنه "لذلك، فقد عمدت الولايات المتحدة إلى مؤازرة ومساندة إسرائيل وبرعاية أساطيلها، وعطّلت بذلك التوصل الى أي نتيجة في مجلس الامن، وهو ما أسهم في سقوط أكثر من مائة وثلاثين ألفاً من الشهداء والضحايا والجرحى الأبرياء، وكادت إسرائيل أن تمسح غزة بأسرها عن وجه الأرض".   جاء ذلك في بيان رحب من خلاله السنيورة، بقرار مجلس الأمن الدولي امس الذي قضى بإعلان وقف فوري تام وكامل لإطلاق النار في قطاع غزة والذي صدر بموافقة 14 عضوا وامتناع روسيا عن التصويت.

وقال: "المهم الآن أنّ الولايات المتحدة قد اقتنعت، وبعد طول انتظار بتقديم ودعم إقرار اقتراح وقف إطلاق النار، وذلك بعد إعطاء إسرائيل كل الوقت الذي تحتاجه لتحقيق النصر على الفلسطينيين، وهو ما لم يتحقق، وحيث ثبتت استحالة تصفية القضية الفلسطينية التي باتت تحفر عميقاً في وجدان العرب والمسلمين والأحرار في العالم. وحيث، وفي المحصلة، استحق الفلسطينيون وبجدارة غير مسبوقة بأن يكون لهم وطن".

واعتبر انه "وقد صدر القرار الدولي، وحيث أن حماس قد قبلت الالتزام بهذا القرار، وهو ما بات يُضيِّقُ هامش المناورة على إسرائيل. فمن المهم الآن أن يلتزم المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة بأهمية وصدقية ممارسة الضغط على إسرائيل، وذلك تمهيداً للدخول في مرحلة جديدة تتطلب الالتزام الكامل من قبل إسرائيل بتنفيذ هذا القرار الأممي والعمل بمقتضياته من أجل التوصل إلى إنهاء الحرب والتأسيس للمستقبل من أجل تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة، وبما يعني المسارعة وبصدق والتزام إلى إنشاء حل الدولتين اللتان تكونان جنباً إلى جنب على أساس المبادرة العربية للسلام وعلى حدود العام 1967".

وسأل: "ألا يجدر أن يُطرح السؤال الآن: ألم يكن من الممكن تجنب كل هذه المآسي والحروب؟ وتجنب كل هذا الإزهاق لمئات الألوف من الأرواح البريئة، وتجنب أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبت، وتجنب التدمير وتضييع الفرص على مدى عدة عقود ماضية، والحرص على الالتزام بأدنى المعايير الإنسانية للملايين من المعذبين في منطقة الشرق الأوسط من أجل أن يتحقق لهم مستقبل واعد لهم يستطعيوا من خلاله أن يحققوا غداً واعداً لهم ولأجيالهم القادمة؟".

واعتبر ان "التخلف والتنكر للالتزام بمبادرات السلام السابقة في مدريد وأوسلو، والمبادرة العربية للسلام، وإمعان إسرائيل في ممارسة ضغوطها على الفلسطينيين وتهجيرها لهم والإمعان في بناء المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية، أدّى إلى ما أدّى إليه، وهو ما كان بالإمكان تجنبه، وبالتالي الإسهام في تخفيض الاحتقان والحد من الهجرة الى أوروبا، وبما كان يمكن أن يقطع الطريق على مشكلات وأزْمات لا يعرف العالم الآن كيف يمكن له وكيف يستطيع التعامل معها والحد من تفاقمها".

ورأى أن "المطلوب الآن من الفلسطينيين ولكي يستحقوا أن تكون لهم دولتهم المستقلة أن يمارسوا العمل الجدي من أجل: أولاً، إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وثانياً، التأكيد على فلسطينية وعروبة القضية الفلسطينية. وثالثاً، الخروج من التفكير الضيق والدخول في فضاء التأكيد على مسألة أساسية واحدة، وهي أن القضية الفلسطينية هي القضية الأساس، وليست مسائل وخلافات الفصائل الفلسطينية في تسابقها وتنافسها بين بعضها بعضاً خدمة لها أو خدمة لأجندات خارجية تُملى عليها".

وقال: "ان الدول الغربية مطالبة اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، بممارسة الضغط الكبير والجدي والصادق والمثابر لتطبيق قرار مجلس الامن ومن أجل تنفيذ مقتضيات إحلال السلام في غزة وفلسطين لقطع الطريق على تفاقم المشكلات والأزمات الراهنة في المستقبل اليوم قبل الغد".

مقالات مشابهة

  • الحرب الكبيرة تصنع شعرا جيدا.. ناصر رباح شاعر غزي يرد على المذبحة بالكتابة
  • السنيورة رحب بقرار وقف النار في غزة: على الدول الغربية الضغط الجدي لتطبيقه
  • قبل يوم عرفة.. لماذا تم طلاء محيط مسجد نمرة باللون الأبيض؟
  • إلغاء المؤتمر الصحفي المقرر عقده قبيل مباراة مصر وغينيا بيساو
  • إلغاء المؤتمر الصحفي قبل مباراة مصر وغينيا بيساو
  • منتخب مصر يواجه غينيا بيساو بزيه الأساسي في تصفيات كأس العالم
  • منتخب مصر بالأبيض و غينيا بيساو بالأحمر في مباراة الغد بتصفيات كأس العالم
  • منتخب مصر بالأبيض وغينيا بيساو بالأحمر في مباراة الغد بتصفيات كأس العالم
  • لماذا لا تريد دول جنوب العالم الاحتفاظ باحتياطيات الذهب في لندن وواشنطن؟
  • لماذا لا تريد دول جنوب العالم الاحتفاظ باحتياطات الذهب في لندن وواشنطن؟