تطوير المناهج الدراسية: التفكير الديمقراطي النقدي وبناء الشخصية المستقلة
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
23 سبتمبر، 2024
بغداد/المسلة: مع بداية العام الدراسي الجديد في العراق، تبرز الحاجة الملحة لتطوير المناهج الدراسية بما يتلاءم مع تحديات المرحلة الراهنة والتوجه نحو بناء جيل جديد واعٍ بحقوقه وواجباته منفتح على الآخر وقادر على التعامل مع الواقع الديمقراطي الذي يسعى العراق لتكريسه بعد سنوات طويلة من الدكتاتورية والحروب.
هذه الحقبة القاسية من تاريخ البلاد أثرت بشكل كبير على نظام التعليم وثقافة المجتمع بشكل عام إذ فرضت على أجيال متعاقبة الانغلاق الفكري والانصياع لأفكار السلطة الحاكمة دون تشجيع للحوار أو قبول الاختلاف، فيما ترى ترى تحليلات ان تطوير المناهج في هذا السياق لا يعني فقط إدخال مواد جديدة أو تحديث الكتب بل يتطلب تغييرًا جذريًا في فلسفة التعليم نفسها يجب أن تكون المناهج الجديدة معنية بتعزيز ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان وفتح مجالات التفكير النقدي للطلاب بما يساهم في بناء شخصيات مستقلة قادرة على اتخاذ قرارات مبنية على منطق الحوار والتفكير الحر كما ينبغي أن تشمل المناهج جوانب تطبيقية تسهم في تعزيز مهارات الحياة العملية للطلاب وتوسيع مداركهم في مجالات مثل حل المشكلات والابتكار والعمل الجماعي.
وأكد رئيس تحالف قوى الدولة الوطنية، عمار الحكيم، على أهمية تطوير المناهج الدراسية وتكريس ثقافة الديمقراطية وتقبل الرأي الآخر.
وذكر بيان لمكتبه، ان الحكيم “وفي اليوم الدراسي الأول من العام الدراسي الجديد زار عددا من المدارس بجانب الكرخ في بغداد وبارك لهم إنطلاق العام الدراسي ودعا الطلبة لأن يكونوا نافعين لأنفسهم وعوائلهم وبلادهم”.
وأكد الحكيم “أهمية تطوير المناهج الدراسية بما يسهم في تعزيز مساحة التفكير والجوانب التطبيقية وبناء الشخصية المستقلة للطالب” مؤكدا أيضاً “أهمية أن تكون شخصية الطالب شخصية متفائلة ذات حس وطني ومحبة للحياة والوطن”.
وشدد الحكيم “أيضاً على تكريس ثقافة الديمقراطية وتقبل الرأي الاخر وإدارة الاختلاف وبينا أيضاً ضرورة الإهتمام برباعية الطالب والمدرسة والمعلم والمنهج الدراسي” مؤكداً “أهمية الاهتمام بالملاكات التربوية وتوفير البيئة المناسبة لهم ومنح المعلم حصانة اجتماعية تمكنه من أداء وظيفته وبناء الأجيال كما دعونا لمنح الأسرة التعليمية الامتيازات التي تناسب مع جهدهم ودورهم فضلاً عن توزيع قطع الأراضي عليهم كما دعونا لإستذكار طلبة فلسطين ولبنان وكل الشعوب التي تعاني والتي هدم الاحتلال الإسرائيلي مدارسها ومنشآتها التربوية”.
والجيل الجديد في العراق بحاجة ماسة إلى مناهج تعزز ثقافة السلام والعيش المشترك بعد عقود من الحروب والعنف الطائفي والسياسي.
ويقول المعلم علي عزيز من بغداد انه يجب أن يكون التعليم وسيلة فعالة لبناء مجتمع أكثر تسامحًا وقبولًا للتنوع الديني والعرقي والفكري وذلك من خلال إدماج مفاهيم حقوق الإنسان والحقوق المدنية في مختلف مراحل التعليم وغرس مبدأ أن الاختلاف في الرأي أو الخلفية الثقافية لا يجب أن يكون سببًا للصراع بل مدخلاً للتعاون والتكامل من أجل مستقبل مشترك
والتحدي الأكبر الذي يواجه العملية التعليمية في العراق اليوم هو كيفية تغيير العقليات التي تأثرت بالحقبة الدكتاتورية لتصبح أكثر استعدادًا لتقبل القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وقال المدرس علي فاهم: هنا يأتي دور المدارس في إعداد جيل جديد يؤمن بأن الحقوق والواجبات وجهان لعملة واحدة وبأن الديمقراطية لا تتحقق إلا من خلال احترام الآخر وتقدير حرياته الأساسية وفي مقدمتها حرية التعبير والمشاركة السياسية
ويتحدث المشرف التربوي محمد فرحان عن ان بناء مناهج تعليمية تعزز هذه القيم سيخلق بيئة تعليمية قادرة على تخريج طلاب يمتلكون القدرة على المساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي قائم على العدالة والمساواة كما أن التركيز على تنمية التفكير النقدي وتقبل الرأي الآخر سيكون له أثر إيجابي على العلاقات الاجتماعية داخل المدرسة وخارجها إذ سيصبح الطلاب أكثر وعيًا بأهمية التعاون والعمل الجماعي في حل المشكلات المجتمعية والسياسية
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: تطویر المناهج الدراسیة
إقرأ أيضاً:
الانحدار الثقافي في الولايات المتحدة يهدد مستقبل الديمقراطية
ترجمة - بدر بن خميس الظفري -
كمراقب لأنظمة الحكم الديمقراطية ومحامٍ دستوري في بريطانيا، أتابع بقلق متزايد ما تشهده كثير من الدول الغربية من بوادر انهيار ديمقراطي. قد لا تكون هذه البلدان قد وصلت إلى مستوى فنزويلا أو بيرو أو المجر أو تركيا أو روسيا، لكن ما يحدث فيها يوضح كيف تموت الديمقراطية بصمت، لا بضجيج. لا دبابات تجتاح الشوارع ولا حشود غاضبة تملأ الساحات، لكن ما يجعل الديمقراطية حية تتلاشى ببطء، وغالبًا بدعم جماهيري كبير. هذه الدول ما زالت تقيم انتخابات، وتملك برلمانات ومحاكم، لكن الإطار المؤسسي القائم يخلو من الروح؛ لأن الثقافة السياسية التي تغذيه قد انهارت.
الولايات المتحدة، اليوم، مهددة بأن تُدرج في هذه القائمة. مؤسساتها ما زالت تعمل، رغم التوترات المتزايدة بينها، غير أن التدهور في ثقافتها السياسية مثير للقلق. ويشترك هذا الوضع مع كثير من الديمقراطيات الغربية الأخرى التي تعاني تحت وطأة توقعات متزايدة وغير واقعية من الدولة، يفرضها الناخبون.
الديمقراطية آلية دستورية للحكم الذاتي الجماعي، يُناط فيها اتخاذ القرار بأشخاص يقبل بهم غالبية الناس، وتُقيد سلطاتهم ويُسحب تفويضهم متى اقتضى الأمر. لكن الديمقراطية لا تقوم على المؤسسات وحدها، بل على ثقافة متجذرة في سلوك السياسيين والمواطنين. إنها تتطلب استعدادًا لاختيار حلول يستطيع معظم الناس التعايش معها، وتفرض أعرافًا تحد من الاستعمال التعسفي أو الانتقامي أو القمعي للسلطة، حتى عندما يكون قانونيًا. والأهم من ذلك، أنها تتطلب أن يُنظر إلى الخصوم السياسيين كمواطنين شركاء في الوطن، لا كأعداء يجب سحقهم.
ومن هنا تبرز خطورة دونالد ترامب، الذي يُجسد ثلاث سمات كلاسيكية للأنظمة الاستبدادية هي الزعامة الكاريزمية المحاطة بعبادة شخصية، والخلط بين الدولة وذاته، والرفض التام لشرعية المعارضة أو الاختلاف. والنتيجة هي استبدال حكم القانون بحكم قائم على الأهواء، وهو ما كان المؤسسون الأوائل للولايات المتحدة يعتبرونه الخطر الأكبر على الديمقراطية.
ترامب استخدم سلطاته العامة لتصفية حسابات شخصية. استهدف مكاتب محاماة مثلت خصومه، وحرم شخصيات عامة من الحماية الأمنية، وهاجم مؤسسات ثقافية مثل جامعة هارفرد ومركز كينيدي لأنها لا تتماشى مع أجندته الشخصية. حتى المادة الثانية من الدستور، التي تلزم الرئيس بتنفيذ القوانين بأمانة، باتت مرهونة بمزاجه. فقد وجّه وزارة العدل بعدم تطبيق قوانين صادق عليها الكونجرس، مثل قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، وقلّص أو أوقف برامج خُصصت لها أموال اتحادية، وهدد حكام الولايات بقطع الدعم عنهم ما لم ينصاعوا له.
قد نمتلك نحن المراقبين من الخارج رفاهية المتابعة من مسافة، لكن علينا أيضًا التأمل في هشاشة ديمقراطياتنا. ما يحدث في الولايات المتحدة هو أزمة توقعات، شبيهة بما تمر به كثير من الدول المتقدمة. ففي استطلاع رأي أُجري في بريطانيا عام 2019، أعرب أكثر من نصف المشاركين عن تأييدهم لفكرة أن بلادهم «بحاجة إلى قائد قوي مستعد لكسر القواعد».
شهدت أوروبا ارتفاعًا في الدعم الانتخابي لشخصيات سلطوية بشكل علني، كمارين لوبان في فرنسا، ويورغ هايدر في النمسا، وفيكتور أوربان في المجر، وقيادات حزب البديل لأجل ألمانيا. الأسباب معقدة، لكن أبرزها أن الناس باتوا يتوقعون من الدولة أشياء تفوق قدرتها، ويزداد نفورهم من المخاطرة. في بعض الأحيان، تتحقق هذه التوقعات على حساب قيم مهمة أخرى. وتحديدًا، يعلّق الناخبون آمالهم الكبرى على أن تحميهم الدولة من التقلبات الاقتصادية القاسية.
نحن نطلب من الدولة الحماية من كل الأخطار التي تحفل بها الحياة مثل فقدان الوظيفة والفقر والكوارث الطبيعية والمرض والفقر والحوادث. وهذا نابع جزئيًا من التقدم الهائل في القدرات التقنية للإنسانية منذ القرن التاسع عشر. وبات الناس يطالبون الدولة بحلول لكل أزمة، وإذا لم يجدوا هذه الحلول، رموا بفشلهم على الحكومة.
وعندما تخيب هذه التوقعات، يلوم الناس النظام بأسره، أو ما يسمى بـ«الدولة العميقة». في غياب الثقافة الديمقراطية، يتجه الناس تلقائيًا نحو «الزعيم القوي»، ويخدعون أنفسهم بأن هذا الزعيم سينجز ما عجز الآخرون عنه.
الولايات المتحدة تقدم مثالًا فريدًا. لقد نعمت بما يقارب 150 عامًا من الحظ السعيد والاستقرار النسبي، لكن هذا الحظ قد ينتهي الآن، مع صعود قوى اقتصادية مثل الهند والصين. المهارات التقليدية باتت عديمة القيمة في الاقتصادات مرتفعة الأجور، مع انتقال الثروة نحو صناعات التكنولوجيا المتقدمة، ما أضر بدخول من اعتمدوا على التصنيع والزراعة والصناعات الاستخراجية. وحتى في المجالات التكنولوجية التي لا تزال أمريكا تتفوق فيها، فإن الفجوة بدأت تضيق.
هذه المشكلات لا تخص أمريكا وحدها. أوروبا تعاني منها أكثر، وتوقعاتها من الدولة أعلى. لكن فقدان الأمل لحظة خطرة في حياة أي ديمقراطية. خيبة الأمل من وعود التقدم كانت أحد أسباب الأزمة الأوروبية الكبرى التي بدأت في 1914 وانتهت في 1945.
والمفارقة أن التاريخ يعلّمنا أن الزعماء الأقوياء لا يحققون شيئًا في نهاية المطاف.
ربما يرضون غرور بعض الناس لفترة، لكن بثمن باهظ. غالبًا ما يلتصق هؤلاء بحلول مبسّطة لمشكلات معقدة، ويركزون السلطة في أيدي قلة، دون تخطيط أو بحث أو مشورة. ويحيطون أنفسهم بالموالين بدل الحكماء، وبالمتملقين بدل المستشارين، ويضعون مصالحهم فوق المصلحة العامة. وهذه وصفة للفوضى والانهيار السياسي والانقسام المجتمعي.
إذا استمر الأمريكيون في انتخاب شخصيات سلطوية ومن يروّجون لها إلى الكونجرس، فلن تصمد الديمقراطية. لكن هذا ليس قدرًا محتومًا بعد.
كان الآباء المؤسسون للولايات المتحدة يدركون تمامًا أن الديمقراطية تعتمد على الثقافة، وأنها هشة. كتب الرئيس الثاني للبلاد، جون آدامز، وهو في شيخوخته، أن الديمقراطية، مثل غيرها من أنظمة الحكم، معرضة لأهواء الغرور والطمع والطموح، بل إنها أكثر تقلبًا منها. وخلص إلى أن «لا ديمقراطية في التاريخ إلا وانتهت بالانتحار».
ولذا، صمّم المؤسسون «حكمًا يقوم على القوانين لا على الأشخاص». حكمًا يقوم على مبادئ عقلانية مطبقة باستمرار، لا على أهواء رجال يتحكمون بمصير الدولة. فالحكم القائم على الأشخاص دعوة لحكم الاستبداد، تغذّيه نزوات الغرور والجشع والطموح.
عرفت أمريكا ديماغوجيين في تاريخها، لكنها كانت حتى الآن قادرة على إقصائهم. فقد كانت الأحزاب السياسية تحترم النظام الديمقراطي بما يكفي لقطع الطريق عليهم.
ولا يزال الأمل قائمًا في أن يقتنع الناخبون، بعد تجربة الحكم الفردي، بضرورة العودة إلى الإرث الديمقراطي الحقيقي للولايات المتحدة، وإلى السعي الجاد لجعلها - عظيمة حقًا - من جديد.
جوناثان سمبشن قاض سابق في المحكمة العليا البريطانية ومؤلف كتاب «تحديات الديمقراطية وسيادة القانون».
خدمة نيويورك تايمز