تصفية نصرالله تشكل منعطفاً في صراع إسرائيل وحزب الله
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
قال المؤلف والكاتب الصحفي دانييل بن عامي، إن مقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بغارات جوية إسرائيلية يوم الجمعة الماضي، يشكل منعطفاً في الصراع بين إسرائيل والحزب.
ولفت بن عامي النظر إلى أن وسائل الإعلام الدولية، بما في ذلك "الجزيرة" و"بي بي سي" و"سكاي نيوز" البريطانية، تركز بشكل أكبر على الخسائر المدنية في لبنان وغزة، بدلاً من هجمات حزب الله الصاروخية والانتهاكات المستمرة لقرارات الأمم المتحدة.
التهديد بالإبادة
وأوضح الكاتب في مقاله بموقع مجلة "سبايكت" الإلكترونية البريطانية أن حزب الله جزء من حركة متشددة أوسع نطاقاً، متجذرة في أيديولوجيات تعود إلى عشرينيات القرن الماضي. وتشترك هذه الجماعات، بما في ذلك حماس والميليشيات المدعومة من إيران، في هدف مشترك مفاده تدمير إسرائيل. ويتردد صدى هذا الشعور لدى زعماء حزب الله، مثل نصر الله، الذي أشار إلى إسرائيل بوصفها "ورماً سرطانياً" يجب استئصاله.
وقال الكاتب: يرتبط هذا الموقف المعادي للسامية بالأسس السياسية التي وضعها أيديولوجيون متتشددون مثل سيد قطب، الذي تلهم كتاباته المتشددين السُنَّة والشيعة على حد سواء.
Flattening six residential buildings likely killing hundreds without distinguishing an enemy target is precisely the type of scenario the laws of war were designed to prevent.
An image of immense human suffering, with Nasrallah reportedly not even dead.pic.twitter.com/sVonGBNRne
وأضاف بن عامي أن أهداف حزب الله تتجاوز حدود لبنان، وأن الحزب تحول إلى قوة عسكرية قادرة على شن هجمات باليستية على تل أبيب، كما رأينا هذا الأسبوع. ورغم إضعاف الجيش الإسرائيلي لقدرات حزب الله في الأسابيع الأخيرة، فإن الحزب ما يزال يشكل تهديداً كبيراً بـ 45000 مقاتل، تم تدريب العديد منهم من قبل إيران. ويرى الكاتب أن وفاة نصر الله تسلط الضوء على حاجة إسرائيل للرد بقوة على مثل هذا الخصم الهائل.
الجذور التاريخية
وأوضح بن عامي أن صعود حزب الله إلى الصدارة كان مدفوعاً جزئياً بغزو إسرائيل لجنوب لبنان عام 1982، مشيراً إلى أن أصول التنظيم تكمن في تاريخ أطول بكثير من الصراع الإقليمي. وسمحت الحكومة المركزية الضعيفة في لبنان للجهات الفاعلة غير الحكومية مثل حزب الله بالازدهار، وخاصة داخل أقليتها الشيعية.
Hasan Nasrallah died on the road to liberate Palestine
by Ali Abunimahhttps://t.co/t3FSPakFQt
What is most sobering is that the war to liberate Palestine and the region from Zionism will be no less brutal on the people of the region than the wars to liberate Algeria, Vietnam,…
وأشار بن عامي إلى العلاقات العسكرية والأيديولوجية الوثيقة بين حزب الله وإيران، موضحاً أن الهدف من قيام إيران بتسليح حزب الله يأتي ضمن استراتيجيتها الأوسع نطاقاً المناهضة لإسرائيل. وتبنت القيادة الإيرانية، خاصة آية الله خامنئي، تاريخياً نفس الآراء المعادية للسامية التي تحدد مهمة حزب الله المتمثلة في محو إسرائيل.
الرد الإسرائيلي المبرر على التهديد الوجودي
وفي الدفاع عن الرد العسكري الإسرائيلي، يضع بن عامي الصراع الحالي كجزء من معركة إسرائيل من أجل البقاء. فترسانة حزب الله الضخمة من الصواريخ وقوته القتالية الهائلة تجعله يشكل خطراً حقيقياً على الأمن الإسرائيلي المحاط بجهات فاعلة معادية تتضمن حزب الله وحماس وغيرهما من الجماعات المدعومة من إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وفي حين تصور وسائل الإعلام الإجراءات العسكرية الإسرائيلية على أنها غير متناسبة أو غير إنسانية، فإن هذه الانتقادات تفشل في النظر في التهديد الوجودي الذي يشكله أعداؤها. ولا تستطيع إسرائيل أن تتهاون في دفاعها عن نفسها، فهي، حسب تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، تقاتل حالياً على سبع جبهات، مما يسلط الضوء على الطبيعة المتعددة الجوانب للصراع.
ضرورة هزيمة حزب الله
وقال بن عامي إن تصفية نصر الله تشكل لحظة محورية في صراع إسرائيل ضد حزب الله، منتقداً وسائل الإعلام لتقليصها من أهمية المخاطر الوجودية لهذه الحرب، ومؤكداً ضرورة أن تظل إسرائيل يقظة ضد الجماعات التي تسعى إلى تدميرها.
وأضاف الكاتب: إن مقتل نصر الله يذكرنا بضرورة الجهود العسكرية التي تبذلها إسرائيل لتحييد تهديدات المتشددين الذين يعرضون وجودها للخطر، منوهاً إلى أن الحرب ضد حزب الله ليست مجرد صراع عسكري، بل هي ضرورة أخلاقية لبقاء إسرائيل.
ودعا الكاتب المراقبين الدوليين إلى الاعتراف بالطبيعة الحقيقية لأهداف حزب الله والاعتراف بشرعية تصرفات إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الفناء، زاعماً بأن هذا الصراع لا يتعلق بالأرض أو القوة السياسية بل بالبقاء، حيث لا يُظهِر حزب الله وحلفاؤه أي استعداد لقبول حق إسرائيل في الوجود.
ورأى الكاتب أن التقليل من أهمية أهداف حزب الله قد يؤدي إلى سوء فهم القضايا الأساسية التي تحرك هذه الحرب المستمرة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: إسرائيل وحزب الله تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله نصر الله حزب الله بن عامی
إقرأ أيضاً:
لازلو كراسناهوركاي.. الكاتب الذي عبر من الأدب إلى السينما وصولا إلى نوبل
في عالم يضج بالأصوات وتذوب فيه المعاني وسط فوضى السرعة، يطل الكاتب المجري لازلو كراسناهوركاي كمن يكتب ترنيمة وداع للعالم قبل أفوله. جمله الطويلة تتلو على القارئ نشيدا من الدهشة والرعب، من الخراب والسمو. إنه ببساطة يواجه الفوضى بجلال الفن، ويعيد إلى الأدب صفاءه الميتافيزيقي، لذلك نال نوبل في الأدب هذا العام اعترافا برؤياه التي تحرس الجمال وسط الانهيار، كما ورد في حيثيات فوزه بالجائزة.
من قلب المجر، الأرض التي أنجبت إيمري كيرتز، الحائز نوبل قبل أكثر من عقدين، ينهض كراسناهوركاي كصوت كوني نادر، يكتب عن هشاشة الإنسان وعزلته الوجودية، إلا أنه وسط هذا اليأس والخراب يومض في نصوصه إيمان بأن الجمال لا يهزم، وأن الفن ما زال قادرا على تضميد جراح العالم، هذا الإيمان منح أدبه حضورا عالميا توّج بعدد من الجوائز، من بينها جائزة بوكر الدولية (2015) والجائزة الوطنية الأميركية للكتاب المترجم (2019).
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مهرجان البحرين السينمائي يكرم منى واصف تقديرا لمسيرتها الفنيةlist 2 of 2"سلام لغزة".. الفنانون العرب يودّعون الحرب برسائل أمل وتضامنend of listوقد وصفه رئيس لجنة نوبل، أندرس أولسون، بأنه "كاتب ملحمي كبير في التقليد الأوروبي الممتد من كافكا إلى توماس برنارد"، في حين نعتته سوزان سونتاغ "بالسيد المجري لنهاية العالم"، أما الروائي كولم تويبين فاعتبره "رؤيويا أدبيا فريدا فتح للرواية المعاصرة فضاء لم يكتشف من قبل".
ولد كراسناهوركاي عام 1954 في مدينة غيولا الصغيرة بجنوب المجر، لأسرة يهودية من الطبقة الوسطى آمنت بالمعرفة والانضباط. كان والده مهندسا كما عملت أمه في التدريس، لكن الابن المتمرد سرعان ما انحرف عن الطريق المرسوم له؛ إذ ترك دراسة الحقوق ليغوص في عوالم الأدب، مبحرا في الفلاسفة والروايات الروسية والألمانية، حتى صارت الكتابة وسيلته لاستكشاف الواقع وفهمه.
في جامعة بودابست تبلورت رؤيته للعالم كمكان هش يتداعى تحت وطأة المعنى، وهناك كتب روايته الأولى، بعد سنوات من العزلة والتأمل قبل أن تصدر عام 1985، معلنة ميلاد كاتب استثنائي يكتب كما لو كان يرصد انهيار العالم، من داخله، يتجلى هذا بوضوح في أعماله اللاحقة التي اعتمدت توليفة مغايرة وصفها الشاعر جورج سزيرتس، أحد مترجميه إلى الانجليزية، بأنها "نهر أسود من الكتابة، يتدفق كحمم سردية بطيئة"، انعكس ذلك على تعامله مع تركيب الجملة وعلامات الترقيم، حتى صار القول المأثور لديه: "سيضع الله النقطة الأخيرة".
في عام 1989 أصدر كراسناهوركاي روايته الشهيرة "كآبة المقاومة"، وهي عمل فانتازي يختلط فيه الحلم بالرعب، تدور أحداثه في بلدة مجرية صغيرة عند سفوح جبال الكاربات، ينقلب عالمها رأسا على عقب بعد العثور على جثة حوت عملاقا في وسطها.
إعلانوفي روايته "حرب وحرب" (1999) يتتبع الكاتب رحلة كورين، أمين المحفوظات البسيط الذي يقرر، كفعل أخير في حياته، أن يسافر من ضواحي بودابست إلى نيويورك ليعيش لحظة واحدة في ما يسميه "مركز العالم". وقد شكلت هذه الرواية اللبنة الأولى لعالمه السردي الواسع الذي تطور لاحقا في رواية "عودة البارون فينكهايم إلى دياره" (2016)، حيث يستحضر كراسناهوركاي أجواء دوستويفسكي وروايته "الأبله" من خلال شخصية الأمير ميشكين، ولكن برؤية معاصرة ومجرية قاتمة.
ورغم الطابع الفلسفي الكثيف لأعماله، وجدت كتاباته طريقها إلى الشاشة قبل حصوله على جائزة نوبل، إذ تحولت بعض رواياته إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية، في تجربة نادرة لكاتب بهذا العمق الأدبي. هذا النجاح البصري قد يمهد الطريق في المستقبل لمزيد من الاقتباسات، خصوصا أن الكاتب البالغ من العمر 71 عاما لا يزال يكتب بغزارة.
آخر أعماله رواية "هيرشت 7769" الصادرة عام 2021 والمترجمة إلى الإنجليزية عام 2024 تمثل ذروة مشروعه اللغوي، إذ تمتد على أكثر من 400 صفحة مكتوبة في جملة واحدة متصلة، تبدأ بتأكيد حاسم أن "الأمل خطأ" وتنتهي بتحذير من "ليل لا يرحم يخيم بثقله على الأرض"، لتختَتم كما بدأت، في عالم تتناوب فيه الفوضى واليأس كأنهما وجهان لحقيقة واحدة.
إلى جانب مسيرته الروائية، خاض كراسناهوركاي تجربة كتابة السيناريو أكثر من مرة، ولا سيما في الأفلام المقتبسة من أعماله الأدبية. ويعدّ تعاونه مع المخرج المجري العالمي بيلا تار، ابن بلدته، من أبرز وأعمق الشراكات في تاريخ العلاقة بين الأدب والسينما الحديثة؛ شراكة فكرية وجمالية تذكر بالروابط التي جمعت دوستويفسكي بتاركوفسكي، وكافكا بميشائيل هانِكه، ونجيب محفوظ بكل من صلاح أبو سيف وحسن الإمام.
هذا التعاون لم يكن مجرد تحويل للنص إلى صورة، بل حوار فلسفي مستمر حول ثقل الوجود الإنساني واستحالة الخلاص في عالم مضطرب. في أعمالهما المشتركة، تتداخل اللغة والصورة في بنية واحدة، كأن السينما نفسها أصبحت استعارة بصرية لاضطراب الإنسان الكوني.
ويبلغ هذا التلاحم ذروته في فيلم "حصان تورينو" (2011)، حيث يعيد المبدعان طرح سؤال النهاية، نهاية العالم والسينما معا، انطلاقا من الحكاية الشهيرة عن نيتشه والحصان المنهك. ومع تقدم السرد، يتحول الفيلم إلى تأمل وجودي عميق في فلسفة الفناء، وفي هشاشة الحياة أمام الصمت والمصير المحتوم.
يتوزع التعاون بين لازلو كراسناهوركاي والمخرج المجري بيلا تار على محطات مفصلية شكلت ملامح سينما تأملية فريدة. بدأ هذا التعاون بفيلم "الإدانة" (1988)، ثم تلاه فيلم "القارب الأخير" المقتبس من مجموعته القصصية "القارب الأخير والوقوع في أيدي الحلاقين"، قبل أن يتعمق أكثر مع أعمال بارزة مثل "الرجل من لندن"، و"تناغمات فيركمايستر" (2000)، أحد أكثر أفلام تار شاعرية وتأملا. استغرق إنجاز الفيلم سنوات طويلة حتى عثر المخرج مصادفة على بطله في ألمانيا، وهو ممثل هاو لم يقف أمام الكاميرا من قبل.
إعلانيتميز المشهد عند بيلا تار بتجرده وبطئه المفرط أحيانا؛ كاميرا ثابتة، إيقاع زمني ثقيل، وشخصيات تتحرك كأنها منحوتات بشرية في فضاء صامت. يعتمد المخرج على تكوين بصري صارم، تغلفه موسيقى منخفضة النغمة تسير على وتيرة شبه ثابتة، بينما تمنح نصوص كراسناهوركاي مساحة لصوت داخلي هش يعكس صخب الوجود الإنساني. من هنا، لم يكن الكاتب مجرد مصدر أدبي لأعمال تار، بل شريكا فلسفيا في صياغة عالم بصري مواز لعالمه الروائي، عالم يبطئ الزمن ليختبر الصبر، ويحول المأساة إلى تأمل شعري في معنى البقاء.
وفي "ساتانتانغو" (1994)، المأخوذ عن رواية كراسناهوركاي الأولى "تانغو الشيطان"، تبلغ هذه الشراكة ذروتها. افتتح الفيلم بلقطة تمتد قرابة 10 دقائق، تتحرك ببطء شديد داخل حظيرة تملؤها الأبقار، في إشارة إلى الانهيار والركود الوجودي. استخدم تار الكاميرا كما يستخدم الكاتب الجملة الطويلة؛ تموّج متواصل من دون انقطاع، مشاهد تمتد لدقائق فوق الطين وفي طرق تغمرها الأمطار، حيث يتكرر الزمن وتذوب الحدود بين الواقع والخيال. إنها تجربة سينمائية تتحدى إيقاع الزمن التقليدي وتحول البطء إلى فلسفة، يتجاور فيها الجمال واليأس في تناغم أقرب إلى سيمفونية بصرية.
عرض الفيلم أول مرة في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي عام 1994، في عرض استمر أكثر من 7 ساعات ونصف، ليعدّ أحد أطول الأفلام في تاريخ السينما. ويروي الناقد محمد رضا أن القاعة امتلأت في البداية بعشرات المتفرجين، لكن في نهاية العرض لم يبق سوى 10 فقط، مذهولين أمام هذه التجربة المتطرفة في بطئها وتأملها. ومع ذلك، أصبح العمل لاحقا علامة فارقة في "سينما البطء" (Slow Cinema)، وجعل من بيلا تار وكراسناهوركاي ثنائيا أسطوريا في السينما الأوروبية المعاصرة.
لقد نجح الاثنان في تشييد بناء درامي مضاد لمفاهيم الحركة والسرعة في السينما الحديثة؛ عالم تتحول فيه اللقطة الطويلة إلى مرآة للانتظار الإنساني، انتظار لا ينتهي، كما في مسرح بيكيت وعبثه الوجودي في "في انتظار غودو".
بهذا، يصبح البطء عند تار وكراسناهوركاي فلسفة للوجود ذاته، لا مجرد إيقاع سردي بل مقاومة فنية ضد العالم الذي يركض، واحتفاء ببطء يعيدنا إلى جوهر الإنسان أمام صمت الكون.