تراجع المبيعات ومنافسة الصين يعمقان أزمة قطاع السيارات الأوروبي
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
يعاني قطاع صناعة السيارات، وخاصة السيارات الكهربائية، في أوروبا من أزمة ركود، وهو أمر يقوض الأهداف الطموحة للاتحاد الأوروبي في وضع حد لمبيعات السيارات الجديدة التي تعمل بالديزل والبنزين بحلول عام 2035.
ورغم محاولات الحكومات تعزيز مبيعات السيارات الكهربائية عبر تقديم المكافآت لشرائها. وتحد المنافسة القوية من قبل شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية من المبيعات بأوروبا، لكنها لم تفلح.
وقالت الرابطة الأوروبية لمصنعي السيارات، إن دوائر الصناعة تبذل قصارى جهدها؛ كي تمتثل لأهداف إزالة الكربون، ولكن هذه الجهود تواجه عراقيل بسبب مشكلات تشمل تراجع سوق السيارات الكهربائية، ونقص البنية التحتية للشحن وضعف القدرة التنافسية التصنيعية في الاتحاد الأوروبي.
وقدمت الرابطة الأوروبية لمصنعي السيارات – مجموعة ضغط صناعية – طلباً رسمياً للمفوضية الأوروبية، تدعو فيه «مؤسسات الاتحاد الأوروبي إلى طرح تدابير إغاثة عاجلة قبل أن تدخل أهداف ثاني أكسيد الكربون الجديدة للسيارات، والحافلات الصغيرة (فان)، حيز التنفيذ في عام 2025».
وتتسابق أوروبا من أجل إنتاج المزيد من السيارات الكهربائية في إطار التحول الأخضر، الصديق للبيئة، مع اقتراب الموعد النهائي لتخلص الاتحاد الأوروبي التدريجي من بيع سيارات محركات الوقود الأحفوري بحلول عام 2035.
وعلى الرغم من ذلك، وبعد سنوات من النمو، بدأت مبيعات السيارات الكهربائية تتراجع في نهاية عام 2023، وهي تمثل الآن 12.5 في المائة فقط من السيارات الجديدة التي يتم بيعها في القارة.
وقالت الرابطة الأوروبية لمصنعي السيارات: «نفتقر للظروف الأساسية للوصول إلى التعزيز الضروري في إنتاج وتبني المركبات الخالية من الانبعاثات: البنية التحتية للشحن، وإعادة تعبئة الهيدروجين، فضلاً عن البيئة التنافسية للتصنيع، والطاقة الخضراء ذات الأسعار المعقولة، وحوافز الشراء، والضرائب، ووجود إمدادات آمنة من المواد الخام والهيدروجين والبطاريات».
السيارات الألمانية
وترددت أصداء المشكلات التي تواجه شركات صناعة السيارات الألمانية في باقي أنحاء أوروبا. وألمانيا دولة تحظى بصناعة واسعة تشمل علامات تجارية كبرى، مثل مجموعة فولكس فاغن وبي إم دبليو ومرسيدس.
ويعاني مصنعو السيارات في ألمانيا من ضعف المبيعات، مع ارتفاع تكاليف التحول إلى أنظمة القيادة الكهربائية.
واضطرت شركة مرسيدس في الآونة الأخيرة إلى خفض التوقعات بشأن أرباحها للعام الحالي، بسبب تعثر المبيعات في الصين. وكانت شركة «بي إم دبليو» خفضت في وقت سابق التوقعات الخاصة بمبيعاتها وأرباحها لهذا العام.
وتواجه مجموعة فولكس فاغن عمليات تسريح إجبارية وإغلاق مصانع، لأول مرة خلال ثلاثة عقود. وبحسب تقرير إعلامي، قد تلغي الشركة العملاقة 30 ألف وظيفة من أصل 300 ألف في ألمانيا.
وتراقب الدول الأوروبية التي تتعاون مع شركة فولكس فاغن إمكانية شطب الوظائف في ألمانيا، عن كثب.
وفي البرتغال، يواصل مصنع أوتويوروبا، التابع لشركة فولكس فاغن، في بالميلا، جنوب لشبونة، تأثيره الاقتصادي الواسع في البلاد، حيث أسهم بنسبة 1.3 في المائة في إجمالي الناتج المحلي خلال عام 2023، كما أنه يشكل الاستثمار الأجنبي الرئيسي الذي جرى تنفيذه على الإطلاق في البلاد.
وفي ألمانيا، جرى تحديد عدد من العوامل التي تفسر سبب الصعوبات التي تواجهها صناعة السيارات في البلاد، وكان أبرزها: ركود التنقل الكهربائي؛ إذ أدى إلغاء الدعم على المستوى الاتحادي في ألمانيا، العام الماضي، إلى انهيار الطلب على السيارات الكهربائية، التي تعمل بالبطاريات.
وخلال شهر أغسطس (آب) الماضي، تراجعت عمليات تسجيل السيارات الجديدة في ألمانيا بواقع 28 في المائة، مقارنة بالشهر المقابل من العام الماضي، مقابل انخفاض في الاتحاد الأوروبي ككل بنسبة 18 في المائة.
وعلى مدار سنوات عديدة، ضمنت سوق السيارات في الصين تحقيق نمو سريع وأرباح مرتفعة. ولكن التعثر الحالي للطلب على طرز السيارات الألمانية، وجّه صفعة شديدة لشركة فولكس فاغن والشركات الأخرى.
يتمثل العامل الرابع في: التكاليف المرتفعة؛ إذ يعاني المصنعون الألمان من ارتفاع كبير في تكاليف الطاقة والعمالة. ووفقاً للخبير شووب، يعدّ إنتاج نماذج سيارات ذات تكلفة أقل، غير مربح في ألمانيا.
يواجه المصنعون الأوروبيون منافسة من السيارات الكهربائية الصينية الأرخص، حيث تتهم بروكسل بكين بتقديم دعم غير عادل للمصنعين المحليين.و
وكي لا تتعرض شركات صناعة السيارات الكهربائية الأوروبية لمزيد من التقويض من قبل شركات صناعة السيارات الصينية، قدمت المفوضية الأوروبية خطة بفرض رسوم إضافية على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، بالإضافة إلى الرسوم الحالية.
وأثارت هذه القضية انقساماً بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وصوّتت عشر من الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي، الجمعة، لصالح زيادة الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية من الصين بواقع 35.3 في المائة، إضافة إلى الرسوم الحالية، 10 في المائة.
وصوتت خمس دول، تمثل نحو 23 في المائة من إجمالي سكان التكتل، ضد الرسوم الإضافية. وامتنعت 12 دولة عن التصويت.
وقال دبلوماسيون من التكتل لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن الرسوم الجمركية ستطبق لمدة خمس سنوات.
ويأمل الاتحاد الأوروبي من خلال الرسوم الجديدة في توفير الحماية لصناعة السيارات بالتكتل، والتي توفر فرص عمل لنحو 14 مليوناً من سكانه.
وانتقدت ألمانيا، ومؤخراً إسبانيا، الرسوم الجديدة، حيث تخشى الدولتان من أنها قد تؤدي إلى حرب تجارية مع الصين، في حين تؤيد دول أعضاء أخرى الرسوم، وبينها فرنسا وإيطاليا.
ولا يزال قرار بدء فرض الرسوم الجديدة التي من شأنها أن تفجّر موجة جديدة من الصراع التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين، بدءاً من أول المقبل، متروكاً للمفوضية.
وفي الوقت نفسه، يمكن إلغاء هذه الخطة حال تمكنت المفوضية من الوصول إلى اتفاق تفاوضي مع الصين.
وقالت المفوضية، في بيان عقب تصويت يوم الجمعة: «يواصل الاتحاد الأوروبي والصين العمل بجد للبحث عن حل بديل».
وحذر وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر، عقب التصويت، من تصاعد النزاعات التجارية، مشدداً في بيان نشره على منصة «إكس»: «نحن بحاجة لحل تفاوضي».
وتعارض شركات صناعة السيارات الألمانية التي تضم علامات تجارية مثل فولكس فاغن وبي إم دبليو ومرسيدس، بشكل عام، الرسوم حيث تستثمر بكثافة في السوق الصينية وتبيع جزءاً كبيراً من إنتاجها في هذه السوق.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: شرکات صناعة السیارات السیارات الکهربائیة فی الاتحاد الأوروبی فولکس فاغن فی ألمانیا فی المائة
إقرأ أيضاً:
الصين بين تحديد النسل وتعزيزه
يتحكم الاقتصاد لا محالة في سعي الحكومات لتغيير وتطوير خططها الاستراتيجية ومشاريعها التنموية المستقبلية، وقد تتخذ بعض الحكومات قرارات صارمة في مواجهة الكثير من تحديات الواقع ومستحدثات المرحلة الزمنية، ثم يتغير الوقت والمرحلة فتضع خططا مختلفة وسياسات مغايرة، والمشكلة تكمن في عدم سهولة التبدل إذا ما تعلق الأمر بتراكمية التفكير وتقنين السلوك، من ذلك ما قامت به الصين في مواجهة زيادة عدد السكان مقابل الموارد الاقتصادية، إذ ضغطت السياسة الحكومية على الأزواج لتحديد النسل عبر غرامات باهظة، عمليات إجهاض قسرية، وعمليات تعقيم، بقيت هذه الضغوطات لعقود قبل أن تبدل الحكومة سياستها مؤخرًا متوسلة شبابها لإنجاب المزيد من الأطفال، ففي الأسبوع الماضي، وفي أحدث مساعيها لتعزيز معدلات المواليد المتراجعة، أعلنت الصين أنها ستقدم للآباء دعمًا سنويًا قدره 3600 يوان (500 دولار أمريكي) لكل طفل حتى سن الثالثة، يسري بأثر رجعي اعتبارًا من 1 يناير.
وتبلغ تكلفة تربية طفل حتى سن الثامنة عشرة في الصين في المتوسط 538 ألف يوان (75 ألف دولار أمريكي)، أي أكثر من ستة أضعاف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعلها من أغلى الأماكن في العالم لإنجاب الأطفال نسبيًا، وفقًا لدراسة حديثة أجراها معهد يووا لأبحاث السكان في بكين، كل ما سبق سلب عرض الحكومة الصينية الحالي إغراءه وقدرته على إقناع الشباب الصيني بالإنجاب وتربية الأبناء.
هذه النظرة السوداوية للأبوة والأمومة في المستقبل يحفزها تباطؤ الاقتصاد الصيني وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب ممثلةً عقبة رئيسية أمام مساعي الحكومة لتشجيع الشباب على الزواج وإنجاب الأطفال، وفي مواجهة انكماش القوى العاملة وتسارع شيخوخة السكان، ألغت الصين سياسة الطفل الواحد في 2016، مما سمح للأزواج بإنجاب طفلين، ثم 3 في 2021، إلا أن معدلات المواليد استمرت في الانخفاض، حيث يشهد عدد السكان انكماشًا لـثلاث سنوات متتالية على الرغم من الانتعاش الطفيف في المواليد العام الماضي، مما دفع الخبراء إلى التحذير من انخفاض أكثر حدة مستقبلا، ومن هذا المنطلق تحديدا انطلقت حملة الصين الداعمة للإنجاب ضمن برنامج الدعم الوطني لرعاية الأطفال المُعلن عنه لسنوات مضت؛ حيث جربت السلطات المحلية مجموعة من الحوافز بداية من الإعفاءات الضريبية، ومزايا السكن، مرورا بالمساعدات النقدية، إلى إجازات الأمومة الممتدة، والآن، تتولى الحكومة المركزية زمام المبادرة من خلال برنامج وطني موحد، يُخصص 90 مليار يوان (12.54 مليار دولار) كإعانات من المتوقع أن تستفيد منها 20 مليون أسرة هذا العام.
الظاهرة التي كانت قبل عقود أزمة تتطلب التطويق والتقييد هي اليوم مطلب وطني يستوجب التشجيع والتحفيز، وهو ما أكدته إيما زانغ، عالمة الديموغرافيا وأستاذة علم الاجتماع في جامعة ييل (وفقا ل CNN) «لم تعد مجرد تجربة محلية، بل إنها إشارة إلى أن الحكومة ترى أزمة معدل المواليد أزمةً ملحةً ووطنية» وأضافت: «الرسالة واضحة: نحن لا نطلب منكم إنجاب أطفال فحسب، بل نوفر أخيرًا بعض المال» ورغم الترحيب الذي صادفه البرنامج الجديد، الذي يقدم أيضًا إعانات جزئية للأطفال دون سن الثالثة المولودين قبل 2025، ترحيبًا من الآباء المؤهلين، لكن زانغ تؤكد إنه من غير المرجح أن يُحدث فرقًا في معدل الخصوبة، مؤكدة على سياسات مماثلة فشلت إلى حد كبير في زيادة معدلات المواليد في مجتمعات شرق آسيا الأخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
الشباب الصينيون (وخاصةً أولئك الذين شهدوا العقوبات القاسية لسياسة الطفل الواحد بأنفسهم) والذين يعانون من أسعار المساكن، وساعات العمل الطويلة، وسوق العمل غير المستقر لن يغير البرنامج بحوافزه شيئا من تفكيرهم تجاه ثقافة الإنجاب وتربية الأطفال، فضلا عن موضوعات أخرى تفضي للتشكيك في المستقبل كالأمن الوظيفي، وكبر سن الوالدين، والضغوطات الاجتماعية، ولا يخفى على جيل الشباب مفارقة التحول من تغريم الآباء على الولادات غير المصرح بها بالأمس إلى دعمهم لإنجاب المزيد من الأطفال اليوم، وقد عبر كثير منهم على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية عن ذلك ناشرين صورًا لإيصالات قديمة تُظهر الغرامات التي دفعها آباؤهم سابقًا مقابل إنجابهم أو إنجاب أشقائهم.
ختاما، لم تعد أزمة تقييد الإنجاب وعدم الإقبال على تأسيس أسرة أزمة الصين وحدها بعد عقود من الصرامة، بل أزمة كل المجتمعات مع تشابه الواقعين الاقتصادي والاجتماعي، ومع كل تحولات العصر لا بد من وقفة جادة على إحصائيات تفصيلية للأوضاع الاقتصادية مقابل الموارد الطبيعية ومتطلبات التنمية دون إغفال إحصائيات الأسر والمواليد، لأن التنمية ليست كلها للبنيان، كما أن الاقتصاد ليس ميزانية وأرقام وحسب، كل ذلك ينبغي أن يكون للإنسان منطلقا وغاية، لا بد من تنمية للإنسان متضمنة التأهيل الفكري والنفسي لتجاوز القسوة دون مراعاة تحديات الواقع، أو الترف دون إدراك صعوبات المستقبل .
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية