جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-07@23:42:53 GMT

تضحيات تصوغ النصر

تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT

تضحيات تصوغ النصر

 

 

 

خالد بن سالم الغساني

 

يبرز نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتشمخ  بسالة مقاومته، في قلب التاريخ، كرمزٍ للصمود والإصرار؛ حيث يمزج  بين الألم والأمل في قصة كفاحٍ لم تنحنِ أمام ويلات التهجير والحصار والدمار، ولن تنحنِ أمام حرب التجويع التي يمارسها الكيان الصهيوني صد شعب غزة الآن، فمن نكبة 1948، مرورًا بانتفاضتي 1987 و2000، إلى طوفان الأقصى وحروب غزة المستمرة، يروي الفلسطينيون بدماء شهدائهم وصبر أمهاتهم، وصرخات أطفالهم قصة إيمانٍ لا يتزعزع بحقهم في أرضهم المقدسة، تضحياتهم الكبيرة، وآلامهم التي لا تتوقف هي لبناتٌ في بناء النصر، تُكتب بأحبار من الإيمان والإرادة والعزيمة التي لا تنثني.

كلُّ شهيدٍ رَوَت دماؤه ترابَ فلسطينَ يُنبت ثورةً، وكلُّ بيتٍ هُدِّم بَنَى جدارًا من العزيمة، وكلُّ طفلٍ يفقد مدرستَه يكبر معه حلمُ التحرر.

المقاومة الفلسطينية بأشكالها المختلفة والمتعددة، المسلحة والسلمية، بالحجارة أو بالفن والثقافة، تثبت أن الهزيمة الحقيقية هي الاستسلام، وهو خيارٌ لم يعرفه ولن يعرفه الفلسطينيون يومًا.

في هذه المسيرة النضالية الشاقة، يحاول الانهزاميون، قياس النضال بمقاييس مادية، فيعدّون الشهداء والدمار والتشريد هزيمة، متناسين أن التاريخ يرفض هذا الادعاء.

في انتفاضة الحجارة عام 1987، واجه الأطفال الفلسطينيون دبابات الاحتلال بحجارةٍ وإرادة، فألهموا العالم بصمودهم، وساهموا في تعبئة الوعي العالمي بالقضية. واليوم تستمر المقاومة مدعومة بالتضامن العالمي وحركات المقاطعة، مما يؤكد أن كل تضحية تخطو خطوة نحو النصر.

وكل يوم يمر يفشل الاحتلال بكل قوته العسكرية، وجسور دعمه الأمريكية والغربية، يفشل في كسر إرادة شعبٍ يرفض الخضوع.

النضال الفلسطيني جزءٌ من سلسلة نضالات الشعوب الحرة، ففي فيتنام تحدى الفيتناميون بأسلحة بدائية، قوى الاستعمار الفرنسي ثم الأمريكي، وحققوا النصر بعد عقود من التضحيات، وبنوا دولتهم بإرادتهم وعزيمتهم الحرة، ولم يكتب التاريخ هزيمتهم في كل خسائرهم الجسيمة، بل لقد كتب نصرهم في كسر غطرسة المستعمر، وفي كوبا، قاد فيديل كاسترو ورفيقه الأرجنتيني تشي جيفارا ثورةً ألهمت العالم، وتحولا إلى رمزين عالميين للتحرر، وأيقونتين لمعنى النضال، رغم الحصار والعزلة الطويلتين اللتين فُرضتا على كوبا، بينما في بلد المليون ونصف شهيد، الجزائر العزيزة، سالت الدماء غزيرة، لتتوج بتحقيق الاستقلال عام 1962، بعد استعمار دام 132 سنة، وتم طرد الاستعمار نهائيًا، فكانت كل خسارة خطوة نحو الحرية، وكل تضحية لبنةً في استعادة السيادة.

هذه الشعوب لم تقس نجاحاتها أو خسائرها بعدد الشهداء وحجم الدمار؛ بل بمدى تمسكها بحقها في الكرامة، وإصرارها على النضال حتى النصر مهما عظمت التضحيات وتراكمت الخسائر؛ فالعبرة في النهاية، والنهاية هي الحرية الكاملة لأراضيها وشعوبها.

إنَّ محاولاتِ الانهزاميين والمُستسلِمين فرضَ معايير الهزيمة عبر التركيز على عدد الشهداء أو حجم الدمار، متجاهلين السياق التاريخي للنضال، قد أثبتَ التاريخُ حقيقتَه التي لا يدانيها الشك، بأنَّ الانتصار لا يُقاس بالخسائر المادية، بل باستمرار الكفاح.

الفلسطينيون، مثل الفيتناميين والجزائريين، يبنون نصرهم يومًا بعد يوم، لا بالتوقف عن الخسارة، بل بالتوقف عن الخوف منها. كل تضحية هي بذرةٌ تُزرع في أرض الحرية، وكل صرخة طفل هي صوت المستقبل، إنهم يلهمون العالم من خلال صمودهم وتضحياتهم وعزائمهم، إنها تراكمات ستصنع نصرًا مؤزرًا، فكما أثمر نضال الشعوب الحرة عبر التاريخ، فإن فلسطين بإرادة شعبها، ستبقى شعلة الأمل وقبلة الأوفياء والمخلصين لها حتى التحرير الكامل.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الفلسطينيون في سوريا.. البحث عن مرجعية في زمن إعادة التمثيل

مع إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية السورية، تدخل البلاد مرحلة جديدة يُراد لها أن تكون بداية إعادة تشكيل مؤسسات الدولة على أسس مختلفة من الكفاءة والتوازن.

هذه اللحظة السياسية، بكل ما تحمله من دلالات، تفتح سؤالا مسكوتا عنه منذ عقود: ماذا عن الفلسطينيين الذين عاشوا في سوريا لعقود طويلة، وشاركوا في نسيجها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي؟ من يمثلهم، وأين مرجعيتهم السياسية في ظل هذا التحول؟

فراغ يتسع مع التحولات

منذ النكبة، وجد أكثر من نصف مليون فلسطيني في سوريا وطنا ثانيا. لكن بعد 2011، عاشوا نكبة ثانية: تهجير واسع، وتدمير مخيمات، وانهيار شبكة الأمان الاجتماعي والسياسي.

الفصائل الفلسطينية التقليدية التي كانت تقدم نفسها مرجعية سياسية فقدت شرعيتها الشعبية، إما بسبب تورطها في الصراع السوري، أو بسبب ارتهانها للمحاور الإقليمية. ومع لحظة إعادة تعريف التمثيل السوري عبر صناديق الاقتراع، يبقى الفلسطينيون في فراغ تمثيلي خطير يهدد وجودهم وكرامتهم.

المشهد القائم: إدارة بلا تمثيل

اليوم يتعامل اللاجئ الفلسطيني في سوريا مع شبكة مرجعيات متداخلة:

- الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب: مؤسسة سورية رسمية تُعنى بالتسجيل والوثائق وتنظيم شؤون الخدمات في المخيمات، لكنها ليست جهة سياسية.

- وكالة الأونروا: وكالة أممية تقدم التعليم والصحة والإغاثة، وتعمل باعتبارها مزود خدمة إنسانية لا مرجعية تمثيلية.

- السفارة الفلسطينية بدمشق: تمثل السلطة الفلسطينية دبلوماسيا أمام الدولة السورية.

- دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير: تتابع ملف اللاجئين وحق العودة دوليا، من دون حضور وأثر مباشر لها في حياة المخيمات.

- الفصائل الفلسطينية التقليدية: تآكل رصيدها الشعبي، وفقدت ثقة الناس.

- المؤسسات الأهلية واللجان المحلية: برزت كقوة ناشئة تعبّر عن نبض المخيمات، لكنها لا تملك تفويضا سياسيا جامعا.

هذه الخارطة تُظهر بوضوح أن الفلسطينيين يملكون أجهزة إدارة وخدمات، لكنهم يفتقرون إلى أداة تمثيل سياسي أو مرجعية تستند إلى اختيار شعبي حقيقي.

الحاجة إلى تمثيل شعبي جديد

الفراغ التمثيلي لا يعني فقط غياب الصوت، بل غياب القدرة على المبادرة وصون الحقوق؛ جيل كامل من الشباب الفلسطيني يعيش بلا أفق سياسي ولا مؤسسة تعبّر عنه. من هنا، تصبح صيغة التمثيل الشعبي ضرورة وجودية، لا مجرد خيار سياسي.

مبادئ أي مبادرة مستقبلية

- استقلالية عن المحاور الإقليمية والتبعية للنظام السابق.

- انتماء صريح للمشروع الوطني الفلسطيني لا لأي مشروع خارجي.

- الاعتراف بشرعية الثورة السورية والالتزام بسيادة الدولة السورية الجديدة.

- الطابع المدني للمخيمات بوصفها جزءا من النسيج الاجتماعي السوري.

- التمثيل عبر الانتخاب والمساءلة؛ لا بالمحاصصة أو الوراثة.

خطوات عملية أولى

كيف يمكن البدء؟ ربما عبر مبادرات صغيرة لكنها تحمل رمزية كبيرة:

- إطلاق نقاش مجتمعي واسع داخل المخيمات وخارجها حول استعادة الصوت الفلسطيني.

- تنظيم انتخابات رمزية في مخيم أو تجمع واحد، لقياس المزاج الشعبي وبناء الثقة.

- تبني مدونة مبادئ تكون بمثابة "دستور مصغّر" يؤكد على الاستقلالية والشفافية.

- ضمان مشاركة النساء والشباب، وعدم حصر التمثيل في النخب التقليدية.

- الدعوة لمؤتمر شعبي لفلسطينيي سوريا في الداخل والشتات.⁠

التحديات الواقعية

بالطبع لن تكون الطريق سهلة: الفصائل التقليدية سترى في أي تمثيل بديل تهديدا لنفوذها، وربما تتردد أيضا مؤسسات الدولة في الاعتراف بأي إطار مستقل. كما أن التدخلات الإقليمية ستبقى حاضرة، ومحاولات إبقاء الفلسطينيين كورقة ضغط لن تتوقف. لكن كل هذه العقبات لا تلغي الحاجة، بل تجعلها أكثر إلحاحا.

بين الهيئة والتمثيل الشعبي

قد يقول البعض إن الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب تكفي، خاصة بعد إعادة تشكيل مجلس إدارتها، لكن الفارق هنا جوهري: الهيئة جهاز إداري مرتبط بالدولة السورية، لا مرجعية سياسية منتخبة، والفلسطينيون يتعاملون معها كجهة معاملات رسمية، لا كإطار وطني جامع. المطلوب إذن ليس بديلا عنها، بل مكمل لها: أداة تمثيل شعبي ديمقراطي تعكس إرادة الناس وتتكامل مع الأطر الخدمية والإدارية، وإذا كانت ستُطرح كمرجعيّة سياسية وجهة تمثيل فإن ذلك يتطلب طريقة مختلفة في التشكيل تُبنى على أساس الاختيار وليس مبدأ التعيين.

خاتمة: فرصة لا تنتظر

كما يسعى السوريون اليوم إلى إعادة تعريف تمثيلهم عبر صناديق الاقتراع، من حق الفلسطينيين في سوريا أن يسعوا بدورهم لبناء مرجعية سياسية بناء على اختيارات شعبية ديمقراطية. العودة إلى الانتظار أو الارتهان للخارج لن تحمي المخيمات، ولن تصون الهوية.

قد تبدأ الخطوة بمبادرة صغيرة، لكنها تفتح الطريق نحو إعادة بناء الصوت الفلسطيني الحرّ على أرض سورية حرّة.

مقالات مشابهة

  • بعد عامين على طوفان الأقصى…غزة التي غيرت العالم
  • الفلسطينيون في سوريا.. البحث عن مرجعية في زمن إعادة التمثيل
  • الخارجية القطرية: ما حدث في غزة أكبر إبادة جماعية في التاريخ
  • ثابت لحق العودة: طوفان الأقصى محطة مفصلية في تاريخ النضال الفلسطيني
  • إعلام الأسرى: الأسرى الفلسطينيون يعيشون حربًا موازية داخل السجون
  • “أسطول الحرية” يتوقع الوصول إلى غزة يوم الجمعة وسط حالة تأهب قصوى
  • "7 أكتوبر".. ملحمة صنعت التاريخ
  • أبرز الإنجازات العالمية التي تحققت للقضية الفلسطينية بعد عامين من الإبادة
  • أسطول الحرية يتوقع الوصول إلى غزة يوم الجمعة وسط حالة تأهب قصوى
  • مفيدة شيحة: نصر أكتوبر صفحة المجد التي لا تُطوى في تاريخ مصر