أ. د.  حبيب البدوي **

 

في عالم السياسة اليابانية المعاصرة، يبرز اسم شيغيرو إيشيبا كشخصية محورية ومثيرة للجدل، بخاصة في علاقته مع العالم العربي. ولد إيشيبا في الرابع من فبراير عام 1957، ونشأ في عائلة سياسية عريقة؛ حيث شغل والده منصب حاكم محافظة توتوري لسنوات عديدة.

هذه الخلفية العائلية مهدت الطريق لإيشيبا ليصبح أحد أبرز السَّاسة في اليابان، وليترك بصمته على السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، بما في ذلك علاقاتها مع العالم العربي.

بدأ إيشيبا مسيرته السياسية في سن مبكرة؛ حيث انتخب لعضوية مجلس النواب الياباني عام 1986 وهو في التاسعة والعشرين من عمره. منذ ذلك الحين، تدرج في المناصب السياسية، مكتسبًا خبرة واسعة في مجالات متنوعة، أبرزها الزراعة والدفاع. وقد تجلت هذه الخبرة في توليه منصب وزير الدفاع من عام 2007 إلى 2008، ثم منصب وزير الزراعة والغابات ومصايد الأسماك من 2008 إلى 2009. هذه المناصب الوزارية، إلى جانب دوره كأمين عام للحزب الليبرالي الديمقراطي من 2012 إلى 2014، منحته نفوذًا كبيرًا في صياغة السياسات اليابانية، بما فيها تلك المتعلقة بالشرق الأوسط والعالم العربي.

ولفهم تأثير إيشيبا على العلاقات اليابانية-العربية، من المهم أولًا إدراك السياق التاريخي لهذه العلاقات؛ فاليابان، كقوة اقتصادية عالمية، لطالما اعتمدت بشكل كبير على واردات النفط من الشرق الأوسط. هذا الاعتماد شكل محورًا أساسيًا في سياسة اليابان الخارجية تجاه المنطقة لعقود. ومع ذلك، فإن دور طوكيو في الشؤون السياسية للمنطقة ظل محدودًا نسبيًا، وذلك بسبب القيود الدستورية على استخدام القوة العسكرية والتزامها التقليدي بسياسة خارجية سلمية.

في هذا السياق، جاء صعود إيشيبا في السياسة اليابانية ليضيف بعدًا جديدًا للعلاقات مع العالم العربي. وخلال فترة توليه منصب وزير الدفاع، سعى إيشيبا إلى إعادة تعريف دور اليابان في الأمن الإقليمي للشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن اليابان لم تكن قادرة على المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية في المنطقة، إلّا أن إيشيبا دفع باتجاه زيادة التعاون الأمني مع الدول العربية، خاصة في مجالات مكافحة الإرهاب وأمن الملاحة البحرية.

وأحد أبرز إسهامات إيشيبا في هذا المجال كان دعمه لتوسيع مشاركة قوات الدفاع الذاتي اليابانية في مهام حفظ السلام الدولية. وعلى الرغم من أن هذه المشاركة كانت محدودة بالمهام غير القتالية، إلا أنها مثلت تحولًا مهمًا في السياسة اليابانية تجاه المنطقة. فقد ساهمت هذه الخطوة في تعزيز صورة اليابان كشريك فعّال في الأمن الإقليمي، وفتحت الباب أمام مزيد من التعاون مع الدول العربية في مجالات التدريب وتبادل الخبرات الأمنية.

لم يقتصر تأثير إيشيبا على الجانب الأمني فحسب؛ بل امتد ليشمل العلاقات الاقتصادية أيضًا. فخلال فترة توليه منصب وزير الزراعة والغابات ومصايد الأسماك، عمل على تعزيز التعاون الزراعي مع الدول العربية. وقد تجلى ذلك في زيادة الصادرات الزراعية اليابانية إلى المنطقة، خاصة المنتجات عالية الجودة مثل الفواكه والأرز. كما شجع على نقل التكنولوجيا الزراعية اليابانية المتقدمة إلى الدول العربية، مما ساهم في تعزيز الأمن الغذائي في المنطقة.

في مجال الطاقة، كان لإيشيبا دور في تشكيل سياسة اليابان تجاه مصادر الطاقة في الشرق الأوسط. فقد دعم تنويع مصادر الطاقة لليابان، مع الحفاظ على علاقات قوية مع الدول المصدرة للنفط في المنطقة. وقد انعكس هذا النهج في زيادة الاستثمارات اليابانية في مشاريع الطاقة المتجددة في بعض الدول العربية، إلى جانب استمرار الاعتماد على واردات النفط التقليدية.

وعلى الصعيد السياسي، اتسم موقف إيشيبا تجاه القضايا الرئيسية في العالم العربي بالحذر والدبلوماسية. ففيما يتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي، حافظ على موقف اليابان التقليدي الداعم لحل الدولتين، مع التأكيد على أهمية الحوار والمفاوضات. وفي الوقت نفسه، سعى إلى توسيع دور اليابان كوسيط محتمل في عملية السلام، مقترحًا مبادرات اقتصادية لدعم التنمية في الأراضي الفلسطينية.

أما فيما يخص الأزمات في سوريا والعراق، فقد دعم إيشيبا نهجًا متوازنًا يجمع بين تقديم المساعدات الإنسانية ودعم الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار. وقد تجلى ذلك في زيادة المساعدات اليابانية للاجئين السوريين، والمساهمة في جهود إعادة الإعمار في العراق. هذا النهج عزز من صورة اليابان كقوة ناعمة في المنطقة، قادرة على المساهمة في حل الأزمات دون التورط المباشر في الصراعات العسكرية.

ويمتد تأثير إيشيبا ليشمل أيضًا مجال التبادل الثقافي والتعليمي بين اليابان والعالم العربي. فقد دعم بقوة برامج التبادل الطلابي، مشجعًا الطلاب اليابانيين على الدراسة في الجامعات العربية، وفي المقابل، استقطاب المزيد من الطلاب العرب للدراسة في اليابان. هذه المبادرات ساهمت في تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافتين، وخلقت جسورًا للتواصل بين الشعوب تتجاوز العلاقات الرسمية بين الحكومات.

وفي مجال البحث العلمي والتكنولوجي، شجع إيشيبا على تعزيز التعاون بين المؤسسات البحثية اليابانية ونظيراتها في العالم العربي. وقد تجلى ذلك في زيادة عدد المشاريع البحثية المشتركة، خاصة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وإدارة المياه، والزراعة في المناطق القاحلة. هذا التعاون لم يقتصر على نقل التكنولوجيا فحسب، بل امتد ليشمل تبادل الخبرات والمعرفة في مجالات حيوية لتنمية المنطقة العربية.

وعلى الرغم من هذه الإنجازات، واجه نهج إيشيبا تجاه العالم العربي بعض التحديات والانتقادات. فقد رأى البعض أن سياساته كانت حذرة للغاية، وأن اليابان كان بإمكانها لعب دور أكثر فعالية في حل النزاعات الإقليمية. كما انتقد آخرون ما اعتبروه تركيزًا مفرطًا على الجوانب الاقتصادية للعلاقات، على حساب القضايا السياسية والأمنية الأكثر إلحاحًا. ومع ذلك، يبقى إرث إيشيبا في العلاقات اليابانية-العربية محل تقدير واسع. فقد نجح في توسيع نطاق هذه العلاقات لتتجاوز الاعتماد التقليدي على النفط، وفتح آفاقًا جديدة للتعاون في مجالات متنوعة. كما ساهم نهجه المتوازن في تعزيز صورة اليابان كشريك موثوق وقوة إيجابية في المنطقة.

اليوم، وبينما تواصل اليابان تكييف سياستها الخارجية مع المتغيرات العالمية والإقليمية، يبقى تأثير رؤية إيشيبا واضحًا؛ فالنهج الذي اتبعه في التعامل مع العالم العربي- المزج بين الدبلوماسية الاقتصادية، والتعاون الأمني المحدود، والتبادل الثقافي- لا يزال يشكل إطارًا مرجعيًا للسياسة اليابانية في المنطقة.

في الختام، يمكن القول إن شيغيرو إيشيبا، رغم أنه لم يكن الشخصية الأكثر بروزًا في السياسة اليابانية تجاه العالم العربي، إلّا أنه ترك بصمة واضحة على هذه العلاقات. فمن خلال مناصبه المتعددة ورؤيته الاستراتيجية، ساهم في تشكيل نهج ياباني متميز تجاه المنطقة، نهج يجمع بين الحذر الدبلوماسي والطموح الاقتصادي والانفتاح الثقافي. وبينما تستمر العلاقات اليابانية- العربية في التطور، سيظل إرث إيشيبا عاملًا مؤثرًا في تشكيل مستقبل هذه العلاقات لسنوات مُقبلة.

** خبير في الدراسات اليابانية والعلاقات الدولية

ينشر بالتعاون مع مركز الدراسات

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نيزافيسيمايا: كيف تنتهي الحروب في الشرق الأوسط؟

فتح التصعيد العسكري الجديد بين إسرائيل وإيران والذي يهدد بانفجار إقليمي واسع الباب للتساؤل عن سيناريوهات إنهاء النزاع في ضوء تجارب الحروب السابقة.

وفي هذا التقرير الذي نشرته صحيفة "نيزافيسيمايا" الروسية يسلط المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، أندريه كورتونوف، الضوء على أبرز النماذج التاريخية لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط مقارنًا إياها بالواقع الجيوسياسي الراهن.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحف عالمية: إسرائيل أمام مفترق طرق يتطلب قرارا سياسياlist 2 of 2مسؤول أميركي رفيع: اتفاقات الحدود الإسرائيلية مجرد أوهامend of list

ورغم إعلان دونالد ترامب "انتهاء الحرب التي استمرت 12 يومًا"، فإن الكاتب يرى أن الأوضاع على أرض الواقع تشير إلى أن الحديث عن نهاية دائمة للصراع لا يزال سابقًا لأوانه.

ويضيف أن الخبراء يحذّرون من استمرار خطر تبادل الضربات الجوية بين الأطراف المعنية، إضافة إلى إمكانية تصعيد الوضع، بما في ذلك احتمال إغلاق مضيق هرمز.

نهاية 3 حروب كبرى

وعلى الرغم من استمرار التصعيد، فإن جميع الحروب، بما في ذلك حروب الشرق الأوسط، لها تاريخ انتهاء. فعلى مدار نصف القرن الماضي، شهد الشرق الأوسط -إلى جانب عدد كبير من المواجهات العسكرية المحدودة نسبيًا والنزاعات الأهلية المستمرة- 3 حروب كبرى على مستوى الإقليم.

تشمل هذه الحروب: الحرب الإيرانية–العراقية (1980–1988)، وعملية "عاصفة الصحراء" (1991)  وما يعرف باسم "الصدمة والترويع" (2003).

وفتح الوضع الراهن الباب للتساؤل عن مدى ارتباط تجربة خوض هذه الحروب، وخاصة طرق إنهائها، بالصراع الحالي المتصاعد في المنطقة وعن مدى إمكانية الاستفادة من دروس الماضي لفهم مسارات التسوية المحتملة في الأزمة الراهنة.

ويضيف الكاتب أن لكل حرب طابعها الخاص، وأي مقارنة تاريخية تظل نسبية وقابلة للنقد. فعلى سبيل المثال، كانت العمليات البرية هي العامل الحاسم في جميع الصراعات الثلاثة التي تم ذكرها سابقًا. أما في المواجهة الراهنة، فمن الصعب تصور وقوع اشتباك مباشر بين وحدات مدرعة تابعة للجيش الإسرائيلي والقوات المسلحة الإيرانية على سهول سوريا أو العراق.

إعلان

وتتمثل إحدى السمات الفارقة في الوضع الحالي في غياب الخط الفاصل الواضح بين الحرب والسلم، وهو ما كان قائمًا في العديد من النزاعات الشرق أوسطية السابقة. فبينما يصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأحداث الأخيرة بأنها "حرب استمرت 12 يومًا"، هناك من يرى أن دورة المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران الحالية بدأت بالفعل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

إلى جانب ذلك، شهدت العقود الأخيرة تطورًا كبيرًا في التقنيات العسكرية، الأمر الذي غيّر بشكل جذري طبيعة العمليات القتالية وطريقة خوض الحروب بين الأطراف المتنازعة.

وبحسب الكاتب فإن الجوانب المثيرة هنا ليست تلك المرتبطة بفنون العمليات أو حتى الإستراتيجيات العسكرية التي تتبعها الأطراف، بل النتائج التي أسفرت عنها تلك المواجهات العسكرية، بما في ذلك شروط الاتفاقات وصيغ التسويات التي تم التوصل إليها لإنهاء النزاعات.

وشكّلت الحرب التي استمرت 8 أعوام بين إيران والعراق أحد أكثر النزاعات دموية وطولًا في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. فقد تكبد الطرفان خسائر بشرية فادحة تُقدّر بمئات الآلاف، فيما تجاوزت التكاليف الإجمالية للحرب عتبة التريليون دولار.

جنود عراقيون خلال القتال ضد القوات الإيرانية على طول منطقة الحدود بين البلدين عام 1984 (غيتي إيميجز)

ورغم أن القوى الخارجية لم تشارك بشكل مباشر في العمليات العسكرية، فإنها لعبت دورًا مؤثرًا من خلال تزويد الجانبين (العراق وإيران) بالأسلحة، وغالبًا ما كانت تقدم الدعم لبغداد وطهران في الوقت نفسه. ومع ذلك، انتهى هذا الصراع دون تحقيق نصر حاسم لأي من الطرفين، حيث اضطُر الجانبان إلى القبول بالعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل اندلاع الحرب.

وتدور رحى حرب استنزاف بين إيران وإسرائيل منذ سنوات، لم يُبد أي من الطرفين خلالها استعدادا للتنازل عن قضاياها الأساسية. من جانبها، تعتمد إيران على تفوقها في عدد السكان والعمق الإستراتيجي وقاعدة الموارد الواسعة في حين تراهن إسرائيل على استمرار الدعم غير المحدود من واشنطن. ومع ذلك، تظل القدرة الحقيقية للطرفين على تحمل مواجهة عسكرية طويلة الأمد وشديدة الحدة محل تساؤل كبير، في ظل التعقيدات المتزايدة على الأرض والتطورات التقنية في ميدان القتال.

في المقابل، تظل قدرة إسرائيل على تحمل التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لصراع طويل الأمد دون أن يؤثر ذلك على منظومة الحكم داخلها  أمرًا يشوبه الغموض ومثيرًا للجدل.

وفي حال تطبيق سيناريو حرب الاستنزاف بشكل أو بآخر، من المتوقع أن تشهد السنوات المقبلة دورات متكررة من "تصعيد – تهدئة – تصعيد جديد"، حيث سيُعلن كل طرف عن نصره النهائي وهزيمة الخصم، رغم عدم وجود أسباب مقنعة لهذه الادعاءات.

وفي الوقت نفسه، سيخرج كلا الطرفين من الصراع منهكين بشكل كبير، ما سيُسرّع من التحول السياسي الحتمي لكل من إيران وإسرائيل.

في مواجهة إيران اليوم، تقود إسرائيل والولايات المتحدة المبادرة الإستراتيجية، مستندتين إلى تفوق تكنولوجي حاسم على طهران. وكما في عملية "عاصفة الصحراء"، يُراهن الطرفان على سرعة الحملة العسكرية وتقليل الخسائر الأميركية والإسرائيلية إلى أدنى حد ممكن.

إعلان

ومع ذلك، هناك فروقات جوهرية مقارنة بالوضع في عام 1991. فالمجتمع الدولي اليوم منقسم حيال الحرب الحالية، مما يُفقد الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة وإسرائيل شرعيتها. على العكس من ذلك، تتزايد نسبة التأييد لإيران، التي ينظر إليها كضحية لعدوان أميركي–إسرائيلي غير مبرر.

ويؤكد الكاتب أن إنهاء الصراع يخدم مصلحة جميع الأطراف المعنية. ومن بين الشروط المحتملة لأي اتفاق مستقبلي تأكيد القيادة الإيرانية التزامها المطلق بنظام عدم انتشار الأسلحة النووية، مقابل رفع جزئي للعقوبات الأميركية المفروضة على طهران. كما ينبغي تخلّى الطرفين عن الأهداف المعلنة، التي تتمثل في تغيير النظام السياسي في طهران وإنهاء دولة إسرائيل.

ومع ذلك، يمكن أن تواجِه محاولات التوصل إلى مثل هذه التسوية مقاومة شديدة من التيارات المتشددة في جميع الدول المشاركة في الصراع والتي تطالب بمواصلة الحرب حتى تحقيق نصر كامل.

ينبغي تخلّى كل من إيران وإسرائيل عن هدفيهما المعلنين في تغيير النظام السياسي في طهران وإنهاء دولة إسرائيل

ويعود الكاتب بالأذهان إلى  عملية "الحرية من أجل العراق" التي  أطلقها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في مارس/آذار 2003، معتبرًا إياها بمثابة استكمال لما بدأه والده في حرب الخليج عام 1991.

وقد تحقّق الهدف العسكري للعملية، والمتمثل في الإطاحة بنظام صدام حسين، خلال فترة زمنية قصيرة لم تتجاوز 3 أسابيع، غير أن الهدف السياسي من الحرب –إقامة عراق مستقر وليبرالي ديمقراطي وموالٍ للولايات المتحدة– لم يتحقق مطلقًا.

بل على العكس، فقد خلّفت الحرب آثارًا كارثية على العراق والمنطقة برمّتها، إذ أصبحت العملية محفزًا لأزمة عميقة في مفهوم الدولة الوطنية، وأسهمت في صعود طويل الأمد للتطرف السياسي والتشدد الديني في الشرق الأوسط.

نهج بوش الابن

ويتبنى العديد من صناع القرار في إسرائيل والولايات المتحدة نهجًا تبناه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني قبل أكثر من 20 عامًا. فبالنسبة لهم، يُعتبر تغيير النظام السياسي في طهران السبيل الوحيد الموثوق لتحقيق الاستقرار الإقليمي وفتح الباب أمام إمكانية إدماج إيران في منظومة الأمن الإقليمي.

ومن هذا المنطلق، تتبنى واشنطن وتل أبيب إستراتيجية تقوم على تكثيف الضغوط على طهران من خلال تفكيك ما يوصف بـ"أذرع الأخطبوط الإيراني" في المنطقة وفرض عقوبات اقتصادية جديدة ودعم المعارضة الداخلية المتشددة بالإضافة إلى تنشيط شبكات المعارضة الإيرانية في الشتات حول العالم وتوجيه ضربات ضد البنية التحتية الاقتصادية الإيرانية وغيرها من إجراءات التصعيد.

وعلى عكس ما حدث في العراق عام 2003، لا يبدي أحد في واشنطن اليوم استعدادا للتخطيط لحرب برية واسعة النطاق ضد إيران يتبعها احتلال لأراضيها. كما لا ينبغي الاستهانة باستقرار النظام السياسي الإيراني.

وفي حال حدوث انهيار في المنظومة السياسية الإيرانية، فإن تداعيات ذلك، وفقا للكاتب، قد تكون أشد خطورة مما حدث في العراق. فتحطيم مؤسسات الدولة الإيرانية وتحولها إلى "ليبيا ثانية" أو "صومال جديد" من شأنه أن يشكل كارثة لا فقط على مستوى الشرق الأوسط، بل أيضًا على مستوى المناطق المجاورة.

السيناريو الأكثر واقعية

ويرى الكاتب أن السيناريو الأكثر واقعية لإنهاء الصراع الحالي، هو السيناريو الذي أنهى عملية "عاصفة الصحراء". ففي هذا الإطار، قد تُجبر طهران على الإقرار بالتغير الجذري الذي طرأ بالفعل على ميزان القوى في المنطقة والقبول بتفكيك برنامجها النووي.

في المقابل، يتعين على خصوم إيران التخلّي عن خططهم القصوى الهادفة إلى إلحاق "هزيمة إستراتيجية" بإيران أو تدمير أسس دولتها.

ويتطلّب تنفيذ هذا السيناريو، وفقا لكورتونوف، سلوكًا مسؤولًا من جميع الأطراف المنخرطة في النزاع، وهو ما لا يزال محل شك في الوقت الراهن. فقد تنجرف القيادة الإسرائيلية خلف وهم مغرٍ يتمثل في "الحل النهائي" للمسألة الإيرانية.

إعلان

أما في طهران، فقد يقود انعدام الثقة بإسرائيل والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الرغبة في الحفاظ على هامش حرية في المجال النووي، إلى مواقف تصعيدية يصعب احتواؤها.

وفي المقابل، قد تبقى إدارة الرئيس ترامب أسيرة تصوراتها المبسطة والنمطية حيال منطقة الشرق الأوسط، مع التركيز على صفقات ظرفية.

وفي ختام التقرير يقول الكاتب إن فرص تحقق أي من سيناريوهات التسوية مربوط بتطورات الصراع العسكري والتفاعلات السياسية الداخلية المعقدة الجارية حاليًا في كل من إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • محل الأطفال يطلق مجموعة نونا × بي إم دبليو حصرياً في الشرق الأوسط
  • بيان جديد من طيران الشرق الأوسط... إليكم تفاصيله
  • نيزافيسيمايا: كيف تنتهي الحروب في الشرق الأوسط؟
  • بيان جديد لطيران الشرق الأوسط... ما هو مضمونه؟
  • مجلس الأمن الدولي يعقد جلسته الشهرية بشأن الوضع في الشرق الأوسط
  • عالم جديد… عالم متوحش جدا
  • "الشرق الأوسط الجديد" يفشل للمرة الثانية
  • السيسي: لا سلام بالتطبيع المفروض.. وقيام دولة فلسطينية شرطٌ لإنهاء الصراع
  • الرئيس السيسي: السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة
  • أين أوروبا من نزاعات الشرق الأوسط في زمن القرار الأميركي؟