كلمة السِر.. المدرب العُماني
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
حمد الناصري
تابعتُ وبشغف مُباراة منتخبنا الأحمر مع الأزرق الكويتي ليلة الخميس 10 أكتوبر 2024 على مجمع السلطان قابوس الرياضي، لتصفيات كأس العالم 2026، وانْتَشيت أنا والملايين من الجمهور الرياضي العُماني بالأداء والنتيجة بعد أنْ وصَلنا إلى حالة من اليأس في المُباريات السابقة وكانت مُباراة حماسيّة أعادت نشوة الانتصارات وذكرتنا بروح أحمرنا العُماني القتالية، في خليجي 18 و 19، حتى لُقب وقتها بـسامّبا الخليج.
وبتحليل بسيط للمُباراة وضَح لي أنّ سِرّ التغير في الأداء والروح القتالية هو المُدرب رشيد جابر الذي تمكّن من تحرير اللاعبين مِن القُيود التي وضَعها المُدرب السابق وأطلق لهم حُرية الُلعب التي يَتميز بها اللاعب العُماني وكان ذلك جليًا من أول دقائق المُباراة رغم أنّ الجمهور كان يتوجّس من خيبة أمل جديدة إلاّ أنّ الأحمر ومُدربه الفَذ كانوا لها وأبُوا أنْ يخرج الجمهور مِن المَلعب إلا وهو في نشوة انتصار كبير.
إنّ الكابتن رشيد جابر لم يَمتلك عصا سحرية غَيّرت الأداء والروح للمنتخب في أيام مَعدودة ولكنه ابن هذا البلد المِعْطاء والأقدر على فَهْم لاعِبيه وقدراتهم وتسخير إمكانياتهم وقد أخرج المُنتخب وحتى الاتحاد العُماني لكرة القدم من دَوّامة اختيار واسْتبدال المُدربين الأجانب.
وكان للجمهور الرياضي صَوته المَدوي وكلمته الفَصْل في حثّ الاتحاد العُماني لكرة القدم على تغيير المُدرب والاسْتعانة بالمُدرب الوطني .. ولذا لم يَجد الاتحاد العُماني إلا أنْ يَنتصر للكرة العُمانية ويُلبي نداء الجمهور الرياضي، الذي امتدت مُطالباته إلى أبْعد من ذلك، وعلى حَدّ قول أحد كبار المسؤولين سيكون المُنتخب، الحصان الأسود في تصفيات آسيا 2026.
والكابتن رشيد جابر مَعروف كلاعب شَهدت له الملاعب العُمانية والدولية لِسِنين فهو اللاعب المُجيد، ذو المهارة الكروية، الشّغوف بحبّ الانتصار وتحقيق الأهداف.. وكانت فلسفته الاحترافية بأنّ سامّبا الخليج، لنْ يكون الحصان الأسْود بل هو الحصان الأجْود.؛ وسرَّها في نفسه ولم يُبدها أبداً حتىّ أنّ المُدرب جابر رشيد تحدّث قبل بدء المُباراة مع الكويت بلغة ركّز فيها على فلسفة العَطاء والجُهد وبأسلوب المُحترف الواثق من نفسه ولاعبيه، وبلباقة وكياسةٍ حازَتْ رِضا الجمهور، فقال بهدوء الواثق "مُواجهة الكويت صَعبة لكن المُنتخب يَسْعى لمصالحة الجماهير وتحقيق الفوز الأول في التصفيات..".
وكان المدرب الوطني عند وعْدِه ولم يُخلفه. فحَقّق ولاعِبوه انتصاراً يَشِفِي غليل الجماهير المُتعطشة للفرح والإنجاز. وكانت المُباراة مَلْحَمة وطنية بأرفع مَقامها، وزحفت الألوف مِن جماهير مُنتخبنا الوفية كعهدها لِمُؤازرته.. ولتكون كما عُرف عنها دومًا، اللاعِب رقم 12 بل وكل اللاعبين في المَلعب وامْتَلأت جنبات المُجمع الرياضي باللون الأحمر، تعبيراً عن الوفاء والنّبض الدائم .. وما لَبِثَت أنْ جاءت البشائر مُبكراً بتسجيل الهدف الأول في الدقيقة 17 باخْتراق رهيب من اللاعب عبدالرحمن المشيفري، بتمريرة حريرية فَكّت شَفْرتها قدَمه لتجد طريقها إلى المَرمى الكويتي، ومرّت الدقائق سريعاً حتى جاء الهدف الذهبي من رأس مُحسن الغسّاني في الدقيقة 30 من الشوط الأول، حين سدّدها برأسه بطريقة وكأنهُ في جَلسة تدريبية وبكلّ ثقة وهُدوء أسْعد بها الجمهور الذي اهْتزت المُدرجات لهتافاته وفرحته.
وكما ابْتَدأ الشوط الأول قوياً فقد جاء الشوط الثاني أكثر قوة ونشاطاً، واسْتَمرت المُتعة التي بشّرنا بها الكابتن جابر، لِيُجْبِر بها كبوة الحصان الأسود .. فكانت الدقيقة 58 دقيقة حاسمة، حين أفْرَغ المشيفري ما في جُعبته، فكانت تسديدة الهدف الثالث وبطريقة اللاعبين الكبار في مَرمى الأزرق الكويتي ولكنّ الجمهور المُسْتمتع والمُنتشي لم يَكتفِ فكان له ما أراد وجاء الهدف الرابع لِيُكمل الفرحة في الدقيقة 79 لتنتهي المُباراة برباعية نظيفة وتَمَنّيت أنا وكل الجُمهور العُماني أنْ تستمر تلك المُباراة لساعات أخرى من التألّق والإبْهار والفَن الفعّال.
خلاصة القول.. لقد كانت كلمة السِرّ للتغير الكبير في الأداء والتكتيك هو الكابتن رشيد جابر الذي كان يُعرف مُسْبقًا قُدرات لاعِبيه فأحْسَن توظيفها في المَلعب وأطْلق لِلّاعبين حُرّية اتخاذ القرارات حسب المَوقف التكتيكي والمَيداني وذلك كُل ما يَحتاجه اللاعِب العُماني الذي يَمتاز بالمَهارة واللياقة والحَماس على أعلى المُستويات وكل ما يحتاجه هو التفاهم المُتبادل مع المُدرب.
إنَّ فوز مُنتخبنا على مُنتخب الكويت كان الرد المُناسب على المُشككين بقدرات المُدرب الوطني وعقليته الاحترافية، فكانت رسالة الكابتن جابر لجمهوره "أنْ لا تخافوا على الأحمر فهو في حَدقات أعْيننا وفرحتكم أمانة في أعناقنا".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سعي حثيث لصون التراث العُماني وتعزيز الثقافة المتحفية
عمان: تواصل المديرية العامة للشؤون المتحفية في المتحف الوطني القيام بدور محوري في إدارة وحفظ وصون التراث الثقافي والتاريخي لسلطنة عمان، وقالت الدكتورة فاطمة بنت محمد البلوشية، مستشار الأمين العام للشؤون المتحفية بالمتحف الوطني: إن المتحف الوطني يهدف إلى الحفاظ على الشواهد والمقتنيات المادية والمعنوية المكونة لتاريخ وتراث وثقافة سلطنة عمان، وتشمل المهام الأساسية للمديرية إدارة شؤون المقتنيات، بما في ذلك الجرد والتوثيق، الحفظ والصون، وإدارة المعارض الثابتة والمؤقتة، وإجراء الدراسات والبحوث، كما تهدف المديرية إلى تقديم خدمات الزوار والبرامج التعليمية المتحفية التي تسهم في تعزيز الوعي الثقافي لدى الزوار وفهم أعمق للتراث العماني.
وأوضحت أن المديرية العامة للشؤون المتحفية تقوم بدور محوري في حفظ وتوثيق التراث الثقافي والتاريخي من خلال قسم البحوث والدراسات وقسم الجرد والتوثيق اللذين يعملان على توثيق التراث العماني عبر مختلف العصور، بما يدعم قصة السرد المتحفي، كما يعمل قسم الحفظ والصون على حفظ وصون المقتنيات التي تحمل قيمة تاريخية وثقافية لعمان، بواسطة أيد عمانية ذات كفاءة عالية، وتضيف إلى ذلك بقولها: "تسهم المديرية في نشر الوعي الثقافي عبر ورش العمل، والمعارض، والجولات الإرشادية، التي تسلط الضوء على تاريخ عمان، كما تحرص على تعزيز التعاون مع المؤسسات الثقافية والمتحفية العالمية من خلال مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون لتبادل الخبرات والمشاركة في الحفاظ على التراث وفقاً للمعايير الدولية".
وفيما يتعلق بمعايير اختيار القطع المعروضة في المتحف، أشارت البلوشية إلى أن المديرية تتبع معايير دقيقة في اختيار القطع المعروضة في المتحف الوطني، حيث يتم التركيز على القطع المنشأة أو ذات صلة بعمان سواء من حيث الإنتاج أو الاستخدام، وتعد القيمة الثقافية والفنية للقطعة أحد أهم العوامل في اختيار المقتنيات، مما يعزز وعي الزوار بتاريخ عمان وحضارتها.
كما تحدثت الدكتورة فاطمة عن الجهود المبذولة من قبل المتحف الوطني لإعادة تأهيل وصون المتاحف والبيوت التاريخية في مدينة مسقط التاريخية، وهي: بيت الجريزة، والبيوت التاريخية (بيت السيد نادر وبيت السيدة مزنة)، ومتحف المدرسة السعيدية، وبوابة مسقط (مركز الزوار)، بهدف تقديم تجربة ثقافية غنية تعكس الحياة السياسية والاجتماعية في مسقط خلال القرن التاسع عشر الميلادي، مما يعزز الهوية الوطنية ويضمن ترسيخها في ذاكرة الأجيال القادمة.
وفيما يتعلق بالتعاون الدولي، أكدت الدكتورة فاطمة على أهمية "الدبلوماسية الثقافية" التي تعتبر أحد أبرز مسارات العمل المتحفي المعاصر، حيث يعمل المتحف الوطني على إقامة شراكات مع مؤسسات متحفية عالمية؛ لتنظيم معارض مشتركة وتبادل المقتنيات، كما يسعى لتعريف العالم بالحضارة العمانية من خلال مبادرات مثل "قاعة عمان" في متحف الإرميتاج الحكومي بمدينة سانت بطرسبورج في روسيا الاتحادية من خلال معرض "الإمبراطورية العمانية بين آسيا وإفريقيا" حيث بلغ عدد الزوار (414481) زائرًا خلال الفترة (من ديسمبر 2023م إلى يناير 2025م)، وضمن مبادرة "يوم عمان" "بهاء الفضة: مقتنيات من البلاط العماني" في متاحف كرملين في موسكو خلال الفترة (11 يوليو إلى 29 سبتمبر 2024م).
بالإضافة إلى ذلك، تحدثت الدكتورة فاطمة عن دور المتحف الوطني في تقديم برامج تعليمية عبر مركز التعلم الذي يعد الأول من نوعه في سلطنة عمان ومجهزًا وفق أعلى المعايير الدولية ويقدم مختلف البرامج التعليمية التي تهدف إلى رفع الوعي العام حول التراث العماني، بما في ذلك برامج الزيارات المدرسية، وبرنامج الأشخاص ذوي الإعاقة، وبرنامج التعليم المستمر، وبرنامج العائلات، وفي عام (2024م) بلغ إجمالي زوار المتحف أكثر من (152000) زائر، مقارنة بعدد (110819) زائرًا خلال العام (2023م) بزيادة وقدرها (37.83%) من بينهم (32656) مستفيدًا من البرامج والمناشط التي قدمها مركز التعلم بزيادة وقدرها (17.04%) قياساً بالعام السابق، كما بلغ عدد الفعاليات المنفذة خلال العام (520) فعالية.
كما تطرقت الدكتورة فاطمة إلى الجهود المبذولة من قبل المتحف الوطني في حفظ وصون المقتنيات الأثرية عن طريق كادر عماني مؤهل لحفظ هذه المقتنيات، بوجود مختبر مجهز بأحدث التقنيات للحفظ والصون، وفي عام 2024م تم حفظ وصون أكثر من (3200) قطعة متحفية، مع جرد وتوثيق أكثر من (10600) مقتنى، كما تستمر أعمال حفظ وصون وتأهيل المعالم السورية المتضررة خلال سنوات الأزمة، ومنها بيت أجقباش، ودار غزالة، ومئذنة الجامع الأيوبي ضمن قلعة حلب الشهباء، وتأهيل جزئي لمتحف تدمر الوطني، وهي مواقع صنفت ضمن التراث الإنساني العالمي لقائمة "اليونسكو".
كما سلطت الضوء على تعزيز السياحة الثقافية، بقولها: "تعتمد المديرية على تنظيم معارض وفعاليات ثقافية وفنية مشتركة مع المتاحف والمؤسسات العالمية، بالإضافة إلى استخدام التسويق الرقمي والمحتوى التفاعلي عبر وسائل التواصل الاجتماعي مما يسهم في الترويج للمتحف وجذب جمهور واسع، كما تسهم الشراكات مع المؤسسات التعليمية في جذب الجيل الجديد من الزوار لرفع الوعي الثقافي لديهم، مع التركيز على السياحة الرقمية عبر توفير جولات افتراضية مما يتيح للزوار من مختلف أنحاء العالم استكشاف المتحف عن بعد".
وفي سياق حديثها، نوّهت البلوشية إلى حرص المتحف الوطني على توظيف التكنولوجيا الحديثة لتحسين تجربة الزوار، حيث يضم المتحف (33) منظومة عرض تفاعلية، ويعد أول متحف في سلطنة عمان يتضمن قاعة عرض صوتية ومرئية بتقنية (UHD)، وأول متحف في الشرق الأوسط يوظف منظومة "برايل" باللغة العربية مما يتيح للزوار بمن فيهم الأشخاص ذوي الإعاقة التفاعل مع المقتنيات والمعروضات وفهمها بطريقة أكثر عمقاً مما يزيد من شمولية قصة السرد المتحفية، كما أطلق المتحف مشروع "الإرشاد السمعي" باللغتين العربية والإنجليزية، مما يتيح للزوار الاستمتاع بتجربة تعليمية مميزة، ويفخر المتحف الوطني بحصوله على جائزة الإجادة المؤسسية لعام 2023م من ضمن أفضل منافذ تقديم الخدمات على مستوى محافظة مسقط.
وذكرت الدكتورة فاطمة أن المتحف الوطني يقدم بطاقة عضوية "أصدقاء متاحف عمان" التي توفر مجموعة من المزايا الحصرية لحامليها كالدخول المجاني والمشاركة في فعاليات ومناشط المتحف الوطني المختلفة، حيث بلغ عدد الأعضاء في هذا البرنامج حوالي (65) عضواً في عام 2024م، وتعد العضوية فرصة للزائرين والباحثين والمفكرين والفنانين للاطلاع الدائم والمستمر على الموروث الثقافي والتاريخي لسلطنة عمان والتمتع بالعديد من المزايا الأخرى التي تقدمها المؤسسات المشاركة في العضوية.
وأكدت البلوشية أن المتحف الوطني ماضٍ في تطوير القطاع المتحفي في سلطنة عمان ليمثل جسرًا يربط بين الماضي العريق والحاضر المتجدد، من خلال حفظ التراث الثقافي والتاريخي لسلطنة عمان، وتعزيز السياحة الثقافية، وتقديم تجربة متحفية متكاملة وفق أعلى المعايير الدولية.