صحيفة الاتحاد:
2025-05-28@04:28:47 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: اللغة والإنسان

تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT

هل نستطيع تصوّر الإنسان خارج شرط اللغة..!
هذا سؤالٌ لا يحتاج لجواب، ولكنه يحتاج لأخذه بالاعتبار حين نفكر بمعاني الثقافة ودلالات التحوّل الفكري، فللغة سلطةٌ عميقة على الأذهان، واللغة أسبق من الإنسان، بمعنى أن لغة كل واحد منا سابقةٌ عليه في الوجود، ونحن من هنا نولد في اللغة، فنجد المعاني، وما هو أخطر من المعاني، أقصد به المجازات.

والمجازات هي لعبة لغويةٌ مضادة للمعاني، وصانعةٌ لها في الوقت ذاته، وتأتي الحقيقة من قول ابن سينا بأن المعاني غير محدودة، بينما الألفاظ محدودة، ولذا لزم أن يدل اللفظ الواحد على أكثر من معنى. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى تطلع كل مبدع، لأن يبتكر معاني تحقق صفة الإبداعية في مادته المكتوبة، ولو ظلت معانيه مثل معاني سالفيه لما دخل لعالم الإبداع، وهنا تكون وظيفةُ الإبداع في أنه يدفع لصناعة المجازات، وهذه لغة ما بعد اللغة، وهذا ما يجعل صناعة المعاجم اللغوية تظل تتسع وتتغير، وكذلك تظل الخطابات تتسع حسب مجالات القول، ليس الشعري والسردي فحسب، بل سنرى الخطاب العلمي والخطابات الاقتصادية والسياسية، وخطاب الإعلام ولغة وسائل التواصل الاجتماعي، ومن هنا فالإنسان نفسه لغةٌ، لأنه يصف نفسه باللغة، ويعبّر عن فكره وعن أحلامه باللغة كما يتمثلها في اقتصادياته وعلاقاته السياسية والقانونية والحقوقية، وهو محكوم باللغة، ومن ثم فالتراث اللغوي يصبح قيمةً أوليةً يجري الإنسان وفق شرطها، مع ما يتيحه المجاز من حرية فردية تمكنه من أن يتحرر من سلطة سلفه، وهذا يعني أن اللغة عامةٌ وشمولية، بينما المجاز يتيح فرصة الفردانية والتفرد، مع بقاء المجازات الكبرى ذات بعد شمولي مثل معاني الهوية، ومعاني المعتقدات، ومعاني البنية الكلية للوحدة البشرية، حسب المرجعيات التي تنتمي لها تماماً كما تنتمي لموقع جغرافي بحدود مقررة، بعد أن كانت الجغرافيا في بداية علاقة الإنسان معها بيئة مفتوحة على الأبدية، ولكن الإنسان طمح للخصوصية، فصنع بيئات سماها بالأوطان، وبيئات معنوية سماها باللغات، وفي كل مرة يختص لنفسه بيئةً خاصةً سماها البيت، ويقابلها المجاز القابل للتفرد والاختصاص، وفي العلم جرى العرف بتسميات المجازات العلمية بالمصطلحات، والمصطلح مجاز فردي رغب بأن يتحوّل لمجازٍ عام، وأن يدخل للمعجم بمعنى محدد، بينما ظلت مزية المجاز العلمي في تفرده وفردانيته من حيث الإنتاج، ومن حيث البقاء منتسباً لقائله الأول.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: أغنيةٌ قادمةٌ من الغيم د. عبدالله الغذامي يكتب: هناك أرض تكفي للجميع

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

من عمّان إلى العقبة… معاني أسماء المحافظات الأردنية تكشف عمق التاريخ وأصالة المكان

صراحة نيوز ـ رغم صغر مساحة المملكة الأردنية الهاشمية، التي لا تتجاوز 89,329 كم²، إلا أن أرضها تزخر بمعالم حضارية وجغرافية فريدة، وتجمع بين تنوع التضاريس وثراء الأسماء التي تحمل دلالات تاريخية وثقافية تعود إلى آلاف السنين.

وتعود تسميات المدن والمحافظات الأردنية إلى جذور ضاربة في القدم، تأثرت بموقع الأردن في قلب الهلال الخصيب، ومنطقة شرق البحر المتوسط، حيث تعاقبت عليه حضارات كبرى كاليونانية والرومانية والبيزنطية والفارسية، فاختلطت الأصول اللغوية بين الكنعانية، الآرامية، السريانية، واللاتينية.

وفيما يلي استعراض لأبرز معاني أسماء المحافظات والمدن الأردنية:

الأردن:
اسم المملكة مشتق من نهر الأردن، وتعددت التفاسير لمعناه؛ فمنها ما يرجعه إلى حفيد للنبي نوح عليه السلام، ومنها ما يربطه بمعاني “الشدة” و”الغلبة”، وأخرى تشير إلى أن الاسم مركب من رافدي النهر: “جور” و”دان”.

عمان:
عُرفت قديمًا باسم “ربّة عمون”، أي “عاصمة بني عمون” أو “دار الملك”، وقد تحوّل الاسم مع الزمن إلى عمان، وكانت تُعرف في العصر الروماني باسم “فيلادلفيا” بمعنى “الحب الأخوي”.

إربد:
يُعتقد أن اسمها تحريف لـ”أربيلا” الرومانية التي تعني “الأسود”، أو “بيت إربل”، وربما جاءت من “الربدة” بسبب لون التربة والسواد في الصخور.

الكرك:
من أقدم مدن الأردن، ويعني اسمها بالسريانية “الحصن” أو “القلعة”، وقيل إنه محرف عن “كاركو”، كما ورد ذكرها في التوراة باسم “كيرك”.

العقبة:
سُميت بذلك نسبة إلى الجبل الوعر الذي يعلو طريقها، وكانت تُعرف باسم “إيلة”، و”العقبة” تعني المكان الصعب المرتقى أو المنحدر.

الطفيلة:
اشتق اسمها من “الطَفْل” أي الطين أو الصلصال، أو من “دي تيفلوس” الرومانية التي تعني “أم الكروم”، ويقال إنها مشتقة من “توفل” السامية بمعنى “الجيري”.

جرش:
عُرفت باسم “جراسا” وتعني “كثيرة الغراس”، وربما نسبت إلى قبائل حثية قديمة أو إلى شخصية عربية تدعى “جرش”.

عجلون:
ارتبط اسمها بكلمة “عجل” السامية بمعنى “العجل الصغير”، ويقال إنه اسم لراهب أو ملك مؤابي سكن المنطقة.

مأدبا:
اسمها مأخوذ من “ميدبا” المؤابية، ويعني “مياه الراحة” أو “الأرض الخصبة”، وهناك من يرجع الاسم إلى تركيب سامي من كلمتي “مادا” (ماء) و”بيا” (فاكهة).

معان:
معناها بالعربية “المنزل” أو “المكان الصالح للإقامة”، وتاريخيًا كانت محطة للقوافل في قلب الصحراء.

المفرق:
جاء اسمها من كونها نقطة التقاء الطرق من وإلى دمشق وبغداد وعمان، وكانت تُعرف قديمًا بـ”الفدين” وتعني القصر أو القلعة.

الربة:
كانت “ربة مؤاب”، أي عاصمة مملكة مؤاب التاريخية، ويرتبط اسمها بقصة دينية عن ابنة النبي لوط.

الرمثا:
سُميت بذلك نسبة إلى نبات “الرمث” الشوكي، ويُحتمل أن أصل الاسم يوناني (أرثما) أو سرياني.

السلط:
ربما اشتُق اسمها من الكلمة اللاتينية “سالتا” أو “سالتوس” وتعني الغابة أو الوادي الخصيب، أو من السريانية وتعني “صخر الصوّان”.

سحاب:
الاسم قد يكون مشتقًا من “السحابة” أو “السحاب”، بمعنى الغيم، أو “فضلة ماء في الغدير”.

دير علا:
ترجع التسمية إلى معبد آرامي كان على تلة عالية، ويعني اسمها “معبد المحاصيل” أو “مكان الغلال”.

ناعور:
اسمها مشتق من “الناعورة”، وهي أداة تقليدية لرفع الماء من الأنهار لري الأراضي المرتفعة.

الشونة:
تحريف لـ”شوني” المصرية القديمة، وتعني مخزن الغلال، ولا تزال الكلمة مستخدمة حتى اليوم في مصر.

الفحيص:
جاء الاسم من “الفحص”، إذ استخدمها الرومان كمركز جمركي للبضائع الواردة من فلسطين ومصر.

عين الباشا:
سُميت نسبة إلى إبراهيم باشا الذي نزل بها، و”الباشا” لقب تركي للقيادات العسكرية والإدارية.

ماحص:
يرتبط اسمها بـ”تمحيص” البضائع القادمة إلى عمّان من أريحا ووادي شعيب.

الموقر:
كلمة عربية تعني “الرزين” أو “العاقل”، وتدل على الحكمة والتجربة.

بهذه الأسماء، لا تروي مدن الأردن مجرد قصص جغرافية، بل تسرد حكايات حضارات وأمم مرت من هنا، وخلّدت أسماءها في تضاريس المكان، وألهمت الأجيال المتعاقبة بهوية عريقة ومعانٍ راسخة.

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: توجيهات "للقانون الغائب"
  • جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة تعلن أسماء الفائزين بها في دورتها 11
  • د.حماد عبدالله يكتب: قانون هام فى (غياهب النسيان!!)
  • أبوالغيط يشهد إطلاق كتابه "شاهد على الحرب والسلام" باللغة الإسبانية في مدريد
  • أحمد ابو الغيط يشهد إطلاق كتاب "شاهد على الحرب والسلام" باللغة الإسبانية في مدريد
  • السرحان: معاني وقيم الاستقلال ستبقى راسخة في قلوب أبناء الوطن
  • اليوم.. انطلاق فعاليات مهرجان القاهرة الفرانكفوني احتفاء بالإبداع والإنسان
  • د.حماد عبدالله يكتب: كفـانا غطرسـة.. وغباء !!
  • من عمّان إلى العقبة… معاني أسماء المحافظات الأردنية تكشف عمق التاريخ وأصالة المكان
  • حسان : الاستقلال يوم تتجسد فيه معاني الحرية والسيادة