متحف عُمان البحري ودوره في التراث والسياحة
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
محمد بن عيسى البلوشي
رفعت صواري السفن العُمانية من جديد بتوقيع اتفاقيات تمويل مشروع متحف التاريخ البحري بولاية صور، هذه السفن ستلقي (الباورة) في مياه موطنها الأصلي بصور العفية في موقع يقابل (رأس الميل) وبتصميم فريد من نوعة قدمه المصمم الصوري محمد بن صلاح بن علي البلوشي عبر أهم جائزة عُمانية للتصميم وهي جائزة صاحب السُّمو السيد بلعرب بن هيثم للتصميم العمراني.
لا شك أن متحف التاريخ البحري بولاية صور سيكون أيقونة متحفية مميزة، وسيضم في جنباته جميع الحكايا والقصص والأثر البحري العُماني، والتي رفعت أشرعتها من هنا قبل مئات السنين، وتوجهت إلى موانئ الكويت ومنها إلى البصرة، وأيضًا دلمون وجواذر والهند والسند وزنجبار وجرز القمر وغيرها من موانئ العالم، ليعود كل هذا المخزون التاريخي والحضاري إلى أرض العفية.
هُنا تظهر أهمية مشروع المتحف البحري والتي ارتأت الإرادة السامية الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ومن قبل المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- أسكنه الله الفردوس الأعلى- ليكون هذا المعلم الحضاري والثقافي والإنساني والاقتصادي في ولاية صور تقديرا من دولة البوسعيد للدور الذي لعبته ولاية صور ميناءً وإنسانا في حقب تاريخية ستروى للأجيال المتلاحقة.
وسيخدم المتحف البحري بولاية صور الجانب السياحي والاقتصادي والثقافي ليس على مستوى العفية وولايات جنوب الشرقية فحسب بل على مستوى سلطنة عُمان عموما نظرا لخصوصية مثل هذه المتاحف وندرتها في منطقة الخليج، وما ستحوية من مكنونات تختزل قصص التاريخ البحري العُماني ودور السفن العُمانية في الملاحة بمنطقة الخليج العربي والعالم، فسفن صور جابت البحار شرقا وغربا، وأخذت الرسالة العُمانية الشامخة والخالدة والرصينة والحصيفة تصل إلى موانئ العالم يعلوها عنوان السلام والإخاء والتعاون.
ما يُحسب في مشروع المتحف البحري بولاية صور هذا التعاون الوطني والإتفاق الذي جمع ركنين عملاقين وشامخين من أركان المسؤولية الاجتماعية المستدامة في بلادنا العزيزة وهما الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال والشركة العُمانية الهندية للسماد (أوميفكو) لتمويل المشروع بقيمة إجمالية بلغت 12 مليون ريال عُماني، وهو بالمناسبة تعاون محمود وشراكة مقدره ومشكورة من قبل أبناء ولاية صور خصوصا والسلطنة عموما، ويدعونا إلى تقديم فكرة أن يقود جهاز الإستثمار العُماني عبر برنامج موحد للمسؤولية الإجتماعية المستدامة مبادرات مستقبلية مماثلة لتمويل المشاريع الوطنية وبناء تحالفات تمويلية بين الشركات الحكومية التي يديرها الجهاز.
إنَّ المهمة التي ينتظرها مكتب سعادة محافظ جنوب الشرقية قبل نهاية المشروع والمحدد بـ48 شهرًا، هو النظر في كيفية بناء مسارات طرق حديثة تؤدي إلى المتحف البحري وتلبي إحتياجات الكثافة المرورية التي ستكون عليها في المستقبل، وأرجو منها أن تشارك أصحاب العلاقة من أبناء المنطقة التي سيقام عليها المشروع وأعضاء مجلسي الشورى والبلدي ممثلي الولاية، حتى نعزز مفاهيم الشراكة المجتمعية لتحقيق أفضل النتائج المستدامة.
وأجد أنه من الأهمية بمكان النظر إلى مصانع السفن القائمة والقريبة من مشروع المتحف البحري بصور بحيث يتم تطوير المنطقة بشكل متكامل ومتجانس مع قصة التاريخ البحري العُماني، هذه الحكاية التي يمكن أن تبدأ بسفر سياحي من مصانع السفن القائمة وتنتهي بالمتحف. ويمكن النظر إلى إقامة بعض المشاريع الإقتصادية والسياحية بالقرب من أول جسر بحري معلق في سلطنة عُمان.
إنَّ عودة التاريخ البحري العُماني إلى حضن صور العفية من جديد، سيكون نقلة نوعية في مجال حفظ التراث والثقافة في عُمان والخليج العربي، وستردد السفن العابرة لبحر عُمان من جديد أغاني "اليامال"، وسينشد "النهام" أغنيته "رأس ماله آنه والعمامة صورية".
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
التحديات القانونية في منازعات العمل العُمانية
تُشكّل المنازعات العمالية أحد أبرز جوانب العلاقة التعاقدية في سوق العمل العماني، ويقوم الباحث القانوني بدور أساسي في تسويتها، وتقديم التوجيه السليم للمراجعين، ومن خلال عملي اليومي في قسم تسوية المنازعات العمالية، لاحظت تكرار بعض الإشكاليات التي تنمّ عن غياب الوعي القانوني، وارتباك في الإجراءات، بل وتعدٍّ أحيانًا على حقوق العامل أو صاحب العمل، ويهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على أبرز تلك التحديات، وتحليلها قانونيًا، وتبيان الجهود التي تُبذل في معالجتها، دعمًا للاستقرار العمالي والعدالة الاجتماعية.
أولًا: استفسار المراجعين من جهات غير مختصة قانونيًا (مكاتب سند)
من أبرز التحديات أن عددًا كبيرًا من العمال وأصحاب العمل يلجأون إلى مكاتب «سند» للحصول على استشارات قانونية تتعلق بشكاواهم العمالية، ورغم أهمية هذه المكاتب في تقديم خدمات إدارية، فإنها غير مختصة قانونًا بإبداء الرأي القانوني في منازعات العمل، وينتج عن هذه الاستشارات الخاطئة إرباك للمراجعين، وتقديم شكاوى مبنية على معلومات مغلوطة.
المادة (84) من قانون العمل العُماني تنصّ على اختصاص الجهات القضائية والإدارية المخولة قانونًا بالنظر في منازعات العمل، ولا تتضمن مكاتب سند ضمن تلك الجهات.
وجهودنا هنا تتمثل في إعادة توجيه المراجعين، وشرح اختصاصات كل جهة، مع تصحيح المفاهيم المغلوطة قبل الشروع في الإجراءات الرسمية، بما يحفظ وقتهم وحقوقهم.
ثانيًا: الخلط بين الاستقالة وإنهاء الخدمة
الكثير من العمال يجهلون الفرق الجوهري بين الاستقالة (إرادة العامل) وإنهاء الخدمة (إرادة صاحب العمل أو سبب قانوني)، ويظنون أن النتيجة واحدة، بينما لكل إجراء آثاره القانونية وحقوق مختلفة.
الاستقالة: تكون بإرادة العامل، ويجب أن تكون مكتوبة، ويخضع لشرط الإشعار المسبق المنصوص عليه في المادة (37) من قانون العمل، ويترتب عليها انتهاء العلاقة دون تعويض.
إنهاء الخدمة: يتم بناءً على قرار من صاحب العمل أو ظروف معينة (مثل الإفلاس، تقليص العمالة، أو مخالفات)، ويخضع لشروط وتعويضات وفقًا للمادة (43)، التي تضمن تعويض العامل متى كان الفصل تعسفيًا أو غير مشروع.
ونحرص على شرح الفرق لكل حالة على حدة، وتوثيق الإجراء الصحيح قانونيًا، حماية للطرف الأضعف غالبًا (العامل)، وتوجيه الشكوى على النحو المناسب.
ثالثًا: اختلاف المسمى الوظيفي
بين بطاقة الإقامة والعقد
تتكرر شكاوى يكون فيها المسمى الوظيفي في بطاقة الإقامة مختلفًا عن العقد الفعلي، أو الوظيفة التي يزاولها العامل على أرض الواقع، هذه الإشكالية تؤدي إلى خداع إداري وتنظيمي سواءً للعامل أو لصاحب العمل، وتؤثر على استحقاقات العامل القانونية.
وفقًا لـلمادة (21) من قانون العمل، يجب أن يتضمن العقد بيانات دقيقة عن المهنة وطبيعة العمل، وفي حال وجود اختلاف، فإن المحكمة تنظر في طبيعة العمل الفعلية.
كما قد يؤدي هذا التضارب إلى مخالفات تتعلق بقانون إقامة الأجانب، مما يجعل العامل في وضع قانوني غير سليم رغم حسن نيته.
ونعمل على تقديم النصح للطرف المتضرر بضرورة المطابقة بين الوثائق الرسمية والعقد الفعلي، وتعديل الوضع القانوني.
رابعًا: تسليم جواز السفر للعامل
كثيرًا ما يطالب أصحاب العمل باسترجاع جواز السفر من العامل بعد تقديمه شكوى، بحجة الخوف من هروبه أو مغادرته البلاد. غير أن تسليم الجواز لا يُعد ضمانًا كافيًا قانونيًا.
القانون العُماني يمنع احتجاز جواز السفر من قِبل الغير دون مسوّغ قانوني، ويُعد ذلك مخالفة صريحة لأحكام قانون الجزاء.
ووفقًا للمادة (8) من قانون إقامة الأجانب، فإن مغادرة البلاد تخضع لإجراءات مراقبة الحدود، ولا يمكن للعامل المغادرة إذا كانت عليه شكوى مفتوحة أو أمر منع سفر صادر عن الادعاء العام.
لذا أوضح لأصحاب العمل أن الحل القانوني يكمن في تقديم طلب منع سفر رسمي للجهات المختصة، وليس بالاحتفاظ بجواز العامل.
خامسًا: شكاوى المحامين ضد مكاتب المحاماة بسبب الأجور من القضايا المتكررة مؤخرًا، شكاوى المحامين الشباب ضد مكاتب المحاماة التي يعملون بها، بسبب عدم دفع الأجور بانتظام أو تقليل الرواتب بشكل تعسفي.
ورغم أنهم يعملون في المجال القانوني، فإنهم يُعدّون عاملين بأجر وفقًا لتعريف العامل في المادة (1) من قانون العمل.
وقد أرست محكمة الاستئناف بمسقط مبدأ أن علاقة العمل بين المحامي والمكتب يحكمها قانون العمل متى ما ثبت وجود تبعية وأجر، بغض النظر عن صفة المكتب كمؤسسة قانونية.
ويجب السعي لتوثيق عقودهم، وتحليل بيانات رواتبهم، وتوجيه شكاواهم وفقًا لنظام العمل، لضمان حصولهم على كامل حقوقهم.
الاستقدام غير القانوني
للقوى العاملة المنزلية خطر قانوني ومجتمعي:
من أبرز المشكلات المتكررة في مجال المنازعات العمالية، استقدام بعض المواطنين العُمانيين للعمالة المنزلية من خلال أفراد وليس عبر مكاتب استقدام مرخّصة.
هذا السلوك يُعد مخالفة قانونية ويُعرّض صاحب العمل (الكفيل) لعواقب قانونية جسيمة؛ إذ لا يملك في هذه الحالة أي ضمانات تحفظ حقه، كما تكون العاملة في وضع قانوني هشّ يمكن أن ينقلب على الكفيل لاحقًا.
وتظهر آثار هذا الخلل بوضوح عند لجوء العاملة المنزلية إلى الجهات المختصة للمطالبة بحقوقها، حيث تسجّل شكاوى تفيد بتعرضها للإساءة أو عدم استلام الأجور أو العمل خارج الشروط المتفق عليها شفهيًا، مما يُربك وضع الكفيل الذي لا يملك مستندات رسمية تُثبت العلاقة التعاقدية أو حتى تفاصيل الاتفاق.
وقد نظّم القانون العُماني هذا الجانب بشكل واضح، حيث نصّت المادة (20) من القرار الوزاري رقم 189/2004 بشأن تنظيم استقدام واستخدام القوى العاملة غير العمانية على:
«لا يجوز لأي شخص طبيعي أو اعتباري استقدام العمال إلا عن طريق مكاتب استقدام القوى العاملة المرخّصة من قبل الوزارة».
كما تؤكد المادة (21) من نفس القرار:
«يتحمّل المكتب مسؤولية ضمان حقوق العامل وصاحب العمل طبقًا للعقد المبرم بين الطرفين، ويلتزم بإعادة العامل في حال وجود مخالفة أو إخلال بالشروط».
وبالتالي، فإن استقدام القوى العاملة المنزلية من خارج الإطار الرسمي لا يعرّض فقط حقوق الكفيل للخطر، بل يفتح المجال أيضًا لاستغلال العاملات وتشويه سمعة سوق العمل في سلطنة عمان.
نُذكّر بضرورة تكثيف الوعي المجتمعي بخطورة هذا الفعل، وتشجيع المواطنين على التعامل فقط مع مكاتب مرخّصة تضمن حقوق الطرفين، إضافة إلى تفعيل الرقابة والتفتيش على ممارسات استقدام القوى العاملة غير النظامية، لما لها من انعكاسات قانونية وإنسانية خطيرة.
إنّ تسوية المنازعات العمالية ليست إجراءً روتينيًا، بل مسؤولية اجتماعية وقانونية تتطلب دقة، وحسن توجيه، ووعيًا قانونيًا مستمرًا، ومن خلال معالجتنا اليومية لهذه القضايا، نبذل جهدًا في تثقيف المراجعين، وبيان حقوقهم، والتصرف كمرجعية قانونية موثوقة، بما يعكس المهنية العالية، ويُسهم في تحقيق العدالة وحماية سوق العمل العُماني.