شروط عديدة تُطرح حالياً لإنهاء حرب لبنان مع إسرائيل من دون حسمٍ واضح لمآلات المعركة التي يشهدها جنوب لبنان، فالجيش الإسرائيلي يواصل عمليته البرية بينما "حزب الله" لم يتوقف عن القتال وتنفيذ العمليات.
ما يجري حالياً هو أن الميدان هو الذي يتحدّث بالتوازي مع المساعي الدبلوماسية، وتكشف المعلومات أنّ "حزب الله" يتعامل بـ"ليونة" مع الطروحات "المقبولة بالنسبة له"، والتي لا تمنحُ الإسرائيلي ضمانات "غير منطقية" تساهم بفرض سطوة أو هيمنة يحلمُ بها منذ سنوات طويلة.
إزاء ذلك، فإنّ "نهاية حرب لبنان" ستبدأ منذ اللحظة التي يُعلن فيها "حزب الله" موافقته الكاملة على الشروط المرتبطة بمسودة الاتفاق، علماً أن مسألة انسحابه من الحدود الأمامية كبندٍ أساسي مطروح ضمن الصفقة، لا تعني انتقاصاً من وجوده هناك، فالحزب في الأصل، لم يكن متواجداً بشكل علني في منطقة جنوب الليطاني، ما يعني أن انسحابه وتنازله عن هذا "الوجود العلني" لن يكون صعباً طالما أنه يرتبط بجزئية الظهور.
لكن على المقلب الآخر، فإن إسرائيل ومن خلال عمليتها البرية ضد لبنان، تمنح نفسها السبيل للانسحاب من الحرب، فهي تعتبرُ أن إغلاقها لبعض الأنفاق التابعة للحزب هناك، هي مؤشر على أن قدرة الأخير على تنفيذ اقتحامات ضد مستوطنات الجليل أمرٌ بات صعباً، خصوصاً أن البنى التحتي الملاءمة لذلك قد تم تحييدها.
السبب هذا هو ما يدفع إسرائيل للبحث نوعاً مع عن مخرج من الحرب، بينما الأمر الأهم هو أن ضغوط الميدان التي يمارسها "حزب الله" هي التي كرّست معادلة انتقال إسرائيل من مرحلة فرض الشروط القاسية إلى مرحلة أخرى تجري عبرها عمليات تقديم التنازلات تحت ضربات عسكرية يتم إسداؤها بشدّة في جنوب لبنان من قبل "حزب الله".
ما سرّع أكثر في اقتراب إسرائيل من مناقشة تسوية ما غير محسومة هو الضربات التي تلقاها الإسرائيليون من قبل الحزب وخصوصاً تلك التي تم تصويرها بشكل واضح. هنا، تقول مصادر معنية بالشأن العسكري لـ"لبنان24 "إن نشر "حزب الله" مقاطع فيديو لعمليات الاستهداف تكشف عن جانب عملياتي كبير يحافظ على ذاته، وأضافت: "الفيديوهات المنشورة تؤكد أن لدى الحزب السيطرة الواضحة في الميدان، كما أن صواريخه التي تستهدف الدبابات وتنقل الصورة الفعلية، ساهمت في التأثير على العملية التفاوضية من دون أدنى شك، وذلك لأن الرأي العام الإسرائيلي سيرى أن الإستهدافات موثقة والخسائر مسجلة وبالتالي فإن الغرق في رمل لبنان سيكون صعباً جداً".
إذاً، ما يتبين من كل هذه الأمور هو أن الحل بات يقترب شيئاً فشيئاً، علماً أن الوسيطين الأميركييين آموس هوكشاتين وبريت ماكغورك سيباشران اعتباراً من اليوم دراسة التسوية بين تل أبيب ولبنان، وما الضربات الأخيرة التي حصلت إلا دليل إشارة على أن "حزب الله" مستعد لإيذاء إسرائيل أكثر، في حين أن انهاء الحرب لا يكون إلا بشروطه، وذلك وفق ما قال الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم.
إنطلاقاً من كل ذلك، فإن الرهان يبقى على آليات التطبيق الفعلية لوقف إطلاق النار، بينما السؤال الأهم هو التالي: هل تستلزم به إسرائيل حقاً؟ ما هي الضمانات التي سيحصل عليها لبنان مقابل هذا الالتزام وكيف سيتم تسييلها؟ الإجابة لاحقاً...
المصدر: لبنان 24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
رؤية الحج الإنسانية التي تتسع للعالم أجمع
يبدأ حجاج بيت الله الحرام غدًا الأربعاء في التوجه إلى مدينة الخيام في منى لقضاء أول أيام موسم الحج وهو يوم التروية استعدادًا للنسك الأعظم في الحج وهو الوقوف بصعيد عرفات الطاهر. ومشهد حجاج بيت الله الحرام وهم يؤدون مناسك الحج مشهد متكرر كل عام، ولكنه لا يفقد دهشته ولا عمقه، ملايين البشر يأتون من أقاصي الأرض، مختلفي اللغات والأعراق والانتماءات، ليقفوا على صعيد واحد، ولباس واحد، وأمام رب واحد. لا يوجد مشهد أكثر عظمة وأعمق دلالة من هذا المشهد الذي يحقق معنى المساواة والكرامة والاندماج الروحي بين الناس.
والحج إضافة إلى أنه الركن الخامس من أركان الإسلام فهو أيضا تجربة وجودية شاملة، تهذّب الروح، وتعيد ضبط علاقتها مع الآخر، وتغرس في النفس معاني التواضع والسكينة والعدالة. وفي الحج يمكن أن يقرأ الإنسان الكثير من القيم التي فطر الله الناس عليها، إضافة إلى دلالات مستمدة من يوم القيامة؛ حيث لا تقاس قيمة الإنسان بماله أو سلطته ولكن بامتثاله للحق، وبقدرته على تجاوز أنانيته نحو فهم أوسع للوجود البشري المشترك.
وإذا كان الحس الإنساني يتراجع اليوم أمام صراعات الهوية والتعصب والماديات القاتلة، فإن فريضة الحج تقدم نموذجا بديلا، فإضافة إلى شعار التوحيد فإن الحقائق التي يقرها الحج تتمثل في حقيقة الأخوة الإنسانية، ورسالة السلام، ومنهج الرحمة. ولعل المكان الوحيد في العالم الذي يتساوى فيه الجميع هو صعيد عرفات، والموقف الوحيد الذي تذوب فيه الحدود، هو الطواف. والمشهد الوحيد الذي تتحول فيه الجموع إلى روح واحدة مندمجة، هو الحج.
ومع اكتمال وصول حجاج بيت الله الحرام إلى جوار بيته العتيق فإننا نحتاج إلى أن نتأمل فريضة الحج وطقوسها لا بوصفها ممارسة فردية ولكن بوصفها منظومة قيمية قادرة على إنقاذنا من الانحدار الأخلاقي. فالحج يعلّمنا أن العظمة في التواضع، والقوة في الصفح، والكرامة في المساواة. ومن كان حجه مبرورا، فليجعله بداية لا نهاية، وليكن ما تعلمه هناك هو ما يزرعه هنا: في بيته، وفي عمله، وفي وطنه، وفي العالم بأسره.
وإذا كانت شعائر الحج تنتهي في مكة المكرمة فإنها تبدأ في نياتنا، وفي صدقنا، وفي استعدادنا لأن نكون أفضل مما كنا.
كل عام، تمنحنا هذه الرحلة فرصة جديدة، لنسأل أنفسنا: هل يمكن أن نكون حجاجا حتى وإن لم نذهب؟ هل يمكن أن نعيش مبادئ الحج ونحن في بيوتنا؟ هذا هو المعنى الحقيقي لحج لا ينتهي بعد أن تكون أرواحنا قد صقلت وملئت بالقيم الإنسانية النبيلة.