"القومية العِرقية" تهدد عمل الصحفيات في سوريا
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
يستعرض التقرير قصص صحفيات سوريات، تعرضن لحملات تشويه وتهديدات بسبب هُويتهن القومية العِرقية؛ خاصة بعد تناولهن مواضيع ذات طابع سياسي أو اجتماعي.
اتهامات بالفبركة والتضليل، طالت الصحفية لامار أركندي (36 عاماً)، بعد أن نشرت إحدى القنوات العربية تقريراً لها، تتحدث فيه عن وجود سبايا في مدينة إدلب، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، المعروفة سابقاً بـ « جبهة النصرة ».تزامن نشر المادة الصحفية مع فترة تظاهرات شهدتها المدينة، منتصف عام 2023، قادتها مجموعة نساء يُطالبن بالإفراج عن السجناء السياسيين، المعتقلين لدى هيئة تحرير الشام.
تقول أركندي عن التحقيق الذي نشرته وقتها: « كانت المادة دعماً للسوريات في تلك المناطق، تحدثتُ فيها عن الانتهاكات التي تعرضن لها داخل هذه السجون، وعن وجود سوق للسبايا ».
عبر صفحتها الشخصية على فيس بوك، تعرضت أركندي لموجة من التعليقات المسيئة والبلاغات، كما تلقت تهديدات كثيرة بالقتل والخطف والسبي والاعتقال، وفقا لروايتها. تجاوزت التهديدات حدود التشهير بـأركندي إلى الدعوة لإصدار مذكرة توقيف بحقها في تركيا ومناطق المعارضة. تقول أركندي: « كانوا يدعون الحكومة التركية لقتلي أو اعتقالي ».
امرأة كردية!تقول الصحفية لامار أركندي إن الهجوم عليها اقترن دائماً بهُويتها الكردية: « أنا إنسانة سورية قبل أن أكون كردية ». أركندي ليست الصحفية الوحيدة التي تعرضت لهذا النوع من الهجوم؛ فروناك شيخي (38عاماً)، مراسلة قناة المشهد بالقامشلي، تؤكد أن انتماءها العرقي سبّب لها الكثير من المشكلات.
تقر الصحفية التي غطت الحرب على تنظيم « داعش »، وزارت المخيمات التي يقيم فيها عناصر التنظيم، إلى جانب تغطيتها للسجون والمعتقلات، بأن طبيعة عملها الصحفي يُعرّضها للكثير من المخاطر، لكنّها تزداد بطبيعة الحال، كونها امرأة تعمل في منطقة نزاع مسلح.
مخاوف متشابهة لدى الصحفية رزان أحمد (اسم مستعار)، وإن اختلفت الوجهة، حيث تخشى السفر إلى دمشق لاستكمال دراستها، وتعتقد بأن ذلك قد يُعرّضها للاعتقال؛ كونها عملت بإحدى الوكالات المحلية في منطقة الإدارة الذاتية، شمال شرقي سوريا.
أما الصحفي السوري جانو شاكر، فيرى أن تعرض العاملين في المجال الإعلامي للتهديد والابتزاز إلكترونياً، ظاهرة متصلة بتداعيات « الوظيفة الرقابية » للعمل الصحفي، القائم على كشف الأخطاء وإظهار مواطن الخلل والفساد.
وأشار شاكر إلى أن تأثير هذه التهديدات تكون له أبعاد أعمق، عندما يتعلق الأمر بالصحفيات: « لا يشمل التهديد الإلكتروني جانب الأمن والسلامة الشخصية للصحفية فقط، ولكنّه يصل إلى المساس بصورتها الاجتماعية، ومحاولة التشهير بها ».
ويضيف: « في مثل هذه الحالات تبدو الصحفيات -مقارنة بنظرائهن من الصحفيين- أقل حظاً ومقدرة على تحمل مثل هذه التهديدات، ليس لأن التمييز والأعراف الاجتماعية يقفان بجانب الصحفي؛ بل لأنها في الغالب لا تجد أيّ آليات مساندة أو إجراءات معروفة، من جانب المؤسسات التي يعملن لديها ».
آثار عميقةتُظهر نتائج استطلاع شمل 714 صحفية، أجراه المركز الدولي للصحفيين بالتعاون مع اليونسكو عام 2020، أن الصحفيات اللواتي ينتمين لفئات عرقية، أو يملكن توجهات دينية معينة، يكنّ أكثر عرضة للعنف الرقمي.
وتؤكد الاختصاصية النفسية روجين شاويش، أن تأثير التهديدات على الأشخاص الأقل مرونة، يكون أكثر تعقيداً مقارنة بغيرهم، مضيفة: « التهديد بالقتل أو الخطف أو الاعتقال، للأشخاص الذين لا يمتلكون مرونة نفسية، قد يسبّب لهم ضغطاً نفسياً أكبر، وينتج عن ذلك الضغط عدة أعراض نفسية أخرى ».
وبحسب الاختصاصية النفسية، فإن الضغط النفسي غالباً ما يتطور إلى حالة الصدمة، إضافة إلى أعراض جسدية مصاحبة، كالصداع المستمر، أو آلام المعدة والمفاصل والظهر، والشعور بالوهن العام. وتشير إلى أن الصحفية قد تلجأ إلى العزلة الاجتماعية، وتمتنع أيضاً عن ممارسة الطقوس الدينية المعتادة.
من جهة أخرى، يؤكد عمر الأسعد، مسؤول التواصل لدى المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، أن التهديدات الإلكترونية تؤثر سلباً في العمل الصحفي بسوريا، لأنها تطول الناشطين والناشطات في مختلف المجالات؛ نظراً لانتشار السلاح والفساد وتصفية الحسابات، وغياب البيئة الاجتماعية الحاضنة والداعمة.
هذه التهديدات قد تدفع الصحفيات إلى العمل في مجالات أخرى أكثر أماناً، تجنبهن التعرض لهذه الانتهاكات، وفق الأسعد.
قوانين وآليات محاسبة الجناةيرى الحقوقي خالد جبر، أن الأزمة السورية فاقمت معاناة الصحفيات؛ لأن التهديدات والانتهاكات التي يتعرضن لها، إما بسبب مواقفهن تجاه قضايا معينة، أو بسبب توجه الوسيلة الإعلامية التي يعملن لديها.
ويؤكد جبر أن مناطق المعارضة السورية تُعدّ من أكثر المناطق هشاشة من الناحية الأمنية والقانونية، كما أن وجود التنظيمات الراديكالية يجعلها بيئة غير آمنة لعمل الصحفيات، مضيفاً أن عدم وجود قوانين للحماية من الاختراقات الإلكترونية، يزيد من حالات التدهور الحقوقي.
ويشير إلى أن إصدار قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية، لعام 2022، في المناطق الحكومية، يُعدّ أمراً إيجابياً، وقد يؤدي إلى ردع جرائم الابتزاز؛ لكنّ حالة الفوضى والفساد والانفلات الأمني -بحسب جبر- تمنع تطبيق القانون.
ويُرجع المختص في القانون الدولي، خالد جبر، صعوبة محاسبة الجناة وعدم تطبيق القوانين، إلى الانقسام الحاصل في سوريا، حيث كل منطقة تسيطر عليها جهة مختلفة، وفي حال النزاع أو حتى الأحكام القضائية، فإن القانون الذي يطبق في منطقة الإدارة الذاتية، لا يمكن تطبيقه في مناطق المعارضة؛ كون الجاني في منطقة خارج سيطرتها.
وينوه جبر إلى وجود آلية أخرى للوصول إلى الجناة، خاصة إذا كانوا محسوبين على السلطة التي تدير المنطقة، وهي الاستفادة من الاختصاص العالمي لبعض المحاكم الدولية، كالمحاكم البلجيكية مثلاً، التي يمكن الادعاء أمامها. ويضيف أن الإجراءات القانونية تعتمد على معرفة وتحديد هُوية الجاني: « نواجه أحياناً أشخاصاً وهميين وغير حقيقيين، وبالتالي فإن الضحية قد تكون معروفة، لكنّ مرتكب الانتهاك غير معروف أو العكس ».
« تغلبنا على شعور الخوف من الموت منذ زمن »تقول أركندي إنها تلقت الدعم من عدة جهات؛ فاتحاد الإعلام الحر (مؤسسة نقابية مهنية مستقلة تعمل في مناطق شمال وشرق سوريا) قد أدلى ببيان استنكار، ونظم وقفة احتجاجية بمدينة الرقة شارك فيها عدد من الإعلاميين والصحفيين من مناطق مختلفة.
ومن جهته، أدان مكتب رصد وتوثيق الانتهاكات في شبكة الصحفيين الكُرد السوريين، الهجوم على الصحفيات في وسائل التواصل الاجتماعي، سواء تلك التي تنشر بأسماء مستعارة، أو عبر قنوات ومنصات إعلامية محسوبة على الفصائل المسلحة المتشددة والراديكالية. وبحسب ما ورد في البيان، فإن التهديدات باتت شبه يومية، وتتضمن الاغتصاب والتحرّش الجنسي والترويع.
قام الموقع الإلكتروني بحذف تقرير أركندي، بعد ثلاثة أيام من نشره؛ لكن تمّ تداوله في عدد من الوسائل والمنصات الإعلامية الأخرى.
أُنجز هذا التقرير بدعم من أريج كلمات دلالية القومية العِرقية، الصحفيات السوريات، أريج، تحقيقالمصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: فی منطقة
إقرأ أيضاً:
الرئيس اليمني يدعو في خطاب للشعب الى استلهام قيم الوحدة اليمنية الخالدة في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية المحدقة بالجميع
عدن (الجمهورية اليمنية) - دعا الرئيس رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ابناء الشعب اليمني الى جعل مناسبة ذكرى اعادة تحقيق الوحدة اليمنية 22 مايو 1990، محطة للمبادرات الخلاقة، وتجديد العهد، وتوحيد الخطاب الإعلامي لكافة مكونات الشرعية، والارتقاء إلى مستوى التهديد الحوثي الايراني، المحدق بالجميع دون استثناء.
وقال الرئيس اليمني في خطاب بمناسبة الذكرى 35 للعيد الوطني للجمهورية اليمنية "إن الوحدة الوطنية التي ننشدها اليوم ليست شعارًا، بل ممارسة واقعية، تتجسد في مؤسسات عادلة، وسلطات مستقلة، ودولة مدنية تُدار بالحكم الرشيد، وتكافؤ الفرص".
واكد "ان الوحدة الوطنية تقف اليوم نقيضاً لمشاريع الإمامة الكهنوتية، وثقافة الموت، والكراهية، والعنصرية".
اضاف " هذه هي الوحدة الوطنية التي نؤمن بها: وحدة من أجل الدولة لا المليشيا، وحدة من أجل الجمهورية لا الإمامة، وحدة من أجل المواطنة والشراكة والتنوع لا الهيمنة، والإقصاء".
واعتبر الرئيس العليمي، ان الاحتفاء بهذا اليوم المجيد هو وفاء لكل من ضحّى من أجل مشروع دولة قوية، كما انه اعتراف متجدد بالأخطاء، والتزام قاطع بتصحيح المسار.
وتوجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني بالتحية لكافة ابناء الشعب اليمني بهذه المناسبة الوطنية التي جاءت تتويجاً لمسيرة نضالية عظيمة، امتدت من وهج سبتمبر المجيد، إلى شعلة أكتوبر الخالدة، حتى لحظة الميلاد العظيم للجمهورية اليمنية.
وقال "لقد كانت الروح الجنوبية سبّاقة إلى الحلم الوحدوي، نشأةً وفكرًا، وكفاحًا، فكان النشيد جنوبياً، والراية جنوبية، والمبادرة جنوبيّة بامتياز، في مشهد تاريخي يعكس صدق النوايا، ونبل المقاصد".
وفي هذا السياق جدد العليمي التأكيد بأن القضية الجنوبية تمثل جوهر أي تسوية سياسية عادلة، وأن معالجتها لن تتحقق من خلال تسويات شكلية، بل بالإنصاف الكامل، والضمانات الكافية التي تُمكن أبناء الجنوب من صياغة مستقبلهم، وتقرير مركزهم السياسي والاقتصادي، والثقافي، بما يعزز مبدأ الشراكة في السلطة والثروة، وفقا للمرجعيات الوطنية، والإقليمية، والدولية.
وقال "لقد أثبتت التجارب المريرة لاسيما عقب انقلاب المليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني، أن بناء اليمن الحديث لا يمكن أن يتم إلا بتحقيق ثلاثة شروط رئيسية: حماية النظام الجمهوري، وترسيخ التعددية، وبناء وحدة متكافئة تقوم على العدل والمساواة، لا على الهيمنة، والإقصاء".
واكد الرئيس اليمني ان هذه الأركان الثلاثة تمثل خلاصة التاريخ النضالي لشعبنا العظيم، كما انها تمثل ضمانة الحاضر، والمستقبل لبناء دولة العدالة، والمواطنة المتساوية.." الدولة التي تكفل لمواطنيها تكافؤ الفرص وتمنحهم الحق في تقرير مستقبلهم، وتصون هويتهم الوطنية والقومية.. الدولة التي تؤمن بمبادئ حسن الجوار، وتحترم المواثيق والمعاهدات، وقواعد الشرعية الدولية، كعضو فاعل في حاضنتها الخليجية، والعربية".
واشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي في هذا السياق الى ان المجلس والحكومة قد شرعوا بالفعل في خطوات جادة لتصحيح المسار، بدءًا بتعزيز استقلال السلطات، وتفعيل اجهزة انفاذ القانون، ومعالجة بعض آثار حرب صيف 1994، وتوسيع اللامركزية المالية والادارية، وفقاً للدستور، ومرجعيات المرحلة الانتقالية.
اضاف "نحن اليوم لا نطرح وعوداً، بل نتحدث عن إجراءات ملموسة، وخيارات مفتوحة، نحرص على ادارتها بحكمة ومسؤولية، بعيداً عن ردود الفعل، وبما يحفظ وحدة الصف الوطني، ويعيد الاعتبار للدولة كضامن حقيقي للحقوق، والحريات العامة.
واشار العليمي الى جهود مجلس القيادة الرئاسي خلال السنوات الماضية، في استلهام روح الوحدة الوطنية وتحويلها إلى واقع عملي، من خلال تعزيز التوافق، ودعم الشراكة، وتمكين الحكم المحلي، والتشديد على مركزية القضية الجنوبية.
واوضح قائلا "رغم التحديات الهائلة، وأزمة الموارد، التي فاقمتها هجمات المليشيات الحوثية الإرهابية على موانئ تصدير النفط، وسفن الشحن البحري، لم نتخل يوماً عن مسؤولياتنا، ولم نقمع احتجاجاً سلمياً، بل نظرنا إلى أصواتكم - وفي مقدمتها تظاهرات النساء الملهمات في عدن وغيرها من المحافظات- كحافز صادق لتسريع وتيرة العمل، وتخفيف المعاناة بالشراكة مع اشقائنا في تحالف دعم الشرعية، وشركائنا الدوليين".
وجدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني التزام المجلس والحكومة بمواصلة الإصلاحات في مجالات الكهرباء، والطاقة، والخدمات الأساسية، استكمالًا لما أُنجز خلال السنوات الاخيرة، بدعم كريم من أشقائنا في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، الذين لم يترددوا يومًا في مساندة بلدنا، ودعم استقراره، والوقوف إلى جانب قيادته السياسية، وشعبه الصابر.
واكد في هذا السياق، حرص المجلس العمل مع رئيس الوزراء، والحكومة على تحديد أولويات المرحلة، بالتركيز على الاستحقاقات الاقتصادية، والخدمية، التي ستشهد خلال الأيام المقبلة انفراجة بعون الله تعالى، موجها الحكومة، والسلطات المحلية باتخاذ كافة الإجراءات لردع الخارجين على النظام والقانون، وتعزيز دور الأجهزة المعنية في إقامة العدل، والانصاف العاجل للمظلومين.
وفيما يلي نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أبناء شعبنا اليمني العظيم في الداخل والخارج،،
يا أبطال قواتنا المسلحة والامن البواسل في ميادين العزة والكرامة،،
أيتها المواطنات الصامدات في دروب التضحية والعطاء،،
أحييكم جميعا بتحية الجمهورية، والحرية في الذكرى الخامسة والثلاثين لليوم الوطني الثاني والعشرين من مايو، الذي جاء تتويجاً لمسيرة نضالية عظيمة، امتدت من وهج سبتمبر المجيد، إلى شعلة أكتوبر الخالدة، حتى لحظة الميلاد العظيم للجمهورية اليمنية.
لقد كانت الروح الجنوبية سبّاقة إلى الحلم الوحدوي، نشأةً وفكرًا، وكفاحًا، فكان النشيد جنوبياً، والراية جنوبية، والمبادرة جنوبيّة بامتياز، في مشهد تاريخي يعكس صدق النوايا، ونبل المقاصد.
ونحن، إذ نتذكر هذا السبق، فإننا نتفهم اليوم تمامًا متغيرات المزاج الشعبي تحت ضغط مظالم الماضي، والإقصاء، والتهميش، والمركزية المفرطة.
ومع ذلك، يثبت الجنوب، أنه لم ولن يكن يوماً طرفاً عارضاً في المعادلة الوطنية، بل كان وما يزال منارةً للتنوير، ومهداً للدولة المدنية، ودرعها الصلب، ومستقرًّا للملايين من أهلنا النازحين من جحيم الكهنوت الحوثي، الذين وجدوا في عدن، وغيرها من المحافظات الجنوبية، ملاذهم الآمن، وفرص العيش الكريم.
وكما كانت عدن عاصمة لقوى التحرر من الاستعمار والامامة القديمة، ها هي اليوم ترسخ موقعها كقاعدة انطلاق لدحر مشروع الامامة الجديدة، وداعميها، والذود عن النظام الجمهوري، وأهدافه الخالدة.
أيها الاخوة المواطنون والمواطنات،،
ان الاحتفاء بهذا اليوم المجيد هو وفاء لكل من ضحّى من أجل مشروع دولة قوية، كما انه اعتراف متجدد بالأخطاء، والتزام قاطع بتصحيح المسار.
ولهذا نؤكد من جديد أن القضية الجنوبية تمثل جوهر أي تسوية سياسية عادلة، وأن معالجتها لن تتحقق من خلال تسويات شكلية، بل بالإنصاف الكامل، والضمانات الكافية التي تُمكن أبناء الجنوب من صياغة مستقبلهم، وتقرير مركزهم السياسي والاقتصادي، والثقافي، بما يعزز مبدأ الشراكة في السلطة والثروة، وفقا للمرجعيات الوطنية، والإقليمية، والدولية.
لقد أثبتت التجارب المريرة لاسيما عقب انقلاب المليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني، أن بناء اليمن الحديث لا يمكن أن يتم إلا بتحقيق ثلاثة شروط رئيسية: حماية النظام الجمهوري، وترسيخ التعددية، وبناء وحدة متكافئة تقوم على العدل والمساواة، لا على الهيمنة، والإقصاء.
ان هذه الأركان الثلاثة تمثل خلاصة التاريخ النضالي لشعبنا العظيم، كما انها تمثل ضمانة الحاضر، والمستقبل لبناء دولة العدالة، والمواطنة المتساوية.. الدولة التي تكفل لمواطنيها تكافؤ الفرص وتمنحهم الحق في تقرير مستقبلهم، وتصون هويتهم الوطنية و القومية.. الدولة التي تؤمن بمبادئ حسن الجوار، وتحترم المواثيق والمعاهدات، وقواعد الشرعية الدولية، كعضو فاعل في حاضنتها الخليجية، والعربية.
أيها المواطنون ايتها المواطنات في كل مكان،،
إن الوحدة الوطنية التي ننشدها اليوم ليست شعارًا، بل ممارسة واقعية، تتجسد في مؤسسات عادلة، وسلطات مستقلة، ودولة مدنية تُدار بالحكم الرشيد، وتكافؤ الفرص. إنها وحدة تقف نقيضاً لمشاريع الإمامة الكهنوتية، وثقافة الموت، والكراهية، والعنصرية.
وقد شرعنا بالفعل في خطوات جادة لتصحيح المسار، بدءًا بتعزيز استقلال السلطات، وتفعيل اجهزة انفاذ القانون، ومعالجة بعض آثار حرب صيف 1994، وتوسيع اللامركزية المالية والادارية، وفقاً للدستور، ومرجعيات المرحلة الانتقالية.
ونحن اليوم لا نطرح وعوداً، بل نتحدث عن إجراءات ملموسة، وخيارات مفتوحة، نحرص على ادارتها بحكمة ومسؤولية، بعيداً عن ردود الفعل، وبما يحفظ وحدة الصف الوطني، ويعيد الاعتبار للدولة كضامن حقيقي للحقوق، والحريات العامة.
أيها الشعب العظيم،،
بينما نُحيي هذه الذكرى، وسط معاناتكم المؤلمة، نؤكد لكم العهد الا نغفل لحظة واحدة عن معركتكم المصيرية في استئصال جذر المشكلة المتمثل بالمشروع الحوثي الامامي، كتهديد وجودي لنظامنا الجمهوري، وأمن بلدنا، ونسيجه الاجتماعي، وهويته العربية، والثقافية، ومصالحه الإقليمية، والدولية.
إن هذه الجماعة الارهابية، التي تزايد باسم الوحدة، والسيادة، هي من تغلق الطرقات، وتحاصر المدن، وتستنزف العملة الوطنية، وتُعيد إنتاج التمييز، والفوارق بين الطبقات، وفرض واقع الانفصال بالقوة، والنهب والجبايات، وتذهب بمزيد من مغامراتها الطائشة الى استدعاء التدخلات الخارجية، وتصدير الفوضى خدمة لأجندة إيران ومشروعها التوسعي.
يا أبناء شعبنا الأبي،،
لقد عملت مع إخواني في مجلس القيادة الرئاسي خلال السنوات الماضية، على استلهام روح الوحدة الوطنية وتحويلها إلى واقع عملي، من خلال تعزيز التوافق، ودعم الشراكة، وتمكين الحكم المحلي، والتشديد على مركزية القضية الجنوبية.
ورغم التحديات الهائلة، وأزمة الموارد، التي فاقمتها هجمات المليشيات الحوثية الإرهابية على موانئ تصدير النفط، وسفن الشحن البحري، لم نتخل يوماً عن مسؤولياتنا، ولم نقمع احتجاجاً سلمياً، بل نظرنا إلى أصواتكم - وفي مقدمتها تظاهرات النساء الملهمات في عدن وغيرها من المحافظات- كحافز صادق لتسريع وتيرة العمل، وتخفيف المعاناة بالشراكة مع اشقائنا في تحالف دعم الشرعية، وشركائنا الدوليين.
وهنا نُجدد التزامنا بمواصلة الإصلاحات في مجالات الكهرباء، والطاقة، والخدمات الأساسية، استكمالًا لما أُنجز خلال السنوات الاخيرة، بدعم كريم من أشقائنا في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، الذين لم يترددوا يومًا في مساندة بلدنا، ودعم استقراره، والوقوف إلى جانب قيادته السياسية، وشعبه الصابر.
وسنحرص في هذا السياق مع رئيس الوزراء، والحكومة على تحديد أولويات المرحلة، بالتركيز على الاستحقاقات الاقتصادية، والخدمية، التي ستشهد خلال الأيام المقبلة انفراجة بعون الله تعالى.
كما نوجه الحكومة، والسلطات المحلية باتخاذ كافة الإجراءات لردع الخارجين على النظام والقانون، وتعزيز دور الأجهزة المعنية في إقامة العدل، والانصاف العاجل للمظلومين.
وهنا يجدر التذكير بالتحسن المستمر في أداء السلطة القضائية خلال الفترة الماضية، حيث تم توقيع أكثر من 150 حكم قضائي بات في قضايا جنائية جسيمة، بعد نحو عشر سنوات من التوقف عن إمضاء هذا النوع من العقوبات الرادعة.
يأتي ذلك جنبا الى جنب مع تعزيز جاهزية قواتنا المسلحة والأمن، وكافة التشكيلات العسكرية، لخوض معركة الخلاص، في حال استمرت المليشيات الحوثية الإرهابية برفض الاستجابة للإرادة الشعبية، وقرارات الشرعية الدولية ومساعي حقن الدماء، وانهاء المعاناة.
ايتها الاخوات المواطنات، أيها الاخوة المواطنون،،
هذه هي الوحدة الوطنية التي نؤمن بها اليوم:
وحدة من أجل الدولة لا المليشيا،
وحدة من أجل الجمهورية لا الإمامة،
وحدة من أجل المواطنة والشراكة والتنوع لا الهيمنة، والإقصاء.
فلنجعل من هذه الذكرى محطة للمبادرات الخلاقة، وتجديد العهد، وتوحيد الخطاب الإعلامي لكافة مكونات الشرعية، والارتقاء إلى مستوى التهديد المحدق بالجميع دون استثناء.
الرحمة والخلود لشهدائنا الأبرار،
الشفاء العاجل لجرحانا الأبطال،
الحرية للمعتقلين والمختطفين،
عاشت الجمهورية اليمنية، دولة مدنية، عادلة، ومتجددة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.