تجميد ورفع السرية عن حسابات حاكم مصرف لبنان السابق.. ماذا يعني القرار؟
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
ضربة جديدة تلقاها حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، هذه المرة محلية، فبعد العقوبات الاقتصادية، الأميركية والكندية والبريطانية عليه، أصدرت هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في مصرف لبنان، الاثنين، قرارا بتجميد حساباته المصرفية وشركاء له ورفع السرية عنها تجاه المراجع القضائية المختصة.
التطور الجديد في ملف ملاحقات سلامة، الصادر عن النائب الأول لحاكم مصرف لبنان، القائم بأعمال الحاكمية، وسيم منصوري، بصفته رئيس هيئة التحقيق الخاصة، طاول كذلك، ماريان حميد الحويك، وآنا كوزاكوفا (أوكرانية)، وندي رياض سلامة، ورجا توفيق سلامة.
وكان تدقيق في حسابات المصرف، أجرته شركة ألفاريز آند مارسال، حث على اتخاذ خطوات لتخفيف المخاطر المالية الناتجة عن "سوء السلوك"، وأشار إلى أن حاكم المصرف السابق كان يتمتع بسلطة "بلا حدود" بينما انتهج سياسات هندسة مالية مكلفة، بحسب ما أوردت "رويترز".
وخلص التدقيق إلى أنه تم دفع "عمولات غير قانونية" قيمتها 111 مليون دولار من حساب بالبنك المركزي بين 2015 و2020، موضحا أن هذا فيما يبدو استمرار لخطة كانت سببا في بدء التحقيقات مع الحاكم السابق للمصرف، رياض سلامة، في الداخل والخارج.
ووجهت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية، هيلانة إسكندر، كتابا إلى وزير المال، يوسف الخليل، طلبت فيه تزويدها بأقصى سرعة بنسخة من التدقيق الجنائي الذي طالبت الدول المانحة بإجرائه بعد الانهيار المالي الذي تعرض له لبنان، ما حرم معظم المودعين من الحصول على مدخراتهم منذ 2019، وتسبب في فقدان العملة المحلية لقيمتها واتساع رقعة الفقر.
يأتي قرار هيئة التحقيق الخاصة في سياق استكمال المسار الدولي أكثر مما هو قرار خاص بلبنان، بحسب ما ترى الأكاديمية والباحثة في قانون الأعمال والمصارف، الدكتورة سابين الكيك، التي أشارت إلى أنه "من الطبيعي بعد قرار وزارة الخزانة الأميركية الذي فرض عقوبات على حسابات سلامة وشركائه، أن تتعامل المصارف حول العالم وليس فقط المصرف المركزي اللبناني مع حسابات هؤلاء بنتيجة القرار الأميركي".
قانونا، يلزم قرار الهيئة، بحسب ما تشرح الكيك لموقع "الحرة"، "المصارف اللبنانية أن تكشف للهيئة عن كل الحسابات الحالية والسابقة لسلامة وشركائه وكذلك إيقاف العمل بها، رغم اعتقادي بأن لا حسابات حالية للحاكم السابق في المصارف اللبنانية، وعدم معرفة مدى جرأة هيئة التحقيق بتقديم الحسابات القديمة له وحركة حوالاته المصرفية للقضاء، خاصة أن تقرير شركة الفايرز آند مارسال أشار إلى تحويلات في حساباته وشركائه، لكن عددا كبيرا من اللوائح حذفت عنها الأسماء تحت غطاء السرية المصرفية".
وبدلا من "إعلان حالة طوارئ على المستوى الحكومي والنيابي، لمعرفة كيفية التعامل مع تقرير التدقيق الجنائي الذي أشار إلى شبهات جرمية لا تعد ولا تحصى يتم تجاوز الموضوع وكأنه لم يكن"، سيجتمع مجلس النواب بحسب الكيك "لإقرار قانون كابيتال كونترول هجين، تحت مظلة السرية المصرفية، فيشرع الاستنسابية، ويعتبر كل التحاويل السابقة للخارج أموالا جديدة".
وكانت وزارة الخزانة الأميركية، أعلنت في العاشر من الشهر الجاري، أن الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا فرضت سويا عقوبات اقتصادية بتهم فساد مالي على سلامة، الذي غادر مؤخرا منصبه من دون أن يتم تعيين خلف له.
وقالت الوزارة في بيان إن "أنشطة سلامة الفاسدة وغير القانونية ساهمت في انهيار دولة القانون في لبنان"، مشيرة إلى أنها فرضت هذه العقوبات بالتنسيق مع كل من بريطانيا وكندا، وشملت العقوبات أيضا أفرادا من عائلة سلامة ومقربين منه.
وأضاف بيان الوزارة أن "سلامة أساء استغلال منصبه في السلطة بما ينتهك على الأرجح القانون اللبناني من أجل إثراء نفسه وشركائه من خلال تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية من الباطن للاستثمار في عقارات في أوروبا".
إجراء هيئة التحقيق الخاصة من منظور المحامي المتخصص والأستاذ المحاضر في القوانين المصرفية والشؤون الاقتصادية، الدكتور علي زبيب، "شبه اعتيادي لكل شخص يرد اسمه على لوائح العقوبات الاقتصادية الأميركية، خاصة أن سلامة ومن وردت أسماؤهم مدرجين على لائحة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية".
زبيب يشرح في حديث لموقع "الحرة" أن "القانون الأميركي غير واجب التطبيق في كل دول العالم، لكن في المقابل المصارف اللبنانية تعتمد على المصارف المراسلة الأميركية بجميع تعاملاتها الدولية، والقانون الأميركي يوجب على كل مؤسسة مصرفية أميركية ألا تتعامل مع أي مؤسسة لا تتقيد بالعقوبات الأميركية، فإذا أعلن مصرف لبناني أنه لا يريد التقيد بهذه العقوبات ونتائجها، قد تُفرض عقوبة أميركية عليه، كما أن المصرف الأميركي الذي يتعامل معه ملزم ومجبر على قطع علاقة المراسلة، ولا يوجد أي مصرف لبناني كما معظم مصارف العالم يستطيع الاستمرار من دون علاقة المصرف المراسل الأميركي".
في المحصلة يتبين بحسب زبيب أن "المصارف اللبنانية ملزمة بالتقيد بأي عقوبات تصدر ضد أي شخصية في العالم، عدا عن أن التعميم 137 الزمها التعاطي مع جميع قرارات العقوبات الأميركية بصيغة إلزامية، أي عبر تجميد جميع الأصول التي تتعلق بالشخص الموضوع على لائحة العقوبات الاقتصادية واعادة أمواله، لكن بسبب الأزمة الاقتصادية لا يوجد مصرف يمكنه رد الأموال، وبالتالي هناك خلل كبير في التعاطي مع موضوع رد الأموال في موضوع العقوبات الأميركية".
وسلامة شخص غير عادي، ورد اسمه على لائحة العقوبات ويواجه اتهامات وادعاءات جزائية في لبنان وخارجه، لذا فإنه بحسب زبيب "جمدت هيئة التحقيق الخاصة حساباته، أولا لإبداء الرغبة في التعاون أمام المجتمع الدولي والسلطات المالية الأميركية، وثانيا لامتصاص الفورة الشعبية ضد نواب حاكم مصرف لبنان، وإظهار أن مصرف لبنان بإدارته الجديدة والمؤقتة لديه هامش كبير من الاستقلالية وأن نواب الحاكم ممن يديرون الحاكمية لا يتبعون نهج سلامة وقد وصل بهم الأمر إلى تجميد حساباته ووضعه تحت المراقبة والتعقب والدخول في إجراءات تحقيقية في حساباته عبر هيئة التحقيق الخاصة، التي هي بالقانون هيئة مستقلة".
وسلامة الذي تولى حاكمية المركزي اللبناني طوال 30 عاما ملاحق في أوروبا ولبنان بتهم اختلاس أموال، في وقت يعاني فيه بلد الأرز من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، فهو "حجر زاوية في النظام المالي الذي خدم المصالح الخاصة للفصائل الرئيسية في لبنان بعد الحرب الأهلية 1975-1990، ويقول مراقبون إن هذه الفصائل تخشى أن يكون لسقوطه تداعيات عليها"، وفق رويترز.
وفي مايو الماضي، صدر بحق سلامة، مذكرة اعتقال من منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول)، وذلك بعد أن أصدرت فرنسا مذكرة لاعتقاله في إطار تحقيقها فيما إذا كان قد اختلس مئات الملايين من الدولارات من الأموال العامة، كما أصدرت ألمانيا مذكرة توقيف بحقه.
التعويل الآن بحسب الكيك هو "على القضاء اللبناني والنيابات العامة. علينا مراقبة كيفية تحركها بعد تقرير التدقيق الجنائي الذي أشار إلى شبهات جرمية في أكثر من مكان" مشددة "مصداقية القضاء اللبناني على المحك ولا تكفي مصداقية القضاة الشرفاء لإعادة الثقة بهذه السلطة الدستورية، أنظار المجتمع الدولي عليها، فهل ستكون سيفا قاطعا في مرحلة المساءلة والمحاسبة أم جزء من القطاعات التي يجب مساءلتها ومحاسبتها".
"القرار الذي صدر عن هيئة التحقيق الخاصة، جاء متأخراً لكن يبقى خير من ألا يصدر أبداً" ومع هذا فإنه من المؤكد كما يقول زبيب أن "سلامة لا يزال محمياً عبر السلطة السياسية اللبنانية، لأنه هو من أقدم على تغطية جميع المخالفات وكان عالماً بخفايا التحويلات وإقراض الدولة وهدر المال، عدا عن كونه المهندس الأول للهندسات المالية، وسيستمر النظام السياسي القائم بحمايته لأن وقوعه سيؤدي إلى سلسلة انهيارات في هذا النظام، وتقرير التدقيق الجنائي أبرز عددا كبيرا ممن ادعوا دعمهم قضايا المودعين وهاجموا سلامة وإذ يتبين أنهم يتبعون له".
يختم زبيب منبها من أن "الحل لا زال بعيدا، ولا بد من وجود قرار واضح بالمحاسبة بهدف ملاحقة جميع العمليات غير المشروعة وإلزام من قام بها بردها، وذلك لحماية المودعين وبهدف رد ودائعهم، مع إعطاء الأولوية للودائع المشروعة، ومحاسبة أصحاب الودائع غير المشروعة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المصارف اللبنانیة التدقیق الجنائی حاکم مصرف لبنان ریاض سلامة إلى أن
إقرأ أيضاً:
حزب الله والسلاح.. هل ينجو من ضغوط الخارج والداخل؟
لا صوت يعلو حاليا في لبنان فوق صوت "نزع سلاح حزب الله"، وهي مسألة -وإن جاءت بضغوط أميركية إسرائيلية إقليمية- فإنها تلقى قبولا لدى أطراف داخلية، بينما يرفض الحزب التسليم بها.
في الخامس من أغسطس/آب 2025، عقد مجلس الوزراء اللبناني جلسة برئاسة الرئيس جوزيف عون، كان أبرز بنود جدول أعمالها ملف "حصر السلاح"، في إشارة مباشرة إلى سلاح حزب الله. وقد امتدت الجلسة على مدى 5 ساعات، انسحب خلالها وزيرا "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل)، إلا أن ذلك لم يحل دون صدور قرار رسمي يقضي بـ"حصر السلاح" بيد الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، مع تحديد جدول زمني واضح لتنفيذه.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نظام دولي يتداعى وآخر يتشكل.. هل نعيش “ظهور وحوش” ما بين النظامين؟list 2 of 2نفق يمتد لقرن ونصف من الطموح.. هل آن أوان الربط القاري بين المغرب وإسبانيا؟end of listبعد يومين، في السابع من أغسطس/آب، عقدت الحكومة جلسة ثانية أقرّت فيها أهداف "الورقة الأميركية" لضمان ديمومة وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل، دون الخوض في تفاصيل وآليات التنفيذ، بانتظار تقرير الجيش حول الخطة التنفيذية. مرة أخرى انسحب الوزراء الشيعة، واعتبر الثنائي الشيعي القرار "غير ميثاقي".
ونشر مركز الجزيرة للدراسات تحليلا بعنوان "حزب الله والسلاح: انحناء للعاصفة وترميم لمعادلات القوة" للباحث شفيق شقير، تناولت توصيف وظيفة سلاح حزب الله ومآله بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وذلك من خلال الإجابة عن 4 أسئلة أساسية:
ماذا يعني القرار الحكومي اللبناني الأخير بخصوصه؟ ما هو سياقه؟ وماذا يريد حزب الله من معادلة السلاح؟ وكيف يسعى للحفاظ عليها؟ إضافة إلى تداعيات هذه المسألة على المستقبل اللبناني.
الورقة الأميركية وسياق القرار
الورقة التي قدمها المبعوث الأميركي توم براك تهدف إلى ترسيخ اتفاق وقف الأعمال العدائية المبرم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مستندة إلى اتفاق الطائف وقرار مجلس الأمن 1701 لعام 2006. وتتضمن التزامات لبنانية بنزع سلاح حزب الله، مقابل خطوات إسرائيلية تشمل الانسحاب من 5 نقاط حدودية، ووقف الانتهاكات البرية والجوية، وترسيم الحدود، ودعم قدرات الجيش اللبناني.
إعلانومع الضغط الأميركي، واشتراط واشنطن صدور قرار رسمي لبناني يتعهد بنزع سلاح حزب الله لاستئناف وساطتها بين بيروت وتل أبيب، أسرعت الحكومة اللبنانية في اتخاذ القرار لتفادي عزلة سياسية ودبلوماسية، مع محاولة الإبقاء على مسار المطالبة بالالتزامات الإسرائيلية عبر القنوات الدبلوماسية.
ويعكس القرار اختيار الدولة اللبنانية التوجه نحو "حصر السلاح" لديها، لكن مع إدراك أن التنفيذ يتطلب الحد الأدنى من التنسيق مع حزب الله، الذي لا يزال الفاعل العسكري الأقوى في البلاد. وقد يفتح فرض القرار بالقوة الباب أمام فوضى أمنية، لذلك جاء الجدول الزمني الممتد حتى نهاية 2025 ليمنح وقتا للتفاهم أو لتأثر المسار بالتطورات الإقليمية.
البعد الإقليميإيران، الداعم الرئيسي لحزب الله، ما زالت تحتفظ بقدرة على التأثير رغم الخسائر التي لحقت بها في حرب 12 يوما الأخيرة. وتسعى طهران إلى ترميم نفوذها الإقليمي بالتوازي مع التفاوض مع واشنطن حول ملفها النووي، وإذا ما أفضت تلك المفاوضات إلى نتائج إيجابية، فقد ينعكس ذلك على موقع حزب الله ودوره في لبنان.
كما تتيح هذه المهلة فرصة إضافية للقوى الإقليمية للتأثير في المشهد السياسي اللبناني، ولا سيما أن بعض الأطراف تتوقع أن تشكل الانتخابات النيابية المقبلة، المقررة في مايو/أيار 2026، محطة مفصلية لإحداث تغيير في توازنات القوى السياسية اللبنانية، وإضعاف نفوذ حزب الله داخل مؤسسات الدولة.
وإذا ما تعزز هذا الاحتمال، فإنه من المرجح أن يتزايد التدخل الخارجي عقب هذا القرار الحكومي، سعيا للتأثير في مسار الانتخابات وفي موقع القوى السياسية ضمن النظام اللبناني. ولا يُستبعد في هذا السياق أن تقدم إسرائيل على استهداف "بيئة" حزب الله في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع.
ماذا يريد حزب الله؟من جهته، رفض حزب الله القرار الحكومي بشكل قاطع، وعبّر عن ذلك بتصعيد سياسي وشعبي محسوب. وأكد الأمين العام للحزب نعيم قاسم أن "المقاومة جزء من دستور الطائف"، وأن السلاح لا يناقش بالتصويت. كما أصدر الحزب بيانا وصف فيه القرار وكأنه "غير موجود"، لكنه في الوقت نفسه أبدى انفتاحا على الحوار، في إشارة لرغبته بتجنب مواجهة مباشرة مع الدولة.
كما يرفض الحزب مناقشة الورقة الأميركية، ويرى أنها تتجاوز اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، الذي -وفق تفسيره- يطال فقط سلاحه جنوب الليطاني، بينما الشمال شأن داخلي. ويؤكد أنه التزم بما طُلب منه في الاتفاق، بينما إسرائيل لم تنسحب من النقاط الخمس، وتواصل الانتهاكات والاغتيالات بالطائرات المسيّرة.
وتقوم إستراتيجية الحزب على كسب الوقت وتأجيل أي استحقاق حاسم، مستفيدا من الهشاشة الإقليمية. فالحرب على غزة مستمرة، والوضع في سوريا غير مستقر، وإيران تعمل على إعادة تموضعها. ويرى الحزب أن تسليم السلاح في الظروف الحالية قد يكون مدخلا لإعادة رسم موازين القوى في المنطقة ضده.
على المدى البعيد، إذا اضطر الحزب لتسليم سلاحه، فإنه يفضل حصر الأمر في السلاح الثقيل والهجومي (الصواريخ الدقيقة، الطائرات المسيّرة النوعية)، مع الاحتفاظ بقدرة ردع محدودة تكفل بقاءه قوة عسكرية كامنة يمكن استدعاؤها إذا تغيرت الظروف.
إعلانخطاب الحزب في هذا الإطار مزدوج:
بعد وطني: يربط السلاح بالدفاع عن لبنان. بعد هوياتي: يراه ضمانة وجودية للطائفة الشيعية. الموقف الإسرائيلي والأميركيإسرائيل ترى اللحظة فرصة إستراتيجية لـ"اقتناص هزيمة" الحزب، معتبرة أن قدراته استنزفت وأن تفوقها التكنولوجي حاسم. هي ترفض أي ضمانات للبنان وتصر على نزع السلاح دون مبدأ "الخطوة مقابل خطوة".
الولايات المتحدة تشارك إسرائيل الهدف البعيد، لكنها أكثر مرونة في الوسائل، وقد تكتفي إذا تعذّر نزع السلاح كليا بحرمان الحزب من القدرة على تهديد إسرائيل، وتقليص نفوذه السياسي والأمني، وحصر دوره في نطاق طائفي.
المأزق اللبنانيلبنان يواجه تحديا ثلاثي الأبعاد:
تحقيق الأمن والسيادة في الجنوب مع نزع سلاح الحزب. ضمان التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار والانسحاب. إيجاد صيغة لاستيعاب الحزب داخليا دون صدام أو خسارة الدعم العربي. السيناريوهات المحتملة1- استمرار الوضع الراهن:
بقاء سلاح الحزب، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس، والانتهاكات، خاصة إذا تعثر الحوار الأميركي الإيراني. ويبدو ذلك مرجحا على المدى القريب.
2- تصعيد إسرائيلي:
فرض الشروط الكاملة على لبنان، خصوصا نزع السلاح، في حال ضعف إيران أو تعرضها لانتكاسة.
3- تسوية وسطية:
تقليص قدرات الحزب (المسيّرات والصواريخ) مقابل ترتيبات أمنية، مع بقاء بعض السلاح داخليا إلى حين تسوية لبنانية شاملة.
وهذا الاحتمال يشبه أزمات لبنان التقليدية، وهو مرجح إذا تعافى حزب الله، واستطاع الصمود في مواجهة الضغوط الخارجية، خاصة إذا دخلت الولايات المتحدة أجواء انتخابات الكونغرس النصفية.
خلاصةحزب الله لا يعترف بالهزيمة رغم تعرضه لانتكاسة، ويؤكد احتفاظه بقدرة ردع تمنع إسرائيل من شن حرب شاملة. ويراهن على صمود حاضنته الشعبية ودعم إيران، ويعمل على ترميم قوته تدريجيا. لكنه لا يستطيع التمسك المطلق بسلاحه في وجه الضغوط دون تعريض البلاد لاضطرابات داخلية.
إسرائيل تسعى لاستغلال اللحظة لتجريده من سلاحه، والولايات المتحدة تعمل على تحجيمه سياسيا وعسكريا.
في حين يحاول لبنان الموازنة بين الضغوط الخارجية والحفاظ على تماسكه الداخلي.
في النهاية، سيبقى ميزان القوة بين الحزب وإسرائيل، وكذلك التفاهمات الإقليمية، العامل الحاسم في رسم مآل سلاح حزب الله، ما بين تنازلات تدريجية، أو تسويات مرحلية، أو استمرار الوضع الراهن تحت ضغط الزمن.