يظل الإنسان إنسانًا مهما بلغ من العلم والمعرفة والثقافة وسعة الاطلاع، فهو إنسان بنقائصه قبل الكمال، وإنسان بنزوع نفسه إلى الشر كما نزوعها إلى الخير؛ ولكن كما قال الشاعر، وهو المتنبي «ألزمتَ نفسك شيئا ليس يلزمها»، فالإنسان بخياراته واختياراته فـي هذه الحياة، يُلزِمُ نفسه بأمور لم يلزمه إياها أحد، إنما كانت بمحض إرادته واختياره.
لكن، ماذا لو كانت الثقافة مبنيّةً كما تبنى المهن؟ بعبارة أخرى، ماذا لو كانت الثقافة محض ثوب يلبسه المرء حين يريد، وينزعه عن نفسه وفقا للمكان والزمان. فاليوم يكون المثقف الداعي إلى احترام الضعفاء ومساعدتهم والرأفة بهم، وغدا يمسك بسياط الكراهية يضرب بها من شاء وحيث شاء؛ هنا يتوقف المرء لينظر فـي المُدخلات التي جعلت المرء المُتَوَسَّمَ فـيه الخير يكون بهذه الصورة المشوهة والمعاكسة للتصور، واحدة من أمراض الثقافة التي سبق أن تحدثت عنها سابقا، هي الشللية، وليست الشللية سيئة حين تكون بمعناها الحميد المتمثل فـي الجماعات الأدبية أو الفكرية أو الثقافـية التي تتناقش وتتحاور وتفتح آفاقا أخرى جرّاء المطارحات الجادة؛ لكنها سيئة حين يتبنى أفرادها مجموعة من القيم والمفاهيم المريضة، كالحقد والحسد والهمز واللمز. كثيرا ما سمعت عبارة من قبيل «أستطيع أن أفعل هذا لو أردتُ ذلك» أو «إنه أمر سهل يستطيع الجميع فعله». إن هذه العموميات التي يشطب بها شخص ما عمل شخص آخر فـي جلسة تعزيز له ولمن حوله، منبت للضغائن ومنشأ لثوابت لا يدري المرء من أين تسرّبت إلى الأذهان وأصبحت إطارا مُسلَّما بصحته!. من تلك المسلَّمات «يجب أن يكون الشاعر نرجسيا ليكتب الشعر». وهذا معناه، يجب أن يكون مريضا مرضا نفسيا ليكتب الشعر، وإلا لما كتب الشعر!. وهذه حماقة لا يدري المرء من أين تسرّبت إلى الأذهان وصارت مسلّمة لا جدال فـيها. وإذا ما أردنا معرفة المرض معرفةَ علمية، فإن «اضطراب الشخصية النرجسية هو حالة صحة نفسية تتميز بنمطٍ مستمر من الشعور بالفخامة أو العَظَمة، والحاجة إلى الإعجاب، والافتقار إلى التعاطف». وذلك وفقا لأدلة MSD الإرشادية، التي أوردت بعضا من الأمثلة التي يستطيع المرء إسقاطها على الواقع، وله أن يتفاجأ بتطابق التشخيص والأمثلة فـي بعضها مع كلام أناس محددين وطريقة تعاملهم مع الآخرين. وعلى سبيل المثال، أورد الدليل السابق تشخيصا للمصابين بهذه الحالة، «يبالغ الأشخاصُ المصابون باضطراب الشخصية النرجسية فـي تقدير قدراتهم، ويبالغون فـي مُنْجَزاتهم، ويميلون إلى التقليل من شأن قدرات الآخرين». وللقارئ أن يتأمل!. وما جعلني أفكر فـي هذه الخصلة تحديدا، التفكر فـي أخبار فحول الشعراء والأدباء، فترى الأخبار التي تتحدث عن سؤالِ بعضهم لجرير أو الفرزدق أو الأخطل عن واحد منهم، وأيهم أشعر؛ فـيجيب الآخر بأن فلان أشعر منه إطلاقا أو أشعر منه فـي القول الفلاني أو الصنف الفلاني، مع ما بينهم من الخصومة والتحدي والتسابق فـي صدارة الشعر ورياسته، وانظر إلى الخبر المنسوب إلى المعري -مع حبه وإخلاصه وتعصبه الشديد للمتنبي- حين سئُل عن أبي تمّام والبحتري والمتنبي؛ أيهم أشعر؟ فأجاب، حكيمان والشاعر البحتري. وليس هذا فـي ثقافتنا العربية فحسب، بل هي خصلة حميدة -التواضع والإنصاف- يتصف بها الكبار فـي شتى أنحاء المعمورة. فهذا ميخائيل باختين فـي حواره الطويل مع فـيكتور دوفاكين فـي سياق الحديث عن فـيتشيسلاف إيفانوف، يصفه بادئ الأمر بأنه «شخصية معقدة للغاية» وأورد بعد ذلك بعض الصفات السيئة التي تركها بلا نسبة إلى قائليها، ولكنه استدرك بقوله «..كان بالفعل يتمتع بقدر من العظمة فـي شخصيته، وفـي رأيي أن هذا الجانب كان الجانب الرئيسي فـيه على أي حال». إن قبولنا بالمسلمات فـي الحياة اليومية أو فـي أي مجال آخر، هو شكل آخر من أشكال الركود، ولنا فـي العلوم أنموذج شاهد ودليل. والثقافة جزء من الحياة، فالثقافة أسلوب للتفكير، أسلوب للعيش، للحياة. فبقدر ما يزداد المرء ثقافة، يزداد تواضعا؛ لأنه يعرف أن ما لا يعرفه أكثر مما يعرفه بالفعل.ولا أعتبر أيا من الأمراض مزية يمتاز بها أناس ويرتفعون بها عن البقية، أكانت النرجسية أو ثنائي القطب أو الاكتئاب -تحدثت عن هذا الأمر فـي مقالتي رمنسة البؤس- أو غيرها من الأمراض النفسية الأخرى. إن الثقافة فعلٌ وأعرفُ الفعلَ الجيد من الرديء بعواقبه وما يترتب عليه، والفعل أفضل وأسلم من الركود حتما، أولا يفسد الماء إن كان راكدا لا يتحرك؟. |
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الشامبو الجاف.. حل سريع أم خطر صامت على صحة شعرك؟
خلال السنوات الأخيرة، حاز الشامبو الجاف شعبية واسعة بوصفه حلا سريعا للحفاظ على نظافة الشعر وانتعاشه من دون الحاجة إلى غسله بالماء. فعند استخدامه لأول مرة، يبدو وكأن الشعر نال انتعاشا فوريا وازداد حجمه ولمعانه، خاصة لدى أصحاب الشعر الدهني.
لكن رغم فوائده الظاهرة، تتزايد التساؤلات عن تأثيره طويل المدى على فروة الرأس وصحة الشعر. فهل هو حل عملي وآمن، أم خطر خفي يتسلل بصمت إلى صحة شعرك؟
كيف يعمل الشامبو الجاف؟يأتي الشامبو الجاف عادة على هيئة رذاذ أو مسحوق يُرش مباشرة على جذور الشعر، ليقوم بامتصاص الزيوت والدهون التي تفرزها فروة الرأس. لا يحتاج إلى ماء، مما يجعله خيارا عمليا وسريعا لمن لا يملكون الوقت الكافي لغسل الشعر، أو للراغبين في إطالة الفترات بين الغسلات التقليدية. كما يُستخدم للحفاظ على تسريحات الشعر المعالجة كيميائيا مثل الكيراتين أو البروتين.
توضح الدكتورة شاري مارشباين، الأستاذة المساعدة في طب الأمراض الجلدية بجامعة نيويورك، لموقع "توداي دوت كوم"، أن "الشامبو الجاف ليس وسيلة لتنظيف الشعر أو فروة الرأس، بل هو وسيلة لامتصاص الأوساخ والزيوت وبقايا منتجات العناية القديمة المتراكمة على فروة الرأس والشعر من الأيام السابقة".
إعلانغالبا ما يتكون الشامبو الجاف من مواد مثل النشا لامتصاص الدهون، والكحول لتجفيف الفروة بسرعة، إلى جانب مكونات معطّرة وأحيانا أصباغ لتحسين رائحة الشعر ومظهره.
رغم الفوائد المؤقتة التي يوفرها، فإن خبراء الجلد يحذرون من استخدامه بإفراط، لما قد يسببه من مشكلات صحية تؤثر على فروة الرأس وصحة الشعر. وتقول الدكتورة ندى البولوك، الأستاذة المساعدة في الأمراض الجلدية السريرية بجامعة ساوث كاليفورنيا، إن "الشامبو الجاف يجب ألا يكون جزءا من الروتين اليومي، فالإفراط في استخدامه قد يؤدي إلى أضرار واضحة في صحة الشعر والفروة".
من أبرز هذه الأضرار:
تراكم المنتج وانسداد بصيلات الشعر: الاستخدام المتكرر للشامبو الجاف دون غسيل بالماء يؤدي إلى تراكم مكوناته، مما يسبب انسداد بصيلات الشعر، ويعوق نموه الطبيعي، وقد يزيد من احتمال تساقطه. كما قد يؤدي هذا التراكم إلى تهيج الجلد، وحكة مستمرة، وفي حالات معينة إلى التهابات بكتيرية أو فطرية تُعرف بالتهاب بصيلات الشعر، والتي تظهر على هيئة بثور أو احمرار ملحوظ. خلل في توازن ميكروبيوم فروة الرأس: الميكروبيوم هو مجموعة الكائنات الدقيقة المفيدة التي تعيش على فروة الرأس، وتحافظ على صحتها. استخدام الشامبو الجاف بكثرة يُخلّ بهذا التوازن، مما يزيد خطر الإصابة بمشكلات جلدية مثل التهاب الجلد الدهني، خاصة لدى من يعانون الصدفية أو الإكزيما. وتوصي الدكتورة شاري ليبنر، أستاذة الأمراض الجلدية في مركز وايل كورنيل الطبي، بتجنب الشامبو الجاف في حالات الأمراض الجلدية لتفادي تفاقم التهيّج. جفاف الشعر وزيادة التقصف: عديد من أنواع الشامبو الجاف تحتوي على الكحول ومواد عضوية متطايرة تسبب جفاف الفروة والشعر، مما يجعله أكثر هشاشة وقابلية للتكسر، خاصة في الأطراف. كما يُفقد الشعر مرونته ولمعانه الطبيعي، ويصبح أكثر عرضة للتشابك عند التصفيف، وهو ما يزيد من فرص تلفه. إعلان هل الشامبو الجاف يغني عن غسل الشعر؟رغم فعاليته المؤقتة، فلا يمكن اعتبار الشامبو الجاف بديلا حقيقيا لغسل الشعر بالماء والشامبو. فهو لا يزيل الشوائب ولا ينظف الفروة، بل يعمل على امتصاص الزيوت مؤقتا، مما يؤدي إلى تراكمات ضارة على المدى الطويل.
ينصح الخبراء بالاكتفاء باستخدامه مرة أو مرتين أسبوعيا، وعدم تركه على الشعر لفترات طويلة. فغسل الشعر بالماء والشامبو التقليدي يبقى ضروريا، خاصة لمن يعانون القشرة أو الالتهابات الجلدية، أو أولئك الذين يستخدمون منتجات تصفيف بشكل منتظم.
للاستخدام الآمن، يوصي المختصون بما يلي:
الاعتدال: لا تستخدميه أكثر من مرتين أسبوعيا. طريقة الاستخدام: رشّي المنتج من مسافة 15 سم على الجذور فقط، وتجنّبي تغطية فروة الرأس كاملة. تدليك وتمشيط: بعد الرش، قومي بتدليك الفروة بلطف وتمشيط الشعر لتوزيع المنتج وإزالة الفائض. الاختيار الذكي: اختاري الأنواع الخالية من الكحول والعطور الصناعية، خاصة إذا كانت فروة رأسك حساسة. الالتزام بالغسل الدوري: اغسلي شعرك بالشامبو التقليدي بانتظام لتفادي التراكمات. كيف تختارين الشامبو الجاف المناسب؟ للشعر الدهني: اختاري منتجا غنيا بالنشا وخاليا من الزيوت. للشعر الجاف: اختاري نوعا يحتوي على مكونات مرطبة وخاليا من الكحول. تجنبي المنتجات مجهولة المصدر: ابحثي عن علامات تجارية موثوقة، واقرئي تقييمات المستخدمين والمكونات. الحساسية: إذا كانت فروة رأسك حساسة، تجنبي المنتجات التي تحتوي على البارابين أو العطور الصناعية.وأخيرا، تذكّري أن الشامبو الجاف حل مؤقت لتحسين مظهر الشعر، وليس بديلا دائما للنظافة الفعلية. الاعتدال في استخدامه، ودمجه ضمن روتين صحي للعناية بالشعر هو السبيل للحفاظ على مظهر جميل وفروة رأس صحية.
إعلان