لجريدة عمان:
2025-06-17@04:41:10 GMT

أمراض ثقافـية

تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT

يظل الإنسان إنسانًا مهما بلغ من العلم والمعرفة والثقافة وسعة الاطلاع، فهو إنسان بنقائصه قبل الكمال، وإنسان بنزوع نفسه إلى الشر كما نزوعها إلى الخير؛ ولكن كما قال الشاعر، وهو المتنبي «ألزمتَ نفسك شيئا ليس يلزمها»، فالإنسان بخياراته واختياراته فـي هذه الحياة، يُلزِمُ نفسه بأمور لم يلزمه إياها أحد، إنما كانت بمحض إرادته واختياره.

ومن تلك الأمور، الثقافة. إن الإنسان العادي يتوقع مِن من يُشار إليه بأن له علاقة بالثقافة أو نال حظا منها، صفات وأخلاقا تدل على ما اكتسبه من ثقافته وجَودةِ ما اكتسبَ. ومن ذلك سعة الصدر، وإيجاد المخارج فـيما له مخرج ومنفذ، وتقبُّل الآراء المختلفة المتضادة المتنوعة، والاستزادة من العلم والمعرفة، وحب الخير، والنقد المنهجي للثوابت التي لم تمر من قبل عبر مصفاة النقد والتمحيص، فأُخِذَت على عواهنها دون رويّةٍ يعرِف بها المرء صوابه من خطئه. لأجل هذا كله، كان المثقف أشمل رؤية وأنفذ بصيرة، وهو قادر على تذليل تلك المعرفة وتطويعها فـي سبيل الخير، أو استعمالها فـي الشر!. كُلٌّ حسب نفسه ومقدرته على كبح جماحها، أو إطلاق العنان لها.

لكن، ماذا لو كانت الثقافة مبنيّةً كما تبنى المهن؟ بعبارة أخرى، ماذا لو كانت الثقافة محض ثوب يلبسه المرء حين يريد، وينزعه عن نفسه وفقا للمكان والزمان. فاليوم يكون المثقف الداعي إلى احترام الضعفاء ومساعدتهم والرأفة بهم، وغدا يمسك بسياط الكراهية يضرب بها من شاء وحيث شاء؛ هنا يتوقف المرء لينظر فـي المُدخلات التي جعلت المرء المُتَوَسَّمَ فـيه الخير يكون بهذه الصورة المشوهة والمعاكسة للتصور، واحدة من أمراض الثقافة التي سبق أن تحدثت عنها سابقا، هي الشللية، وليست الشللية سيئة حين تكون بمعناها الحميد المتمثل فـي الجماعات الأدبية أو الفكرية أو الثقافـية التي تتناقش وتتحاور وتفتح آفاقا أخرى جرّاء المطارحات الجادة؛ لكنها سيئة حين يتبنى أفرادها مجموعة من القيم والمفاهيم المريضة، كالحقد والحسد والهمز واللمز.

كثيرا ما سمعت عبارة من قبيل «أستطيع أن أفعل هذا لو أردتُ ذلك» أو «إنه أمر سهل يستطيع الجميع فعله». إن هذه العموميات التي يشطب بها شخص ما عمل شخص آخر فـي جلسة تعزيز له ولمن حوله، منبت للضغائن ومنشأ لثوابت لا يدري المرء من أين تسرّبت إلى الأذهان وأصبحت إطارا مُسلَّما بصحته!. من تلك المسلَّمات «يجب أن يكون الشاعر نرجسيا ليكتب الشعر». وهذا معناه، يجب أن يكون مريضا مرضا نفسيا ليكتب الشعر، وإلا لما كتب الشعر!. وهذه حماقة لا يدري المرء من أين تسرّبت إلى الأذهان وصارت مسلّمة لا جدال فـيها.

وإذا ما أردنا معرفة المرض معرفةَ علمية، فإن «اضطراب الشخصية النرجسية هو حالة صحة نفسية تتميز بنمطٍ مستمر من الشعور بالفخامة أو العَظَمة، والحاجة إلى الإعجاب، والافتقار إلى التعاطف». وذلك وفقا لأدلة MSD الإرشادية، التي أوردت بعضا من الأمثلة التي يستطيع المرء إسقاطها على الواقع، وله أن يتفاجأ بتطابق التشخيص والأمثلة فـي بعضها مع كلام أناس محددين وطريقة تعاملهم مع الآخرين. وعلى سبيل المثال، أورد الدليل السابق تشخيصا للمصابين بهذه الحالة، «يبالغ الأشخاصُ المصابون باضطراب الشخصية النرجسية فـي تقدير قدراتهم، ويبالغون فـي مُنْجَزاتهم، ويميلون إلى التقليل من شأن قدرات الآخرين». وللقارئ أن يتأمل!. وما جعلني أفكر فـي هذه الخصلة تحديدا، التفكر فـي أخبار فحول الشعراء والأدباء، فترى الأخبار التي تتحدث عن سؤالِ بعضهم لجرير أو الفرزدق أو الأخطل عن واحد منهم، وأيهم أشعر؛ فـيجيب الآخر بأن فلان أشعر منه إطلاقا أو أشعر منه فـي القول الفلاني أو الصنف الفلاني، مع ما بينهم من الخصومة والتحدي والتسابق فـي صدارة الشعر ورياسته، وانظر إلى الخبر المنسوب إلى المعري -مع حبه وإخلاصه وتعصبه الشديد للمتنبي- حين سئُل عن أبي تمّام والبحتري والمتنبي؛ أيهم أشعر؟ فأجاب، حكيمان والشاعر البحتري. وليس هذا فـي ثقافتنا العربية فحسب، بل هي خصلة حميدة -التواضع والإنصاف- يتصف بها الكبار فـي شتى أنحاء المعمورة. فهذا ميخائيل باختين فـي حواره الطويل مع فـيكتور دوفاكين فـي سياق الحديث عن فـيتشيسلاف إيفانوف، يصفه بادئ الأمر بأنه «شخصية معقدة للغاية» وأورد بعد ذلك بعض الصفات السيئة التي تركها بلا نسبة إلى قائليها، ولكنه استدرك بقوله «..كان بالفعل يتمتع بقدر من العظمة فـي شخصيته، وفـي رأيي أن هذا الجانب كان الجانب الرئيسي فـيه على أي حال».

إن قبولنا بالمسلمات فـي الحياة اليومية أو فـي أي مجال آخر، هو شكل آخر من أشكال الركود، ولنا فـي العلوم أنموذج شاهد ودليل. والثقافة جزء من الحياة، فالثقافة أسلوب للتفكير، أسلوب للعيش، للحياة. فبقدر ما يزداد المرء ثقافة، يزداد تواضعا؛ لأنه يعرف أن ما لا يعرفه أكثر مما يعرفه بالفعل.ولا أعتبر أيا من الأمراض مزية يمتاز بها أناس ويرتفعون بها عن البقية، أكانت النرجسية أو ثنائي القطب أو الاكتئاب -تحدثت عن هذا الأمر فـي مقالتي رمنسة البؤس- أو غيرها من الأمراض النفسية الأخرى. إن الثقافة فعلٌ وأعرفُ الفعلَ الجيد من الرديء بعواقبه وما يترتب عليه، والفعل أفضل وأسلم من الركود حتما، أولا يفسد الماء إن كان راكدا لا يتحرك؟.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

محافظ بورسعيد الفنان: محمد صبحي منارة فنية ثقافية تستحق التقدير

أعرب اللواء أركان حرب محب حبشي محافظ بورسعيد عن سعادته بتواجد الفنان محمد صبحي  علي أرض محافظة بورسعيد مثمنًا  دوره التنويري في خدمة قضايا الوطن من خلال أعماله الهادفة التي تركت بصمة في وجدان الجمهور المصري والعربي.

واكد محافظ بورسعيد علي أن استضافة قامات فنية وثقافية للمشاركة في هذه الفعاليات يأتي في إطار حرص المحافظة على تعزيز الوعي الوطني ونشر الثقافة والفكر المستنير بين الشباب.

جاء ذلك خلال استقبال اللواء أركان حرب محب حبشي محافظ بورسعيد، ، الفنان القدير محمد صبحي للمشاركة فى فعاليات الندوة التثقيفية التي تنظمها المحافظة بالتعاون مع مبادرة “بالشباب نقدر” احتفالًا بالذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو المجيدة.

محافظ بورسعيد يشهد ندوة تثقيفية تحت عنوان" الفن والثقافة و بناء الإنسان " احتفالًا بالذكرى الـ12 لثورة 30 يونيو

 أكد  المحافظ أن ذكرى ثورة 30يونيو، مناسبة نجدد فيها العهد على الوفاء لمصر، والتأكيد على أن هذا الوطن لا يُبنى إلا بسواعد وعقول أبنائه المخلصين، قائلٱ" لا يمكن أن تمر علينا ذكرى ثورة 30 يونيو المجيدة دون أن نتوقف بإجلال وتقدير أمام الدور الوطني العظيم الذي قام به فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي لبى نداء الشعب المصري، وانحاز لإرادته الحرة في لحظة فارقة من تاريخ الوطن.

كما أكد محافظ بورسعيد ، أن منذ تلك اللحظة التاريخية، لم يدخر فخامة الرئيس جهدًا في إعادة بناء مؤسسات الدولة، وترسيخ دعائم الاستقرار، والانطلاق نحو التنمية والبناء والجمهورية الجديدة، لتبدأ مصر عهداً جديداً من الإنجازات على كل المستويات، وتخوض معركة وعي لا تقل أهمية عن معركة التحرر والبقاء.

وأعرب المحافظ، عن سعادته أن نكون في حضرة أحد رموز الفن والثقافة في مصر والوطن العربي، الفنان القدير الأستاذ محمد صبحي، الذي طالما جسّد في أعماله قيم الانتماء والوعي والبناء، وكان دائمًا صوتًا للعقل والفكر المستنير. لافتٱ أن وجوده بيننا اليوم هو إضافة حقيقية، ورسالة بأن الثقافة والفن شريكان أساسيان في معركة الوعي وصناعة الأمل

وتوجه محافظ بورسعيد بالتحية والتقدير لمبادرة "بالشباب نقدر"، التي تؤكد يوماً بعد يوم أن شباب مصر قادرون على إحداث الفارق، حين تتوافر لهم المساحة والدعم، فيعبرون عن وعيهم، وينقلون خبراتهم، ويشاركون في صياغة الحاضر والمستقبل.

من جانبه، أعرب الفنان محمد صبحي عن سعادته بالتواجد في بورسعيد، مشيدًا بالتطور الكبير الذي تشهده المحافظة في مختلف المجالات، ومؤكدًا أهمية استثمار الطاقات الشبابية في خدمة المجتمع والدولة.

ضبط كميات من البسطرمة منتهية الصلاحية فى بورسعيدرئيس زهور بورسعيد يترأس حملة مكبرة على الإشغالاتمحافظ بورسعيد يوصى بالتوسع في زراعة المحاصيل المقاومة للملوحةإزالة 4 حالات تعدٍ لمبانٍ مخالفة على مساحة 520 م² جنوب بورسعيدلتسهيل الخدمات المصرفية للمواطنين محافظ بورسعيد يفتتح فرع جديد لبنك مصروكيل تعليم بورسعيد يكشف لـ صدى البلد موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعداديةمحافظ بورسعيد: حل مشاكل منطقة السيدة نفيسة بحي الضواحيمحافظ بورسعيد يشدد على على أهمية الالتزام الكامل بالإجراءات الأمنية والتنظيمية لامتحانات الثانوية العامة | شاهدمحافظ بورسعيد يتفقد غرفة عمليات امتحانات الثانوية العامةافتتاح أكبر نادٍ اجتماعي للمهندسين الزراعيين في بورسعيد على مساحة 3000 متر

كما  أعرب الفنان محمد صبحي عن سعادته بزيارة محافظة بورسعيد التي تمثل رمزًا للنضال الوطني، مشيدًا بما تشهده من نهضة تنموية وثقافية ملحوظة، ومؤكدًا علي أهمية دور الفن والثقافة في بناء الوعي المجتمعي، خاصة بين فئة الشباب، باعتبارهم الركيزة الأساسية لمستقبل الوطن.

وشهدت الندوة تفاعلٱ و حضورٱ جماهيري كبير، وتم إهداء درع المحافظة للفنان محمد صبحي تقديرٱ لعطاءه وجهوده التوعوية،  وقدمت الندوة الدكتورة سماح الجوهري المتحدث الرسمي للمبادرة، و ذلك  في إطار حرص المحافظة على ترسيخ القيم الوطنية وتعزيز الانتماء بين أبناءها.

طباعة شارك بورسعيد محافظ بورسعيد محافظة بورسعيد ذكرى ثورة ٣٠ يونيو محمد صبحي

مقالات مشابهة

  • محافظ بورسعيد الفنان: محمد صبحي منارة فنية ثقافية تستحق التقدير
  • الشعر الشعبي
  • أمسية ثقافية في مدينة منظر بالحديدة بذكرى يوم الولاية
  • قطاع التعليم العالي ينظم فعالية ثقافية إحياء لذكرى الولاية
  • من غير تحاليل... طرق للتحقق من نقص فيتامين د في المنزل
  • فعالية ثقافية في الأمانة بذكرى يوم الولاية
  • القطاع النسائي بتعز ينظم فعالية ثقافية بذكرى يوم الولاية
  • كارثة صحية تهدد حياة السكان في عدن بعد اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي
  • نجاح 7 عمليات دقيقة لعلاج الانسداد المزمن بالشرايين التاجية بمجمع الأقصر الطبي باستخدام تقنية القسطرة التداخلية (CTO)
  • 7 عمليات ناجحة لعلاج الإنسداد المزمن بالشرايين التاجية بمجمع الأقصر