عربي21:
2025-05-28@12:24:01 GMT

أيّة رسالة عربيّة للأفارقة؟

تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT

حين أسّس ميشيل عفلق "حزب البعث العربيّ"، نسب إلى "الأمّة العربيّة الواحدة" رسالة وصفها بأنّها خالدة. عقول كثيرة حارت في تفسير معنى تلك الرسالة، ولماذا من بين سائر شعوب الأرض سوف تكون للعرب وحدهم رسالة.

مؤسّس البعث، على عادته، لم يقدّم إجابات واضحة، لكنّه غالباً ما كان يقرن الرسالة تلك بـ "الانقلاب".

وهو لم يقصد بالضرورة الانقلاب العسكريّ، أو أنّ هذا ما قاله، زاعماً أنّ هدفه هو الانقلاب الشامل "في الحياة العربيّة". بيد أنّ العبارة الإنشائيّة والفضفاضة هذه ما لبثت أن وجدت ترجمتها الفعليّة الوحيدة في الانقلاب العسكريّ. فمنذ أواسط الخمسينات والضبّاط البعثيّون في سوريّا هم أنشط الانقلابيّين وأنجحهم، إن في تنفيذ الانقلاب أو في تغيير اسمه وتسميته "ثورة". وفي عام واحد، هو 1963، وبفاصل شهر واحد لا أكثر، استولى ضبّاط حزب البعث، عبر انقلابين عسكريّين، على العراق وسوريّا.

وبالفعل، وكما أظهرت عقود ما بعد الاستقلالات العربيّة، لم تكن الرسالة العتيدة سوى الانقلاب العسكريّ الذي أطاح أنظمة مدنيّة في غير بلد عربيّ. والحال أنّه من بين الأحداث اللعينة الكثيرة التي نزلت بالعالم العربيّ، يبقى هذا الانقلاب ألْعَنَها بإطلاق. فهو الذي كانت له اليد الطولى في تأسيس الكوارث والهزائم اللاحقة وفي إشاعة السلوك والوعي الأمنيّين، كما في تدمير المجتمعات المدنيّة وما كان متوافراً من حرّيّات في السياسة والاجتماع والمهن والثقافة والتعبير.

وكان ما ضاعف قوّةَ السمّ في الانقلاب العسكريّ عاملان، داخليّ وخارجيّ. أمّا الداخليّ فهو البُعد الطائفيّ أو الإثنيّ الضامر الذي أقام في كثير من أعمال الاستيلاء العسكريّ على السلطة التي عرفتها بلدان ذات نسيج اجتماعيّ مُهَلهَل. وأمّا الخارجيّ فهو اقترانه بتمدّد سوفياتيّ بدأ في الخمسينات وتعدّى بلدان "الكتلة الاشتراكيّة" التي كانت قد ولدت قبل عقد واحد. هكذا علّم أبناءُ ستالين الأنظمة الانقلابيّة في العالم العربيّ فنوناً وتقنيّات في الرقابة والقمع، وفي مصادرة الحياتين العامّة والخاصّة، فضلاً عن نشر وعي حربيّ سببه أنّ بلدان الكتلة المذكورة لا تملك سوى السلاح سلعةً للتصدير الخارجيّ.

ولئن صحّ أنّ الأنظمة التي أطيحت لم تكن من الصنف الذي يُدافَع عنه دائماً، صحّ أيضاً أنّها لم تكن من الصنف الذي يسدّ باب المستقبل كلّيّاً ويصادر الحياة العامّة على النحو الذي يفعله النظام العسكريّ – الأمنيّ. إلى ذلك فالتركة الكولونياليّة البشعة، التي استمرّ بعضها فاعلاً، ومعها تنافس الدول الكبرى على مناطق النفوذ، تضامنا مع درجة التطوّر الاجتماعيّ في المستعمرات السابقة، ومع ضعف تقاليدها السياسيّة وكهولتها الثقافيّة، بحيث غدا من الصعب (إلاّ في التحليل التآمريّ) ردّ قصور الأنظمة المدنيّة إلى عامل خارجيّ أوحد.

ورغم حصول ما حصل، لا يزال معظم الفكر السياسيّ العربيّ يتعامل مع الانقلاب العسكريّ بكثير من الودّ، إن لم يكن التمجيد، فيما بعضٌ غير قليل من النقد الذي بات يوجَّه إليه يأتي مشوباً باللطف وبقدر من السخاء وتوفير الأعذار.

واليوم إذ تكرّ سبحة الانقلابات العسكريّة مجدّداً في القارّة الأفريقيّة، فينقلب على نظامه عسكر النيجر بعدما انقلب عسكر مالي وبوركينا فاسو، لا تزال أصوات عربيّة كثيرة تُهدي الأفارقة رسالة الانقلاب العسكريّ. وبدل تنبيههم إلى ما حلّ بنا من جرّاء هذا الانقلاب ذاته، ومناشدتهم أن لا يكرّروا تجربتنا المُرّة التي لم نتعافَ من آثارها حتّى اليوم، نرى بعضنا يحتفل، في 2023، بما سبق أن احتفل به انقلابيّونا قبل عشرات السنوات: كسر الخضوع والتبعيّة للغرب، بناء مستقبل وطنيّ مشرق، إحداث استقلال حقيقيّ، تصفية للطبقة الرجعيّة القديمة...، وغير ذلك من شعارات كثيراً ما اختبرها الواقع فتبدّت ترّهات قاتلة. وبدل تحذير الأفارقة من اصطباغ الانقلاب العسكريّ بمقدّمات إثنيّة وجهويّة مستترة، كما بتمدّد روسيّ ترمز إليه، هذه المرّة، ميليشيا فاغنر، إذا بهذا البعض منّا يهلّل لعلامات الأصالة والتحرّر التي تنطوي عليها المغامرات العسكريّة الأخيرة. أمّا الغرق في ثقافة الدم ومستنقعات الثأر والانتقام من رئيس سابق أو من معارضين للانقلاب فهو أيضاً سبب للاستبشار بمستقبل مضيء ينتظر الأفارقة ويحاكي المستقبل المضيء الذي غنمناه!

إنّ الرسالة الوحيدة التي تستحقّ الاحترام هي بالضبط ما يعاكس رسالة عفلق الشهيرة، أي أن نقول، نحن العرب، لسوانا: تعلّموا ممّا حلّ بنا حين استولت علينا أوهام كبرى كان أهمّها وهم امتلاكنا رسالة محمولة على جناح القوّة والعنف. وكم سيكون مفيداً أن يقال كلام كهذا لسبعين مليون أفريقيّ في البلدان الثلاثة، النيجر ومالي وبوركينا فاسو، يُساقون راهناً من أوضاع سيّئة لكنْ قابلة للتغيير والإصلاح التدريجيّين إلى أوضاع مطلقة السوء ومطلقة الانسداد في الوقت عينه.

الشرق الأوسط

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حزب البعث النيجر النيجر أفريقيا الوطن العربي حزب البعث مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة صحافة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانقلاب العسکری ة التی

إقرأ أيضاً:

تقرير: الإمارات أقرب حليف عربي لـإسرائيل.. والدافع كراهية الإسلاميين

في ظل تصاعد الانتقادات الأوروبية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، تُواصل الإمارات العربية المتحدة تعزيز علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدةً التزامها بالتطبيع الذي بدأ مع توقيع اتفاقيات إبراهيم في عام 2020، حيث تشير تقارير إلى أن أبوظبي تخطط للعب دور محوري في ترتيبات ما بعد الحرب في غزة، مستفيدةً من علاقاتها الوثيقة مع تل أبيب.

وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "NZZ" السويسرية بقلم الكاتب رويرت هوفر، تعتبر الإمارات "أفضل صديق عربي لإسرائيل" وتُظهر "إخلاصًا غير مشروط" لها، على الرغم من الضغوط الدبلوماسية المتزايدة من الدول الأوروبية على تل أبيب بسبب العمليات العسكرية في غزة.

وأشارت الصحيفة إلى أن حكام الخليج، وخاصة الإمارات، يرون في الضربات الإسرائيلية ضد حماس، خطوة إيجابية، نظرا لرفضهم للإسلاميين واهتمامهم بالاستقرار والصفقات الاقتصادية.

وتظهر البيانات أن العلاقات بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي قد تطورت بشكل ملحوظ منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم، فقد تجاوز حجم التجارة الثنائية غير النفطية بين البلدين 6 مليارات دولار منذ عام 2020، مع توقعات بزيادة هذا الرقم إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2030.

كما استثمرت صناديق الثروة السيادية الإماراتية في قطاعات استراتيجية داخل إسرائيل، بما في ذلك شراء حصة 22% في حقل تمار للغاز الطبيعي بقيمة 1.1 مليار دولار .


على الصعيد الأمني، تعاونت الإمارات مع الاحتلال الإسرائيلي في مجالات الدفاع والتكنولوجيا، بما في ذلك تطوير أنظمة دفاع جوي مشتركة ومشاريع في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد زودت إسرائيل الإمارات بأنظمة دفاع جوي متقدمة بعد الهجمات التي تعرضت لها أبوظبي من قبل الحوثيين في عام 2022 .

كما أشار تقرير لوكالة "رويترز" إلى أن الإمارات وافقت على تسهيل إيصال مساعدات إنسانية عاجلة إلى غزة بالتعاون مع إسرائيل، في خطوة تهدف إلى التخفيف من الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع .

وأشارت التحليلات إلى أن الإمارات قد تلعب دورًا مهمًا في ترتيبات ما بعد الحرب في غزة، نظرًا لعلاقاتها الوثيقة مع إسرائيل وقدرتها على التوسط بين الأطراف المختلفة، ويُعتقد أن أبوظبي تسعى إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال المشاركة في جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار في القطاع.

مقالات مشابهة

  • مئات المحامين والقضاة في بريطانيا يطالبون حكومتهم بالتحرك ضد الاحتلال
  • أحمد بن محمد: قمة الإعلام العربي ترجمة لرؤية دبي في بناء مستقبل إعلامي عربي أكثر تأثيراً
  • كريستيانو رونالدو في سن الأربعين.. هل يتجه لتحدٍ مفاجئ؟ الرسالة الغامضة
  • 300 كاتب فرنسي يدعون لوصف ما يجري في غزة بالإبادة
  • 800 قانوني بريطاني يطالبون بعقوبات على إسرائيل.. خطر الإبادة الجماعية حقيقي
  • تقرير: الإمارات أقرب حليف عربي لـإسرائيل.. والدافع كراهية الإسلاميين
  • تحركات قانونية لدفع الحكومة البريطانية إلى وقف الإبادة الجماعية في غزة
  • عاجل| الغارديان عن رسالة: على حكومة بريطانيا استخدام كل الوسائل لضمان استئناف دخول المساعدات دون عوائق إلى غزة
  • وزير الخارجية : الحكومة اليمنية حريصة على انهاء الانقلاب الحوثي
  • محمود علي يوسف: العدالة للأفارقة تتطلب تعويضات عن العبودية والاستعمار