لجريدة عمان:
2025-05-28@06:56:40 GMT

الثقافة والسياسة

تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT

حينما بدأ العمل في مشروع السد العالي (١٩٦٠)، بعد أن تجاوز العديد من العقبات المالية والسياسية، إذا بسفير الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة ومعه مدير متحف المتروبوليتان (روريمر) يطلبان لقاء وزير الثقافة المصري ثروت عكاشة ويعرضان عليه شراء قطعة أو اثنتين من معابد النوبة المقدر لهما الغرق خلف السد العالي، بحجة أن مصر لن تتمكن من حماية هذا التراث الإنساني، كان وزير الثقافة المصري رجلاً سياسيا، مثقفا ورقيقا ومهذبا، وقد أجابهما معاتباً: (عليكما أن تبادرا بالعون العلمي لإنقاذ هذا التراث بدلاً من التفكير في شرائه والاستحواذ عليه)، في اليوم التالي لهذا اللقاء كان وزير الثقافة المصري قد بدأ رحلته بصحبة نخبة من علماء الآثار المصريين إلى جنوب مصر حتى خزان أسوان، متفقدا أعمال التنقيب الجارية في المنطقة، وقد تبين له أن ما يتم بشأن الآثار الغارقة خلف السد هو مجرد تسجيل وتوثيق وحصر بحكم أن هذا هو كل ما تسمح به إمكانات الدولة المصرية وقتئذ.

لقد أدرك جمال عبد الناصر حجم المخاطر الجانبية الناجمة عن مشروع السد العالي، فكيف وهو يقيم هذا الصرح الكبير، بينما الحضارة المصرية بتراثها غارقة في المياه، وهو ما يهدد جزءا مهما من الذاكرة المصرية والإنسانية، وقد راح كثير من المثقفين والأثريين المصريين والأجانب يتناولون هذه القضية في كتاباتهم، وبدأ الموقف ينذر بمخاطر كبيرة، بينما مشروع السد العالي يمضي بخطى واثقة وسريعة، لكن لم يدرك القائمون عليه المخاطر الجانبية الناجمة عن هذا العمل الكبير، لذا وجد جمال عبد الناصر نفسه أمام مشكلة، فخلف السد تتكون بحيرة صناعية كبيرة بامتداد ثلاثمائة كيلو متر في الأراضي المصرية، ومائة وسبعة وثلاثين كيلومتراً في الأراضي السودانية، لكي يرتفع منسوب المياه إلى مائة وثمانين متراً فوق مستوى سطح البحر، وهو ما يؤدي إلى إغراق جميع آثار النوبة المصرية والسودانية، بما في ذلك معبد (أبو سنبل)، وعلى ما يبدو فان جمال عبد الناصر والخبراء الروس قد أدركوا هذه الحقيقة متأخراً، ولم يكن في قدرة مصر مالياً وفنياً أن تنقذ هذا التراث العريق الغارق في أعماق المياه، لذا رأت مصر مخاطبة العالم من خلال منظمة اليونسكو، وبدأت رحلة شاقة حينما درست اليونسكو المشروع.

شعر مدير منظمة اليونسكو (السينيور بيتو رينون) بأهمية المشروع والمكانة الكبيرة التي يمكن أن تحظى بها اليونسكو في عمل كبير هو الأول من نوعه في مجال نشاطها، من هنا ظهرت فكرة دعوة العالم للمشاركة في إنقاذ هذا التراث باعتباره تراثاً إنسانيا كبيرا، وقد تبنت المنظمة هذا العمل عندما بدأ الإعلان عنه في يناير ١٩٥٩م، من خلال ثلاث مراحل، أولهما: التنقيب والكشف عن كل المناطق الأثرية في النوبة، وثانيهما: نقل المعابد والآثار الغارقة إلى مناطق مرتفعة على اليابسة بعيدا عن غمر المياه، وثالثهما: تسجيل آثار النوبة تسجيلا علميا دقيقا، وفي ٨ مارس ١٩٦٠، أصدرت اليونسكو نداء إلى كل دول العالم تدعوها إلى المشاركة في هذا المشروع الحضاري والإنساني، وتم تشكيل لجنة برئاسة ملك السويد (چوستاف الثالث)، وأخرى استشارية من اثني عشر عضواً، ثمانية من الخبراء الأجانب وأربعة من المصريين.

أحدث النداء الذي أطلقه مدير منظمة اليونسكو دوياً هائلا في الأوساط السياسية والأكاديمية والإعلامية في كل دول العالم، وتوارت كل القضايا السياسية وخصوصاً الموقف الأوروبي والأمريكي من النظام المصرى لكي تتصدر آثار النوبة المشهد الدولي، وفي سياق هذا الحدث الكبير، فقد اقترح ثروت عكاشة وزير الثقافة المصري على الرئيس جمال عبد الناصر فكرة كانت هي الأولى من نوعها، حيث يتم اختيار نماذج من الآثار المصرية تجوب دول العالم شرقاً وغرباً، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أوروبا وصولاً إلى اليابان حتى يعرف العالم هذا التراث، لكي تحظى مصر بدعم دولي لإنقاذه، وعلى مدار ثلاث سنوات طاف المعرض الكثير من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، حاملاً روح الحضارة المصرية القديمة، وتفاصيل عبقريتها، والذي يعود إلى متابعة الصحف المصرية والعالمية خلال هذه الفترة يمكن أن يلحظ كيف كان الناس يقفون ساعات طوال لكي يشاهدوا هذه الآثار، وهو ما أحدث ضجة كبيرة في كثير من دول العالم، لدرجة أن المجلس الأوروبي قد تلقى طلباً من حكوماته بدعم المشروع فنياً ومالياً، وأصدرت اللجنة بياناً قالت فيه:(إن آثار النوبة هي إحدى الكنوز الكبرى للتراث الإنساني، وهو ما يضاعف من مسئولية الدول الأوروبية لكي تتحمل مسئولياتها في إنقاذ هذا التراث).

اللافت للنظر أن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بعض الدول الأوروبية، التي كانت تكنّ عداء لمصر ولجمال عبد الناصر كانت في مقدمة الدول التي سعت لدعم المشروع، فضلاً عن الدعم الفني والتقني من المؤسسات المعنية بهذا النوع من التراث، ووصل حجم الدول الداعمة لهذا المشروع إلى خمسين دولة، وقد بادر جمال عبد الناصر بدعم المشروع بمبلغ عشرين مليون دولار، وقد حدد الخبراء فترة العمل بسبع سنوات ١٩٦١ -١٩٦٨، وبمجرد أن افتتح معرض توت عنخ آمون في واشنطن ٣ نوفمبر ١٩٦١، إذا بالثقافة المصرية تحقق انتصاراً على السياسة، فقد افتتح المعرض السيدة چاكلين كيندي قرينة الرئيس الأمريكي، وقد حظي المعرض بحفاوة كبيرة، وكتب عنه المثقفون والسياسيون والأثريون وأشادوا بمقتنياته وعبقرية ما أنجزته الحضارة المصرية من تراث معماري وفني خلَّاق، وحينما وصل المعرض إلى باريس، كان في استقباله الرئيس الفرنسي شارل ديجول (٩مايو ١٩٦٧)، بعد أن أصبحت مصر وحضارتها حديث كل الأوساط الفرنسية، لدرجة أن الإبداع المصري القديم قد أصبح مصدر إلهام لبيوت الأزياء ومصممي رقصات البالية و الرقصات الاستعراضية، وقد أبدى الرئيس الفرنسي رغبته في زيارة مصر ولقاء جمال عبد الناصر.

المتابع للصحافة وكل وسائل الإعلام في كثير من كل دول العالم خلال هذه الفترة التاريخية يلحظ أن مصر قد أصبحت في صدارة المشهد، بعد أن تفوقت الثقافة تفوقاً ملحوظاً على السياسة، وتبوأت مصر مكانتها في الأوساط الدولية، بعد أن راح مشروع السد العالي يمضي قدما على الرغم من المشاكل السياسية التي كانت تواجه مصر في حربها في اليمن أو في صراعها مع إسرائيل، لكن كانت عملية إنقاذ الآثار تمضي قدما، وكان السد العالي يرتفع يوماً بعد يوم، لكن كانت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية تخطط لعدوان على مصر وقع صباح ٥ يونيو ١٩٦٧.

لقد احتفى العالم بالانتهاء من إنقاذ آثار النوبة ٢٢ سبتمبر ١٩٦٨، بعد أن تم إنقاذ أروع ما خلفته الحضارة المصرية القديمة، وتبدو المفارقة العجيبة واللافتة للنظر، فقد دعمت بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية العدوان الإسرائيلي على مصر ١٩٦٧، ولعلها مفارقة غريبة ولافتة للنظر، فقد كان الضمير الإنساني أكثر تحضرا وهو يشارك في إنقاذ درة الحضارة الإنسانيةــ ما أحوج العالم المعاصر في ظل هذه الأزمات المتلاحقة أن يعتصم بالثقافة والوعي، وأن يستعيد روحه الإنسانية. بكل تأكيد فإن الثقافة بإنسانيتها المفرطة جديرة بأن تبدد ما أفسدته السياسة في كثير من دول العالم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة وزیر الثقافة المصری مشروع السد العالی الحضارة المصریة الدول الأوروبیة جمال عبد الناصر آثار النوبة هذا التراث دول العالم کثیر من وهو ما بعد أن

إقرأ أيضاً:

عفيف نجم السد أفضل لاعب في قطر 2025

اختير أكرم عفيف نجم السد والمنتخب القطري الإثنين أفضل لاعب في الموسم الكروي المحلي المنتهي للتو، لينال اللقب للمرة الخامسة في تاريخه، فيما حصل مدربه في النادي الإسباني فليكيس سانشيس على جائزة أفضل مدرب.

وجاء تتويج عفيف ومدربه الإسباني بعدما حصلا على أعلى الأصوات خلال عملية أشرف عليها مجلس امناء جوائز الأفضل في قطر بمشاركة عدة هيئات وجهات، بينها مدربو المنتخبات الوطنية ومدربو الأندية والجهات الإعلامية وممثلون عن الاتحاد ورابطة الدوري واعضاء مجلس الجائزة.

وقاد سانشيس وعفيف "الزعيم" لثنائية الدوري وكأس قطر هذا الموسم، إلى جانب الوصول إلى ربع نهائي دوري ابطال آسيا للنخبة.

وعزز عفيف رقمه القياسي بالفوز بالجائزة للمرة الخامسة بعدما سبق وأن نالها مواسم 2018-2019 و2019–2020 و2021–2022، فيما نال سانشيز الجائزة للمرة الأولى.

وقال عفيف "فخور باختياري كأفضل لاعب في الموسم، في جائزة فردية في الشكل لكنها جماعية في الجوهر، حيث الدعم والمساندة التي وجدتها من زملائي من أجل أن أكون هنا".

وأضاف أفضل لاعب في آسيا مرتين عامي 2019 و2023 "بذلنا في الموسم الحالي كمجموعة في السد كل ما بوسعنا كي نظهر بالشكل الذي يليق بحجم النادي، وحافظنا على لقب الدوري وفزنا بلقب كأس قطر، وكنا نتمنى أن نصل أبعد في (دوري أبطال آسيا) النخبة، لكننا نعد بأن نعود في الموسم المقبل أقوى كي نحقق طموح النادي والجماهير".

إعلان

وكان عفيف قد سجل خلال الدوري 18 هدفا وصنع 15، ليساهم في 33 هدفا، أي قرابة نصف أهداف فريقه في الدوري التي وصلت إلى 62 هدفا.

أكرم عفيف نجم نادي السد ⚪️⚫️.

يتوَّج بجائزة أفضل لاعب في موسم 2024/2025????
للمرة الثانية على التوالي والخامسة في تاريخه????.#جوائز_الاتحاد_القطري_لكرة_القدم | #QFAawards pic.twitter.com/g2mQSwyql6

— الاتحاد القطري لكرة القدم (@QFA) May 26, 2025

وتنافس عفيف على جائزة الأفضل مع كل من الجزائري بغداد بونجاح والألماني يوليان دراكسلر.

سانشيز أفضل مدرب

بدوره قال سانشيز "كان موسما شاقا، واجهنا فيه الكثير من التحديات والصعوبات، لكن ختامه كان مثاليا من خلال الحصول على لقبين مهمين (الدوري وكأس قطر)".

وأضاف بطل آسيا مع منتخب قطر عام 2023 "قام اللاعبون بعمل مذهل من خلال الشخصية القوية التي ورثوها من تقاليد النادي، أهنئهم على ما قدموه حتى جعلوا أنفسهم أبطالا".

فيليكس سانشيز مدرب نادي السد ⚫️⚪️.

يتوَّج بجائزة أفضل مدرب في موسم 2024/2025 ????.#جوائز_الاتحاد_القطري_لكرة_القدم | #QFAawards pic.twitter.com/PwZfmRklXE

— الاتحاد القطري لكرة القدم (@QFA) May 26, 2025

وتنافس سانشيز مع كل من البرتغالي بيدرو مارتينيس مدرب الغرافة والكرواتي ايغور بيسكان مدرب الأهلي.

وحصل السد أيضا على جائزة أفضل حارس التي كانت من نصيب مشعل برشم، فيما فاز لاعب الشمال الحالي والسد السابق محمد مناعي بجائزة أفضل لاعب تحت 23 عاما، والبرازيلي روجر غيديش بجائزة هداف الدوري بعد تسجيله 21 هدفا.

مقالات مشابهة

  • "الإيسيسكو" تحتفي بسمرقند عاصمةً للثقافة في العالم الإسلامي
  • وزير الثقافة يشارك في حفل إعلان سمرقند عاصمة للثقافة الإسلامية
  • المحرقة.. عرض مسرحي في دار الثقافة بحمص لزيناتي قدسية
  • توتر إقليمي.. تحذير مصري جديد حول سد النهضة الإثيوبي
  • عفيف نجم السد أفضل لاعب في قطر 2025
  • وزير الثقافة يبحث مع وفد من منظمة اليونيسكو آليات دعم التراث الثقافي السوري
  • وزير الثقافة يُدشن تطبيق ذاكرة المدينة لتوثيق تاريخ المدن المصرية
  • وزير الثقافة يدشن تطبيق «ذاكرة المدينة» لتوثيق تاريخ المدن المصرية
  • خط كركوك–بانياس.. الأنبوب الذي يسيل له لعاب الجغرافيا والسياسة
  • الزمن يعود إلى الوراء في أورفا التركية.. اكتشاف يربك المؤرخين!