الحياة لمن عاشها بعقل.. "خمسٌ يُعرفن بخمسٍ"
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
بينما كنت أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي في لحظة تأمل عابرة، جذبني مقطع فيديو بسيط لكنه مليء بالحكمة والعمق. كان المقطع يتناول فكرة عنوانها "خمسٌ يُشار لهن بخمس"، فكرة تحمل في طياتها دلالات عميقة عن الحياة وطبائع البشر.
ولأهمية هذه الفكرة وما تحمله من معانٍ قيّمة، قررت أن أتناولها في سلسلة مقالات تستعرض كل جانب منها بشكل مفصل، لنسبر أغوار هذه الحكم ونتأمل كيف يمكن أن تؤثر في حياتنا اليومية.
وبالرغم من بساطة الكلمات، إلّا أن معناها أعمق مما يبدو للوهلة الأولى. هذه الجملة كانت دعوة واضحة للتفكر في معاني الحياة والعلاقات الإنسانية التي تكشف حقيقتها المواقف والأزمات. ما يميز هذه الحكمة أنها ليست مجرد نصيحة عابرة، بل قاعدة عملية تختبر بها النفوس والصفات. وهنا تأتي فكرة "خمسٌ يُعرفن بخمس" لتكون مدخلًا يُعيد تشكيل نظرتنا لأنفسنا وللآخرين. فكما تحتاج الشجرة لثمارها لتعبر عن قيمتها ونوعيتها، كذلك الإنسان، تُعرف شخصيته وقيمته الحقيقية من خلال أفعاله ومواقفه. وحتى من خلال الحوار معه، تنكشف أبعاد منطقه ومنطوقه، لتتجلى حقيقته كما تقول الحكمة: "الرجال صناديق مقفلة، وبمجرد أن تفتح ينكشف ما بداخلها، سواء كانت تحمل الجواهر أو الخردة التالفة".
هذه القواعد الخمس ليست سوى اختبارات حياتية تنكشف فيها الحقائق، فكل شيء يُعرف بحقيقته عندما يُختبر، وعندما نتأمل الحكمة الأولى، نجد أن الشجرة تُعرف من ثمارها. فعلى مر العصور، كان المظهر الخارجي دائمًا ما يُخدع به الناس. ولكن، كما تُعلّمنا الطبيعة، الشجرة تُعرف من ثمارها لا من ارتفاعها أو أوراقها. الإنسان كذلك، لا يُقاس بمظهره أو بما يدّعيه، بل بما يقدمه من عملٍ نافع وأثرٍ طيب. قال الله تعالى: "وَمَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ" (إبراهيم: 24).
إنَّ هذه الآية تُبرز لنا أهمية العمل الصالح والكلمة الطيبة، وكيف أنَّ الأثر الجيد للإنسان هو ما يخلد ذكره. فكما أن الشجرة المثمرة تُبهج الناظرين وتُفيدهم، كذلك الإنسان المثمر بأفعاله وأقواله، الذي يترك أثرًا إيجابيًا يدوم على مر الأيام، فهل فكرنا يومًا كيف يمكن لأفعالنا أن تكون تلك الثمار التي تُعرّف بنا؟
وبالحديث عن الحكمة الثانية، نجد أن المرأة تُعرف عند افتقار زوجها. إن المرأة شريكٌ في رحلة الحياة، ولكن معدنها الحقيقي يظهر في الأوقات العصيبة، لا في أوقات الرخاء. فعندما يمر الزوج بضائقة أو ضعف مالي أو جسدي أو حتى مجتمعي، تكون المرأة الصالحة هي الركيزة التي يستند إليها الرجل والأسرة عموماً فقد تجد امرأة صالحة غير متعلمة لكنها ركيزة تستند عليها جميع الأسرة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" (رواه مسلم).
إنَّ العلاقة الزوجية ليست مجرد شراكة قائمة على المصلحة أو الترف، بل هي تلاحم في الأوقات العصيبة بين الرجل والمرأة؛ فالمرأة التي تصبر وتدعم زوجها عند الشدة تضيف معنى حقيقيًا للعلاقة، وتجعلها أقوى أمام تحديات الحياة. وهنا، تبرز القيم التي تجعلها تُعرف بوفائها وصبرها، قيم تجعلها نورًا في حياة شريكها. وهنا عندما أذكر الحديث عن الوفاء، يجب على الرجل الوفاء والتقدير والاحترام لتلك المرأة، وتستحضرني هنا قصة من واقع المجتمع حيث تعرض شخص ما لحادث سير جعله عاجزاً لفترة زمنية مُعينة، وخلال تلك الفترة لم تتحمل تلك المرأة لتنفصل عن علاقتها الأسرية، تاركةً ذلك الزوج يُصارع الحياة مع أسرته، ليمُن الله عليه بالشفاء ويسترجع قواه وترجع الحياة الجميلة كما كانت ليرزقه الله بمن يعوضه بامرأة صالحة لتضرب مثالاً حيَّاً للمرأة الصالحة تعينه وتعين أسرته، ومن هنا أدعو الله تعالى أن يبارك لهم حياتهم وأن يرزقهم الذرية الصالحة.
أما الحكمة الثالثة، فهي أن الصديق يُعرف عند الشدة. الصداقة كلمة سهلة النطق، لكنها في الحقيقة مسؤولية عظيمة. الصديق الحقيقي هو من يثبت في المواقف الصعبة، لا من يختفي عند أول اختبار. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه" (رواه الترمذي).
إنَّ الشدة تكشف الأصدقاء الحقيقيين الذين يمدون يد العون عندما تشتد الأزمات، وتُظهر زيف العلاقات القائمة على المصالح. فالصداقة ليست مجرد كلمات تُقال في أوقات الفرح، بل هي مواقف يُثبتها الأصدقاء في لحظات الحاجة، وما نعيشه الآن من مواقف في المجتمع كثيرة وشواهد عظيمة يتطلب منا التوقف ملياً في اختيار صداقاتنا وتصنيفهم دون الاندفاع وراءهم من خلال عواطفنا بل يجب أن نستخدم عقولنا لنحدد المسافة التي نسير فيها مع كل صديق بحكمة ووعي.
وفيما يتعلق بالحكمة الرابعة، نجد أن المؤمن يُعرف عند الابتلاء. الإيمان ليس شعارًا يُرفع أو كلمات تُقال، بل هو تصرف وسلوك يظهر في مواجهة الابتلاءات. قال الله تعالى: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 155). كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير..." (رواه مسلم).
إنَّ الابتلاء هو الامتحان الذي يكشف صدق الإيمان ورسوخه. المؤمن الحقيقي هو من يواجه الأزمات بثبات ويقين بأن ما عند الله خيرٌ وأبقى. وهذه اللحظات من الابتلاءات تُشكل محطات لتنقية الروح وتعميق الصلة بالله، حيث يُظهر المؤمن معدنه الأصيل عندما يُثبت صبره وإيمانه في وجه الصعاب، فكثيرٌ منا ينهار عند الابتلاء لضعف إيماننا، وعليه أسأل الله تعالى أن يحفظ الجميع من كل مكروه.
وأخيرًا.. تأتي الحكمة الخامسة لتُذكرنا بأن الكريم يُعرف عند الحاجة؛ حيث يُظهر الكريم كرمه عند الحاجة. فالعطاء الحقيقي لا يكون فقط عند الفائض؛ بل يتجلى عندما يكون الإنسان في ضيق. قال الله تعالى: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ" (الحشر: 9).
والكرم لا يقتصر على تقديم المال فقط؛ بل يمتد ليشمل الكلمة الطيبة، والدعم النفسي، والوقوف إلى جانب الآخرين في لحظات ضعفهم. الكريم هو من يعطي دون أن ينتظر مقابلًا، ويضحي بما يملك ليخفف من معاناة من حوله، وهذا هو جوهر الإنسانية الحقيقية. وإذا تأملنا مواقف العطاء عند الحاجة، لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى يُكرمنا دائمًا بما هو أفضل وأعظم مما قدمنا، جزاءً لما أنفقنا أو بذلنا من عطاء.
وفي الختام.. تعلّمنا هذه "الخمس" أن الحياة ليست مجرد مظاهر؛ بل هي أفعال ومواقف تكشف عن جوهر الإنسان. فالحياة التي تُعاش بعقل هي حياة تُقاس بما نتركه من أثر وما نقدمه من خير. فلنكن كالشجرة المثمرة، ولنكن سندًا لمن حولنا في أوقات الحاجة، ولنتعلم كيف نصمد بثبات في وجه الابتلاءات. هكذا تكون الحياة التي تُبنى على القيم، وهكذا تُعرف الحقيقة التي تبقى رغم كل زيف. وفي مقالنا القادم نستكمل رحلتنا في "الحياة لمن عاشها بعقل" لنستكشف خمسًا يرفعن بخمس، تحمل في جوهرها دروسًا تعمّق فهمنا لمعاني الحياة الحقيقية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مقطع من الحياة اليومية في غزة
التاريخ يعيد نفسه ولكن بأحداث وأسماء وضحايا آخرين. معاناة البشرية لُخِّصت في ذلك الحين برحلة آلام السيد المسيح كفردٍ ناب عن الأمة، لكنها اليوم رحلة آلام الأمة بأكملها؛ ليست العربية والإسلامية فحسب بل البشرية كلها؛ جسّدها الفلسطيني في غزة بروحه ودم أطفاله وبيته وممتلكاته وكل أحبته، مع اختلاف الزمان والمكان؛ فهو النازح لأكثر من 15 مرة في مساحة لا تزيد عن 365 كيلومترا مربعا وسط حصار دام 17 عاما قبل اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وازدادت آثار هذا الحصار تفاقما بعدها؛ لتصبح حرب إبادةٍ وتطهيرٍ عرقي، حرب نسفٍ وتدميرٍ ممنهجٍ لكل جوانب الحياة؛ حرب تجويعٍ وتعطيشٍ؛ وحرب أوبئةٍ وأمراضٍ؛ وحربا بيولوجية بالمعنى الأشمل للكلمة، حربا ضد الطفولة ومنتجها المرأة؛ لتهدد مستقبل شعب بأكمله، بل لتستأصله من الوجود على يد جلادي العقيدة التلمودية الصهيونية المتأصلة جذورا بالإرهاب؛ والتي ترى في الأطفال خطرا على بقاء كيانهم؛ بل على وجودهم الاستعماري الطارئ الذي اصطنعته أوروبا والولايات المتحدة؛ وتسعى إلى ديمومته على حساب أهل الجغرافيا والتاريخ.
هذه العقيدة المتطرفة الفاشية دأب على تأكيدها غلاة اليمينيين النازيين وعلى رأسهم رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو؛ الذي اقتبس من سِفر صموئيل الأول وأوصى جنوده بأنهم يواجهون "العماليق"؛ لذا عليهم قتل جميع الأطفال والرضع والنساء والرجال حتى البهائم وتدمير كل شيء حتى يفنوا. وسبقه وزير دفاعه المستقيل غالانت بقوله: "إن الفلسطينيين حيوانات بشرية وعلينا قتلهم". أما سموتريتش الفاشي المتطرف القادم من أوكرانيا فقال: "أمام الفلسطينيين إما أن يرحلوا أو يخضعوا لنا أو يموتوا".
لقد بات قتلُ الأطفال بالنسبة لقادة الاحتلال فعلا وهدفا استراتيجيا، كما كان مرشدهم السياسي والروحي الحاخام الأكبر للصهيونية الدينية دروكمان يدعو إلى ذلك؛ إنهم يرون قتل الأطفال ليس قتلا لأحلامهم وآمالهم ولقصص كانوا سيروونها عندما يكبرون، بل هو قتل مستقبل الوطن والحياة القادمة. إن كل هذا من وحي الحياة اليومية في غزة.
لقد اختلف الصهاينة فيما بينهم وانقسمت صفوفهم وتداعت اصطفافاتهم، وغادر الكثير منهم معترك السياسة، واستقال آخرون منهم احتجاجا على بعض السياسات التي لا تنسجم مع أهدافهم وأسلوبهم، واتهم بعضهم بعضا بالخيانة والولاء للأعداء، لكن برغم ذلك اجتمعوا واتفقوا على إراقة دمائنا واقتلاعنا من أرضنا وتهجيرنا قسرا أو طوعا؛ فكان الخلاف والاختلاف علينا من يُمعن أكثر في قتلنا، ومن يعمّق آلامنا أكثر، ومن يُنهي وجودنا أسرع، ومن يدخل تاريخ "إسرائيل" فاتحا وناصرا وحاميا قبل الآخر. إنهم تلامذة النازي جابوتنسكي الذي يرى أنه "بالقوة وحدها سبيلا لإخضاع العرب وإذعانهم". كل ذلك يحدث في غزة يوميا.
واقع الحال مقيم منذ نحو 20 شهرا؛ قصف مسيّرات وطائرات حربية وتوغل دبابات، وقذائف مدفعية تسقط على الرؤوس بعدما لم يتبقَ هناك من مبانٍ، وجنود يتلهّون بإعدامات ميدانية للمدنيين بدمٍ باردٍ؛ مجازر في كل جغرافية القطاع، مع فارق أعداد الضحايا والتاريخ وأداة الجريمة، ونسفٍ وتدميرٍ لما تبقّى من أحياءٍ سكنية تُسكت القلوب من هول انفجاراتها.
المشهد يعج ُّ بالمشافي المدمّرة ومرافق حياةٍ لم يعدْ لها من وجود، وأشلاء وجثث في الطرقات، وعندما يُسمع دوي الانفجارات وتُشاهد أعمدة الدخان يهرع رجال الدفاع المدني إلى هناك لربما يُنقذون -بما أُوتوا من عتادٍ خفيفٍ بسيط- ما يمكن إنقاذه. هنا يصدر أنين وهناك يُسمع صوت استغاثة من تحت الأنقاض فتنطلق سيارات الإسعاف، ولكنها أحيانا تتوقف وسط الطريق بعد نفاد وقودها، فيحملون الجرحى راكضين مسافاتٍ قد تكون أحيانا طويلة، ويتركون الجرحى وقد أعياهم نزاع الموت والحياة في ممرٍ من بقايا مشفى أو مشفى ميداني الذي هو عبارة عن خيمة ممزقة ومتداعية؛ أو خيمتين تفتقدان إلى كل ما يلزم من بيئة التعقيم والسلامة الصحية. وعلى مقربة منها، هناك يُسمع عويل النساء اللواتي ينتحبن على أجساد أبنائهن وأزواجهن، وتتعالى وصاياهن: "سلّم على أخوي"، "سلّم على إخوتك يللي سبقوك"، "الله معك يما أنا مش مطولة؛ رح آجي وراك".
وفي الجانب الآخر من محيط المشفى، يتجمع الرجال للصلاة على ثلةٍ من الشهداء وسط صراخ الأهل والأحبة، وتُسبل الأكّفُ المتضرعة إلى الله بعدما أعياها التعب من الدعاء.
أمام شبح الجوع تتجمع حشود الأطفال والنساء وكبار السن ومعهم أواني الطعام؛ وهي ليست تلك الأواني التي اعتادوا استخدامها في منازلهم قبل الحرب، إنما هي أوعية بلاستيكية أو دلاء أو صفيحة معدنية كانت تحتوي مادة ما، هناك تتعالى الأصوات ليظفروا ببعضٍ من طعام طهته "التكية الخيرية" قبل أن تُخمد نارها بسبب نفاد الوقود.
وهناك في جزء من الشارع المليء بالحفر وبرك المياه الآسنة طفلةٌ تحاول حمل غالون الماء، وهو أثقل من جسمها، لتروي ظمأ ما تبقى من أسرتها، وآخر يبحث في كوم قمامة عن كسرة خبزٍ أو بقايا من طعام، وفي لحظة استلام المساعدات -التي لم يدخل منها إلا القليل القليل- يُفاجئ الجميع برشقات من الرصاص أو قذيفة من دبابة إسرائيلية تفرق الجموع وتقتل العشرات وتصيب العشرات. إنها مصيدة المساعدات، إنها مقتلة الغزيين، ولكن بغطاء إنساني؛ لم تتمكن المنظمات والهيئات الدولية فعل أكثر من ذلك.
وفي المناطق التي زعم جيش الاحتلال أنها أكثر أمانا وطلب من المدنيين التوجه إليها، ما أكثر الخيم المحترقة وما أكثر مؤن المساعدات المتفحمة وما أكثر ما تفحم من عشرات من الجثث. هناك لا أمل في الحياة ولا أمل في الأمن والأمان، هناك تغدو العربات التي تجرها الحمير الوسيلة الأكثر توفرا لحمل أفراد الأسرة مع ما تبقى من حاجاتهم المعيشية من فراش وملابس لتنقلهم إلى وجهة أخرى، ليس للأمان بل لعلها تؤخر موتهم قليلا؛ موتهم الذي يلاحق الجميع بلا استثناء أطفالا ونساء ورجالا وشبانا.
هذا مقطع من حياة يومية يعيشها الغزيون ببعض تفاصيلها وليس كلها. الحصيلة حتى لحظة كتابة هذه السطور: ارتقاء 55 ألف شهيد وما يزيد على 125 ألف جريح، بينهم عشرات الأطفال الذين يموتون أو يُولدون مشوّهين بسبب سوء التغذية. هناك دمار ومسح كامل لكل مدن القطاع، وتراكم مئات الآلاف من أطنان القمامة التي تنذر بانتشار الأوبئة والأمراض، وأكوام أنقاض تغيّر معالم جغرافية المكان لأنها تشكل هضابا وتلالا وأودية، وحفر حفرتها القذائف الثقيلة الأمريكية الصنع.
هناك رائحة الموت والدم في كل مكان، وهناك أيضا فعل مقاوم يأبى الهزيمة ويُصدّر الرعب إلى الجنود المدججين بسلاحهم الفتُّاك وبآلياتهم المصفحة. وعلى منعرج آخر يسود صمتٌ في كل الأماكن؛ قبل البحار وما وراء البحار من الأشقاء والأصدقاء إلى الحلفاء وسط صخب الأعداء؛ صمت مريب يخترقه أحيانا استنكارٌ هنا وتنديدٌ هناك، لكنه لا يحدث إلا موت للعدالة والطفولة والإنسان. وتبقى السماء الشاهد الوحيد؛ والمقطع لم يكتمل بعد.
[email protected]