أكَّد الدكتور نظير محمد عياد -مفتي جمهورية مصر العربية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- خلال كلمته في ندوة بالجامعة المصرية الروسية حول «أهمية الأخلاق في زمن التحديات والتهديدات المعاصرة» أنَّ الحديث عن الأخلاق أصبح ضرورة ملحَّة في عصرنا الحاضر في ظلِّ التحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات، من هجمات فكرية، ومحاولات لطمس الهُويَّة، تهدُف إلى القضاء على القيم الأخلاقية التي تعدُّ الركيزةَ الأساسية لحماية المجتمعات من التفكك والانهيار.

المفتي: الإسلام منذ بزوغ نوره أرسى قواعد التسامح فى كافة شئون الحياة مفتي الجمهورية يشارك في لقاء رئيس أذربيجان برفقة شيخ الأزهر

وأشار إلى أنَّ الأخلاق هي جوهر الرسالات السماوية، وأساس استقامة المجتمعات، مستشهدًا بقول الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وهو وصفٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بُعث لتتميم مكارم الأخلاق، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق»، مضيفًا أن جميع الرسالات السماوية اجتمعت على أصول العقائد والشرائع والأخلاق، ووردت في الكتب السماوية الوصايا العشر التي دعت إلى التوحيد، وحذرت من الخيانة وسوء الأخلاق، تطبيقًا لما جاء في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}.

كما أوضح أن الأخلاق في الإسلام ترتبط بتحقيق المقاصد الشرعية الضرورية، التي تهدف إلى حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليبلغ بحسن خُلُقه درجة الصائم القائم»، وأكد أن الشريعة لا تقتصر على الضروريات، بل تشمل التحسينيات التي تضفي الكمال على حياة الإنسان، مثل العناية بالمظهر والجمال، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل يحب الجمال».

وشدَّد المفتي على أن انهيار الأخلاق هو السبب الرئيسي في زوال الأمم؛ حيث قال الله تعالى عن قوم عاد وثمود: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}... ورتَّب على ذلك العقاب في الدنيا فضلًا عن عقاب الآخرة، فقال سبحانه: {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}، وقال تعالى عن قوم لوط: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ}.

مؤكدًا أن دار الإفتاء المصرية تضطلع بدور محوري في تعزيز القِيَم الأخلاقية داخل المجتمع، مستمدة رسالتها من تعاليم الشريعة الإسلامية التي تجعل الأخلاق أساس بناء الفرد والمجتمع، وتسعى الدار من خلال فتاواها ومبادراتها التوعوية إلى نشر ثقافة الالتزام بالقيم السامية، مثل الصدق والأمانة والإحسان والتسامح، وتقديم نماذج عملية تجسد الأخلاق في واقع الحياة. كما تعمل على مواجهة الظواهر السلبية التي تهدد تماسك المجتمع، وتحرص على تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تنال من القيم الإنسانية، وبهذا تؤكد دار الإفتاء أن الأخلاق ليست مجرد شعارات، بل هي ركيزة جوهرية لتحقيق السلم الاجتماعي وبناء الحضارات.

وفي رسالة وجهها إلى الطلاب، قال فضيلته: "إذا أحسنتم قراءة الواقع بأدواته وظروفه، ستجدون أن الخير كل الخير يكمن في التمسك بالأخلاق؛ فالدين هو الخُلُق، ومن زاد عليكم في الخُلُق زاد عليكم في الدين". واستشهد بقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا».

وفي ختام الندوة، كرَّم المفتي الطلابَ المتميزين، معبرًا عن سعادته بحضور هذا اللقاء الذي تناول واحدة من أهم القضايا الإنسانية المرتبطة ببناء المجتمعات.

وفي لفتة تقدير، قدم الأستاذ الدكتور شريف فخري، رئيس الجامعة المصرية الروسية، درع الجامعة لفضيلة المفتي، تكريمًا لدَوره الريادي في نشر القيم الإسلامية وترسيخ الأخلاق في المجتمع. وأعرب رئيس الجامعة عن فخره واعتزازه بحضور فضيلة المفتي لهذه الندوة المهمة، التي سلطت الضوء على أهمية الأخلاق في بناء الإنسان والمجتمع.

حضر اللقاء نخبة من الشخصيات البارزة، من بينهم: الدكتورة هناء عبد الرحمن، مستشار رئيس الجامعة للأنشطة الطلابية، والأستاذة الدكتورة مكارم الغمري، عميد كلية الألسن، والأستاذ الدكتور محمد إيهاب أبو الفتوح، عميد كلية الصيدلة، والأستاذ الدكتور عز الدين أبو العز، عميد كلية الفنون التطبيقية، بالإضافة إلى عدد كبير من عمداء الكليات وأعضاء هيئة التدريس والطلاب، وسط أجواء اتسمت بالترحيب والحفاوة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية مفتي الأخلاق الأزمات الاجتماعية الجانب الأخلاقي الدكتور نظير محمد عياد نظير محمد عياد صلى الله علیه وسلم الأخلاق فی

إقرأ أيضاً:

آيات الشفاء في القرآن.. تقضي الحوائج وتيسر الأمور

قراءة سورة الفاتحة بنية الشفاء من الداء وشفاء المرضى وقضاء الحوائج أمرٌ جائزٌ شرعًا، وهذا ما جرى عليه عمل الأمة سلفًا وخلفًا من دون إنكار من الأئمة المعتبرين.

آيات الشفاء مكتوبة كاملة .. علاج رباني ضع يديك على رأسك ورددها لعلاج الآلام6 آيات للشفاء من الأمراض فى القرآن.. أمين الفتوى يكشف عنهاآيات الشفاء في القرآن

جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم الحثُّ على قراءة الفاتحة بنية الشفاء، في بعض المواضع اجتهادًا منهم، ولعلمهم ببركتها في إنجاح المقاصد وشفاء الأمراض؛ فروى ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف" عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: "مَن قرأ بعد الجمعة فاتحةَ الكتاب و ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ حفظ ما بينه وبين الجمعة".

ودلت النصوص الشرعية على أن في سورة الفاتحة من الخصوصية ما ليس في غيرها؛ يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: 87]، لخصوصها لإنجاح المقاصد وقضاء الحوائج وشفاء المرضى وتيسير الأمور وإجابة الدعاء.

كما يقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ» رواه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث أبي سعيد بن المُعَلَّى رضي الله عنه.

وعن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا بِعِوَضٍ» رواه الدارقطني في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام"، وقال الحاكم: "رواة هذا الحديث أكثرهم أئمة، وكلهم ثقات على شرطهما". وهذا الحديث وإن كان يُستدَل به على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، إلّا أنه يدل بعموم لفظه على خصوصية الفاتحة عن غيرها من سور القرآن الكريم.

قراءة الفاتحة بنية الشفاء

ولأن قراءة الفاتحة بنية الشفاء، مخصوصة في إنجاح المقاصد وشفاء المرضى جعلها سيدُنا أبو سعيد الخدريُّ رضي الله عنه رقية يرقي بها دون أن يبتدئه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإذن أو التعليم بأن يعهد إليه بشيء في خصوص الرقية بها وقراءتها على المرضى، فلما أخبر النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بما فعل لم يُنكِر عليه ولم يجعل ما فعله مِن قَبِيل البدعة، بل استحسنه وصوَّبه وقال له: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» متفق عليه، وفي "صحيح البخاري" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم: «قَدْ أَصَبْتُمْ».

قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (6/ 407-408، ط. مكتبة الرشد): [قوله عليه السلام: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ»: يدل أنَّ في القرآن ما يخص الرقى وأنَّ فيه ما لا يخصها، وإن كان القرآن كله مرجو البركة من أجل أنه كلام الله، لكن إذا كان فى الآية تعوُّذٌ بالله أو دعاء كان أخص بالرقية ما ليس فيه ذلك، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» أن يختبر علمه بذلك؛ لأنه ربما خفي موضعها في الحمد، وقوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] هو الموضع الذي فيه الرقية؛ لأن الاستعانة به تعالى على كشف الضر، وسؤال الفرج والتبرؤ إليه من الطاقة، والإقرار بالحاجة إليه وإلى عونه هو في معنى الدعاء] اهـ.
 

طباعة شارك آيات الشفاء في القرآن آيات الشفاء قراءة سورة الفاتحة بنية الشفاء قراءة الفاتحة بنية الشفاء سورة الفاتحة

مقالات مشابهة

  • دعاء نبوي إذا قاله أي شخص مكروب أو مهموم فرج الله عنه.. ردده الآن
  • أعمال العشر من ذي الحجة.. ماذا تفعل في هذه الأيام؟
  • لو ناسي إجابة في الامتحان .. ردّد 6 كلمات يذكّرك الله بكل شيء
  • السيسي: يجب تأمين وصول المساعدات الإنسانية والحفاظ على وحدة الأراضى السودانية
  • قادة أوربيون في بيان مشترك: لن نصمت أمام الكارثة الإنسانية التي تحدث أمام أعيننا في غزة
  • ما أسباب صيام عشر من ذي الحجة 2025؟.. بها تفوز بـ11 جائزة
  • كيف تفتح صفحة جديدة مع الله؟.. انجُ بنفسك بـ4 كلمات
  • فضل قراءة سورة الكوثر 100مرة صباحا لمدة أسبوعين.. لا يعرفه كثيرون
  • آيات الشفاء في القرآن.. تقضي الحوائج وتيسر الأمور
  • دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات قالها النبي للوقاية من جهنم