أكاديمي مصري أمريكي: كيف غيرت مجزرة رابعة وجهة نظري حول السياسة؟
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
نشرت منصة "ويزدوم أوف كرودز" مقالا للأكاديمي الأمريكي من أصول مصرية شادي حميد، تحدث فيه عن نظرته تجاه الواقع السياسي في مصر، عقب مجزرة رابعة العدوية.
شادي حميد، الزميل في قسم العلاقات الأمريكية بالعالم الإسلامي في مركز "بروكنغز" بواشنطن، والحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هارفارد، وصف مجزرة رابعة بأنها "أسوأ مجزرة في تاريخ مصر الحديث".
وتحدث حميد عن الخطر الكبير في طريقة تفكير أنصار السيسي، إذ قال إنه كان شاهدا على تقبل وتحريض واسع من قبل أهالي بما فيهم بعض أقاربه، على إراقة الدماء.
وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
وقعت قبل عشر سنوات أسوأ مجزرة في تاريخ مصر الحديث. حدث ذلك وسط القاهرة في وضح النهار وعلى مدار ساعات، حيث قُتل أكثر من 800 شخص. حتى وأنا أكتب هذا المقال، أتساءل في داخلي هل حدث ذلك بالفعل؟ وأقول بسذاجة: كيف؟ ولماذا؟
نزل عشرات الآلاف من أنصار الإخوان إلى مسجد رابعة العدوية. كانوا يحتجون على الانقلاب العسكري الذي وقع في الثالث من شهر تموز/ يوليو 2013 والذي أطاح بأوّل رئيس منتخب ديمقراطيًا في البلاد، محمد مرسي - الذي كان من قيادات الإخوان المسلمين. من السهل احترام النتائج الديمقراطية عندما تكون كما تريد، لكن بالنسبة للعديد من المصريين كان احترام ديمقراطية أسفرت عن نتائج "غير مرغوب فيها" أمرًا بعيد المنال. وبعد كل شيء، إذا كانت الديمقراطية جيدة، فعليها أن تحقق نتائج جيدة. وإلا ما هو الهدف؟
من جانبه، كان الجيش يهدد بالمضي قدما. كنا نعلم جميعًا أن ذلك سيحدث. ولكن السؤال كان متى وإلى أي مدى ستكون تحركاته دموية. لقد غادرت مصر قبل يومين من وقوع المجزرة، في 12 آب/ أغسطس. فمن الغريب انتظار وقوع مجزرة.
مع "التطهير" القسري لميدان رابعة، بدأت مرحلة جديدة حيث حاول أعضاء الإخوان - على الأقل أولئك الذين لم يكونوا في السجن - فهم مصر التي لم يعودوا يعترفون بها. لقد عانوا بالطبع من القمع سابقا. ومع ذلك، كان هذا الوضع مختلفًا.
كان زعيم الانقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي يتبنى خطًا مسيانيا مخيفًا وغريبًا في نفس الوقت. (أنا لا أستخف هنا بكلمة مسياني). فعلى سبيل المثال، في مقابلة غير رسمية مسربة، أخبر السيسي المقرب منه ياسر رزق أنه رأى قبل 35 سنة حلما كان يرفع فيه سيفًا مكتوبًا عليه "لا إله إلا الله" باللون الأحمر". وفي حلم آخر سمع السيسي صوتا يقول "سنعطيك ما لم نعطه لأحد غيرك".
وفي العلن، قدّم السيسي نفسه كشخصية منقذة من شأنها "تعظيم" سلطة الدولة لإخراج الشعب المصري - "نور عينيه"، كما سماه - من حالته المؤسفة. وردد هذا الحديث بنبرته الأبوية الجميلة على انفراد. وقال ذات مرة لأحد الصحفيين "يعتقد الناس أنني رجل ليّن. لكن السيسي مثال للتعذيب والمعاناة".
لقد كان السيسي ديكتاتورًا لكنه كان يتمتع بشعبية خاصة في البداية، جعلت منه قائدا جديدًا يحظى بالتمجيد. فقد صرّحت إحدى الصحفيات بأنها عشيقة الجنرال السيسي. وظهر على غلاف مجلة إخبارية مملوكة للدولة 30 وجها مبتسمًا للسيسي، وكان كلهم يرتدون ملابس مختلفة - أطباء ومهندسين وعمال - مكتوبًا في أعلاها عبارة "مصر كلها السيسي". وسرعان ما ظهرت ملابس نوم نسائية تحمل صورة السيسي وتعرض وجه الجنرال نفسه مرتديًا نظارات شمسية داكنة اللون.
في كثير من الأحيان، تم انتقاد السيسي لأنه لم يكن قمعيًا بما فيه الكفاية، بما في ذلك في الفترة التي سبقت المجزرة. وتساءل الملايين من المصريين المؤيدين للانقلاب عن سبب استغراق القائد العزيز وقتًا طويلاً للتصرف. وعندما حدث ذلك أخيرًا، أشادوا بعمليات القمع والقتل، بتشجيع من الشيطنة المستمرة لجماعة الإخوان المسلمين في وسائل الإعلام الحكومية والخاصة. لقد حقق منقذ مصر مبتغاه. وفي الواقع، نادرا ما كان المشاهير لا يحملون طباعًا وحشية.
من المخيف مشاهدة الأشخاص الذين تعرفهم ينشغلون بما لا يمكن وصفه إلا بـ "الهستيريا الجماعية". في عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت تدخل الجيش، ذهبت إلى الساحل الشمالي لمصر لزيارة عائلتي، على أمل الهروب، ولو لفترة وجيزة، من الخوف والغضب والاستقطاب الذي يجتاح القاهرة.
كنت جالسًا على الشاطئ، عندما قام أحد الأقارب بأمر مروع، وأشار إلى طاولة القهوة أمامنا بإيماءة تحاكي قطع اليد لدرجة اهتزاز الطاولة، ثم قال إنه يريد أن تقطع رؤوس كل كبار قادة الإخوان المسلمين وتوضع على الطاولة، وذكر اسم كل واحد منهم. كنت أعلم أنه كان يمزح نوعا ما، ويؤدي نوعًا من مسرح العبث. ومع ذلك، كان قريبي الآخر، عمي المتعلم والعاقل، جادًا للغاية. وانتقل إلى صفحته على "فيسبوك" للدعوة علنًا إلى إعدام أعضاء جماعة الإخوان المسلمين دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
حاولت أن أفهم كل هذا، وإثبات كل ما جاء بعد ذلك، سواء بوعي أو دون وعي. عندما يُظهر أفراد عائلتك أنهم قادرون على إراقة الدماء - إراقة الدماء التي لم أشهدها من قبل - فإن ذلك يجبرك على التفكير ليس فقط في هشاشة السياسة، وإنما أيضًا في هشاشة التفاعل البشري البسيط، والقدرة على رؤية الآخر على أنه يستحق الكرامة حتى لو اعتقدنا أن أفكاره السياسية فظيعة حقًا.
إن معارضة مثل هذا العنف، عنف الدولة العشوائي، أمر نعتبره من المسلمات. ولكن لا ينبغي لنا ذلك. قد نعتقد (أو نأمل) أن الأشخاص المقربين منا سوف يرسمون خطا ويرفضون دعم الأعمال التي لا توصف. لست متأكدًا من أن مثل هذا الأمل له مبرر. نحن جميعًا نتاج سياقاتنا، وكل شيء مشروط. لذلك يجب أن نحب ما لدينا، عندما يكون في متناولنا.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة مصرية السيسي مصر السيسي صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإخوان المسلمین
إقرأ أيضاً:
هل ستملي دول الخليج على ترامب شكل السياسة الخارجية؟
قال الكاتب البريطاني، سايمون تيسدال، إنّ: "ترامب يعتقد أنه يقوم بإعادة تشكيل الشرق الأوسط، ولكن دول الخليج هي التي تقوم بإملاء السياسة الأمريكية عليه".
وتابع تيسدال، عبر مقال نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، أنّ: " ترامب اعتاد على الحصول على ما يريد وتحقيق أهدافه الخاصة. ولكن من الممكن أن يتغيّر هذا عندما يصل للمنطقة، حيث سيواجه الفوضى التي تسبب بها في الشرق الأوسط، مع بدء زيارته التي تستمر ثلاثة أيام إلى السعودية والإمارات وقطر".
وأضاف في التقرير الذي ترجمته "عربي21" أنّه: "كما هو الحال دائما، فهو واهم، إذ أنّ الحقيقة هي أن السياسات الإقليمية الأميركية المتهورة، وغير المتماسكة، تفشل في جميع المجالات، كما أنّ التصحيح الجذري للمسار، مطلوب بشكل عاجل".
"زعماء الخليج لديهم القدرة على تصحيح مسار ترامب، إذا قرّروا. ذلك أن الرئيس يعتمد عليهم، أكثر بكثير من اعتماده على أوروبا، باعتبارهم محاورين دبلوماسيين وشركاء أمنيين وداعمين ماليين" أوضح تيسدال في التقرير نفسه.
وأردف بأنّ: "تعامله مع فلسطين، هو مزيج من التعصّب والقسوة والجهل المحض. وبدون المساعدة العربية، قد تظل الولايات المتحدة وإسرائيل، عالقتين إلى أجل غير مسمى، في طريق مسدود من السياسات التدميرية".
وبحسب تيسدال فإنّ: "ترامب، يعلم أنه لا يستطيع أن يتجاهل آراء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ونظرائه الخليجيين، بشأن غزة وسوريا واليمن"، مبيّنا أنهم: "يعارضون الحرب مع إيران، كما هدّدت الولايات المتحدة وإسرائيل سابقا".
واسترسل بالقول: "يحتاج ترامب إليهم، كحلفاء في نزاعه التجاري والجمركي مع الصين"، مشيرا لكون دبلوماسيون من الخليج، استضافوا محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا والتي روّج لها شخصيا".
واستدرك: "إنه يسعى جاهدا للحفاظ على أسعار النفط منخفضة. ويتوق أيضا إلى صفقات استثمارية بمليارات الدولارات في الشرق الأوسط وصفقات بيع أسلحة. ومن هنا، فقد أصبح للدعم الخليجي ثمن يجب دفعه".
وأبرز: "في مجال توسيع ما يسمى باتفاقيات إبراهيم من خلال تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، كما يأمل ترامب، فبغض النظر عما يقوله الرئيس الأمريكي، فإن السعودية تعهّدت بأن هذا لا يمكن أن يحدث، دون ضمان التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما تعارضه الحكومة الإسرائيلية".
إلى ذلك، تابع الكاتب البريطاني: "وصف إبن سلمان مقتل أكثر من 52,000 فلسطينيا في غزة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر بأنه: إبادة جماعية. وفي الرياض، سيواجه ترامب ضغوطا شديدة لإنهاء الحصار الإسرائيلي وإعادة العمل بوقف إطلاق النار".
وأضاف: "العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية باتت متوترة بشكل متزايد، فقد رفض ترامب إضافة إسرائيل لجدول أعماله، في وقت أعلن فيه نتنياهو وتحالفه المتطرف عن عملية عسكرية جديدة، بدون الإهتمام بمصير الأسرى في غزة".
ومضى بالقول إنه: "رغم دعم ترامب قبل شهرين لخطة تهجير الفلسطينيين، إلا أنه اكتشف أن السلام لا يحدث بهذه الطريقة. وقد فوجئ نتنياهو الذي طالما دفع باتجاه ضرب البرنامج النووي، عندما أعلن ترامب عن المفاوضات مع طهران. وبنفس الطريقة دهش عندما أعلن عن وقف الغارات على اليمن التي يواصل الحوثيون فيه توجيه صواريخهم ضد إسرائيل".
"جاء التغير في السياسة بالملفين وتغير نبرته من غزة، نتيجة الضغوط الخليجية. ويريد الزعماء العرب وبدعم من تركيا، من ترامب، أيضا، الحد من العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وسوريا، التي هاجمتها الطائرات الإسرائيلية مرارا وتكرارا عقب سقوط بشار الأسد" بحسب التقرير نفسه.
وأورد: "تؤيد الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي التعامل مع الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، وحكومته الائتلافية. ويقول الشرع إنه لا يريد الحرب مع إسرائيل، ومهمته الرئيسية هي توحيد البلاد، واستقبلته السعودية والإمارات وقطر التي عرضت بسخاء للمساهمة في الإعمار".
واستطرد: "إلا أنّ ترامب وعلى خلاف بريطانيا والاتّحاد الأوروبي رفض تخفيف العقوبات. وهو قرار خاطئ سيشل الحكومة السورية ويحرمها من بداية جديدة وقد يفتح الباب أمام عودة إيران وروسيا من جديد. وأن تكون سوريا ديمقراطية فهي جائزة للغرب، وفي الوقت الحالي تبدو وكأنها فرصة ضائعة".
وأبرز: "إذا كان ترامب يريد التأكد من دعم الخليج لأجندته الأوسع، فإنه يتعين عليه أن يقدم شيئا مهما في المقابل. مثل إحياء الاتفاق النووي الذي أبرمته الولايات المتحدة وأوروبا مع إيران في عام 2015 (والذي تراجع عنه عام 2018)، مع ضمان عدم بدء نتنياهو والمتشددين في طهران حربا أخرى".
"من المحتمل جدا أن يتخذ ترامب هذه الخطوة، فهو يزعم أنه: رئيس السلام، وهذه فرصة لإثبات ذلك" بحسب التقرير ذاته الذي أضاف: "النهج الأمريكي تجاه غزة وسوريا من شأنه أن يخدم أهداف ترامب الأخرى: خفض أسعار الطاقة وتعزيز الاستثمار الخليجي في الشركات والوظائف الأمريكية".
وأوضح أنّ: "المواقف السعودية تعتبر محورية لكلا الأمرين. إن خفض أسعار البنزين بشكل مستمر قد يهدئ الناخبين الذين صوتوا لترامب ويساهم في ترويض التضخم في الولايات المتحدة. في كانون الثاني/ يناير، طرح ولي العهد السعودي صفقة استثمارية أميركية بقيمة 600 مليار دولار (450 مليار جنيه إسترليني) لمدة أربع سنوات وربما يتبع المزيد".
إلى ذلك، استفسر الكاتب: "هل كانت هذه الجزرة وراء اختيار ترامب السعودية في أول زيارة رسمية له بعد تنصيبه، كما فعل في عام 2017؟" مضيفا: "تشكل الاتفاقية الأمنية المقترحة بين الولايات المتحدة والسعودية إغراء إضافيا، في ظل حزمة أسلحة أولية بقيمة 100 مليار دولارا للرياض قيد الإعداد بالفعل".
واختتم بالقول: "سوف تكون هناك الكثير من الفرص المتاحة للشركات العائلية لترامب أيضا إذا كان الاتفاق الأخير بشأن منتجع الغولف الفاخر في قطر دليلا على ذلك. إن رغبة ترامب في تحقيق الربح السريع لم تتحرك ولا قيد شعرة أو تقف أمامها تضارب المصالح المحتمل".
ويستطرد تيسدال، بالقول إنّ: "تزايد قوة ونفوذ دول الخليج هو حقيقة لا مفر منها في الواقع الجيوسياسي والاقتصادي في القرن الحادي والعشرين. ولكن عندما نناقش القضايا الحيوية المتعلقة بالسلام والأمن في الشرق الأوسط، فمن المذهل أن مجموعة من المستبدين غير المنتخبين يظهرون لرئيس الولايات المتحدة كيفية القيام بالشيء الصحيح".
وأبرز: "لو كان ترامب رجلاً أكثر شجاعة وصدقاً، لكان ذهب إلى غزة الأسبوع المقبل، ليرى بنفسه الدمار الذي أحدثه هو وحلفاؤه من اليمين المتطرف. ولن يفعل ذلك، فمن المعروف أن ترامب ليس رجلا نبيلا، ومن الواضح أنه ليس رجل دولة أيضا.