وصاب وعُتمة تحت وطأة التحطيب الجائر
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من محمد الطياري
الاحتطاب الجائر في اليمن ليس مجرد أزمة بيئية، بل هو تهديد مستمر لحياة البشر والكائنات. فالذي يبدأ من قطعة خشب، يمكن أن ينتهي بكارثة بيئية لن ينجو منها أحد.
وفي مديرتي وصاب (العليا والسفلى) ومديرية عُتمة التي تتبع محافظة ذمار (جنوبي صنعاء)، حيث الجبال تعانق السحاب وتغطيها الأشجار ذات الجذور العميقة، يواجه السكان تهديدًا غير مرئي يتجسد في نيران التحطيب الجائر.
تتموضع مديريتي وصاب العالي والأسفل، غرب مدينة ذمار على بعد 180 كيلومترًا، أما محمية عُتمة فهي تبعد 55 كيلومترًا غربًا. وكانت الحكومة قد أعلنت عتمة محمية طبيعية حسب قرار مجلس الوزراء في 1999.
منذ اندلاع الأزمة في 2015، والاحتطاب الجائر يلتهم ما تبقى من الغطاء النباتي.
هذا التدهور البيئي، الذي بدأ بشكل بطيء، أصبح اليوم أزمة حقيقية، تهدد الحياة البرية وتدمّر موارد المعيشة الأساسية مع انعدام الغاز وارتفاع أسعار الوقود، فلقد أصبح الحطب مصدر رزق وحياة لمئات الأسر، متسبباً في مخاطر بيئية وإنسانية تتفاقم يوماً بعد يوم.
وبالتالي، أصبح الحطب المصدر الوحيد لسد حاجاتهم الأساسية لمكافحة ظروف العيش.
إلى جانب ذلك، تتسبب هذه الممارسات في تعريض السكان لحوادث السقوط من أعلى الأشجار أثناء عملية التحطيب.
جلال العتمي، شاب في الثلاثين من عمره من قرية الميزاب، فيقول: “99% من سكان قريتي يعتمدون كليًا على الحطب. الظروف المعيشية هنا صعبة للغاية، حيث لا يوجد غاز وارتفاع سعره يجعل الناس في هذه المناطق مضطرين للجوء إلى الاحتطاب كحل وحيد.” يروي جلال كيف أن البؤس الاقتصادي وغلاء المعيشة دفع العديد من أهل المنطقة لاختيار الاحتطاب، لأنه الحل المتاح والأقل تكلفة. “الاحتطاب أصبح عذرًا للمجتمع للبقاء على قيد الحياة، لكن لا نعلم إلى متى سنستمر في هذا الوضع، ونحن بحاجة ماسة إلى دعم الجهات المختصة بتوفير الغاز والمشتقات النفطية، وكذلك توعية الناس حول أهمية الحفاظ على الأشجار.”
في عزلة الأثلاث، إحدى أبرز المناطق في مديرية وصاب الأسفل، يستعرض عبد العزيز معوضة، أحد سكان محمية عُتمة، كيف أن شجرة السدر كانت تأوي الطيور وتوفر الحطب للأسر.
لكن، الآن تتعرض هذه المناطق للجرف المتسارع.
يقول عبد العزيز: “منذ عام 2011، بدأ الناس يتوجهون للاحتطاب نتيجة لانعدام الغاز وارتفاع أسعاره. أصبح الحطب هو المورد الأساسي للطاقة والحياة هنا.”
ويضيف عبد العزيز أن الحاجة إلى الحطب قد جعلت بعض الأهالي يحولون هذه المهنة إلى مصدر رزق، مما ساهم في تفاقم المشكلة البيئية.
في 2015 انقطع الغاز بشكل نهائي في وصابين وعُتمة حيث وصل سعر أسطوانة الغاز عبوة 20 لترا، 15000 ريال يمني (نحو 28 دولارًا أمريكي) مما جعل المواطنين يقدمون على التحطيب. حاليا يباع الغاز بسعر ثمانية آلاف ريال يمني للأسطوانة عبوة 20 لتر (نحو 15 دولارا أمريكي)، أي 400 ريال سعر اللتر الواحد في هذه المناطق، بينما يتم الحصول على الحطب بسعر ٣٠٠ريال يمني للحزمة الواحدة للمواطنين الذين لا يجدون الحطب مجانًا. تؤمن الحزمة الواحدة من الحطب الحاجة لمدة يومين ولمالكي المطاعم وتجار الحطب تباع بالجملة.
وفي خضم التحديات التي تواجهها عُزلة الأثلاث في مديرية وصاب الأسفل، مع الاحتطاب الجائر للأشجار بمختلف أنواعها بشكل عام، وشجرة السدر على وجه الخصوص، يوضح أمناء العزلة “عبدالله إبراهيم قاسم” و”عبدالسلام يوسف عبده” في حديثهما ل”عُشّة” أن ” الناس توجهوا للاحتطاب منذ عام 2011، ازداد بشكل ملحوظ في عام 2015 مع تصاعد الأزمة”.
ووفقاً لتقرير صادر عن الإدارة العامة للغابات في صنعاء لعام 2022، فإن عدد الأشجار التي تُقطع في 18 محافظة يبلغ سنويا 6,766,732 شجرة. ويتم قطع متوسط 18,796 شجرة يومياً، ويبلغ العدد الأسبوعي للأشجار المقطوعة 131,575 شجرة، والعدد الشهري يصل إلى 563,894 شجرة. وتشير الأرقام السنوية إلى قطع الأشجار على مساحة تبلغ 16,917 هكتاراً سنوياً.
ويرجعُ الأمناء السببَ الرئيسي لهذا التحطيب الجائر إلى انعدام مادة الغاز. وأضافوا أن هناك من جعل من هذه المهنة مصدر رزق بسبب انعدام فرص العمل، حيث توجه أكثرُ الشباب والعاطلين عن العمل للاحتطاب، ما دفعهم للعمل في هذه المهنة بسبب البطالة في الأرياف. في ظل غياب الدور الرقابي من قبل الجهات المختصة.
في تصريحات إعلامية قال مدير عام الإدارة العامة للغابات بوزارة الزراعة، عبده مدار: “هناك أكثر من 86,000 شجرة تُقطع سنوياً، ما يعادل 213 كيلومتراً مربعاً (82 ميلاً مربعاً) من مساحة الغابات، التي تبلغ 3.3 في المئة في اليمن”.
في حين أن هذه الأرقام تتزايد بشكل ملحوظ منذ عام 2015 نتيجة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية المستمرة.
الحطب وقود المطاعم والأفران
محمود هاشم، أحد مالكي المطاعم في سوق الثلوث (الثلاثاء)، ملتقى مديريتي وصاب العالي ووصاب الأسفل، لجأ لاستخدام الحطب في مطعمه بسبب انعدام الغاز وارتفاع سعره. يقول: “تتعدد أنواع الحطب الذي نستخدمه مثل العلب (السدر) والعسق والضبا، ونستخدمه في المخابز”. وتُعتبر أنواع الحطب مثل العسق والضبا من أجود الأنواع في المديرية، حيث يُباع حمل سيارة شاص من العسق والضبا بمبلغ يتراوح بين 35,000 ريال يمني (حوالي 65 دولاراً أمريكياً) بينما الأنواع الأخرى تباع بسعر أقل.
ويصرحُ المهندسُ عبدالله الفتوح المدير العام للتنوعِ الحيوي بالهيئةِ العامةِ لحمايةِ البيئةِ في حديثه ل”عُشّة” إلى أن أمانة العاصمة تحتوي على حوالي 1200 فرن يستخدم الحطب كوقود. وفقًا لحسابات الهيئة العامة لحماية البيئة، يتم استهلاك حوالي 1.44 مليون شجرة سنويًا لتلبية احتياجات هذه الأفران.
ضحايا العمل في الاحتطاب
في مديريتي وصاب ومحمية عُتمة، لا يمر عام دون حادثة سقوط من أعلى الأشجار أثناء عملية تقطيع شجرة السدر، التي تُستخدم كعلف للأغنام والحطب.
يروي طاهر فاضل، أحد مواطني عزلة بني منصور في وصاب الأسفل، حادثة فقدانه لابنه ياسر أثناء عملية القشط، وهي عملية تقطيع الشجرة. يقول طاهر: “كنا في وادي العذير نرعى الأغنام، بينما ياسر يقطع الشجرة، فجأة سقط مع المعول من مسافة ثلاثة أمتار مغمى عليه”. وبعد إجراء الأشعة، تبين أن فقرتين من العمود الفقري لياسر قد تكسرتا. تم إسعافه إلى محافظة الحديدة، حيث قضى ثلاثة أشهر في المستشفى وعامًا كاملاً في المنزل طريح الفراش، حتى فارق الحياة متأثرًا بحادثة السقوط.”
يعرض الكثير من العاملين والعاملات في التحطيب إما للوفاة أو الاصابات الخطرة، نتيجة عدم وجود أدوات حماية من السقوط، وضعف شبكة الهاتف التي تؤخر طلب المساعدة.
قد يبدو أن التحطيب مورد مالي حالي متوفر، ولكن مع استمراره بهذا الشكل لن يبقى هناك أي مورد اضافي للسكان.
لا يقف الأثر السلبي للتحطيب الجائر على تراجع المساحات الحراجية وتغير المناخ بسبب اختلاف الرطوبة، وإنما يمتد أيضاً إلى تغيير في الدورة البيئية الأخرى، وعلى رأسها خلايا النحل وانتاج العسل.
محمد المنصوري، 40 عامًا، أحد النحالين في مديرية وصاب الأسفل، يؤكد في حديثه لـ”عُشّة” أن المراعي الطبيعية للنحل في المنطقة تأثرت بشكل كبير جراء الاحتطاب الجائر. يضطر محمد إلى نقل خلايا النحل من مكان إلى آخر بحثًا عن مراعي مناسبة، حتى أنه يصل إلى تهامة في سعيه لتوفير الغذاء لنحله. وفي حديثه، يركز محمد على الحاجة الملحة لتدخل الجهات المختصة لحماية النحل والمراعي التي تعد مصدرًا أساسيًا للحياة.
وأضاف: “للأسف، في موسم العسل، تدخل المديرية آلاف الخلايا من مناطق أخرى مثل الحديدة وإب وريمة، مما يؤدي إلى ضغط هائل على المراعي المحلية. المنطقة لم تعد قادرة على استيعاب هذه الكمية من الخلايا، وهذا يشكل تهديدًا خطيرًا على تربية النحل”. ويشير المنصوري بأن نسبة الإنتاج لنحلهم تراجعت من 20 جالونا (عبوة ٥ لتر) إلى النصف سنويا، إذ يعتبر هذا التراجع مؤشر خطير على هلاك واندثار الثروة النحلية حد قوله.
ياسين سالم، مدير مكتب الزراعة في مديرية وصاب الأسفل، يوضح أن هذه المشكلة تفاقمت بشكل أكبر، مشيرًا إلى أن “المشايخ يأخذون مقابلًا ماليًا من النحالين القادمين من خارج المنطقة على حساب مربي النحل المحليين”، وأضاف: “في هذا الوقت، من يستطيع نقل نحلته إلى المناطق الجبلية المنخفضة يفعل ذلك، أما البقية، فينتهي مصير نحلهم بالموت”.
من جانبه، عزيز صلاح، مدير مكتب الزراعة في محمية عُتمة، يعبر عن قلقه من التراجع الكبير في نسبة المراعي المناسبة للنحل. يقول: “المراعي أصبحت ضعيفة جدًا، ومع تزايد الأراضي القاحلة، التي كانت مغطاة بالأشجار المعمرة، يعاني النحل من نقص حاد في الغذاء، مما يؤثر على خلاياه”.
ياسين سالم يضيف قائلاً: “المناطق الأكثر تعرضًا للاحتطاب الجائر في هذه الفترة هي بني حُسام، الأثبوت، بني غُليس، الأجراف، وبني سَلمة”. وأشار إلى أن هذا الاحتطاب أسفر عن قلة الأمطار وقلة المراعي المتاحة لخلايا النحل والثروة الحيوانية، مما يزيد من احتمال التصحر في المستقبل.
التأثيرات واضحة على إنتاج عسل النحل في المديرية، حيث شهدت نسبة الإنتاج انخفاضًا حادًا، مما دفع العديد من المواطنين إلى عزوفهم عن تربية النحل، التي كانت من أهم مصادر الدخل والاقتصاد في المنطقة.
هذا الانخفاض يعود إلى اختفاء الغطاء النباتي الذي كان يشكل مصدر الغذاء الرئيسي للنحل. عبدالكريم جما، مدير مكتب الزراعة في وصاب العالي، يشرح قائلاً: “أغلب مربي النحل كانوا يعتمدون على المراعي الطبيعية في بلادهم، لكن مع اختفاء الغطاء النباتي، هلك نحلهم. هذه كارثة بيئية تهدد ليس فقط الثروة النحلية، بل مصادر دخل العديد من الأسر”.
يتسبب التحطيب الجائر أيضاً بفقدان الكثير من الحيوانات والطيور لبيئاتها الطبيعيّة، إذ تضطر لمغادرة المنطقة وأحياناً يكون مصيرها الموت بسبب غياب الغذاء والمأوى. نحن أمام دورة حيويّة، تُهدد بسبب نقص الغطاء النباتي، الذي يساعد في خفض درجات الحرارة، وغيابه يترك الحيوانات عرضة لـ”أمراض مرتبطة بدرجات الحرارة العالية التي تؤدي إلى الموت” حسب دراسة لعبد الكريم عماد، نشرت في يونيو 2022 على مجلة العلوم الزراعية والبيئية والبيطرية.
وبحسب ورقة لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، تنامت ظاهرة الاحتطاب الجائر للأشجار، لا سيما أشجار السدر، من قبل السكان المحليين مع ارتفاع الطلب على الحطب لاستخدامه كوقود للطهي والتدفئة في ظل أزمة نقص الوقود وارتفاع تكلفة غاز الطهي، وتردي الظروف المعيشية واستشراء الفقر في اليمن الذي يدفع السكان إلى اجتثاث الأشجار وبيع الحطب للحصول على المال وكسب لقمة العيش.
في الماضي، كانت اليمن تُصدّر أكثر من 2000 طن من العسل سنوياً، مما يدل على الجودة العالية والطلب العالمي على هذا الكنز اليمني. ولكن، شهدت تربية النحل في الآونة الأخيرة تهديد بسبب الصراع وتغير المناخ، حسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
ويجب اتخاذ تدابير تضع حدّا للاحتطاب الجائر في المراعي النحلية وتفرض عقوبات على استخدام الحطب في المطاعم والمخابز حيث يتوفر عادة الغاز المنزلي. كما يجب تبني استراتيجيات طويلة الأجل تشمل خطة تشجير واضحة تهدف إلى استعادة المراعي النحلية التي دُمرت وفُقدت خلال السنوات الأخيرة، لا سيما أشجار السدر والسمر والسلام، وتخصيص موارد لهذا الغرض.
قد يستلزم ذلك دعما منتظما لمشاريع تربية النحل من قبل المنظمات الدولية والجهات المانحة، بشرط مراعاة الظروف والسياق والاعتماد على خبرة وتقاليد النحالين اليمنيين.
وعلى غرار النحل الذي يعتمد على التنسيق الدقيق كاستراتيجية للبقاء، يحتاج النحالون أيضا إلى تنظيم صفوفهم بشكل أفضل للدفاع عن قضاياهم واحتياجاتهم، وهو ما سيتطلب إنشاء نقابات أو اتحادات أقوى من تلك الموجودة حالياً في اليمن، تكون بمثابة منبر لحماية القطاع بشكل أفضل وإيصال أصوات النحالين إلى صُناع القرار. كما يصف.
منذ أربع سنوات، تعاني عزلة بني حسام في وصاب الأسفل من الاحتطاب الجائر، حيث يقول ياسين سالم، مدير مكتب الزراعة في المديرية، إن قضية الاحتطاب قد وصلت إلى رئاسة الجمهورية. رغم تشكيل لجنة للنظر في القضية، إلا أن القضاء لم يبت في القضية، مما دفع المجتمع إلى التصدي للمعتدين على الأشجار وحجز أدواتهم.
حلول لتفادي الكارثة
مدير مكتب الزراعة في محمية عُتمة، عزيز صلاح، يشير إلى أن الحلول تتطلب التوعية البيئية وتنظيم وتقنين الاحتطاب، مع إقامة مبادرات مجتمعية للتشجير وحماية الأشجار والمراعي. كما أكد على ضرورة تشجيع زراعة البن والفواكه والأشجار النافعة، مثل الأشجار التي يمكن استخدامها كمراعي للنحل.
ويضيف صلاح أن هناك ضرورة لتشجيع الصناعات الحرفية من الأشجار المتاحة في المنطقة، مما يسهم في الحفاظ عليها وتربيتها لاستخدامها في الأعمال الحرفية.
أما ياسر سالم، مدير مكتب الزراعة في وصاب الأسفل، يرى أن الحلول تتطلب تفعيل القوانين المتعلقة بالاحتطاب الجائر، وإصدار قوانين أو تعاميم من الجهات المعنية مثل الداخلية والزراعة.
من جانب أخر، عبد الكريم جَما، مدير مكتب الزراعة في وصاب العالي، يشدد على ضرورة إيقاف الرعي والاحتطاب في المراعي لفترة لا تقل عن ثلاث سنوات لضمان تعافي النباتات.
من خلال التعاون بين المجتمع المحلي والحكومة والمنظمات البيئية، يمكن أن تكون هذه الجهود المشتركة هي المفتاح لحماية البيئة وتحقيق تنمية مستدامة.
طارق حسان رئيس المنتدى الوطني للبيئة والتنمية المستدامة يرى بأن إدخال مصادر طاقة بديلة لتقليل الاعتماد على الحطب كمصدر رئيسي للطاقة، ويجب تشجيع استخدام الغاز أو الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية للطهي والتدفئة. ويضيف حسان “التوعية بأهمية المحميات، من خلال حملات توعية مجتمعية، يجب توعية السكان بأهمية الحفاظ على الغابات وتأثير قطع الأشجار الجائر على البيئة والمناخ ونشر المعلومات حول فوائد الأشجار في تنقية الهواء والحفاظ على التنوع البيولوجي مهم للغاية”.
ويقول حسان أن تنفيذ برامج إعادة التشجير في المناطق المتأثرة، وزراعة الأشجار المقاومة للجفاف وتعزيز التشريعات والمراقبة من خلال فرض قوانين تشدد من الرقابة على قطع الأشجار، مع تنفيذ عقوبات بحق من يقومون بالاحتطاب الجائر، تشجيع الممارسات الزراعية المستدامة التي تقلل من الحاجة لاستخدام الخشب كمصدر للطاقة يمكن أن يكون حلاً مستدامًا على المدى الطويل.
*تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع منصة ريف اليمن الصحفية ضمن مشروع غرفة أخبار المُناخ والحقوق البيئية “عُشّة”.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةنحن لن نستقل ما دام هناك احتلال داخلي في الشمال وفي الجنوب أ...
الله لا يلحقه خير من كان السبب في تدهور اليمن...
الإنبطاح في أسمى معانيه. و لن ترضى عنك اليهود و النصارى حتى...
تقرير جامعة تعز...
نور سبتمبر يطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: مدیر مکتب الزراعة فی الغطاء النباتی على الأشجار وصاب العالی تربیة النحل ریال یمنی على الحطب فی الیمن فی وصاب فی هذه التی ت إلى أن
إقرأ أيضاً:
قصة مليون قتيل بـ100 يوم.. رواندا التي عامت على بحور من الدم
على مدار أيام في العاصمة الرواندية كيغالي، وعلى الشوارع ذاتها التي تدفق فيها الدم والفارون من اللهب، وتعثرت عليها أقدام الحسرى قبل أن تسحقهم آلة القتل، تتبعت قصص الآلام والأحزان.
فتشت في عناقيد الذكريات عن دفاتر الموت الحمراء في هذه الأرض، التي باتت بين السواطير والحراب، أعيد المأساة سيرتها الأولى، وأسرد رواية موت مضى عليها عقود.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"الإسفين الإستراتيجي".. هل يمزق ترامب التحالف بين روسيا والصين؟list 2 of 2"سر العنكبوت".. كيف تمكنت أوكرانيا من ضرب الطائرات في العمق الروسي؟end of listففي فصول القصة ما يشبه قصصا قريبة منا، عشنا وقائعها وتعرفنا على شخوصها وأبطالها، وشممنا رائحة الدم تفوح من سطورها، وملأت مشاهد الفقد أوراقها وأروقتها، لكن النهايات تباينت.
التقيت ناجين من المذبحة وكثيرا من ذوي الضحايا والجلادين أيضا، استنطقت الأماكن والوثائق والشهود، وزرت النصب التذكاري للإبادة، الذي لا تزال بعض قبوره مفتوحة تنتظر استقبال رفات المزيد.
وها أنا ذا أنقل لكم الرواية عن قرب كاملة، فربما هي أرحام الدم ووشائج المآسي التي تتلوّن بها شاشات حياتنا اليوم عبر شعوب ذاقت قهوة الموت القانية على حينِ تغافل من العالم.
الإبادة في 10 نقاط خلال 100 يوم قُتل نحو مليون من الروانديين وتعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب. لعب الإعلام الحكومي دورا رئيسيا في التحريض على الإبادة. قتل خلال هذه المجازر نحو 75% من التوتسي. تمكن التوتسي من إعادة ترتيب صفوفهم وراء الجبهة الوطنية، التي قادها الرئيس الحالي بول كاغامي، وتمكنوا من السيطرة على البلاد. بعد الحرب، غرقت البلاد في الفوضى تحت إدارة الرئيس باستور بيزيمونغو التي استمرت 5 سنوات، وعاشت أسوأ فتراتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. بعد خلاف بينهما، تنازل بيزيمونغو عن منصبه عام 2000 لنائبه كاغامي الذي حدد هدفين واضحين: أولهما توحيد الشعب، والثاني النهوض بالبلاد وانتزاعها من الفقر والفساد. تمكن كاغامي من تحقيق المصالحة المجتمعية، وأنجزت إدارته دستورا جديدا للبلاد حظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وجرّم استخدام أي خطاب عرقي. نُظمت محاكمات دولية ومحلية للمتورطين في الإبادة الجماعية، برز خلالها دور رئيسي لمحاكم الجاكاكا. كشف عن دور فرنسا في دعم الحكومة في المذابح ضد التوتسي. برز الدور الإيجابي للأقلية المسلمة في رواندا خلال الإبادة، وأشادت الحكومة بهم.لم تبدأ الإبادة في رواندا عام 1994، بل كانت قبل ذلك بكثير، كان ذلك حين رسمت دول الاستعمار التي توالت على البلاد إرهاصات المشهد، وسيناريوهات المذبحة، ومنحت القاتل سلاحا ليرتكب جريمته.
إعلانوكما يقول المؤرخ والكاتب توم نداهيرو -الذي فقد 12 فردا من عائلته- "كنا شعبا واحدا بلا أي تقسيمات عرقية أو دينية"، حتى نهايات القرن التاسع عشر تقريبا، حين عقد مؤتمر برلين عام 1884 وبدأت الدول الاستعمارية تقتسم أراضي القارة السمراء، وكانت رواندا في البداية تحت الاستعمار الألماني.
لا يكاد يشك أحد من الروانديين في الدور الذي لعبه الاستعمار بالتحضير للإبادة، حتى الرئيس بول كاغامي الذي تحدث عن دور الفترة الاستعمارية في إذكاء الصراعات في القارة السمراء.
وقال خلال برنامج المقابلة الذي بثته الجزيرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن الحرب الأهلية الرواندية كانت نتيجة حتمية للسياسات التي اتبعتها القوى الاستعمارية.
كانت البداية، حين عبث الألمان في التركيبة السكانية، ودعموا جماعات من السكان في مواجهة جماعات أخرى، وقاموا من خلال ما أسموه دراسات جينية وعرقية أن يفرقوا بين الناس.
وخلال الحرب العالمية الأولى، روجت القوات البلجيكية التي تمكنت من السيطرة على رواندا وبوروندي، لتفوق جماعة التوتسي على الهوتو، وقننت الفرز بين السكان على أساس ما يملكه الفرد من الماشية.
كما قدمت سلطات الاستعمار الجديد بطاقات هوية تفرق بين التوتسي والهوتو، مما تسبب بحدوث فجوات اجتماعية بين السكان، وكان لهذه البطاقات الأثر الأكبر في التمييز بين السكان والتعرف على أصولهم خلال الإبادة.
ويروي المؤرخ نداهيرو أن السلطات الاستعمارية كانت تستخدم أدوات ومساطر لقياس طول عظام الوجه وقطر الرأس وشكل الأنف وطول القامة لتحديد أعراق الناس وتقسيمهم بناء على ذلك، وهناك مئات الوثائق والصور التي تثبت هذه الممارسات العنصرية.
واعتمد المستعمر البلجيكي على الأقلية الإقطاعية المالكة للأرض من التوتسي مقابل استعباد أغلبية الهوتو.
إعلان السيطرة على الكنيسةقامت ثورة "الهوتو الكبرى" في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي ضد الاستعمار والأقلية المستبدة، مما دفع البلجيك إلى التضحية بحلفائهم التوتسي لصالح الوافد الجديد، وهرب نتيجتها نحو 100 ألف توتسي خارج البلاد آنذاك.
ومنح المستعمر البلجيكي الهوتو السيطرة على الكنيسة، فأصدروا أول صحيفة باسم "كينا ماتيكا" تحت إشراف الكنيسة الكاثوليكية، واستخدمت للتحريض على التوتسي والتشكيك في مواطنتهم وفي انتمائهم إلى رواندا.
وعمّقت الصحيفة الهوة بين مكونات رواندا الاجتماعية، فصورت الهوتو على أنهم أصحاب البلاد بينما صورت التوتسي على أنهم "أجانب وافدون" وإقطاعيون جاؤوا غزاة من خارج البلاد.
تصاعدت التوترات بين التوتسي والهوتو، واستعرض المؤرخ نداهيرو عددا من الأحداث والصراعات التي خاضتها الجماعتان منذ عام 1961 حين ألغى الاستعمار البلجيكي النظام الملكي في البلاد، وبعدها بعام أعلن استقلال البلاد، وأدت تلك النزاعات إلى مقتل وتشريد عشرات الآلاف من الروانديين.
وبين عامي (1963-1967) عاد الآلاف من جماعة التوتسي إلى رواندا، بيد أنهم تعرضوا لمجازر كبيرة راح ضحيتها نحو 20 ألف شخص، فضلا عن تهجير نحو 300 ألف من ديارهم.
سيطر الهوتو على السلطة وزاد التحريض على التوتسي، خصوصا مع صعود الرئيس جوفينال هابياريمانا إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1973.
ونجحت مليشيات الهوتو في توجيه عصابات القتل الشبابية المعروفة بـ"إنترا هاموي" -وهو اسم يعني باللغة المحلية "أولئك الذين يهاجمون معا"- لاستهداف التوتسي، وصورت التوتسي على أنهم يملكون ثروات البلاد وأنهم "الأعداء والأشرار الذين يجب قتلهم".
يشير تقرير نشرته الجزيرة نت إلى الدور الذي لعبته الصحف وإذاعة "الألف تل" في الإبادة، وكيف استغلت للتحريض على أقلية التوتسي في ظل حكم الهوتو.
يقول التقرير إن الإذاعة الرواندية الحكومية -المعروفة بـ"آر تي إل إم" (RTLM)- كانت تبث أغاني الفخر التي تمجد الهوتو وتصف التوتسي بالأعداء، ووقف السياسيون المقربون من الرئيس خلفها يقدمون أنفسهم حماة لمصالح الأغلبية ويدعمون ذلك بسخاء.
كما انخرطت صحيفة "كينا ماتيكا" وأكثر من 20 صحيفة محلية نشأت لاحقا في بث الكراهية والتحريض على القتل، ونشر قوائم بالأسماء والعناوين للشخصيات المستهدفة، ووصفهم بأنهم متواطئون مع الجبهة الوطنية المعارضة.
إعلانبثت الإذاعات والصحف الوصايا العشر للهوتو، لتكون دليلا للتعامل مع التوتسي، وجاء فيها لا تتزوج ولا تعاشر ولا تتاجر مع التوتسي ولا تثق بهم.
وأكدت بعثات المنظمات الدولية والإقليمية إلى رواندا في عام 1993 في تقاريرها أن البلاد تشهد انتهاكات جسمية ومنظمة ضد المدنيين، وأن فرق الموت تتحرك في العلن، في حين يتم التحريض على القتل عبر أمواج الإذاعة.
تشكيل الجبهة الوطنيةفور إعلان يوري موسيفيني رئيسا لأوغندا في عام 1986 تم تعيين كاغامي رئيسا للاستخبارات العسكرية الأوغندية.
وبعد نجاحه في أوغندا، وجه كاغامي نظره واهتمامه نحو وطنه رواندا، فأسس مع زميله فريد رويجياما وعدد من قادة التوتسي الروانديين المنفيين الجبهة الوطنية الرواندية.
عين رويجياما زعيما للجبهة، وخططت لخوض حرب ضد النظام في رواندا، وكان الهدف الإطاحة بجوفينال هابياريمانا والعودة إلى الوطن.
في بداية أكتوبر/تشرين الأول 1990 بدأت الجبهة في مهاجمة المدن الحدودية الرواندية، وتمكن عناصر الجبهة من دخول رواندا عام 1991 في هجوم قتل فيه زعيمهم رويجياما.
وبعد صراع كاد يُودي بوحدة الجبهة، عين موسيفيني بول كاغامي زعيما جديدا لها، فأعاد تنظيم الجبهة ثم عاود الهجوم مرة أخرى، ووصل قرب العاصمة كيغالي.
وبعد هجمات متتالية، إضافة إلى جهود الأمم المتحدة ووساطة زعيم الهوتو باستور بيزيمونغو وضغوط الحكومة الفرنسية، وافق نظام هابياريمانا إلى الجلوس مع الجبهة في مفاوضات سميت "مفاوضات أروشا".
استمرت المفاوضات بين عامي 1991 و1993 وقاد كاغامي وفد الجبهة، في غضون ذلك كانت العاصمة كيغالي تشهد اغتيالات استهدفت سياسيين وناشطين اشتهروا بمواقفهم المؤيدة للمصالحة الوطنية والتعايش بين الهوتو والتوتسي.
حققت المفاوضات تقدما باتجاه تسوية سياسية تضمن عودة التوتسي إلى رواندا وتمتعهم بحقوقهم المدنية ووقّعت الحكومة مع الجبهة الوطنية اتفاق "أروشا" للسلام عام 1993، وأشرفت عليه منظمة الوحدة الأفريقية ورئيسا الولايات المتحدة وفرنسا.
إعلاننصت بنود الاتفاقية على منح الجبهة الوطنية الرواندية حق المشاركة في الجمعية الوطنية (البرلمان)، وغيرها من الامتيازات، مقابل تخلي الجبهة عن سلاحها وقبولها دمج مقاتليها في الجيش الوطني، لكن بنود هذه الاتفاقية لم تطبق بشكل فعلي.
ورغم عدم التوصل إلى سلام مستقر وشامل، تم إرسال بعثة لحفظ السلام من الأمم المتحدة للمساعدة في رواندا، وفي المقابل، بلغت موجة التحريض على التوتسي بحلول مارس/آذار 1994 أوجَها.
وأسهمت في حالة الاحتقان تلك مواقف القوى الدولية المتصارعة على السيطرة على المنطقة، ومنها فرنسا وبلجيكا الداعمتان لنظام الهوتو في كيغالي، والولايات المتحدة الأميركية الداعمة لنظام موسيفيني وحلفائه من التوتسي.
كما أنّ المكاسب الميدانية التي بدأت الجبهة الوطنية تُحققها من أواخر 1993 كانت مقلقة للهوتو.
وفي السادس من أبريل/نيسان عام 1994، كان العالم على موعد مع انطلاق شرارة الإبادة، كانت الأجواء تنبض بالحياة على أمل أن ينجح الاجتماع الإقليمي في مدينة أروشا بتنزانيا المجاورة في وضع حل للنزاع في رواندا.
لكن الرياح سارت بما لا تشتهيه السفن، حيث فجر صاروخان مجهولان الطائرة التي كانت تقل الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا ونظيره البوروندي سيبريان نتارياميرا، العائدين من الاجتماع، مما أسفر عن مقتلهما على الفور.
وقبل انطلاق أي تحقيق لمعرفة المتورط بإسقاط تلك الطائرة، وجهت وسائل الإعلام المحلية التي يسيطر عليها الهوتو أصابع الاتهام للتوتسي، واتهمتهم بالضلوع في اغتيال الرئيس، وحثت الهوتو على "التدخل والقيام بواجبهم".
وكأن الأمر أعد له مسبقا، فعلى الفور اغتالت قوات الأمن رئيسة الوزراء، وهي من "الهوتو المعتدلين"، و10 من قوات حفظ السلام البلجيكية المكلفة بحمايتها في منزلها يوم 7 أبريل/نيسان 1994.
أطلق الهوتو هجماتهم الأولى ضد التوتسي في منطقة كيغالي بتاريخ 6 أبريل/نيسان 1994، وخلال ساعات قليلة انتشرت الهجمات إلى عموم البلاد.
إعلانتقول بعض التقارير إن الإبادة الجماعية كانت انطلقت بالفعل، ولكن اشتد جحيمها ابتداء من هذا التاريخ، فشن الجيش ومليشيات الهوتو حملات وقتل واغتصاب ضد التوتسي والمعتدلين من الهوتو.
وتعاونت القوات الحكومية مع مليشيا إنتراهاموي وأقامت حواجز على الطرق في كيغالي، وبدأت في مهاجمة التوتسي و"الهوتو المعتدلين"، وسرعان ما انتشر القتل إلى مدن أخرى.
كان الجنود يفتحون النار على الحشود، في وقت كان فيه مسلحون بالعصي والأسلحة البيضاء يتنقلون بين المنازل مستهدفين التوتسي ومن يحاول حمايتهم أو تقديم الملاذ لهم، واغتصبوا النساء ونهبوا الممتلكات، كما ارتكبوا أعمال قتل جماعية في الملاعب والمدارس.
وفي بعض الحالات، ضلل التوتسي المطارِدين للجوء إلى الكنائس باعتبارها مواقع آمنة، مما جعلهم صيدا سهلا لمليشيات القتل والإبادة، وذكر بعض شهود عيان للجزيرة نت أن نحو5 آلاف من التوتسي قتلوا في كنيسة واحدة.
بعد ذلك، بأيام أجلت الأمم المتحدة المواطنين الغربيين من البلاد، كما خفضت عدد قوات حفظ الأمن الدولية التابعة لها من 2500 جندي، إلى 250 جنديا فقط.
وبلغ عدد الضحايا بحلول 12 مايو/أيار نحو 200 ألف شخص، ولكن رغم ذلك امتنعت الأمم المتحدة عن استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية"، واستعاضت عن ذلك بالقول "انتهاكات للقانون الدولي من شأنها القضاء على جماعة عرقية بشكل جزئي أو كامل".
وفي منتصف مايو/أيار أصدر مجلس الأمن قرارا يقضي بحظر إرسال الأسلحة إلى رواندا، وفي نهاية الشهر نفسه أعلنت الأمم المتحدة أن أعداد الضحايا تُراوح بين (250-500) ألف مدني.
وفي غضون 100 يوم، اقترب عدد ضحايا مذابح الإبادة من مليون قتيل من عدد السكان البالغ آنذاك نحو 11 مليونا.
واضطر أكثر من مليونين من الهوتو إلى الهرب من شبح الانتقام إلى الكونغو الديمقراطية المجاورة، وفي الداخل ازدحمت السجون بأكثر من 120 ألفا من المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة.
سرَّعت المجازر -بحسب بعض المراقبين- بهجوم الجبهة الوطنية على كيغالي في يونيو/حزيران 1994، إلى أن تمكنت بدعم من أوغندا ودول أفريقية أخرى، من هزيمة الجيش الرواندي والسيطرة على الحكومة، بعد أن قتلت -بحسب مراقبين- 30 ألفا من الهوتو.
إعلانوأعلن عن انتهاء أعمال القتل في 4 يوليو/تموز 1994، ولاحقا أعلن الجيش إحكام سيطرته على كامل البلاد، وخوفا من الانتقام فرّ ما يقدر بنحو مليونين من الهوتو بعضهم شارك في الإبادة الجماعية إلى الكونغو الديمقراطية، في حين نهب مسؤولون خزائن الدولة وفروا إلى فرنسا.
بعد 4 أشهر، شُكلت حكومة وحدة وطنية جديدة لقيادة البلاد برئاسة زعيم الهوتو باستور بيزيمونغو، وتم تعيين فوستين تواجيرامونغو رئيسا للوزراء وبول كاغامي -البالغ من العمر آنذاك 37 عاما- نائبا للرئيس ورئيسا للأمن الداخلي.
عاشت البلاد أسوأ فتراتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وبدا الأفق ضيقا أمام مونغو وحكومته، اختلف الرئيس ونائبه في وقت لاحق، فتنازل عن منصبه لنائبه كاغامي.
بعد ذلك، سُجن بيزيمونغو بتهمة التحريض على العنف العرقي، بينما انتخب كاغامي رئيسًا للبلاد في 17 أبريل/نيسان 2000، وكانت المهمة الأولى التي تنتظره سن دستور جديد قادر على مسايرة المرحلة الجديدة وتجاوز شبح المجازر.
وشرع الرئيس في خطة من عدة محاور، في مقدمتها تحقيق المصالحة المجتمعية، وإنجاز دستور جديد حظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وجرّم استخدام أي خطاب عرقي.
وواصل كاغامي سياسة إعادة الإعمار بعد الإبادة الجماعية، وشرع في خطة من عدة محاور في مقدمتها تحقيق المصالحة المجتمعية وإنجاز دستور جديد حظر الإشارات العرقية واستخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وجرّم استخدام أي خطاب عرقي.
ووضع أمامه هدفين رئيسيين هما: اقتلاع الفقر من بلاده، وتوحيد شعبه الذي قسمته المذبحة.
كما وضع خطة من 4 بنود لتجاوز آثار الإبادة:
محو الذكريات البشعة المرتبطة بالمذبحة، حيث أعلن حدادا سنويا، يلقي خلاله خطابا تذكاريا يضع فيه هدفا سنويا لتوحيد الروانديين حوله. تثقيف الشباب عن طريق التعليم وتدريس أسباب الإبادة وكيفية محوها وتلافي تكرارها. تحقيق العدالة لأولئك الذين تضرروا جراء تلك المذبحة، وتقديم كبار المجرمين للمحاكم الدولية، وإعادة تأهيل المشاركين في المذبحة ودمجهم في المجتمع بعد قضاء فترة العقوبة. وضع علم ونشيد وطني جديدين لتوحيد الروانديين، ودستور جديد يحظر استخدام المسميات العرقية مثل الهوتو والتوتسي في أي خطاب. إعلان ما بعد المجازرمع استتباب الحكم للرئيس بول كاغامي، أولت الحكومة أهمية قصوى لملف العدالة الانتقالية ومحاكمة المتورطين في المذابح، وإحلال المصالحة بين فئات المجتمع، وشكل هذا الملف هاجسا للبلاد، بسبب فظاعة الأعمال الإجرامية التي ارتكبت بحق الأبرياء.
تحركت الحكومة على عدة محاور، وتواصلت مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي بادرت بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، والمعروفة رسميا باسم "المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الإبادة الجماعية وغيرها من الانتهاكات للقانون الدولي" ومقرها في أروشا بتنزانيا.
انحصر اختصاص هذه المحكمة في ملاحقة كبار القادة المسؤولين عن الإبادة، وكان في مقدمتهم رئيس الوزراء الرواندي السابق جان كابيندا حيث أقر بأنه مذنب في 6 تهم تتعلق بالإبادة الجماعية وحكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2004.
كما لاحقت المحكمة 4 من كبار القادة المتورطين في المجازر وهم العقيد باغوسورا الذي يعتبر المهندس الرئيسي للإبادة الجماعية، ووزيرة العدل ومحافظ كيغالي ورئيس البرلمان السابق الفريد موليرا.
وحتى عام 2011 أكملت المحكمة محاكمة 80 مسؤولا من مجموع 92 متهما من كبار مسؤولي الحكومة الضالعين في الإبادة.
وعلى المستوى المحلي، تشكلت محاكم وطنية تخصصت في محاكمة من ثبتت إدانتهم بالتورط في المجازر في المستويات الدنيا، وحكمت على عدد منهم بالإعدام، لكن هذه المحاكم اتُّهمت في بعض الحالات بالقصور في بعض الإجراءات التي تميل إلى التحيز العرقي.
كما أنشئت المحاكم القبلية التقليدية التي سميت "محاكم الجاكاكا" وتعني العشب، وتشير إلى جلوس الجميع على الأرض لمعالجة المشكلات على أسس تقليدية كانت تستخدمها المجتمعات لحل النزاعات بين العائلات.
إعلانوعملت الآلاف من هذه المحاكم في الهواء الطلق، وتقمص القادة القبليون دور القضاة فيها، ونظروا في مئات آلاف القضايا، واستطاعت هذه المحاكم أن تُنهي 1.5 مليون قضية بين عامي 2001 و2010.
الاعتراف والصفحكما لجأت الحكومة إلى إستراتيجية الاعتراف والصفح من أجل بث روح المسامحة عبر عدد من المشاريع التقليدية، منها مشروع أومو غومو وتعني شجرة الجميز، ويقوم الجناة السجناء ببناء منازل للمحتاجين من الناجين من المجازر، من أجل تحقيق المصالحة بمستوى أعمق.
وأطلق مشروع "قرى مصالحة" التي جمعت الجناة والناجين في مكان واحد من أجل إقامة علاقات جديدة، وأعطت هذه الإستراتيجيات حوافز لمزيد من السعي نحو المصالحة بين أفراد المجتمع.
بادرت الحكومة الرواندية مستفيدة من اتفاقية أروشا للمصالحة بإنشاء اللجنة الوطنية للمصالحة "سي إن يو آر" (CNUR) عام 1999، ووضعت لها عددا من الأهداف وفقا للمادة 178 من الدستور:
صياغة برنامج وطني للوحدة والمصالحة. تكريس وتعزيز المصالحة الوطنية والوحدة. تقديم مقترحات حول أفضل الطرق لإزالة وإنهاء الانقسامات. تعزيز الوحدة الوطنية وتنظيم مؤتمرات وطنية تقديم مبادرات جديدة تدعم المبادرات الموجهة لمكافحة الفقر، ودعم المبادرات التي تخدم المصالحة.تمت صياغة مشروع قانون يدعو إلى إنشاء صندوق تعويضات، وفي بعض الحالات تم تفويض الحكومة الرواندية بدفع التعويضات للضحايا، ولكن لم تجد طريقها للتنفيذ، بل اكتفت الحكومة بإنشاء صندوق لتوفير الرعاية الصحية والتعليم للناجين دون الخوض في التعويض المالي.
"في حال عدم وجود إستراتيجية مباشرة في المنطقة التي قد تبدو صعبة التنفيذ سياسيا، فإن لدينا وسائل ومفاتيح إستراتيجية غير مباشرة يمكن أن تعيد توازنا معينا"، كان هذا نص برقية عاجلة من الجنرال الفرنسي كريستيان كيسنو إلى الرئيس فرانسوا ميتران في أوج حملة الإبادة الجماعية التي تعرضت لها أقلية التوتسي في رواند في التسعينيات.
إعلانويقصد الجنرال بالوسائل والمفاتيح مجموعات مرتزقة وآليات وإجراءات عسكرية غير تقليدية مكّنت السلطات الحكومية والمليشيات العرقية من تنفيذ الإبادة.
وتجدر الإشارة بهذا الصدد، إلى الاتهامات التي وجهها الرئيس كاغامي، عام 2006، ضد فرنسا بشأن دعمها عملية الإبادة الجماعية، كما أعلنت لجنة مكافحة الإبادة العرقية الوطنية الرواندية، عام 2016، لائحة بأسماء 22 ضابطا فرنسيا متورطا بالمشاركة أو دعم عمليات الإبادة.
وقدمت فرنسا أسلحة لحكومة الهوتو، كما قدمت البنوك الفرنسية تسهيلات واعتمادات لصفقات أسلحة أبرمتها رواندا مع الصين ومصر وجنوب أفريقيا، كما نشرت ما يصل إلى 680 جنديا ومستشارا في رواندا أثناء الحرب.
وفي كتاب بعنوان "ما لا يصرّح به"، يقول باتريك دو سانت أكزيبيري إن باريس أرسلت "في أوج الإبادة الجماعية 6 شحنات من الأسلحة بلغت قيمتها نحو 5.5 ملايين دولار".
ويروي جان بول غوتو في كتاب "الليلة الرواندية" أن المساعدات العسكرية الفرنسية أدت لزيادة القوات المسلحة الرواندية من نحو 5 آلاف عنصر إلى قرابة 50 ألفا تكفلت باريس بتدريبهم وتسليحهم.
ولم يخجل الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران من استقبال مجرمي الإبادة الجماعية في مكتبه، بل خاطب أحد مستشاريه قائلا "لقد استقبلت في مكتبي 400 مجرم وألفي تاجر مخدرات، لا يمكن إلا أن نلطخ أيدينا في العمل مع أفريقيا.. في بلدان كهذه، الإبادة الجماعية ليست مسألة مهمة جدا".
وجاء ذلك في حديث نقلته صحيفة "لوفيغارو" في عددها بشهر ديسمبر/كانون الأول 1998 عن برونو ديلاي مستشار الشؤون الأفريقية في قصر الإليزيه.
وجاء في تقرير نشره مكتب "كونينغهام ليفي موس" للمحاماة في أميركا في أبريل/نيسان عام 2021، أن باريس كانت على علم باستعداد الهوتو لتنفيذ حملة الإبادة الجماعية واستمرت في تقديم "الدعم الراسخ" لنظام الرئيس هابياريمانا.
إعلانوفي مايو/أيار عام 2021 اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارة تاريخية لرواندا، بدور بلاده في مقتل 800 ألف معظمهم من الروانديين التوتسي، وقال إن الناجين فقط هم من يمكنهم منح "هبة الغفران".
أين الولايات المتحدة؟في تقرير لها في عام 2009 تساءلت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" عن سبب عدم تدخل الولايات المتحدة لوقف الإبادة الجماعية التي حدثت في رواندا.
وقالت الصحيفة إن إدارة الرئيس بيل كلينتون والكونغرس شاهدا ما أفضت إليه الأحداث في رواندا في أبريل/نيسان عام 1994 بنوع من الرعب المخدر.
وأضافت أنه بعد أن سحبت أميركا قواتها من مهمة حفظ السلام الكارثية في الصومال، على إثر تعرضهم للقتل والمهانة، تعهدت بألا تتدخل أبدا في صراع لا تعرف كنهه، بين قبائل وعشائر لا تعرفها، في بلد ليس للولايات المتحدة مصالح وطنية فيه.
ومؤخرا، كشفت الخبيرة البريطانية المتخصصة في شؤون أفريقيا بيبا لوتون عن تورط أحد عملاء المخابرات المركزية الأميركية في الإبادة التي شهدتها رواندا عام 1994.
وفي حوار خاص لبرنامج "المنطقة الرمادية" الذي يبث على موقع الجزيرة نت، وصفت الخبيرة البريطانية الدور الذي لعبه روجر وينتر عميل المخابرات الأميركية (سي آي إيه) بالمحوري.
من المفارقة، أن الإبادة كان لها تأثير إيجابي على أوضاع المسلمين في البلاد، نتيجة مواقفهم التي كانت محط احترام من الجميع، فقد بذلوا جهودا كبيرة لحماية أفراد أقلية التوتسي من الهجمات التي شنها متطرفو الهوتو.
وتركت مواقف المسلمين -الذين تصل نسبتهم وفق التقديرات إلى نحو 15% من عدد سكان رواندا البالغ 15 مليونا- أثرا طيبا في نفس الرئيس كاغامي بشكل خاص وفي نفوس السكان بشكل عام، ودفعهم ذلك إلى إعادة التقدير للمسلمين ورفع مكانتهم التي سعى الاستعمار إلى وضعها والحط منها.
إعلانونقل لي مفتي رواندا ورئيس مجلسها الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ موسى سندايغايا وغيره من الدعاة الذين التقتهم الجزيرة نت أن الرئيس طلب في أكثر من مناسبة من المسلمين أن "يجتهدوا في نشر قيمهم السمحة التي أدت إلى تلك المواقف المشرفة خلال فترة الإبادة".
وأذكر هنا مثالا على هذه المواقف، ما حصل للمسيحيين التوتسي الذين لجؤوا إلى مسجد النور مباري في قرية روبونا في محافظة رواماغانا بالمنطقة الشرقية، الذي زرته خلال وجودي في رواندا والتقيت عددا من مسؤولي المنطقة وسكانها.
وذكر لي السكان أنهم قاموا بحماية الفارين من القتل، وأن بعضهم قُتل في سبيل الدفاع عن هؤلاء المستجيرين بالمسجد، وقد قابلت السيدة كامبيري موناعيد التي كان لها دور كبير بحمايتهم، ونقل لي السكان أن هذه السيدة قتلت بالحجارة اثنين من المهاجمين من متطرفي الهوتو.