لولا أنّها حربهم
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
لولا أنّها حربهم
خالد فضل
لاحظ المتابعون أنّ رد الفريق البرهان القائد الرسمي للقوات المسلحة السودانية على ما أورده د. عبد الحي يوسف (دكتوراة في الدراسات الإسلامية)؛ انحصر في نقطتين فقط وباقتضاب شديد، الأولى وصفه هو شخصياً (ما عندو دين) فجاء رد البرهان بأنّ عبد الحي تكفيري/ ضلالي . الثانية؛ وهي الأهم والأخطر في تقديري، سيطرة الإسلاميين على مقاليد الجيش وتوجيه الحرب وخوضها بعناصرهم وتحقيق الانتصارات المنسوبة للجيش زوراً، وجاء رد القائد العام (العندو جيش يجي ياخدو)!.
في الواقع قدّم عبد الحي معلومات قيّمة، غض الطرف عن الاتفاق أو الاختلاف حول تحليله ورؤيته للأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية، إذ ما يهمنا في سياق كشف الحقائق حول سردية الحرب في بلادنا، وبالتالي تحديد وتحميل كل طرف فيها المسؤولية عن الكوارث التي نجمت عنها والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت وما تزال مستمرة في أتونها.
ولعل السيد البرهان لم يستطع دحض أيّ من الوقائع التي حددها المحاضر، وهي وقائع ظلّ كثير من الناس يرددونها ويثبتونها، ومع ذلك كانت هناك دوماً شبهة (المعارضة) للحرب، والدعوة للتفاوض ووقف إطلاق النار وحماية المدنيين، وتحقيق السلام واستعادة مسار الانتقال المدني السلمي نحو الديمقراطية، وغيرها من أدبيات في هذا الاتجاه؛ كلّها تعتبر جرائم ضد الدولة، وتقويضا للنظام الدستوري، وخيانة وطنية، وعمالة للخارج، ودعما للمليشيا الإرهابية مما يستوجب المحاكمات الإعلامية، والملاحقات النيابية حد إصدار بلاغات مثول بوساطة البوليس الدولي (الإنتربول) لدعاة السلم. بتهمة موالاة التمرد والخيانة العظمى للجيش!.
اكتفى البرهان بصفة تكفيري ضلالي، فيما يمسّه شخصياً. وهذه أضعف النقاط التي أثارها داعية الإسلام السياسي ذاك، إذ تعتبر مسألة الدين في حيّز الشخصي وأمرها مباشرة بين الإنسان والخالق نقطة سطر جديد. أمّا الكذب فمنقصة أخلاقية للشخص العادي، ويعظم أثرها السالب للشخص العام مثل قائد الجيش أو الرئيس الافتراضي للبلد لأنّها تقدح مباشرة في أدائه لهذه المهام الرفيعة في إدارة شؤون الشعب بنزاهة وشفافية، ولما لم يتمكن البرهان من دفع تلك التهمة عن نفسه، يصبح حديث المتحدث صحيحاً، والواقعة التي استشهد بها صحيحة، فكيف يأتمن الشعب (كذّابا) ليقوده إلى التهلكة من أجل تحقيق كرامته؟ وما الضمان أنّ تحقيق الكرامة للشعب عبر تشريده وقتله هي نفسها أكذوبة كبرى أطلقها كذّابون قائدهم كذّاب! لماذا لا يفكّر الناس باستخدام عقولهم عوضاً عن الانصياع كالبهائم لخطط وتوجيهات (الراعي) بل أحياناً تجد في القطيع الحيواني ما يسلك طريقاً غير ما يخطه راعيها، فلماذا بعض البشر لا يمتلكون حتى قدرة بعض الحيوانات على التفكير؟ عطفاً على ما قاله عبد الحي ولم يتمكن البرهان من الرد عليه؛ لأنّها وقائع مثبتة، مسألة علاقته بإسرائيل. وما دار في لقاءاته مع مسؤولين أمريكان على هامش زيارته الأخيرة لنيويورك. وهذه تدخل في إطار المسؤوليات العامة وليست جانباً شخصياً خاصاً مثل (ما عندو دين) بدلالاتها السطحية.
أمّا الأهم في كل تلك المعلومات مما تفضّل به المحاضر لمستمعيه السوريين من عضوية تنظيمه- فيما يبدو- والدليل على ذلك تعليقات بعض الحاضرين، والأريحية والتبسط الذي كان يتحدث بها المتحدث، فهو الجزم بأنّ هذه الحرب هي حرب الحركة الإسلامية، وأنها هي التي تسيطر عليها بما لا يستطيع منه البرهان فكاكاً لأنّ كوادرها تهيمن حتى على مكتبه في نبرة تحدي وثقة.
ولتأكيد هذه المعلومات نستعرض هنا ما نشره موقع صحيفة سودان تربيون بتاريخ 10 ديسمبر 2024م، فيما وصفه بتقرير تنظيمي للحركة الإسلامية غطى الفترة من أبريل 23- أبريل 2024م وجاء فيه: إنّ الحرب مواصلة للمشروع الصهيوني في السودان. وأكبر المنجزات هي (انتزاع قرار قائد الجيش باستنفار الشعب) حيث تمّ فتح 2275 معسكراً للتدريب تحت إشراف لجنة مركزية عليا تتبع لها لجان الاستنفار الخاصة والعامة في كل الولايات. تضم هذه المعسكرات 653.106 مستنفراً. شارك منهم في العمليات 73.912 مستنفراً، شهداء التنظيم 505 شهيداً. محاور توظيف كوادر التنظيم (سركاب، سنار، الفاو، المدرعات، والقوات الخاصة). ترتيب المعسكرات: الرجال، ولاية نهر النيل ثمّ تليها الجزيرة والشمالية. الشباب، جنوب كردفان. الطلاب، الشمالية. أمّا العمليات فشمال دارفور تليها جنوب كردفان وشمال كردفان ثم القضارف. التدريب المتخصص تفاصيله كالآتي:
211 كادر في المسيّرات وأنظمة التشويش.
2000 كادر في حرب المدن.
155 كادر في سلاح القنّاصة.
30 كادر في الصواريخ الموجهة.
90 كادر في المدفعية.
33 كادر في المدرعات.
هذه هي المعلومات التي استند عليها الداعية السياسي باسم الدين وهو يتحدى القائد العام للقوات المسلحة السودانية ويسميه باسمه (البرهان)، ينزع عنه صفات الدين، والاحترام للنفس، والوفاء بالعهد، والصدق في القول، ويجرّده من القدرة على المساس بالحركة الإسلامية وكوادرها التي تقود وتنتصر (وليس جيشه كما يدّعي) وتحيط به في مكتبه إحاطة السوار بالمعصم. فهل هذا كله رجس من عمل (تقدّم) وعبد الله حمدوك؟ وتآمر من خالد سلك، وتضليل من رشا عوض؟ وتشوين من بن زايد؟ هل هذه حرب الكراااااامة؟ ومن يعارضها خائن عميل؟ أو على أحسن الفروض (معارضة جزافية) على وزن (اليسار الجزافي) كما يحلو لأستاذنا الكبير عبد الله علي إبراهيم تسمية كل من ينهض لمقاومة هيمنة (الكيزان) من أيام الإنقاذ وإلى يوم (البهتان) هذا!! بالمناسبة، نطلب أن ينوّرنا وزير الإعلام، الناطق الرسمي من بورتسودان، زميلنا الإعلامي البارع خالد الإعيسر حول قوانين الخيانة العظمى، وتقويض الدستور، وغيرها من المواد التي بموجبها تمّ فتح البلاغات من النائب العام ضد عدد من زملائه الإعلاميين؛ حتى يطمئن قلبنا إلى أنّهم حقاً مذنبون يستحقون الملاحقة الدولية، إذ يبدو أنّ ما قالوه أخطّر بما لا يقارن بما قاله د. عبد الحي لمجموعة من (أحبابنا) السوريين!!.
الوسومالإسلام السياسي البرهان الجيش الحركة الإسلامية الخرطوم السودان اليسار الجزافي خالد فضل دارفور سوريا عبد الحي يوسف كردفانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإسلام السياسي البرهان الجيش الحركة الإسلامية الخرطوم السودان خالد فضل دارفور سوريا عبد الحي يوسف كردفان عبد الحی کادر فی
إقرأ أيضاً:
رئيس وزراء جديد.. آخر مستجدات الأوضاع في السودان
في لحظة مفصلية من تاريخ السودان الحديث، وفي ظل تصاعد العمليات العسكرية وتدهور الأوضاع الإنسانية، أدى البروفيسور كامل إدريس، رئيس الوزراء الجديد، اليمين الدستورية أمام رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إيذانًا ببدء مرحلة انتقالية حساسة وسط حرب دامية تشهدها البلاد منذ أكثر من عام.
أقيمت مراسم القسم بمدينة بورتسودان، المقر المؤقت للحكومة، بحضور الأمين العام لمجلس السيادة الفريق الركن محمد الغالي علي يوسف، ورئيس الجهاز القضائي بولاية البحر الأحمر، ممثلًا لرئيس القضاء.
وجاء تكليف إدريس في وقت يتسم بتعقيدات سياسية وأمنية، ما يعكس رهان القيادة العسكرية على شخصية ذات ثقل دولي وخبرة قانونية لقيادة البلاد نحو الاستقرار وإعادة البناء.
أول تحركات إدريس: دبلوماسية السلام والانفتاح
لم تمضِ ساعات على تسلمه المنصب حتى استهل رئيس الوزراء الجديد نشاطه الرسمي بلقاء مع المبعوث السويسري الخاص لمنطقة القرن الأفريقي، السفير سيلفان أستير. وقد تناول اللقاء، الذي عُقد في بورتسودان، آفاق التعاون بين السودان وسويسرا، خاصة في مجالات تحقيق السلام الإقليمي، والدعم الإنساني، وجهود الاستقرار.
ويُعد هذا اللقاء مؤشرًا على التوجه الدبلوماسي للحكومة الجديدة، التي تسعى لكسر العزلة الخارجية واستقطاب الدعم الدولي في وقت تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية والإنسانية على البلاد.
تصعيد خطير في دارفور وكردفان
في موازاة التحركات السياسية، تشهد ولايتا دارفور وكردفان تصعيدًا ميدانيًا خطيرًا. فقد كشفت منظمة أطباء بلا حدود عن علاج 659 حالة عنف جنسي في جنوب دارفور بين يناير ومارس 2025، منها حالات اغتصاب جماعي، في سياق هجمات ممنهجة ضد النساء والفتيات.
وفي ولاية شمال كردفان، أعلنت وزارة الخارجية السودانية أن قوات الدعم السريع نفذت هجمات عشوائية أودت بحياة 26 مدنيًا خلال 72 ساعة فقط، وتضمنت قصفًا لمستشفى الأبيض، مما أدى إلى تدمير أقسام حيوية وعزل آلاف المدنيين عن الخدمات الطبية.
انهيار صحي شامل وكارثة إنسانية
مع استمرار الحرب، باتت الأزمة الإنسانية أكثر تعقيدًا. وقدّرت الحكومة السودانية تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية المتضررة بنحو تريليون دولار، فيما خسر قطاع الصحة وحده ما يعادل 11 مليار دولار من مرافق وتجهيزات.
كما أعلنت وزارة الصحة تسجيل أكثر من 60،000 إصابة بالكوليرا و1،600 حالة وفاة منذ أغسطس 2024 وحتى مايو 2025، وسط انهيار شبه تام للمنظومة الصحية وانعدام الأدوية ومياه الشرب الآمنة.
البرهان: "المعركة لن تنتهي إلا بسحق مليشيا آل دقلو الإرهابية"
وفي موقف حاسم، أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان أن الحرب الدائرة "لن تتوقف إلا بعد القضاء الكامل على مليشيا آل دقلو الإرهابية"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش منذ أبريل 2023.
وجاء تصريح البرهان خلال حفل تخريج الدورة 21 لأمن ومخابرات، التي نظمت ببورتسودان تحت شعار "رجال الأمن.. عيون الوطن الساهرة"، بحضور مدير جهاز المخابرات الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل.
وأكد البرهان أن "جهاز المخابرات يؤدي دورًا محوريًا في دعم القوات المسلحة وتأمين البلاد"، داعيًا إلى رص الصفوف ونبذ القبلية والانقسامات السياسية التي وصفها بـ "شعارات دمرت السودان"، كما شدد على أهمية تخريج دفعات أمنية جديدة لدعم المنظومة الوطنية في هذه المرحلة الحرجة.
السودان يطرح رؤية متكاملة لإعادة إعمار قطاع النقل
في خطوة لإعادة تأهيل البنية التحتية، عرض الوفد السوداني أمام جامعة الدول العربية رؤية شاملة لإعمار قطاع النقل، خلال الدورة 23 لاجتماع اللجان الفنية للنقل البري والبحري ومتعدد الوسائط، التي عُقدت في القاهرة.
وطرح السودان خمس أولويات استراتيجية أبرزها:
تنظيف الممرات الملاحية
إنشاء وتأهيل موانئ
تحديث الأسطول النهري
إنشاء معهد متخصص في النقل النهري
إقامة منطقة لوجيستية على الحدود لدعم التجارة الإقليمية
وحظيت هذه المقترحات بدعم واسع من اللجنة الفنية، التي أوصت بتكليف الأمانة العامة بالتنسيق مع مؤسسات التمويل العربية لتوفير الموارد اللازمة، كما تم اعتماد تشكيل فريق عمل مشترك يتابع تنفيذ مشروع المنطقة اللوجيستية.
مسار شاق بين الحرب والإنقاذ
مع تولي كامل إدريس رئاسة الحكومة، واحتدام المعارك في الداخل، وبين العقوبات والتدهور الصحي، يقف السودان على مفترق طرق حاسم. فبين الدمار القائم ورؤية الإعمار، تتحدد ملامح المرحلة المقبلة، في انتظار أن ينجح التحرك السياسي والدبلوماسي في فتح بوابات الخروج من أعمق أزمة تواجه البلاد منذ عقود