ديسمبر 14, 2024آخر تحديث: ديسمبر 14, 2024

د. مها أسعد

يمر صانع القرار كإنسان بتجارب سابقة في حياته، تؤثر بشكل كبير في عملية أتخاذ قرارات السياسة الداخلية وكذلك الخارجية تجاه الدول والقضايا المُشتركة التي تجمع دولته معهم، وان هذه التجارب الشخصية سوف يستفاد منها كدروس تجعله يعرف كيف يفسر سلوك الأطراف الأُخرى ويتعامل معها، وتتطلب معرفة التجارب السابقة لصناع القرار دراسة  كُل شيء عنه من مرحلة الطفولة والتكوين الأجتماعي والتعليم كما وتتبع مسيرته الحياتية، لأن كُلها ستكون مُجتمعة مؤثرة عليه عند أتخاذ القرار السياسي في المسرح الدولي.

يتأثر الدور الذي يلعبه صانع القرار بعدد من العوامل منها:

البحث في التاريخ، إذ يلجأ بعض صُناع القرار للبحث في التاريخ، لمعرفة كيف تصرف القادة تجاه أزمات وقضايا مُتشابهة، من أجل التنبؤ بسلوك الأطراف الأخرى هذا من جانب، ومن جانب أخر لأجل التعرف على السلوك الأمثل الذي يمكن أن يتبعه؛ كما وان طبيعة الدور تتأثر بما يفكر به الأشخاص القريبون من صانع القرار، والذين يكونون مؤثرين بشكل كبير في تحديد سياسات وسلوك دولهم، من خلال تأثيرهم في صانع القرار وسياساته بحكم القرب والعلاقات المُتينة المؤثرة، أما بما يخص المُعيقات الرئيسية التي تُعيق ميدان العلاقات الدولية والسياسة الخارجية  من تطوير التفسيرات والتنبؤات، يتمثل في تقاعس كثير من الأكاديميين في هذا الميدان عن النظر بجدية إلى الدور الذي تلعبه العوامل النفسية في صنع القرارات الفردية لصاحب القرار وبالتالي القرارات التي تخص العلاقات بين الدول، ويُعطي البحث في هذين المجالين الدليل على  وجود تحيزات ممنهجة، وشائعة تعود إلى مُحددات معرفية وحاجات أنفعالية لدى مُتخذي القرار، وستظل الألغاز الكبرى من دون حل إذا لم نقم بدمج الإستبصارات النفسية في الأطر التحليلية التي نستخدمها لحل هذه الألغاز، وتمثل دراسة الجوانب النفسية للعلاقات الدولية جزءاً مهماً لأسباب عديدة منها أنها ترصد التفسيرات المُوقفية، كما إنها تُشخص  سلوك الخصم، فضلاً عن إنها تُرغمهُ على القيام بأفعال أو التعبيرعن آراء لا تعكس حقيقة نزعاته، أو قيمه، أو تفضيلاته..

أن الموقفية في العلاقات الدولية تأخذ أشكالاً متنوعة فكل ما هو فوق مستوى النزعات الفردية يكون موقفياً، حيث يُمكننا النظر إلى هذه الأنواع المُختلفة من الموقفية كشيء مشابه لدمية روسية (ماتريوشكا) يؤدي فتح جزء منها إلى جزء أصغر وهكذا..، فمثلاً عندما نفتح النظام الدولي نجد دولاً، وعندما نفتح الدولة نجد بيروقراطيات وعندما نفتح البيروقراطيات نجد جماعات، فهذا الخط ينقلنا من مستوى موقفي إلى مستوى موقفي آخر، ولكننا حين نأخذ الجماعات بعين الأعتبار نصل عند ذلك إلى مستوى الأفراد والنزعات، وعندما ننتقل عبر سُلم التحليل من النظام الدولي إلى الأسفل نصل إلى أشكال أقل عمومية من المواقف التي تؤثر في السلوك؛ حيث نجد نظريات موقفية تركز على البيئة الاجتماعية، ونظريات تتعامل بشكل أكثر مباشرة مع المُعيقات التنظيمية والبيروقراطية التي تؤثر في السلوك في السياسة الخارجية، وضمن الصنف الأخير من النظريات، كان لأعمال غراهام أليسون (Graham Allison) تأثيراً مميزاً، وخصوصاً كتابه الكلاسيكي الذي ألفه مع فيليب زيليكوف بعنوان جوهر القرار (Essence of Decision) وفي معرض الحديث عن المستويات المُختلفة للموقفية لا بد من الإشارة إلى أن ضغوط الجماعة تمثل مستوى موقفياً آخر، وعلى غرار والتز (Waltz) يفسر أليسون سلوك القادة تفسيراً موقفياً متجاوزاً أي أعتبار سيكولوجي، ولكن التشابه بينهما ينتهي عند هذه النقطة، ويعتمد أليسون وزميله زيليكوف (Zelikow) تفسيراً بيروقراطياً للسياسة الدولية يُشار إليه غالباً في أدب الموضوع بنظرية السياسة البيروقراطية حيث ينظر أليسون وزميله إلى سلوك صُناع القرار على أنه يتحدد في الغالب وليس حصرياً بالمواقع المعينة لهم داخل البيروقراطية، وتعتبر مقولة إن موقفك يعتمد على موقعك مقولة معبرة تماماً عن وجهة النظر هذه وبناء على ذلك، فإن وجهات نظر أولئك الذين يحتلون مواقع بيروقراطية، تصطبغ إلى حد بعيد برؤية الكيانات  البيروقراطية التي يعملون فيها ورسالتها، فوزراء الخارجية يدفعون باتجاه المفاوضات الدبلوماسية، لأن هذه هي وزارة الخارجية؛ أما وزراء الدفاع فيدفعون باتجاه الحلول العسكرية التقليدية، الوقت ذاته يدعو ممثلو الـ سي آي أي (CIA) إلى القيام بعمليات سرية، غير أن هذا الجانب من نموذج أليسون وزيليكوف لم يحظ بأدلة داعمة في السنوات الأخيرة، لأنه يُهمل قوة الاعتقادات القائمة لدى الأفراد الذين يحتلون المواقع البيروقراطية المختلفة، والشخصيات والقيم الأخرى التي يمتلكونها، فعندما كان كولن باول رئيساً لهيئة الأركان أثناء حرب الخليج  الأولى، كان آخر المتمسكين بالرأي المعارض للتدخل الأميركي، بينما دافع دين راسك بحماس عن تصعيد التدخل الأميركي في فيتنام؛ وفي كلتا الحالتين كان الموقف الفلسفي المُعلن يتعارض إلى حد كبير مع أدوارهما البيروقراطية (حيث كان کولن باول وزير دفاع وكان دين راسك وزير خارجية)، ويفيد كثير من النقاد أن الموقع البيروقراطي أو الموقف أقل دقة، كمتنبئ بالآراء المتصلة بالسياسة الخارجية من نزعات القادة الشخصية، ولكن تنبؤات هذه المقاربة تصدق أحياناً، فعلى الرغم من أن كولن باول كان يعارض غزو العراق عام 2003، ويؤكد ضرورة الأستمرار بالنهج الدبلوماسي إلا أنه بدى داعماً لقرار الحرب في ما بعد، مما يعطي دليلاً على صدق النظرية، لكن ما يبدو دعماً لقدرة النظرية على تفسير السلوك قد يأتي من قبيل المصادفة أو ضغوط الواقع، وما يمكن أن نقوله بشأن كولن باول هو أنه ظل متحفظاً بشدة على قرار الحرب بغض النظر عن الموقع البيروقراطي الذي كان يحتله.

 

إِن أحد الأهداف المتوخاة من المُمارسة الأنثروبولوجِية بهذا الصدد هو توكيد أهمية معارف غير المُختصين وتبصراتهم وخبراتهم التي تسهم في إسباغ السلطة على أحكام السكان العاديين والذي يتوافق مع تحليل الخطاب الذي يُناقش كيف تقدم الجماعات فكرها بأسلوب يدعم وجهات نظرها ويعزز مصالحها وتأثيرها في عملية وضع السياسات وتنفيذها، وهنا يصعب أثبات العقلانية بالنسبة لأفعال صناع القرار لآن جميع القرارات التي يتم أتخاذها يتم تبريرها وفقاً للمصلحة العامة وضرورة حمايتها، فمن الناحية العلمية يتطلب تحديد الأهداف وتحقيقها من قبل صناع القرار أختيار أكثر الوسائل الملائمة لتنفيذها، وتحديد القيم  والممارسات المُعينة والنتائج المُتوقعة منها من أجل الحديث عن سياسة خارجية أكثر توازن، وأخيراً يبقى الدور الشخصي لصانع القرار بمثابة المحدد أو العامل الأكثر تأثيراً في العلاقات الدولية، من خلال تأثيرها في السلوك الخارجي للدول باعتباره نقطة البداية في العلاقات الدولية.

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: العلاقات الدولیة صانع القرار الذی ی

إقرأ أيضاً:

عضو في مجلس العلاقات الخارجية الامريكي:العراق بلد تابع لإيران

آخر تحديث: 17 يونيو 2025 - 11:52 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- اكدت عضو مجلس العلاقات الخارجية الامريكي دينيس ناتالي ان العراق لم يعد يمثل اولوية لترامب في سياسته الخارجية المتبعة.وقالت في جلسة عقدها معهد “تشاثام هاوس” البريطاني، ان الولايات المتحدة الامريكية تنظر حاليا الى العراق كبلد تابع لإيران، مبينة ان الولايات المتحدة تنتظر مدى تمكّن العراق من تطبيق العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة على ايران.وتابعت ان هذا لا يعني ان الولايات المتحدة لا تتعامل مع العراق، لكنه لن يكون بالقدر الذي كانت تتبعه الولايات المتحدة في السابق في بناء مؤسسات الدولة العراقية وتعزيز دور المجتمع المدني، منوهة الى حجم التخفيضات الكبيرة في عمليات التمويل المالي لمساعدة العراق في بناء مؤسساته، وتعزيز الدور الرقابي لمنظمات المجتمع المدني.الجلسة التي حضرها جمع من الدبلوماسيين والكتاب والصحفيين في لندن، شهدت استقراء لوضع العراق في ظل الصراع الدائر بالمنطقة، قدمها اضافة الى دنيس ناتالي، مدير قسم الشرق الاوسط شمال افريقيا في وزارة الخارجية وشؤون الكومنوولث والتنمية، وسفير المملكة المتحدة البريطانية في بغداد السابق، ستيفن هيكي، والباحث د.حميد رضا عزيزي عضو المعهد الالماني للشؤون الدولية والأمنية، وسجاد جياد الزميل في مؤسسة سينشري الدولية ومدير عمل السياسة الشيعية.من جهته قدم الباحث حميد رضا عزيزي المختص بالشأن الإيراني رؤية القيادات الإيرانية بشأن العراق، ملمحا الى تمسك إيران بالعراق، بالرغم من ادراكها اختلال استراتيجياتها في المنطقة.وقال ان “القيادة الإيرانية تنظر لمشاريع التنمية في العراق على أنها نوع من التحدي لدور إيران الاقتصادي ومكانتها الاستراتيجية في المنطقة”، موضحا أن “إيران تنظر للعراق ممرا بريا على المدى الطويل يوصلها الى البحر الأبيض المتوسط ليصبح جزءًا من مبادرة الحزام والطريق“.وتابع عزيزي أن “المناورة العراقية المتبعة تعتمد على عنصر عربي واضح، وهو مثير للقلق من لدن القيادة الإيرانية”، مستشهدا بذلك فيما حصل بالقمة العربية التي شهدت جدلا ونقاشا طويلا بشأن دعوة الحكومة العراقية لأحمد الشرع الرئيس الإنتقالي لسوريا. ويعتقد عزيزي أن إيران تريد بلدا يهيمن عليه المكون الشيعي، ولكن ليس بلدا قويا، مستدلا بلجوء إيران الى عمان في الوساطة بشأن المفاوضات وليس العراق الذي تعتبره حليفا.وأشار جياد الى ان آخر عملية ضبط للعلاقة مع إيران جرت في العام 2011، بعد خروج القوات الأمريكية من العراق، وقبلها إيران كانت تخشى من وجود القوات الأمريكية على الأراضي العراقية، مضيفا أن الفرصة الآن مؤاتية للحكومة الحالية أو القادمة لتقوم بإعادة ضبط العلاقة مع إيران على ينسجم مع المتغيرات الحاصلة في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية والهجرة يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير خارجية سلوفاكيا
  • وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيرته السلوفينية
  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية: لدينا معلومات بتعرض مفاعل خنداب البحثي الذي كان قيد الإنشاء للقصف
  • توماس لونغمان.. رائد النشر الذي وضع أسس صناعة الكتاب الحديثة ماذا تعرف عنه؟
  • اتصال هاتفى بين وزير الخارجية والهجرة ونظيره الصيني
  • اتصال هاتفي بين وزير الخارجية والهجرة ونظيره الصيني
  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية تكشف عن الضرر الذي لحق بقاعات تخصيب اليورانيوم بمحطة نطنز
  • دينامية جديدة في العلاقات بين المغرب وبنما بعد تعليقها الاعتراف بـ"جمهورية البوليساريو" (تحليل)
  • عضو في مجلس العلاقات الخارجية الامريكي:العراق بلد تابع لإيران
  • اتصال هاتفي بين وزير الخارجية والهجرة ونظيره التونسي