ستة أشهر، ثم يتبين مصير العلاقة بين مجموعة دول غرب أفريقيا وبين ثلاثة أعضاء قرروا الخروج وتشكيل إطار إقليمي جديد، ليست الجغرافيا وحدها هي الرابطُ الأهم بين دوله، بل الانقلابات العسكرية والتحول الاستراتيجي في العلاقة بفرنسا والدول الغربية، وبناء شراكة جديدة مع روسيا. فهل نحن بصدد تفكك منظمة الإيكواس؟

اعلان

قال رئيس مفوضية الإيكواس عمر عليو توراي في الجلسة الختامية لقمة رؤساء الدول الإقليمية، يوم الأحد، في العاصمة النيجيرية أبوجا إنه "إن الهيئة قررت تحديد الفترة الممتدة ما بين 29 كانون الثاني/يناير 2025 و 29 تموز/ يوليو 2025 كفترة انتقالية، مع إبقاء أبواب الإيكواس مفتوحة أمام الدول الثلاث خلال هذه الفترة".

وأمهلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا كلا من: النيجرومالي وبوركينافاسو، ستة أشهر من أجل إعادة النظر في قرارها بالانسحاب من المنظمة.

جاء ذلك بعد حوالي عام، من خطوة هي الأولى من نوعها منذ ما يقارب الـ 50 عامًا من وجود المجموعة التي تضم 15 دولة، حين أعلنت المجالس العسكرية في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، في كانون الثاني/ يناير الماضي، أنها قررت مغادرة مجموعة إيكواس، متهمة إياها بفرض عقوبات "غير إنسانية وغير مسؤولة" تتعلق بالانقلاب، والفشل في مساعدتهم على حل أزماتهم الأمنية الداخلية.

وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار و الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي وعمر توراي رئيس مفوضية الإيكواس قبل بدء اجتماع الإيكواس 15 كانون الأول ديسمبر 2024Olamikan Gbemiga/AP

وكان رئيس مفوضية المجموعة غرب الإفريقية عمر توراي قد قال إنه "على الرغم من أن المغادرة الوشيكة لبوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة أمر محبط"، فإن الإيكواس ترحب بـ"جهود الوساطة الجارية".

وأشاد توراي بالجهود التي يبذلها مبعوثو الكتلة لحل الأزمة. وقال "تؤكد هذه الجهود على التزامكم الجماعي بالحفاظ على السلام والوحدة في منطقتنا".

الدول الثلاث التي يحكمها انقلابيون، ترفض جهود الإيكواس، وبدأ المسؤولون الجدد فيها يفكرون في كيفية إصدار وثائق السفر بشكل منفصل عن الإيكواس وتشكيل تحالف خاص بهذه الدول المرتبطة بحدود جغرافية بينية، وبعلاقات متوترة مع فرنسا، وبتفاهمات جديدة مع روسيا. ومن المتوقع إنهاء علاقتها بمنظمة الإيكواس، في كانون الثاني/ يناير المقبل.

رئيس غينيا بيساو عمر سيسوكو إمبالو يقف لالتقاط صورة قبل بدء اجتماع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا نيجيريا 15 كانون الأول ديسمبر 2024Olamikan Gbemiga/AP

قال بولا تينوبو رئيس نيجيريا ورئيس الإيكواس، إن التحديات التي يواجهها العالم وفي المنطقة تختبر قدرتها على العمل معًا. وقال "لا ينبغي لنا أن نغفل عن مسؤوليتنا الأساسية، وهي حماية مواطنينا وخلق بيئة مواتية حيث يمكن تطبيق الازدهار".

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فايي يلتقط صورة قبل بدء اجتماع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا نيجيريا 15 كانون الأول ديسمبر 2024Olamikan Gbemiga/APما لك وما عليك.. ماذا عن الامتيازات؟

إن التنقل بدون تأشيرة إلى الدول الأعضاء يعتبر من الفوائد الرئيسية لكون الدولة عضوًا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. وليس من الواضح كيف يمكن أن يتغير ذلك بعد مغادرة الدول الثلاث للكتلة.

وسئل رئيس مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عن مثل هذا الموضوع في تموز/ يوليو، فقال: "عندما تخرج من اتفاقية ... إذا كانت تتعلق بالتجارة الحرة وحرية تنقل الأشخاص، فإن خطر فقدان هذه التنازلات يظل قائمًا".

الرئيس الليبيري جوزيف بواكاي يلتقط صورة قبل بدء اجتماع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في أبوجا بنيجيريا 15 كانون الأول ديسمبر 2024Olamikan Gbemiga/AP

قالت الدول الثلاث "المارقة"، في بيان مشترك يوم السبت إنه في حين سيظل الوصول إلى أراضيها بدون تأشيرة لمواطني غرب إفريقيا الآخرين، فإنها "تحتفظ بالحق ... في رفض دخول أي مواطن من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا يقع ضمن فئة المهاجرين غير المقبولين".

ويقول باباكار ندياي، من معهد تمبكتو لدراسات السلام ومقره السنغال: إن هذا التقسيم يمثل التحدي الأكبر الذي تواجهه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا منذ إنشائها، باعتبارها أعلى سلطة سياسية في المنطقة، منذ تأسيسها عام 1975.

Relatedارتفاع قياسي في أعداد الأطفال المصابين بالصدمة النفسية في بوركينا فاسومع زيادة حدة التوتر.. مالي والنيجر وبوركينا فاسو تنسحب من "إيكواس"مهرجان مسرحي.. بسمة في بحر من دموع النازحين في بوركينا فاسو.. البلد الذي مزقته الصراعات والانقلاباتلمحة أقرب إلى الموضوعية

ويقول مجاهد دورماز، المحلل البارز في شركة الاستشارات العالمية للمخاطر فيريسك مابلكروفت (Verisk Maplecroft)، إن فرص عودة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى سابق عهدها ستكون ضئيلة غالبا، لأن الكتلة تريد العودة السريعة إلى الديمقراطية، وهو أمر لم تلتزم به المجالس العسكرية في الدول الثلاث المتمردة.

وأضاف دورماز أن السماح للمجالس العسكرية بالبقاء في السلطة "قد يعرض المزيد من التفتت الإقليمي للخطر"، في حين أن الاعتراف بها كسلطات شرعية من شأنه أن يمثل "انحرافًا خطيرًا عن المبادئ التأسيسية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا".

وقال إن الكتلة الإقليمية فشلت كذلك في إدارة الموقف بأفضل طريقة ممكنة، مضيفا: "أن ردود الفعل غير المتسقة أعطت للكتلة تجاه الانقلابات في المنطقة انطباعًا يوحي بأن موقفها متأثر أكثر بالطموحات السياسية للدول الأعضاء، أكثر من مبادئها التأسيسية لتعزيز الحكم الديمقراطي".

المصادر الإضافية • أ ب

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية في خطوة رائدة.. المغرب ينتج أول اختبار لفيروس جدري القردة في أفريقيا تسمم غامض يصيب الأطفال في جنوب أفريقيا ويؤجج مشاعر الكراهية ضد الأجانب هل تستفيد أفريقيا من رئاسة ترامب؟ توقعات حذرة.. وأمل ضئيل غينيا بيساوبوركينافاسو -انقلابالمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا (إيكواس)الاتحاد الأفريقيانقلابنيجيريااعلاناخترنا لك يعرض الآن Next بعد أيام من رحيل الأسد.. الاتحاد الأوروبي يبحث تطبيع العلاقات مع هيئة تحرير الشام وإسقاط العقوبات يعرض الآن Next أوكرانيا: مقتل وإصابة 30 جنديًا من قوات كوريا الشمالية الداعمة لروسيا في معارك كورسك يعرض الآن Next مقتل الفلسطيني خالد نبهان.. الجد الذي أبكى العالم أثناء وداع حفيدته "روح الروح" يعرض الآن Next لليوم الثالث: نتنياهو يمثل أمام المحكمة في قضية الفساد يعرض الآن Next هجرة الأطباء السوريين وعودتهم إلى وطنهم بعد انهيار الأسد: أزمة تهدد المستشفيات الألمانية اعلانالاكثر قراءة بشار الأسد: لم أغادر الوطن وبقيت في دمشق حتى 8 ديسمبر الكرملين: لا قرارات نهائية بشأن مستقبل القواعد الروسية في سوريا حتى الآن زلزال بقوة 4.9 درجة يهز الجزائر لصوص بالعشرات بينهم رجال ونساء وأطفال.. جرائم نهب وحرق للبيوت داخل مجمع سكني قرب دمشق مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومسوريابشار الأسدهيئة تحرير الشام إسرائيلروسياإيراندمشقسرقةداعشقطاع غزةعيد الميلادضحاياالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

المصدر: euronews

كلمات دلالية: سوريا بشار الأسد هيئة تحرير الشام إسرائيل روسيا إيران سوريا بشار الأسد هيئة تحرير الشام إسرائيل روسيا إيران غينيا بيساو المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا إيكواس الاتحاد الأفريقي انقلاب نيجيريا سوريا بشار الأسد هيئة تحرير الشام إسرائيل روسيا إيران دمشق سرقة داعش قطاع غزة عيد الميلاد ضحايا المجموعة الاقتصادیة لدول غرب إفریقیا المجموعة الاقتصادیة لدول غرب أفریقیا الدول الثلاث یعرض الآن Next رئیس مفوضیة

إقرأ أيضاً:

هل يتسبب ترامب في جعل أفريقيا عظيمة مرة أخرى دون أن يدري؟

مقدمة المترجم

تحلل أماكا أنكو رئيسة قسم أفريقيا في مجموعة أوراسيا عبر مقالها في فورين أفيرز تأثير "سياسات الإكراه" التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على القارة الأفريقية، مجادلة أن الدول الأفريقية سوف تكون لديها فرصة جيدة للازدهار في النظام الدولي ما بعد الليبرالي إذا ما حشدت جهودها لتسريع وتيرة التكامل الاقتصادي في القارة، وخلق أسواق أكبر، وتسريع عجلة التصنيع.

وهي ترى أن دولتي نيجيريا وجنوب أفريقيا تحديدا في وضع مُوات لقيادة أفريقيا في هذه الحقبة، ليس فقط لكونهما الاقتصادين الأكبرين في أفريقيا جنوب الصحراء، ولكن لامتلاكهما تاريخا من التعاون المشترك لتعزيز المصالح الأفريقية.

خريطة جنوب أفريقيا (الجزيرة)نص الترجمة

بينما يُفكك الرئيس الأميركي دونالد ترامب النظام الدولي الليبرالي الذي نشأ بعد عام 1945، يرى بعض المحللين أن هذا الاضطراب ربما يكون تأثيره إيجابيا بالنسبة للدول الواقعة على هامش النظام القديم. ووفقا لهذا المنطق، سوف تكون الدول الأفريقية أكثر قدرة على جذب الاستثمارات وفرص التجارة في ظل نظام أقل اهتماما بقضايا الديمقراطية والحوكمة الرشيدة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إبراهيم تراوري الذي قال "لا" لأميركا فزادت شعبيته في أفريقياlist 2 of 2ترامب قد يحرر العالم من عبودية الدولار دون أن يدريend of list

ولكن في عالم ترامب، حيث تعيد "سياسات الإكراه" تشكيل معالم الجغرافيا السياسية، هناك العديد من المخاطر التي تُحدق بالدول ذات النفوذ المحدود في الاقتصاد العالمي. هذا ويتطلب النجاح في عصر السياسة القائمة على الصفقات، نفوذا تفتقر إليه معظم الدول الأفريقية؛ فرغم أن القارة السمراء موطن لحوالي 20% من سكان العالم، فإنها لا تُمثّل سوى 5% فقط من نشاطه الاقتصادي.

رغم ذلك،  تمتلك الدول الأفريقية فرصة جيدة للازدهار في النظام الدولي ما بعد الليبرالي إذا ما تضافرت جهودها. إن التنسيق الوثيق، حتى إذا شمل عددا قليلا من الدول الأفريقية المؤثرة، من شأنه أن يُسرّع وتيرة التكامل الاقتصادي في القارة، ويخلق أسواقا أكبر، ويُسرّع عجلة التصنيع. كما أن تعزيز التماسك من شأنه أن يمنح المنطقة نفوذا أكبر في مفاوضات التجارة والاستثمار مع القوى الخارجية.

إعلان

وبينما يصعب تحقيق هذا التنسيق، فإنه ليس مستحيلا تماما. فمع استقلال المستعمرات الأفريقية السابقة عن الإمبراطوريات الأوروبية المتراجعة بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، توحدت الدول الأفريقية حول التزامها المشترك بحق تقرير المصير، وتبادل القادة في جميع أنحاء القارة الأفكار والموارد المالية والأسلحة دعما لحركات الاستقلال في بلدانهم.

على سبيل المثال، عندما حصلت غانا على استقلالها (عن الاستعمار البريطاني) عام 1957 أعلن زعيمها، كوامي نكروما، أن استقلال البلاد "لن يكون له معنى حتى يرتبط بالتحرير الكامل للقارة الأفريقية". وبحلول عام 1963، اجتمع قادة 32 دولة أفريقية مستقلة حديثا في أديس أبابا عاصمة إثيوبيا لإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية.

وسرعان ما أصبحت منظمة الوحدة الأفريقية -التي تُعد أول مؤسسة متعددة الأطراف في القارة- أداة فعّالة في تنسيق الدعم لحركات الاستقلال الأفريقية وصياغة إجماع دولي حول قضية تحرير أفريقيا.

كانت مساعي الوحدة الأفريقية خلال هذه الفترة مدفوعة بغرض أخلاقي وتَصدّرها قادة الدول الأولى التي نالت استقلالها، بما في ذلك غانا والسنغال وتنزانيا وزامبيا. وقد وحدت هذه الروح النخب عبر الحدود والأعراق واللغات، مما أدى إلى إجماع قوي داعم لقضية الاستقلال. ولكن في عصر اليوم القائم على المعاملات و"الصفقات" يمكن خدمة قضية الوحدة الأفريقية بصورة أفضل من خلال أجندة اقتصادية مشتركة.

والحقيقة أن اثنتين من أقوى دول القارة تبدوان في موقع مناسب لقيادة هذه المهمة، وهما نيجيريا وجنوب أفريقيا، حيث يمكن للبلدين معا مراكمة النفوذ الجيوسياسي والموارد المالية والتأثير الثقافي التي تلزم لحشد أغلبية الدول الأفريقية خلف رؤية عالمية.

ويمكن لكتلة أفريقية أكثر تماسكا أن تنتزع المزيد من التنازلات من شركائها التجاريين ويكون لها رأي أكبر في تشكيل قواعد التجارة العالمية.

صحيح أن أفريقيا قارة شاسعة ومتنوعة، وغالبا ما يكون لدولها المختلفة مصالح وسياسات خارجية متنافسة، لكن النجاح في عالم "المعاملات الترامبية" الذي يأكل فيه القوي الضعيف لن يحدث في ظل سعي كل دولة منفردة لتحقيق مصالحها الخاصة مهما بلغت جودة مساعيها، لكنه يمكن أن يتحقق فقط من خلال العمل المشترك لهذه الدول.

التطلع إلى المستقبل

تمتلك جنوب أفريقيا ونيجيريا أكبر اقتصادين في أفريقيا جنوب الصحراء (تحتل جنوب أفريقيا المركز الأول في القارة ككل تليها مصر والجزائر ثم نيجيريا)*، ما يضعهما في أفضل وضع لتولي زمام القيادة الأفريقية في العصر الجديد. نيجيريا من ناحية، هي الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في القارة، إذ يزيد عدد سكانها عن 230 مليون نسمة، وهي تتمتع بنفوذ ثقافي كبير في جميع أنحاء المنطقة وعلى الصعيد الدولي.

خريطة نيجيريا (الجزيرة)

ويهيمن موسيقيّوها على نوع الموسيقى العالمي المعروف باسم "الأفروبيتس"، وتُشاهد أفلامها في جميع أنحاء القارة، وتؤثر اتجاهات الموضة لديها على العلامات التجارية العالمية.

أما جنوب أفريقيا، صاحبة الاقتصاد الصناعي الأكبر في أفريقيا، فلديها نفوذ ثقافي أقل نسبيا في جميع أنحاء المنطقة، لكنها تتمتع بثقل جيوسياسي عالمي أكبر من نيجيريا، بفضل أسواقها المالية الأقوى والأكثر رسوخا، مما قد يساعدها في جمع الأموال اللازمة للاستثمار في جميع أنحاء المنطقة. وتُعد جنوب أفريقيا بالفعل لاعبا عالميا مهمّا، بفضل عضويتها في مجموعة العشرين وعضويتها المبكرة في مجموعة البريكس إلى جانب البرازيل وروسيا والهند والصين.

إعلان

لا تعد الشراكة بين البلدين الأفريقيين تجربة غير مسبوقة. ففي السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، ساعد البلدان في إعادة تشكيل الأطر المؤسسية للقارة، حيث كان رئيساهما آنذاك، النيجيري أولوسيجون أوباسانجو والجنوب أفريقي ثابو مبيكي، يتشاركان رؤية شاملة لتعزيز "الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية".

وفي عام 2002، دافعا الرجلان معا عن استبدال منظمة الوحدة الأفريقية لصالح الاتحاد الأفريقي، مع منحه تفويضا لتعميق التكامل الإقليمي إدراكا منهما أن الترابط الاقتصادي من شأنه أن يساعد في الحفاظ على الوحدة. كما عمل مبيكي وأوباسانجو معًا لتشكيل مؤسسات مساعدة للاتحاد الأفريقي، مثل الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا "نيباد"، التي تركز على النمو الاقتصادي؛ والبرلمان الأفريقي الذي يعد بمثابة الجهاز التشريعي الذي يقدم المشورة ويمارس الرقابة على الاتحاد الأفريقي إضافة إلى آلية مراجعة الأقران، التي تراقب التقدم المحرز في مؤشرات الحوكمة الرئيسية في جميع أنحاء القارة.

منذ ذلك الحين، قوضت الضغوط الداخلية في كلا البلدين هذه المبادرات الأفريقية الشاملة. من جانبها، ظلت جنوب أفريقيا عالقة في فخ النمو المنخفض منذ الأزمة المالية عام 2008، حيث ظل متوسط ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي يحوم حول نسبة 1%.

وقد أدى هذا الركود إلى تفاقم التفاوتات العرقية في الدخل والثروة، وزاد من الإحباط تجاه المؤسسة السياسية. كما أدى الصعود اللاحق للشعبوية الاقتصادية إلى زيادة المخاطر المالية، حيث تشعر الحكومات بأنها مضطرة لزيادة الإنفاق العام من أجل الفوز في الانتخابات. في نهاية المطاف، أدى هذا الضغط إلى تضييق مساحة المبادرات الأفريقية الشاملة: ففي ظل السخط المحلي، لم يكن لدى قادة جنوب أفريقيا الحيز المالي ولا الطموح اللازم لمتابعة مشاريع كبرى في الخارج.

لم يختلف الحال كثيرا في نيجيريا التي كافحت على مدار العقدين الماضيين للحفاظ على وتيرة للنمو الاقتصادي يمكن أن تنقل البلاد إلى مستوى الدخل المتوسط.

وقد أدى هذا النمو البطيء إلى تعميق خطوط الصدع الدينية والعرقية، وسمح بإثارة العنف، مما أجبر السلطات على التركيز على الحفاظ على الاستقرار بدلا من تحفيز التحول الاقتصادي. وهكذا، مع تباطؤ النمو الاقتصادي الذي أضعف طموحات كلا البلدين، ظل الاتحاد الأفريقي بلا قيادة قوية. واليوم، لا تتمتع هذه المؤسسة إلا بتأثير ضئيل على سلوك الدول، ولا يُنظر إليها كجهة قيادية في أي قضية اقتصادية أو سياسية إقليمية حاسمة.

بيد أن تعزيز التكامل الاقتصادي من شأنه أن يُمكّن القارة من التعامل مع نظام عالمي أكثر تفاعلية. وقد أثارت رسوم ترامب الجمركية دعوات في جنوب أفريقيا ونيجيريا لتعزيز العلاقات الثنائية والإقليمية لتعويض الخسارة المحتملة للسوق الأميركية.

وفي أغسطس/آب الماضي، صرّح رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، أن بلاده ستسعى إلى إبرام المزيد من الصفقات التجارية مع دول أخرى لتعويض تأثير رسوم واشنطن الجمركية البالغة 30% على صادرات جنوب أفريقيا.

وفي السياق ذاته، جمع وفد تجاري جنوب أفريقي إلى نيجيريا قادة الأعمال وصانعي السياسات من كلا البلدين لمناقشة فرص التعاون في القطاعات الرئيسية مثل التعدين والتصنيع. واتفق المشاركون على أن تعميق التجارة البينية الأفريقية يمكن أن يُسهم في دفع عجلة التصنيع في جميع أنحاء القارة.

ومن المتوقع أن يكون هذا الاقتراح جذابا للشركات الجنوب أفريقية؛ إذ إن صادرات البلاد إلى القارة الأفريقية تفوق بالفعل صادراتها إلى الولايات المتحدة بثلاثة أضعاف. بدورها، من المرجح أن نيجيريا تميل إلى تصدير سلع ذات قيمة مضافة أو سلع مصنعة إلى دول أفريقية أخرى، مقارنة بالسلع الخام التي تُصدرها حاليا إلى أوروبا والولايات المتحدة.

إعلان

يستعد القادة الحاليون في نيجيريا وجنوب أفريقيا لدفع عجلة هذا التكامل إلى مستوى أعمق. وقد أظهرت نيجيريا في عهد رئيسها الحالي بولا أحمد تينوبو طموحا أكبر في سياستها الخارجية مما كانت عليه منذ ما يقرب من عقدين.

على سبيل المثال، قادت نيجيريا استجابة المنطقة لانقلاب عام 2023 في النيجر، وناضلت من أجل عضوية مجموعتي العشرين والبريكس، وبنت شراكات اقتصادية مع دول رئيسية في الجنوب العالمي، لا سيما البرازيل والهند.

كما دافع رئيس جنوب أفريقيا رامافوزا عن قضايا قارية مثل مقعد دائم للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين وزيادة التمويل العالمي للعلماء الأفارقة. وفي حال دمجت جنوب أفريقيا ونيجيريا نقاط قوتهما المتكاملة، فيمكنهما ممارسة قوة اقتصادية أكبر وإحياء التماسك القاري لتعزيز المصالح الوطنية والقومية الأفريقية. ومن خلال جهودهما معًا، يمكنهما حشد الدول الأفريقية وراء مواقف مشتركة بشأن سياسة المناخ والتجارة والأمن الإقليمي، مما يعزز النفوذ الجيوسياسي للقارة.

بناء التكتلات

تشكل نيجيريا وجنوب أفريقيا معا حوالي ثلث النشاط الاقتصادي في أفريقيا، وهما موطن للعديد من أكبر شركات القارة. وتُهيمن شركات الاتصالات والتجزئة الجنوب أفريقية على جميع أنحاء القارة، وتعمل البنوك وشركات الدفع النيجيرية على نطاق واسع في أنحاء المنطقة. ويعني ذلك أن الوصول إلى سوق قارية أكثر تكاملا سيسمح لهذه الشركات بتوسيع نطاق الإنتاج وخفض تكاليف التشغيل، مما يوفر للمستهلكين خيارات أكثر بأسعار أقل.

ومن شأن تعزيز التعاون بين الشركات النيجيرية والجنوب أفريقية أن يُعزز الصناعات كثيفة رأس المال مثل السيارات والأدوية والصلب، وأن يجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر في كلا البلدين.

يمكن لهذا التعاون أن يقدم دفعة اقتصادية يحتاج إليها كلا البلدين بشدة. يتعين على نيجيريا، التي من المقرر أن تصبح ثالث أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم بحلول عام 2050، أن تُهيئ فرصا اقتصادية أكبر لشبابها، خاصة إذا علمنا أن نصف سكان البلاد دون سن العشرين، وأن حوالي 3 ملايين نيجيري يدخلون سوق العمل سنويا. تحتاج أبوجا إلى استثمارات لتسريع وتيرة التصنيع وتجنب أسوأ سيناريو محتمل للطفرة الديموغرافية: ملايين الشباب العاطلين عن العمل والمحبطين الذين يسقطون في براثن النشاط الإجرامي.

وبالمثل، بعد 30 عاما من انتقال جنوب أفريقيا إلى الديمقراطية متعددة الأعراق، يشعر المواطنون بالإحباط من بطء وتيرة التحول الاقتصادي واندماج الأغلبية السوداء في البلاد في الاقتصاد الذي يهيمن عليه البيض. الخلاصة أن الفشل في تعزيز النمو في أي من البلدين من المرجح أن يُفاقم الانقسامات الاجتماعية والسياسية القائمة، ويشجع الحركات السياسية "المتطرفة" التي تسعى إلى تغيير الوضع الراهن على عجل.

لتحقيق تعاون اقتصادي أوثق، ينبغي على قادة البلدين أولا تحسين التنسيق الثنائي في القضايا الأساسية. يمكن أن تستفيد جنوب أفريقيا من دعم نيجيريا العلني لأولوياتها الدبلوماسية، بما في ذلك حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وكذا في بعض القضايا الداخلية المهمة، كما حدث في فبراير/شباط الماضي، حين انتقد ترامب الإصلاحات الرامية إلى معالجة إرث حقبة الفصل العنصري، متهما جنوب أفريقيا زورا بالتورط في "الاستيلاء على الأراضي"، ومُوقفا المساعدات الصحية العامة للبلاد.

ساعتها، كان ينبغي على نيجيريا إصدار بيان يؤكد دعمها لجهود جنوب أفريقيا لمعالجة التفاوتات التاريخية في امتلاك الأراضي. وبالمثل، ينبغي على جنوب أفريقيا التنسيق بشكل أوثق مع مساعي نيجيريا للانضمام إلى مجموعة العشرين ومجموعة البريكس، وإعلان دعمها الكامل لها.

بجانب ذلك، ينبغي أن يكون تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) محورا رئيسيا للتعاون بين البلدين. تشمل الاتفاقية 54 دولة أفريقية وتغطي 1.4 مليار نسمة، وتهدف إلى إلغاء التعريفات الجمركية على 90% من السلع المتداولة بين الدول الأعضاء، مما يخلق سوقا واحدة للسلع والخدمات في جميع أنحاء القارة بقيمة 3.4 تريليونات دولار. إلا أن التجارة تحت رعايتها ظلت محدودة منذ دخولها حيز التنفيذ في عام 2021، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض الإنتاجية في الدول الأعضاء وضعف البنية التحتية الإقليمية.

ونتيجة لذلك، لا يمكن إلا لعدد قليل من المنتجات الاستفادة بشكل موثوق من إلغاء التعريفات الجمركية. ومن شأن التعاون الوثيق بين نيجيريا وجنوب أفريقيا لتوحيد المتطلبات التنظيمية وتطوير إستراتيجيات صناعية متكاملة أن يشجع على زيادة التجارة البينية داخل القارة.

إعلان

من المؤكد أنه إذا أبدى كلا البلدين التزاما قويا بالتكامل الإقليمي والتجارة، فسيكون المستثمرون أكثر قابلية للاستفادة من الاتفاقية والالتزام بالإنتاج في المنطقة، مما يحفز المزيد من فرص التعاون في جميع أنحاء منطقة التجارة الحرة. ويمكن لحكومتي نيجيريا وجنوب أفريقيا أيضا تجميع رأس المال لدعم الشركات الناشئة والبحوث الصناعية في القطاعات ذات الأولوية، مثل الاستخبارات المتقدمة والدفاع والعلوم الطبية وتكنولوجيا التعدين.

ينبغي أن يبدأ مشروع التكامل الإقليمي بهذه الخطوات الثنائية الأساسية، ولكن مع مرور الوقت، يتعين على جنوب أفريقيا ونيجيريا السعي للحصول على دعم من وسطاء قاريين آخرين، مثل مصر والمغرب والجزائر.

مع إعادة هيكلة ترامب للترتيبات الجيوسياسية، قد يبدو من الطبيعي أن تلجأ أبوجا وبريتوريا إلى التنافس. لكنهما سبق أن اجتمعتا لقيادة القارة، وينبغي عليهما فعل ذلك مجددا، ليس من باب الإيثار، بل كأفضل سبيل لضمان مصالحهما. وإذا تمكنت نيجيريا وجنوب أفريقيا من إدراك نقاط قوتهما التكاملية، فيمكنهما معا قيادة أفريقيا إلى حقبة جديدة.

—————————

* إضافة المترجم

هذه المادة مترجمة عن فورين أفيرز ولا تعبر بالضرورة عن شبكة الجزيرة

مقالات مشابهة

  • هل يتسبب ترامب في جعل أفريقيا عظيمة مرة أخرى دون أن يدري؟
  • اجتماع ثلاثي بين إيران والسعودية والصين: تأكيد على الالتزام بـاتفاق بكين وتوسيع التعاون
  • اجتماع للجنة السعودية الصينية الإيرانية لمتابعة اتفاق بكين
  • طهران.. انعقاد الاجتماع الثالث للجنة السعودية الصينية الإيرانية لمتابعة اتفاق بكين
  • انعقاد الاجتماع الثالث للجنة الثلاثية السعودية الصينية الإيرانية المشتركة لمتابعة اتفاق بكين في طهران
  • الصين والسعودية وإيران تدعو لوقف فوري للهجمات الإسرائيلية
  • طهران تستضيف الاجتماع الثالث للجنة متابعة اتفاق بكين بين إيران والسعودية والصين
  • ليبيا تحتل المرتبة الثالثة عربيًا في ترتيب الدول التي يعاني مواطنيها من الاكتئاب
  • ترامب يحذر الدول التي تغرق الولايات المتحدة بالأرز الرخيص
  • بنين.. الجيش يقمع الانقلابيين و«المجموعة الاقتصادية الإفريقية» تتدخل